علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
أمير المؤمنين (عليه السلام) يطلب معاوية للمبارزة.
المؤلف: الشيخ محمّد جواد آل الفقيه.
المصدر: عمّار بن ياسر.
الجزء والصفحة: ص 208 ـ 211.
2023-11-03
1858
قام علي (عليه السلام) بصفين ونادى: يا معاوية! يكرّرها. فقال معاوية: سلوه ما شأنه؟ قال: أحب أن يظهر لي فأكلمه كلمة واحدة، فبرز معاوية وعمرو بن العاص فلمّا قارباه، لم يلتفت إلى عمرو، وقال لمعاوية: ويحك؛ علام يقتتل الناس بيني وبينك؟ ويضرب بعضهم بعضاً؟؟ أبرز إليّ، فأيّنا قتل صاحبه فالأمر له! فالتفت معاوية إلى عمرو فقال: ما ترى يا أبا عبد الله؟ قال: قد أنصفك الرجل، واعلم أنّك إن نكلت عنه لم يزل سبَّةً عليك وعلى عقبك ما بقي على ظهر الأرض عربي.
فقال معاوية: يا بن العاص، ليس مثلي يُخْدَعُ عن نفسه. والله ما بارز ابنَ أبي طالب شجاعٌ إلا وسقى الأرض بدمه! ثم انصرف معاوية راجعاً حتى انتهى إلى آخر الصفوف وعمرو معه، فلمّا رأى علي (عليه السلام) ذلك ضحك وعاد إلى موقفه.
وفي حديث الجرجانيّ: إنّ معاوية قال لعمرو، ويحك ما أحمقك، تدعوني إلى مبارزته ودوني عكٌّ وجذام، والأشعريّون؟؟ قال نصر: وحقدها معاوية على عمرو باطناً، وقال له ظاهراً ما أظنّك قلت ما قلته يا أبا عبد الله إلا مازحاً. فلمّا جلس معاوية مجلسه، وأقبل عمرو يمشي حتى جلس إلى جانبه، فقال معاوية:
يا عمرو إنّك قد قشرتَ لي العصا
برضاكَ لي وسْطَ العجاج بِرازي
يا عمرو إنّك قد أشرت بظنةٍ
حسبُ المبارزِ خطفةٌ من بازي
ولقد ظننتك قلت مزحة مازحٍ
والمزح يحمله مقال الهازي
فإذا الذي منّتْكَ نفسك حاكباً
قتلي زاك بما نَويْتَ الجازي
ولقد كشفت قناعها مذمومةً
ولقد لبست بها ثياب الخازي
فقال عمرو: أيّها الرجل، أتجيفُ عن خصمك، وتتهم نصيحك، ثم قال مجيباً له:
معاوي إن نكلْتَ عن البِراز
وخِفْتَ فإنّها أمّ المخازي
معاوي ما اجترمتُ إليك ذنباً
ولا أنا في الذي حدثتُ خازي
وما ذنبي بأن نادى عليٌّ
وكبشُ القوم يُدعى للبراز ـ
ولو بارزته بارزتَ ليثاً ـ
حديدَ النابِ يخطف كلَّ باز
وتزعم أنّني أضمرت غِشاً
جزاني بالذي أضمرتُ جازي
قال أبو الأعز التميمي: بينا أنا واقف بصفّين، مرَّ بي العباس ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب مكفهراً بالسلاح وعيناه تبصّان من تحت المِغْفر كأنّهما عينا أرقم، وبيده صفيحة يمانية يقلبها وهو على فرس له صعب، فبينا هو يمغثه (1) ويلين من عريكته، هتف به هاتف من أهل الشام يعرف بعرار بن أدهم: يا عباس، هلمّ إلى البراز. قال العباس: فالنزول إذن، فإنّه أيأس من القفول، فنزل الشامي وهو يقول:
إن تركبوا فركوبُ الخيل عادتنا *** أو تنزلون فإنّا معشرٌ نُزُل
وثنّى العباس رجله وهو يقول:
ويصدّ عنك مخيلة الرجل
العرَّيض موضحة عن العظمِ
بحسام سيفك أو لسانك
والكل الأصيل كأرغب الكلم
ثم عصب فضلات درعه في حجزته (2)، ودفع فرسه إلى غلام له أسود يقال له: أسلم، كأنّي والله أنظر إلى فلافل شعره، ثم دلف كل واحد منهما إلى صاحبه، فذكرت قول أبي ذؤيب: فتنازلا وتواقفَتْ خيلاهما *** وكلاهما بطل اللقاء مخدّع
