المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6251 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الفرعون رعمسيس الثامن
2024-11-28
رعمسيس السابع
2024-11-28
: نسيآمون الكاهن الأكبر «لآمون» في «الكرنك»
2024-11-28
الكاهن الأكبر (لآمون) في عهد رعمسيس السادس (الكاهن مري باستت)
2024-11-28
مقبرة (رعمسيس السادس)
2024-11-28
حصاد البطاطس
2024-11-28

مهام الجغرافيا السياحية
3-4-2022
خطوات تحليل المضمون- 2- تعريف مجتمع الدراسة
آثار أمنحتب في طيبة الشرقية طريق الكباش.
2024-05-20
Vowels TOMORROW, ORANGE
2024-03-19
قانون " بابو " Babo law
12-12-2017
An interim conclusion: on pragmatic meaning representations
9-5-2022


من موارد السقط والتحريف ونحوهما في أسانيد الروايات / الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثماليّ.  
  
1370   11:23 صباحاً   التاريخ: 2023-06-03
المؤلف : أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
الكتاب أو المصدر : قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة : ج2، ص 313 ـ 331.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الرجال / مقالات متفرقة في علم الرجال /

الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثماليّ (1):

الحسن بن محبوب من كبار رواة الحديث، وله عن أبي حمزة الثمالي روايات كثيرة مع الواسطة، وروايات كثيرة أخرى ظاهرها أنها بلا واسطة، ولكن ذكر جماعة منهم السيد البروجردي (قدس سره) (2) أنها مرسلة بلا ريب، وأساس ذلك أن أبا حمزة ثابت بن دينار قد توفي في عام وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) أي في سنة (148 هـ) كما نصّ عليه يحيى بن معين من رجالي العامة (3)، أو في عام (150 هـ) كما قاله جملة من علمائنا كالصدوق والنجاشي والشيخ (4). وأما الحسن بن محبوب فقد توفي عام (224 هـ) عن عمر بلغ (75) سنة كما حكاه الكشي (5)، فهو ــ إذاً ــ لم يدرك أبا حمزة إلا طفلاً صغيراً على أبعد تقدير فكيف يروي عنه مباشرة؟!!

وأجاب السيد الأستاذ (قدس سره) (6) عن هذا الكلام بأن ما ذكره الكشي إنما حكاه عن علي بن محمد القتيبي عن جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب، والأول لم يوثق والثاني مجهول فلا يمكن الاعتماد عليه. ثم أضاف (قدس سره) بأنه لما يحتمل رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة بلا واسطة وعن حسٍّ والحسن ثقة فلا بد من الأخذ بروايته وذلك لبناء العقلاء على الأخذ بخبر كل ثقة يحتمل أن يكون عن حسٍّ.

أقول: يمكن التعقيب على ما أفاده (قدس سره) من جهتين:

(الجهة الأولى): أن ما ذكره (طاب ثراه) من التمسك بأصالة الحسّ لنفي أن تكون رواية ابن محبوب عن أبي حمزة مع الواسطة مما لا ينسجم مع ما اختاره في وجه حجية توثيقات النجاشي وأضرابه من الرجاليين حيث ردَّ على من قال إن إخبارهم عن الوثاقة والحسن لعله نشأ من الحدس والاجتهاد وإعمال النظر فلا تشمله أدلة حجية خبر الثقة فإنها لا تشمل الأخبار الحدسية قائلاً (7): (إن هذا الاحتمال لا يعتنى به بعد قيام السيرة على حجية خبر الثقة فيما لم يعلم أنه نشأ من الحدس، ولا ريب في أن احتمال الحسّ في إخبارهم ــ ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة ــ موجود وجداناً).

فإنه يظهر من هذا الكلام بوضوح أنه (قدس سره) يرى أن الإخبار مع الواسطة إذا كان الوسيط ثقة يعدُّ إخباراً عن حسٍّ لا حدس، ولعله من جهة أن كبرى حجية خبر الثقة وإن كانت كبرى اجتهادية نظرية ولكنها حيث ثبتت ببناء العقلاء ــ وفق ما ذهب إليه (قدس سره) ــ يكون الخبر المبني عليها ملحقاً بالخبر الحسي وأما صغرى كون الراوي الفلاني ثقة فهي قريبة من الحسّ بالنسبة إلى المعاصرين من الشيوخ وغيرهم كما لا يخفى.

