أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-06-2015
4287
التاريخ: 4-2-2016
2548
التاريخ: 11-10-2014
1171
التاريخ: 18-11-2014
1576
|
نعم قامَ كورش بحَملة نحو المَغرب ( غرب بلاد فارس ) حيث مَغرب الشمس بالنسبة إليهم .
والشمس لا تَغرب في مكان مُحدَّد تهوي إليه حتّى الصباح الثاني ، وإنّما أَيّ مكان في الكُرة الأرضيّة تَغرب فيه الشمس عند الأُفق يُسمّى مَغرب الشمس ، وبالتالي فمَغرب الشمس شيء نسبيّ ... قد يَراه ابن الصحراء وراءَ التِلال ، وهو بالنسبة له مَغرب الشمس ، وقد يَراه ابن السَهل الساحلي شاطئ البحر ، وقد يكون سطح البحر المُنحني مَغرباً للشمس في نظر الرائي ، وما هي ـ آنذاك ـ إلاّ مشرقةً عند قومٍ آخرينَ .
وتُؤخذ لحظة الغروب عندما يقع الأُفق على مُنتصف قُرص الشمس تماماً ، ونقول ساعتها : هذا مَغرب الشمس !
فإذا قُلنا : إنّ كورش توجّه نحو مَغرب الشمس ، فمعنى ذلك أنّنا نقول : إنّ مسارَ الحَملة كان صَوبَ الغرب .
فإذا كان كورش ـ مَلِك فارس الكبير ـ يُقيم في ( أنشانا ـ خوزستان الحاليّة ) على خط طول ( 50 ش ) فإنّ اتّجاهَه صَوب المَغرب يعني حَملته على ( ليديا ـ تركيا حاليّاً ) .
بعد أنْ انتَصَر كوروش على الميديّين ودخلَ عاصمتَهم ( همدان ) ، سادَ الوُجُوم والانزعاج رُبوعَ أَعظم المَمالك قاطبةً ذلك الحين : مَملكة مصر الفرعونيّة ، مَملكة الليديين ( ليديا ) ومَملكة البابليّين ، وجرت بينهم مُفاوضات لتحقيقِ الاتّحاد بينهم لمُواجهة كورش ، وكانت مَملكة ليديا ( تركيا الآن ) أَخوف الثلاثة وأَحرصَهم على تحقيق هذا الاتّحاد العسكري ، رُغم أَنّ مَلِكها ( كرزوس ) كان قد بَذلَ أَقصى جهوده لازدهار ليديا حتّى صارت عاصمتها ( سارد ) يُقال عنها بسارد الذهبيّة .
وقد بلغَ الاضطراب بمَلِك ليديا درجةً أنّه كان يَتوقّع هُجوم كورش على بلاده بين لحظة وأخرى ؛ ومِن ثَمّ جهَّز المَلِك الليدي نفسه ، فَدَخل في مُفاوضات مع اسبراطة ( إحدى الدول اليونانيّة ) وضَمَّها إلى حِلفه واتّحدت بابل ومصر كذلك معه وسارت الجيوش نحو كورش في إيران (1) .
يقول الأُستاذ خضر : لم يكن كورش ـ إذن ـ مُعتَدياً ولا سَفّاحاً ولا طامِعاً في مُلِك أحد (2) .
أمّا الجُيوش التي سارت نحو كورش فلم تكن جُيوش الحُلفاء جميعاً ، فالمَلِك ( نبونيد ) مَلِك بابل لم يَكن ليَجسر على القيام بأيّ حركة ؛ لخوفه من انتقام الفُرس والأسبارطيون وَعَدوا بالمُساعدة ولكنّهم تَقاعَسوا عن العملِ ، مُتمسّكين بسياسة العُزلة التي ظلّوا دَوماً يتّبعونها ، أمّا مَلِك مصر ( آماسيس ) الذي أَدرك خطرَ الفُرس على بلاده فقد رَضِيَ بإرسال جيش صغير بطريق البحر ، ولكن مَلِك ليديا ( كرزوس ) لم ينتظر وصول النَجدات مِن حُلفائه ، بل أَسرعَ بالهُجوم وعَبَر نهر ( هاليس ) ( قزل أرماق ) وضَرَب البلاد التي في طريقه .
وفَجأَةً اصطدمَ بجيش كورش عند مدينة ( بتريّة ) أو ( بتريوم ) ـ العاصمة القديمة للحيثيّين ـ (3) ودارَت رَحى حرب ضَروس بين الجيشيَنِ ... واضطرّ المَلِك الليدي إلى الانسحاب غَرباً حتّى حدود مَملَكته .
واندفع كورش نحو ( مَغرب الشمس ) مُتقدِّماً بسرعة وباغَتَ جيشَ ليديا عند أَسوار العاصمة ( سارد ) أو ( سارديس ) فسَحَقَ الجيش الليدي مُنذ الحَملة الأُولى وَوَقع المَلِك الليدي أَسيراً وجميعُ قادةِ جيشه وجنوده سنة 546 ق . م ، (4) وهنا يأتي دَور الآية الكريمة : {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا } [الكهف: 86] .
