أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2021
2401
التاريخ: 6-9-2020
2110
التاريخ: 13-1-2016
2461
التاريخ: 2024-09-24
202
|
من أعظم النعم التي أنعم الله بها على عباده هو فتحه باب التوبة لمن عصاه، ومغفرته لذنوب العبد الذي اقترفتها يداه. وما كان هذا إلا من باب لطفه سبحانه وتعالى ورحمته التي خلق الناس من اجلها لا لتعذيبهم والتشفي بهم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ولكن هذه التوبة يلزمها شروط ذكرها العلماء في محلها، ومن أهمها الندم على الفعل وعدم العودة إليه. ومتى تحققت هذه الشروط لا يكتفي الله سبحانه وتعالى بأن يغفر له، بل يبدل سيئاته إلى حسنات من تلطفاً وتحننا. قال تعالى {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].
وهذه الذنوب سواء كانت ظاهرة بالجوارح، أو مخفية في الصدور فأنه متى ما عقدت النية عليها فإن الله يحاسب عليها. ومن الذنوب التي شاعت عند الناس وللأسف متساهلين ومتهاونين فيها: هي الإفتاء بغير علم، وإطلاق الفتوى والحكم من دون تحرج أو خوف وكأنه يشرب الماء. بل هذا الإنسان متى ما سئل عن مسألة هندسية، أو رياضية، أو طبية، أجاب وهو لا يرى في نفسه نقصاً: إني لا أعرف، فلست طبيباً أو مهندساً. ولكنه في نفس يجيب عن المسائل الشرعية، ويفتي وفق هواه ظنا منه أن دين الله يصاب بالاستحسانات، أو بالظنون وهذا العمل من الذنوب الكبيرة التي توجب الدخول في النار والعذاب الشديد لأن فيه تغرير بالجهال، وتضليلهم حتى لو كان كلامه مطابق للواقع. وهذا ما دلت عليه الروايات في القاضي الذي يحكم بالحق وهو لا يعلم بأنه من أهل النار.
ولذلك قيل: (من سئل عما لا يعلم فلا يستحي أن يقول لا أعلم).
بل ترقى وقالوا: «من قال لا أعلم فقد أحرز نصف العلم».
ولكن هذا الجواب يحتاج إلى شجاعة كبيرة، يتحلى بها الإنسان وإلى تقوى وخصوصا لو كان المجيب صاحب منزلة كبيرة في قومه ومجتمعه، فإن الشيطان الرجيم يوسوس له بأنه متى ما قال: إني لا أعلم سقط من أعين الناس وضعفت مكانته، لذا يخاف هذا المسكين من ذلك فيصر على دعوى العلم، والإفتاء بالجهل. ولكن متى ما ألتفت إلى جهله وقال الحق فأن الله لا يكتفي بأن يغفر له، بل يعلمه من علمه سبحانه وتعالى، لأن الله يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
ومما يذكر في هذا المجال عن السيد الخوئي عن أستاذه الشيخ محمد حسين الكمباني الاصفهاني قال:
كنت وزميلي القروي ندرس أيام الشباب عند أحد العلماء، فجاءنا يوما واعتذر لنا عن إلقاء الدرس؛ لأنه لم يسعه الوقت ليطالع ويحضر له ولما ذهب التفتَ إلي زميلي وقال: هل تريد أن أخبرك لماذا أعتذر؟ لأنه كان مشغولا بزوجة جديدة تزوجها في السر.
