أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-27
812
التاريخ: 22-9-2020
1500
التاريخ: 23-12-2015
2134
التاريخ: 24-12-2015
1754
|
رأى عُيَيْنة بن حصن سلمان عند رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً وعليه شملة: فقال له: إذا دخلنا عليك، فنحِّ عنّا هذا وأمثاله فنزلت الآية الكريمة: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (1).
وقيل: إنّ المؤلفة قلوبهم وهم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذووهم، جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده سلمان وأبو ذر وصهيب وعمار وغيرهم من فقراء المسلمين، فقالوا: «يا رسول الله، لو جلست في صدر المجلس وتغيّبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم ـ وكانت عليهم جباب صوف ـ جالسناك أو حادثناك وأخذنا عنك»، «فلا يمنعنا من الدخول عليك إلا هؤلاء!» (2).
مساكين أولئك النفر من المؤلفة قلوبهم، لقد نفخ الشيطان في أعطافهم، واستحكمت العصبيّة في نفوسهم، فصاروا لا ينظرون إلا إلى أنفسهم، ولا يبصرون إلى ما وراء أنوفهم، لقد أعمى الكبر أعينهم وأصم أسماعهم فتاهوا عن الحق وأضاعوا الهدف، لقد عظم عليهم أن يروا هذه الفئة المؤمنة بجانب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فمن يكون سلمان وصهيب وبلال ـ في نظرهم ـ وهل هم إلا من الدهماء وأخلاط الناس وفدوا من فارس والروم والحبشة طلباً للعيش، واليوم أصبحوا يزاحمون سادات قريش في ديارهم، لقد عظم عليهم أن يروا أنفسهم في هذا الموقع، فهم يتعاملون مع الحياة والناس من زاوية محيطهم الضيق. ولم يكونوا ـ في يوم من الأيام ـ ليفكروا في حدوث مثل هذا في حياتهم، ولكنه الواقع الذي لا مفر منه، فها هم الدهماء ـ بنظرهم ـ يحتلون الصدارة في مجلس محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومحمد من؟ لو لم يكن نبياً لكان سيد العرب بلا منازع، فكيف وهو اليوم النبي المرسل الذي يمنّي أصحابه ببسط نفوذ الإسلام على ما وراء الجزيرة وكسر شوكة الأباطرة والأكاسرة والمتجبرين، وقد رأوا انتصاراته الكاسحة رأي العين ولمسوها بأنفسهم.
أجل، عظم في نفس عيينة أن يرى نفسه مضطراً للجلوس إلى جانب سلمان ولم يكن يخطر على بال هذا المغرور المائل بعطفه أن سلمان سيصبح يوماً ما أميراً على البلد التي كانت مقراً لأكاسرة الفرس، وأنه سيحتل مكان سابور ذي الأكتاف، وابرويز، ويزدجرد هؤلاء الذين دوخوا العالم بانتصاراتهم، وأذاقوا الناس أنواع ظلمهم، سيحتل مكانهم ليحكم بين الناس بالعدل والحق وبما أنزل الله.
لو فكّر عيينة بمثل هذا لجن أو صعق، ومرت السنين تتلوها سنين والمسلمون يسجلون أعلى الانتصارات وأعظمها في ميادين الفتح ووعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بفتح مدائن كسرى وظهورهم على القصور الحمر في الروم وقصور الحيرة في صنعاء، هذا الوعد ظل حلماً في نفوس المؤمنين ينتظرون تحقيقه، وخيالاً في نفوس المنافقين، حتى حان الموعد، وتحقق الوعد الحق.
ففي سنة أربعة عشر للهجرة تجهز المسلمون لغزو القادسية، وكان في نية عمر ـ ثاني الخلفاء ـ الشخوص إليها بنفسه، فاستشار علياً عليه السلام في ذلك فنهاه، وقال له في كلام طويل: إن الأعاجمَ إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصلُ العَربْ، فاذا اقتطعتموه استرحتم ... إنّك إن شخصتَ من هذه الأرض، انتَقضَتْ عليك العربُ من أطرافها وأقطارها حتى يَكون ما تدعُ وراءك من العورات أهمَّ إليك مما بين يديك.. الخ (3).