وعلى ذلك فإذا دار الأمر بين كون رواية شخص عن آخر بلا واسطة شخص موثق عنده فلا سبيل إلى البناء على الأول استناداً إلى أصالة الحسّ لفرض أنها تكون حسيّة على التقديرين. نعم إذا دار الأمر بين كون روايته عنه عن حسٍّ ــ بواسطة أو بدونها ــ وبين كونها مستندة إلى تجميع القرائن والشواهد على صدور ما رواه عنه فلقائل أن يستند إلى أصالة الحسِّ في البناء على كونها من قبيل الأول، ولكن هذا خارج عن مورد كلامه (قدس سره).

هذا والتحقيق أن يقال: إن معظم روايات ابن محبوب عن أبي حمزة إنما هي مروية باستخدام حرف الجر (عن) ولم أجد روايته عنه بصيغة (حدثني) أو ما يشبهها إلا في موردين:

أحدهما: فيما أورده السيد ابن طاووس (8) عن كتاب المعرفة لإبراهيم [بن محمد بن سعيد] الثقفي الأصفهاني أنه قال: حدثنا الحسن بن محبوب قال: حدثنا ثابت الثمالي.

والآخر: فيما رواه أحمد بن عيّاش الجوهري (9) بسنده الضعيف عن الحسن بن محبوب قال: حدثني أبو حمزة الثمالي.

علماً أن لابن محبوب روايات كثيرة عن مشايخه بلفظ حدثني وأخبرني وما يجري مجراهما (10).

وعلى ذلك فإن بني على أن الرواية بـ(عن) ظاهرة في كونها رواية بالمباشرة من غير وسيط ــ كما عليه الكثيرون ــ أو بني على الاكتفاء بالموردين المذكورين في ثبوت رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي مباشرة فلا إشكال في الاعتماد على رواياته عنه بلا واسطة ما لم يقم دليل على عدم إمكان نقله عنه مباشرة. وأما مع عدم البناء على أيٍّ من ذينك الأمرين فلا يوجد ما يقتضي الالتزام برواية ابن محبوب عن الثمالي مباشرة.

وتوضيح ذلك: أنّ الاحتمالات في المقام ثلاثة:

الأول: إدراك ابن محبوب لأبي حمزة وروايته عنه بالسماع أو القراءة أو المناولة أو نحو ذلك. وعلى ذلك فلا إشكال في اعتبار رواياته عنه بلا واسطة بناءً على حجية خبر الثقة.

الثاني: عدم إدراكه له، بل روايته عنه مع الواسطة ولكن من دون ذكر اسمها، أي أن رواياته عنه هي مراسيل بحذف الواسطة. وعلى ذلك فلا عبرة بها إلا مع حصول الوثوق ــ بموجب حساب الاحتمالات ــ بأن الواسطة المحذوفة إنما هي من الثقات بالنظر إلى كل من توسطوا بين ابن محبوب وأبي حمزة فيما بأيدينا من رواياته إنما هم من الموثّقين عدا نفرين روى عنهما في موردين فقط، وهما داود الرقي ومحمد بن الفضيل، وأما البقية كهشام بن سالم وعلي بن رئاب وعبد الله بن سنان ومالك بن عطية ونظرائهم فهم من الثقات الأجلاء.

ولكن هذا غير تام، فإن عدد الوسائط الثقات وعدد رواياتهم محدود نسبياً ومعه لا يحصل الاطمئنان بأن الواسطة المحذوفة في سائر الموارد ليس من المضعّفين، فلاحظ.

الثالث: عدم إدراكه له ولا روايته عنه مع وسائط غير مذكورين بل اعتماده في ذلك على الوجادة أو نحوها مع استجماع قرائن حدسية أوجبت له الاطمئنان بصدور تلك الروايات عن أبي حمزة، وعلى ذلك فلا حجية لرواياته عنه لما ذكر في محله من أن الخبر الحدسي في الحسيّات غير مشمول لكبرى حجية خبر الثقة على القول بها.