وسمع الأستاذ كلام زميلي القروي فطلب منه وبإصرار شديد أن يخبره كيف اطلع على الأمر ومن أخبره بذلك؟
فأجاب زميلي: كان والدي عالما على مستوى قريتنا، يرجع الناس إليه في مسائلهم الدينية، وهو يجيبهم ويبت في الزواج والطلاق وقضايا أخرى، فانتقل إلى رحمة الله، فجاء أهل قريتنا إلي ونصبوني مكانه، وأنا أجهل كل شيء عن الأحكام الشرعية، ولم ينفع رفضي وامتناعي في مقابل إصرارهم، فاضطررت لفترة قصيرة إلى ممارسة دور أبي على كراهة مني ولكن سرعان ما انتبهت من غفلتي وأنصت لتأنيب ضميري فدعوت أهل القرية يوما إلى كلمة هامة جدا، فأعلنت لهم في المسجد أيها لناس إن والدي كان يفتيكم وهو عارف بالأحكام الشرعية، أما أنا فقد أجبرتموني أن أحل محله، وليست لي معرفة بالأحكام، فالذي حصل هو أن ما أفتيتكم به ما تم من عقد للزواج وأجراء الطلاق لا يخلو من أشكال وخطأ.
وهنا هاجمني الحاضرون وأشبعوني ضربا، ولا ادري كيف تمكنت من التخلص منهم، فخرجت من القرية إلى الصحراء من غير هدف ومأوى، وبعد استراحة قليلة فكرت أن أغادر إلى النجف الأشراف لدراسة العلوم الإسلامية، وما أن قررت الحركة باتجاه النجف وخطوت قليلاً إلا ولقاني رجل ساطع الوجه فقال: إلى أين ذاهب؟
قلت: إلى النجف الأشرف.
قال: هل تريد صديقا؟
قلت: نعم وبكل تأكيد.
ووصلنا إلى النجف ولم اشعر بالتعب ولعل السبب هو استئناسي مع هذا الرجل الطيب، منذ تلك المرافقة والصداقة لا زال يأتيني ويتفقد أحوالي في حجرتي بين الحين والآخر، حقا انه صديق حميم جداً ورغم ما عليه من هيبة فإنه متواضع إلى أبعد الحدود، يسلب حبه قلب كل إنسان يراه للوهلة الأولى. هذا الرجل هو الذي أخبرني بأنك سوف تأتني غدا وتعتذر إلينا بتعطيل الدرس. هنا فهم الأستاذ أن الرجل ذا الوجه الساطع ولي من أولياء الله ولعله الإمام الحجة (عليه السلام). ولكن الطالب القروي لبساطته وصفاء نفسه لم يعرفه. لذا توجه إلى الطالب وقال له:
أسأل هذا الرجل هل يقبل أن أزوره وأتعرف عليه؟
قال الطالب: بالتأكيد يقبل، بل أنه لشدة تواضعه وأخلاقه الحسنة ربما يقول: أنه سيزورك إذا أردت.
فجاء الطالب وأخبر صاحبه (الرجل المشع نورا) بطلب الأستاذ.
قال له الرجل: ابلغه أنه لا داعي الآن إلى لقائنا؛ بل إذا وجدنا أهلا لذلك نزوره بأنفسنا.
ونحن لم نجد في هذا الرجل القروي البسيط أي ميزة عن غيره إلا بأنه تاب عن ذنب الإفتاء بغير علم، واعترف للناس بحقيقة جهله، وبجراء ذلك الاعتراف العلني أمام الناس، إلى أن هيئ الله له رجلا يعلمه ما يجب أن يتعلم، وهو وعد الله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282].
ومن أهم شروط التوبة أيضا أن يخرج الإنسان نفسه من المحيط السيئ الذي يعيشه، ملبساً كان، أو مأكلا، أو معاشاً، ونحوها، فلابد أن يجدد نيته بالخروج من عالم المعصية إلى عالم الطاعة، ومتى حقق ذلك كان على الله أن يغفر له ويتوب عليه بتوبته النصوحة، ويدخله جناته.