وكفّت الناس أعنّة خيولهم ينظرون ما يكون من الرجلين، فتكافحا، بسيفيهما مليّاً من نهارهما لا يصل واحد منهما إلى صاحبه لكمال لأمته إلى أن لحظ العباس وهناً في درع الشامي فأهوى إليه بيده فهتكه إلى ثندوته، ثم عاد لمجاولته وقد أصحر له ففتق الدرع، فضربه العباس ضربةَ انتظم بها جوانح صدره، فخرَّ الشامي لوجهه وكبّر الناس تكبيرةً ارتجت لها الأرض من تحتهم، وسما العباس في الناس، فإذا قائل يقول من ورائي: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ..} الآية. فالتفت فإذا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لي: يا أبا الأعز؛ من المنازل لعدونا؟ قلت: هذا ابن أخيكم، هذا العباس بن ربيعة. فقال، وإنّه لهو. يا عباس، ألم أنهك وابن عباس أن تخلا بمراكزكما وأن تباشرا حرباً ؟! قال: إنّ ذلك كان. قال: فما عدا ممّا بدا؟ قال: يا أمير المؤمنين، أفأدعى إلى البراز فلا أجيب؟ قال: نعم، طاعة امامك أولى من إجابة عدوك، ثم تغيظ واستطار حتى قلت الساعة الساعة!! ثم سكن وتطامن ورفع يديه مبتهلاً فقال: اللهم اشكر للعباس مقامه واغفر ذنبه، إنّي قد غفرت له فاغفر له.
قال: ولهف معاوية على عرارٍ وقال: متى ينتطح فحل لمثله، أيطل دمه؟ لا ها الله إذن، ألا رجل يشري نفسه لله يطلب بدم عرار؟ فانتدب له رجلان من لخم، فقال لهما: اذهبا، فأيّكما قتل العباس برازاً فله كذا. فأتياه فدعواه للبراز، فقال: إنّ لي سيداً أريد أن أؤامره، فأتى علياً (عليه السلام) فأخبره الخبر، فقال علي (عليه السلام): والله لود معاوية أنّه ما بقي من بنى هاشم نافخُ ضُرمة إلا طعن في بطنه إطفاءً لنور الله {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} أما والله ليملكنّهم منّا رجال ورجال يسومونهم الخسف حتى يحتفروا الآبار ويتكفّفوا الناس، ويتوكّلوا على المساحي!!
ثم قال: يا عباس، ناقلني سلاحك بسلاحي، فناقله ووثب على فرس العباس، وقصد اللخميّين، فما شكَّا أنّه هو. قالا: أذِنَ لك صاحبك؟ فحرج أن يقول نعم. فقال: {أُذن للذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير}. فبرز إليه أحدهما فكأنّما اختطفه، ثم برز له الآخر فألحقه بالأول، ثم أقبل وهو يقول: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ثم قال: يا عباس، خذ سلاحك وهاتِ سلاحي، فإن عاد لك أحد فعد إليّ.
فنُمي الخبر إلى معاوية، فقال: قبّح الله اللجاج إنّه لقعود ما ركبته قط إلا خُذلت فقال عمرو بن العاص: المخذول والله اللخميّان لا أنت. فقال: أسكت أيّها الرجل وليست هذه من ساعاتك، قال: وإن لم يكن، فرحم الله اللخميّين وما أراه يفعل، قال: فإنّ ذلك والله أخسر لصفقتك وأضيق لحجزتك، قال: لقد علمت ذلك، ولولا مصر لركبت المنجاة منها. قال: هي أعمتك ولولاها ألفيتُ بصيرا (3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المغث: الضرب المخيف.
(2) الحجزة: معقد الإزار.
(3) شرح النهج 5 / 219 ـ 221.