فأمَّرَ عمر سعد بن أبي وقاص على المسلمين، وبعث يزدجرد رُسْتُم الأرمنيّ أميراً على الفرس، وأرسل سعد النعمان بن مقرَن رسولاً من قبله إلى يزدجُرد، فدخل عليه وكلمه بكلام غليظ، فقال يزدجرد: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتك، ثم حمَّله وقراً من تراب على رأسه وساقه حتى أخرجه من باب من أبواب المدائن وقال: ارجع إلى صاحبك، فقد كتبت إلى رستم أن يدفنه وجنده من العرب في خندق القادسية.، ثم لأشغلن العرب بعدها بأنفسهم، ولأصيبنّهم بأشد ممّا أصابهم به سابور ذو الأكتاف.
فرجع النعمان إلى سعد، فأخبره. فقال: لا تخف فانّ الله قد ملّكنا أرضهم، تفاؤلاً بالتراب. قال الطبري: وتثبّط رستم عن القتال وكرهه وآثر المسالمة، واستعجله يزدجرد مراراً واستحثّه على الحرب وهو يدافع بها ويرى المطاولة، وكان عسكره مائة وعشرين ألفاً، وكان عسكر سعد بضعةً وثلاثين ألفاً.
وأقام رستم بريداً من الرجال الواحد منهم إلى جانب الآخر من القادسية إلى المدائن، كلما تكلم رستم كلمة أدّاها بعضهم إلى بعض حتى تصل إلى سمع يزدجرد في وقتها وشهد وقعة القادسية مع المسلمين طليحة بن خويلد، وعمرو بن معدي كرب، والشماخ بن ضرار، وعبدة بن الطبيب الشاعر، وأوس بن معن الشاعر، وقاموا في الناس ينشدونهم الشعر ويحرضونهم.
وقرن أهل فارس أنفسهم بالسلاسل لئلا يهربوا، فكان المقرّنون منهم نحو ثلاثين ألفاً والتحم الفريقان في اليوم الأول، فحملت الفيلة التي مع رستم على الخيل فطحنتها، وثبت لها جمع من الرجالة، وكانت ثلاثة وثلاثين فيلاً، منها فيل الملك وكان أبيض عظيماً، فضربت الرجال خراطيم الفيلة بالسيوف فقطعتها وارتفع عواؤها، وأصيب في هذا اليوم ـ وهو اليوم الأول ـ خمسمائة من المسلمين وألفان من الفرس.
ووصل في اليوم الثاني أبو عبيدة الجراح من الشام في عساكر من المسلمين، فكان مدداً لسعد، وكان هذا اليوم على الفرس أشد من اليوم الأول، قتل من المسلمين ألفان ومن المشركين عشرة آلاف، وأصبحوا في اليوم الثالث على القتال، وكان عظيماً على العرب والعجم معاً، وصبر الفريقان، وقامت الحرب ذلك اليوم وتلك الليلة جمعاء لا ينطقون، كلامهم الهرير فسميت ليلة الهرير.
وانقطعت الأخبار والأصوات عن سعد ورستم، وانقطع سعد إلى الصلاة، وأصبح الناس حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها والحرب قائمة بعد إلى وقت الظهر، فأرسل الله تعالى ريحاً عاصفاً في اليوم الرابع أمالت الغبار والنقع على العجم فانكسروا، ووصلت العرب إلى سرير رستم وقد قام عنه ليركب جملاً وعلى رأسه العلم، فضرب هلال بن علقمة الجمل الذي رستم فوقه فقطع حباله، ووقع على هلال أحد العدلين فأزال فقار ظهره، ومضى رستم نحو العتيق (4) فرمى نفسه فيه، واقتحم هلال عليه فأخذ برجله وخرج به يجره حتى ألقاه تحت رجل الخيل وقد قتله، وصعد السرير فنادى: أنا هلال، أنا قاتل رستم، فانهزمت الفرس، وتهافتوا في العتيق، فقتل منهم نحو ثلاثين ألفاً، ونهبت أموالهم وأسلابهم وكانت عظيمةً جداً .
ومن طريف ما يذكر: أنّ العرب أخذت كافوراً كثيراً فلم يعبئوا به؛ لأنّهم لم يعرفوه، وباعوه من قوم بملح وقالوا: أخذنا منهم مِلْحاً طيّباً، ودفعنا إليهم مِلحاً غير طيّب.
