أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-18
1120
التاريخ: 2023-08-14
1241
التاريخ: 2023-08-16
1327
التاريخ: 2023-08-16
1247
|
أظننا الآن رسمنا صورة صغيرة من الأندلس في حكم العرب، وما أنتجته من خير للمدنية في تلك البلاد وما وراءها، بقي أن نصف ما آلت إليه حالة تلك الأمة مع خصيمتها لما ضعف أمرها، عمل العرب منذ فتحوا أرض الأندلس ما ينفع سكان البلاد الأصليين، وكانوا في أيامهم الطويلة التي دامت ما يقرب من عمر مملكة الرومان مثال المسامحة واللطف والحرية، ولما عاد النصارى فافتتحوا غرناطة آخر معقل للإسلام في أوروبا (1) لم يروا الاقتداء بالتسامح الذي أظهره العرب نحوهم خلال عدة قرون، بل كان منهم على الرغم من المعاهدات المعقودة مع المسلمين، أن اضطهدوا هؤلاء اضطهادًا قاسيًا، ولم تصح عزيمتهم على طرد العرب طردًا نهائيًا إلا بعد قرن، فكان التفوق الفكري في العرب من موجبات بقائهم على رأس جميع الصنائع، رغم ما نالهم من الاضطهاد، والحق مع الإسبان في اتهامهم العرب بالاستيلاء على الأعمال جميعها؛ ولذلك طالب الشعب الإسباني بطرد العرب فقط، وأفرط رجال الدين فكانوا يقضون بتقتيلهم على بكرة أبيهم، يحاولون أن لا يبقوا منهم ديارًا، وأن لا يُعفى من هذا البلاء النساء والشيوخ والأطفال، واتخذ فيليب الثاني طريقًا بين بين مقتصرًا في سنة 1610 على إعلان طرد العرب، ومصدرًا أمره سرا، بأن يذبح معظمهم قبل أن يتمكنوا من مغادرة أرض إسبانيا، فأهلك نحو ثلاثة أرباعهم. ولما انتهى الطرد والمذابح عمت الأفراح البلاد، وظهر أن إسبانيا ستدخل في طور جديد، وكان هذا التطور الجديد، فنشأت نتائج عظيمة من هذه الإبادة العامة التي لم يقع لها مثيل في التاريخ، ترك فرديناند للعرب حريتهم الدينية وحرية لغتهم في المعاهدة التي عقدها معهم، ومنذ سنة 1499 بدأ عهد الاضطهادات، فأخذوا يعمدون أبناء العرب بالقوة، مدعين أن العرب كانوا ،نصارى، وسيقوا إلى ديوان التحقيق الديني فأحرق منهم من استطاع أن يحرقه وسار هذا العمل ببطء للصعوبة في إحراق عدة ملايين من الأنفس، فاقترح الكردينال رئيس الأساقفة لتطهير أرض إسبانيا من العنصر العربي . وكان هذا الكردينال الحاكم المتحكم في ديوان التحقيق في المملكة ومن كبار أهل الصلاح والتقوى - أن يقتل بالسيف جميع العرب الذين لم يدينوا بالنصرانية وفي جملتهم النساء والأطفال، وكان الدومنيكي « بليدا» أشد قسوة، فقضى أن يقتل العرب بدون استثناء؛ لأنه رأى أنه لا يتأتى أن يعلم إذا كان جميع المهتدين هم نصارى في قلوبهم، ولاحظ، وهو على حق فيما لاحظ أنه من السهل على المولى أن يميز في الدار الآخرة بين من يستحقون عذابه ومن لا يستحقونه يقول فولتير: لما فتحت العرب إسبانيا لم يرغموا قط النصارى الوطنيين على انتحال الإسلام، ولما استولى الإسبان على غرناطة أراد الكردينال كسيمنس أن ينصّر كل العرب، دفعته إلى ذلك غيرة دينية، أو طموح إلى إنشاء شعب جديد يخضع لصولته، وأرغم خمسين ألف عربي على أن يحملوا رمز دين لا يؤمنون به. يقول بليدا الدومنيكي: إنه قتل ثلاثة أرباع من جلوا من العرب في طريقهم إلى دار هجرتهم، قتل مائة ألف من حملة واحدة كانت مؤلفة من 140 ألفًا وذلك في الطريق إلى إفريقية، وفقدت إسبانيا في بضعة أشهر مليونًا من رعاياها. ويقول سيديليو ومعظم المؤرخين: إن عدد من فقدتهم إسبانيا بلغ ثلاثة ملايين وذلك من فتوح فرديناند إلى طرد العرب الطرد الأخير، وذكر فاريتي (2) وهو من أعظم مؤرخي إسبانيا أنه نفي من إسبانيا في مختلف العصور مليونان من اليهود، وثلاثة ملايين من العرب والعرب المتنصرين «الموريسك»، وبلغ من هلك من المتنصرة أو استرق منهم أثناء هذه الفاجعة زهاء مائة ألف. قال لبون: إذا قيست مذبحة سان بارتلمي بمثل هذه المجازر عُدت مناوشة لا شأن لها، ولم يحدث من أشد الفاتحين توحشًا وأقساهم قلبًا، حادث مثل هذا نُسب إليه ما نسب لهذه المذابح الثلاث، ومن سوء حظ إسبانيا أن هذه الثلاثة ملايين من الرعايا التي حرمتهم إسبانيا باختيارها كانوا يؤلفون الطبقة العالية في العلم والصنائع. ومع أنه كان في معاهدة تسليم غرناطة (3) شروط كثيرة لحماية أنفس المسلمين