قال الدكتور خضر : كان العالَم القديم آنذاك قد تَعوَّد من المُلوك الفاتحينَ المُنتصرِينَ تدميرَ البلاد المَقهورة التي تَخرج مَغلوبةً مَهزومةً مِن المعارك الحربيّة ... ولكن كورش عامَلَ كرزوس بالحُسنى ـ وِفقاً للآية الكريمة ـ كما كانت شيمتُه الكريمة مع سائر المُلوك المَغلوبينَ ، كان يُعاملهم بالحُسنى ، كما فَعَل بمَلِك ماد ومَلِك أرمنستان وغيرهما (5) .
ويَذكر هيرودوت أنّ كورش كان يَودُّ ـ في بداية الأمر ـ أنْ يَختبر صَلابة المَلِك الأَسير وإيمانه فأَمر بإضرامِ النار ليُلقَى فيها ، ثُمّ عَدَلَ عن ذلك ـ رأَفةً ورحمةً به ـ وزاد من إكرامه وتعزيزه ، وبَلَغ مِن إكرامه أنْ اتّخذه مُستشاراً كان يَستشيره في مهامّ أُموره (6) .
وأمّا بقيّة رواية هيرودوت مِن إلقاء المَلِك الأَسير ـ فعلاً ـ في النار ، ثُمّ عَنَّ له ـ لبادرةٍ بدرَتْ مِن كرزوس ـ فأمر بإنجائه وذَويه من النار ... فإنّ المُحقّقينَ من أَرباب التأريخ المُعاصرِينَ ، لا يَتوافقونَ على صحّته ؛ إذ كان مُتنافياً مع معتقدات الفُرس آنذاك ، حيث تقديسهم لجانب النار وأنْ لا تَتَلوّث بالأقذار ، فضلاً عن مُخالفته لشيمة مُلوك الفُرس عامّة من اتّخاذ طريقة الرأفة بالأُسَراء المُلوك ، والأَخْذ بجانب حُرمتهم بالذات .
ولعلّ هيرودوت أَخَذ هذه القصّة من قَصّاصينَ قَبله وسَجّله في كتابه من غير تحقيق (7) .
بعد ذلك وَاصلَ كورش زَحفَه غَرباً في آسيا الصُغرى لإخضاع المُستَعمَرات اليونانيّة ـ وكانت قد رفضتْ التَحالف مع كورش في حربه مع مَلِك ليديا ـ كما كان من الطبيعي بعد انتصاره على الليديّين أنْ يُفكِّر كورش في الوصول إلى بحر إيجه ( غرب ليديا ) الذي تحتاج إليه الإمبراطوريّة الفارسيّة لتسهيل مصالحها التجاريّة العالميّة ، وكانت المُدن الأيونيّة ( المُستَعمَرات اليونانيّة ) على شواطئ هذا البحر مشهورةً بغِناها ، ولكنّها مُنقسمة على بعضها وبالتالي كانت ضعيفةً ، فكانت تُؤلِّف غنائمَ سَهْلة التَناول تُغري الفاتحينَ .
وكانت مُباغَتة فَجيعَة لليونانيّينَ على شواطئ آسيا الصُغرى عندما رَأَوا الجُيوش الفارسيّة الجَرَّارة تُطبِق عليهم جميعاً وتَستولي بحَملة واحدة على مُدنهم كلّها على سواحل بحر إيجه .
هذا هو ذا قد بلغ كورش مَغرب الشمس بالنسبة لبلاده ، لقد صار على حافّة البحر الأبيض المتوسّط ، فأين العين الحَمِئة إذن ؟؟
____________________
(1) تأريخ إيران ، ص 64 ـ 65 .
(2) مفاهيم جغرافيّة ، ص 241 .
(3) الحيثيّون ( هيتي ها ـ hiti-ha ) : مِن الأَقوام القديمة مُنذ ( 1800 ق . م ) كانوا يَسكنون شرقيّ آسيا الصُغرى ممّا يلي البحر الأسود شمالاً ، وجبال ( توروس ـ كيليكيّة ) ، ونهر الفرات شرقاً ، ونهر ( هاليس ـ قزل إيرماق ، الحاليّة ) غرباً ، واسم بلادهم ( كابادوكيه ) مُعرَّب ( قباد و قيا ) ، وأَسّسوا حضارةً راقيةً ، وكانت عاصمة بلادهم ( بِتِريوم ) المعروفة اليوم ببوغاز كوبي .
(4) تأريخ إيران ، ص 64 ـ 65 .
(5) مفاهيم جغرافيّة ، ص 242 .
(6) تأريخ هيرودوت ، ترجمة الوحيد المازندراني، الكتاب الأَوّل ، ص 53 ـ 55.
(7) راجع : تأريخ إيران ، ص 66 ، ومفاهيم جغرافيّة لعبد العليم خضر ، ص 242 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|