وأصابوا من الجامات من الذهب والفضة ما لا يقع عليه العد لكثرته، فكان الرجل منهم يعرض جامين من ذهب على صاحبه ليأخذ منه جاماً واحداً من فضة، يعجبه بياضها ويقول: من يأخذ صفراويين ببيضاء (5).
وأخذ ضرار بن الخطاب في ذلك اليوم من فارس الراية العظمى، وكانت متخذةً من جلود النمور المعروفة بـ (درفش كاويان) وكانت مرصّعة بالياقوت واللؤلؤ وأنواع الجواهر، فعوّض منها بثلاثين ألفاً، وكانت قيمتها ألفي ألف ومائتي ألف (6).
وكانت هذه المعركة هي الباب الأول الذي ينفذ منه المسلمون إلى المدائن حيث القصر الأبيض الذي يقطنه يزدجرد.
وفي سنة ستة عشر للهجرة كان المسلمون على أبواب بهرسير (المدائن الغربية) فلما رأوا الإيوان قالوا: الله أكبر! أبيض كسرى! هذا ما وعد الله ورسوله. وكان نزولهم عليها في ذي الحجة.
وحاصر المسلمون هذه المدينة شهرين وضربوها بالمجانيق واستعملوا أنواع السلاح في قتال أهلها. ثم دخلوها فلم يخرج لهم أحد إلا رجل ينادي بالأمان، فأمنوه فقال لهم: ما بقي بالمدينة من يمنعكم، فدخلوا فما وجدوا فيها شيئاً ولا أحداً إلا أسارى وذلك الرجل. وكان المشركون قد فروا منها.
وفي شهر صفر صمّم المسلمون على عبور دجلة ـ وكان فائضاً ـ وهو يفصل بين بهرسير وبين المدائن التي فيها الطاق، وتلاحق الناس في دجلة وانّهم يتحدّثون كما يتحدّثون في البر وطبقوا دجلة حتى ما يرى من الشاطئ شيء، وكان الذي يساير سعداً سلمان الفارسي، فعامت بهم خيولهم. وسعد يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصرنّ الله وليّه؛ وليظهرنّ دينه، وليهزمنّ عدوه إن لم يكن في الجيش بغي، أو ذنوب تغلب الحسنات. فقال له سلمان: الإسلام جديد، ذللت لهم البحور كما ذلل لهم البر، أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجنّ منه أفواجاً كما دخلوا فيه أفواجاً، فخرجوا منه كما قال سلمان لم يفقدوا شيئاً.
خرج الناس سالمين وخيلهم تنفض أعرافها، فلمّا رأى الفرس ذلك وأتاهم أمر لم يكن في حسابهم خرجوا هاربين نحو حلوان، وكان يزدجرد قد قدّم عياله إليها قبل ذلك. ودخل المسلمون المدائن، فأخذوا في سككها لا يلقون فيها أحداً يخشونه إلا من كان في القصر الأبيض، فأحاطوا بهم ودعوهم، فاستجابوا على تأدية الجزية والذمة.
قال ابن الأثير: «وكان سلمان الفارسي رائد المسلمين وداعيتهم، دعا أهل (بهرسير) ثلاثاً، وأهل القصر الأبيض ثلاثاً» (7) «كان يقول لهم: إنّما كنت رجلاً منكم، فهداني الله للإسلام فإن أسلمتم، فلكم ما لَنَا وعليكم ما علينا، وإن أنتم أبيتم؛ فأدّوا الجزية وأنتم صاغرون، فإن أبيتم، نابذناكم على سواء إنّ الله لا يحبّ الخائنين» (8) يخاطبهم بهذا القول قبل الهجوم عليهم، عَلَّهم يفيئون إلى الإسلام، وكان يقول: «ادعُوهم كما رأيتُ رسولَ الله يدعوهم» (9) يفعل ذلك بهم ثلاثاً.
واسم المدائن بالفارسية (توسفون) وإنّما سمتها العرب المدائن؛ لأنّها سبع مدائن، بين كل مدينة إلى الأخرى مسافة قريبة، وقد ورد ذكرها في شعر العرب.