وأموالهم وإطلاق الحرية الدينية لهم ليقوموا بشعائر دينهم على ما يحبون لم تُنفذ هذه الشروط زمنا طويلًا ، وبدأ التنصير في غرناطة بتحريض الكردينال سيزمروس ورئيس الأساقفة فيها منذ سنة 1499 ، وأخذ هذا الكردينال يدعو المسلمين إلى انتحال النصرانية بالمواعظ والخطب، ثم حاول أن يرفع ما أمكن الكتب العربية في مختلف فروع العلوم الإسلامية فأمر بإحراقها فثار المسلمون في البيازين والبشرات والمرية وباجة وقادس ورندة، ورأت إسبانيا في سنة 1501 أن تخير المسلمين بين الهجرة أو التنصر، والظاهر أن هذا الأمر لم يطبق بحذافيره وظل المسلمون في الجبال في حالة أشبه بنصف استقلال أكثر من نصف قرن، ثم نُصِّر جميع المسلمين في قشتالة وتُرك مسلمو أرجون ثم تنصر كثير من المسلمين في شنت مارية الشرق على الوادي الكبير في السنين الأولى من القرن السادس عشر. وفي سنة 1566 صدرت أوامر مجريط تحظر على من بقي من المسلمين في إسبانيا استعمال اللغة العربية وكان ضعف أمرها حتى بين المسلمين، وأمروا بأن يتركوا شعائرهم وينزعوا لباسهم ويبدلوا طراز معيشتهم، فثار المسلمون في غرناطة والبشرات ودامت الحرب سنين حتى صدر الأمر الأخير بطرد العرب سنة 1604، فرحل في سنتين عن إسبانيا نحو نصف مليون مسلم وطويت صحيفة الإسلام في شبه جزيرة الأندلس. أما بلاد البرتقال، أو القسم المعروف بالأندلس أيضًا من ديار البرتقال؛ فقد استولى عليها العرب عدة سنين وتخلوا عنها ثم عادوا إليها، ولما جلا العرب من لشبونة قبل جلائهم عن غرناطة بزمان طويل عاملهم البرتقاليون بمعاونة (4) قرصان من الفرنسيس والإنجليز والنورميين والألمان والبلجيكيين معاملة قاسية قتلوا الأطفال والرجال، وسبوا الأعراض ودنسوا كل شيء وأحرقوا أقوات المدينة، فهلك نيف وعشرون ألف نسمة. ذكر ذلك المؤرخ البرتقالي هركولانو مستشهدًا بمؤرخي البرتقال، ولما أراد الإفرنج القضاء على دولة الموحدين بالأندلس (605هـ) نادى البابا بالحرب المقدسة فخفت جيوش النصرانية من إيطاليا وفرنسا وألمانيا واتحدت قواتها بإسبانيا وتم للإسبان ما أرادوا. أباد الإسبانيون في الأندلس كل أثر للعرب، فخربوا بيوتهم بأيديهم، ومن أهم ما قضوا عليه كتب العرب؛ فقد أمر (5) الكردينال كسيمنس - أعدى عدو للإسلام والمدنية في سنة 1511 بعد أن أحرق في ساحات غرناطة كمية من كتب العرب، ولا سيما المصاحف المخطوطة، أن تُباد كتب العرب من بلاد إسبانيا عامة، فتم ذلك بغيرة عمياء مدة نصف قرن، ولولا تلك المترجمات إلى العربية واللاتينية لقُضي على الحضارة العربية بجملتها، وكاد ديوان التحقيق الديني الذي أخذ على نفسه إبادة كل أثر للعرب أن يجعل طعامًا للنار تلك المخطوطات العربية التي حفظت في خزائن كتب الأسكوريال، لولا أن تلطف المركيز فيلادا وحال دون إحراقها. قام العرب بصنيعهم من تمدين إسبانيا قرونًا طويلة، ونقلوا المدنية إلى الممالك الأخرى، فكان جزاؤهم يوم ضعفت سياستهم، أن يُقتلوا شر قتلة، وتباد آثارهم أي إبادة، ولم يستفد قطر من أقطار الغرب ما استفادته إسبانيا من العرب، ولما جلوا عنها نعق فيها غراب الدمار وفقدت صنائعها وزراعتها وعلومها، وأصبحت إسبانيا بعد مدة من خروج العرب أحط بلاد الغرب قال ستانلي لانبول: «إن فضل مسلمي الأندلس يتجلى في همجية الإسبان وتراجعهم في مراقي النجاح، بعد أن خلت أرضهم من الإسلام.» وقال لبون: «ظن الكاردينال كسيمنس لما أحرق في غرناطة كل ما طالت يده إليه من مخطوطات العرب وكانت ثمانين ألفًا - عدا ما أُحرق في المدن الأخرى – أنه يحذف إلى الأبد من كتاب التاريخ ذكرى أعداء دينه، ولكن الأعمال التي قامت على أيديهم في تلك الأرض تكفي لتخليد ذكرهم على الدهر، وإن نفدت آثارهم المكتوبة.»
................................................
1- حضارة العرب لجستاف لبون.
2- ديوان التحقيق لمحمد عبد الله عنان.
3- معلمة الإسلام مادة موريسكو.
4- تأثير سياحة لموسى كريم.
5- إسبانيا والعمران العربي لكاباتون في مجلة العالم الإسلامي الفرنسية.
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
قسم العلاقات العامّة ينظّم برنامجاً ثقافياً لوفد من أكاديمية العميد لرعاية المواهب
|
|
|