فقد روى الكافي عن الحسين بن محمد عن المعلى بن محمد عن بعض أصحابه عن أبي بصير قال: (كان لي جار يتبع السلطان فأصاب مالاً فأعد قياناً وكان يجمع الجميع إليه ويشرب المسكر ويؤذيني، فشكوته إلى نفسه غير مرة، فلم ينته، فلما أن الححت عليه فقال لي:
يا هذا أنا رجل مبتلى وانت رجل معافى فلو عرضتني لصاحبك رجوت أن ينقذني الله بك.
فوقع ذلك له في قلبي، فلما صرت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) ذكرت له حاله فقال لي إذا رجعت إلى الكوفة سيأتيك فقل له يقول لك جعفر بن محمد دع ما انت عليه وأضمن لك على الله الجنة.
فلما رجعت إلى الكوفة أتاني في من أتى فاحتسبته عندي حتى خلا منزلي ثم قلت له: يا هذا إني ذكرتك لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فقال لي: إذا رجعت إلى الكوفة سيأتيك فقل له يقول لك جعفر بن محمد دع ما أنت عليه وأضمن لك على الله الجنة.
قال: فبكى ثم قال لي: الله لقد قال لك أبو عبد الله هذا؟
قال: فحلفت له انه قد قال لي ما قلت.
فقال لي: حسبك ومضى، فلما كان بعد أيام بعث إلي فدعاني وإذ هو خلف داره عريان فقال لي: يا أبا بصير لا والله ما بقي في منزلي شيء إلا وقد أخرجته وانا كما ترى.
قال: فمضيت إلى إخواننا فجمعت له ما كسوته به ثم لم تأت عليه أيام يسيرة حتى بعث إلي أني عليل فأتني فجعلت أخلف إليه وأعالجه حتى نزل به الموت فكنت عنده جالساً وهو يجود بنفسه فغشي عليه غشية ثم أفاق، فقال لي: يا أبا بصير قد وفى صاحبك لنا.
ثم قُبض رحمة الله عليه فلما حججت أتيت أبا عبد الله (عليه السلام) فاستأذنت عليه فلما دخلت قال لي ابتداءً من داخل البيت واحذى رجلي في الصحن والأخرى في دهليز داره: يا أبا بصير قد وفّينا لِصاحبك)(1).
وعلى السالك إلى الله سبحانه وتعالى أن يفكر في حاله، ويترك ذنبه حتى لا يتعاظم، ولا يوفق للتوبة لا سمح الله، من هنا عليه أن لا يغفل عن الذنب حتى يستغفر عنه بحرقة الندم، وبدموع الاستغفار، متمثلاً لما قاله أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «غَرَسوا أشجار ذنوبهم نصب عيونهم وقلوبهم، وسقوها بمياه الندم، فأثمرت لهم السلامة وأعقبتهم الرضا والكرامة»(2) ، وصلوا إلى مقام الرضا عند الله ووصلوا إلى الكرامة.
وكيف لا يحصل التائب على كل هذا التوفيق؟ والتائب حبيب الله كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
ويقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «توبوا إلى الله عز وجل وادخلوا في محبته فإن الله يحب التوابين ويحب المطهرين»(3).
ومتى أحب الله العبد بدل سيئاته إلى حسنات. يقول الله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) «هذه الآية فيكم - الذين يوالون أهل البيت عليهم السلام - إنه يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز وجل فيكون هو الذي يلي حسابه فيوقفه على سيئاته شيئاً شيئاً فيقول: عملت كذا في يوم كذا في ساعة كذا، فيقول: أعرف يا رب. قال: حتى يوقفه على سيئاته كلها، كل ذلك يقول: أعرف. فيقول: سترتها عليك في الدنيا، واغفرها لك اليوم، ثم يقول أبدلوها لعبدي حسنات»(4).
فافرح بفضل الله أيها العبد وأسرع قبل أن يأتيك الموت فلا تقبل التوبة منك: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 17].
___________________________
(1) أصول الكافي 1: 475.
(2) بحار الأنوار 75: 72.
(3) بحار الأنوار 6: 21.
(4) بحار الأنوار 24: 387.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|