قال رجل من مراد:
دعوت كريباً بالمدائن دعوةً
وسيرت إذ ضمت على الأظافر
فيال بني سعدِ علام تركتما
أخاً لكما يدعوكما وهو صابر
أخاً لكما إن تدعواه يجبكما
ونصركما منه إذا ريع فاتر
وقال عبدة بن الطبيب:
هل حبلُ خولة بعد الهجر موصولُ
أم أنتَ عنها بعيدُ الدار مشغولُ؟
وللأحبة أيامٌ تَذَكَّرُها
وللنوى قبل يوم البين تأويلُ
حلَّتْ خويلةُ في دارِ مجاورةً
أهل المدائن فيها الديك والفيل (10)
هذا، وقد تولى سلمان ولاية المدائن في عهد عمر بن الخطاب.. ولم أعثر على نص يحدّد تأريخ هذه الولاية وزمانها، إلا أنّه من المرجّح أنّ تولّيه لها كان بعد فتحها دون أن يسبقه أحد إليها (11) سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار خصوصية اللغة (الفارسية) بالإضافة إلى كونه من السابقين، ممّا يعطيه الأفضليّة في ذلك.
وممّا يجدر ذكره أنّه حين ورد إلى المدائن قعد تحت ظلال الحائط في المسجد ولم يقبل أن يدخل قصر الإمارة. كما روي ذلك عنه، وهو إن دل على شيء فإنّما يدل على مدى السموّ النفسيّ الذي كان يتمتّع به هذا الرجل والذي جعله في مصاف عباقرة العالم ممن تخدمهم الدنيا ولا يخدمونها، وقد بقي سلمان في المدائن إلى أن توفي في سنة 34 هجرية على الأصح ـ كما يقول السيد بحر العلوم (12)
بينما يذهب البعض إلى أنّه بقي فيها إلى خلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام: «وأنّه توفي في سنة 36 للهجرة» (13) ولعلهّم يستندون في ذلك إلى الكتاب الذي بعث به إليه أمير المؤمنين عليه السلام، والكتاب هذا نصه:
"أما بعدُ: فإنّما مَثَلُ الدنيا مثل الحيَّة، ليِّنٌ مَسُّها قاتلٌ سَمُّها، فأعرِضْ عمّا يُعجبُكَ فيها لقلّة ما يَصْحَبُك منها، وضع عنك هُمُومَها لما أيقنت به من فراقها وتصَرّفِ حالاتها، وكن آنسَ ما تكون بها أحذرَ ما تكونَ منها، فإن صاحِبَها كلّما اطمأنّ فيها إلى سرور أشخصته إلى محذور، أو إلى إيناس أزالته عنه إلى إيحاش، والسلام" (14)
لكن هذا لا يكفي دليلاً لما ذهبوا إليه، فإنّ لعلي عليه السلام في نفس سلمان مكانة كبرى تخوّله أن يبعث إليه بمثل هذا الكتاب حتى في عهد عمر، وقد ذكر الشريف الرضي رحمه الله أنّه كتبه إليه قبل خلافته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنساب الأشراف / 487.
(2) راجع الميزان 3 / 305 ومجمع البيان 6 / 465.
(3) نهج البلاغة / 2 / 29 ـ 28.
(4) العتيق: الخندق.
(5) شرح النهج 9 / 96 إلى 99.
(6) مروج الذهب 2 / 319.
(7) راجع الكامل 2 / 508 إلى 514.
(8) سلمان الفارسي 127 كما عن مسند أحمد
(9) نفس المصدر.
(10) معجم البلدان 5 / 75 راجع التفصيل.
(11) في الإصابة 2 ص 318 في حديثه عن حذيفة بن اليمان قال: قال العجلي استعمله عمر على المدائن، وفي المستدرك 3 ص 385 في حديثه عن فضائل حذيفة قال: وزعم بعضهم أنه كان بالمدائن الخ.. لكن المحقق أنّ الذي تولى إمارة المدائن هو سلمان وبقي بها إلى أن توفّي.
(12) رجال بحر العلوم 3 / 16.
(13) راجع الكامل 3 / 287.
(14) نهج البلاغة 3 / 128.
|
|
دور النظارات المطلية في حماية العين
|
|
|
|
|
العلماء يفسرون أخيرا السبب وراء ارتفاع جبل إيفرست القياسي
|
|
|
|
|
شعبة الخطابة النسوية تطلق فعّاليات النسخة السادسة من رابطة خطيبات المنبر الحسيني
|
|
|