هذه هي الاحتمالات الواردة في المقام، فلو بني على ظهور الرواية بـ(عن) في كونها رواية بلا واسطة أو ثبت أن ابن محبوب عبّر بـ(حدثني) مثلاً في روايته عن أبي حمزة لكان ذلك دليلاً على نفي الاحتمالين الثاني والثالث فيؤخذ بمقتضاه ما لم يثبت له معارض. وأما احتمال سقوط اسم الواسطة سهواً وغفلة فهو منفي بأصالة عدم الغفلة المعتمدة لدى العقلاء في أمثال المورد، كما أن احتمال إغفال ابن محبوب ذكر الواسطة تعمداً منفي من جهة ثبوت وثاقته بلا إشكال فإن ذلك تدليس يُجلُّ عنه الثقة.

وأما مع عدم البناء على ما تقدم فلا يوجد ما يقتضي نفي أيٍّ من الاحتمالين الثاني والثالث ليتعيّن الاحتمال الأول.

اللهم إلا أن يقال: إنّه وإن لم يمكن نفي الاحتمال الثاني من أصله أي نفي كون رواية ابن محبوب عن أبي حمزة مع الواسطة إلا أنه إذا دار الأمر بين كون الوسيط المحتمل محرز الوثاقة وبين حصول الوثوق لابن محبوب بنقله من جهة تجميع القرائن والشواهد يتعيّن البناء على الأول لأن إخبار ابن محبوب عن أبي حمزة على الأول يكون إخباراً عن حسٍّ وعلى الثاني إخباراً عن حدس فيكون المورد مجرى لأصالة الحس الجارية في الخبر الوارد في الحسيّات كما تقدم نقله عن السيد الأستاذ (قدس سره) في وجه حجية توثيقات الرجاليين.

وبذلك يظهر أيضاً إمكان نفي الاحتمال الثالث بأصالة الحسّ لأن مقتضاه كون رواية ابن محبوب عن أبي حمزة حدسية وهو على خلاف الأصل المذكور.

أقول: إن أصالة الحسّ إنما هي أصل عقلائي، أي أن الدليل عليها هو سيرة العقلاء الممضاة من قِبل الشارع المقدس، والسيرة دليل لبّي لا بد من الاقتصار فيها على القدر المتيقن، والقدر المتيقن من مورد أصالة الحس الجارية في الإخبار في الأمور الحسيّة هو ما إذا أُحرزت إمكانية إدراك المخبر للمخبر به عن حسٍّ كما إذا أخبر زيد عن مجيء صاحبه عمرو أو أنه قال كذا واحتمل اعتماده في ذلك على غير حاسة البصر في المجيء وغير حاسة السمع في القول ــ بأن اعتمد على بعض القرائن والمناسبات ــ فإنه يبنى على كون خبره عن المجيء والقول حسيّاً، وأما إذا لم تُحرز إمكانية ذلك كما إذا أخبر عن حادثة وقعت في زمن سابق وشك في أصل إدراكه لذلك الزمن ليدرك تلك الحادثة مشاهدةً ولذلك احتمل أنه اعتمد في نقلها على وسيط ثقة أو وسيط حصل له الوثوق بنقله وإن لم يكن ثقة أو أنه قرأ حكاية تلك الحادثة في كتاب ووثق بسلامة الكتاب عن الدسِّ والتزوير بحسب ما حصل له من الشواهد والقرائن فلم يثبت جريان سيرة العقلاء على إجراء أصالة الحسِّ والبناء على كون الإخبار المذكور من دون واسطة أو كونه بواسطة من هو معلوم الوثاقة، فتدبر.

(الجهة الثانية): أن ما أفاده (قدس سره) من أن ما ورد في كلام الكشي في تحديد عمر ابن محبوب وتاريخ وفاته هو من مرويات علي بن محمد القتيبي عن جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب وكلاهما غير موثق لا يخلو من نظر، فإن الكشي حكى عن علي بن محمد القتيبي (11) قال: (حدثني جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب نسبة جده الحسن بن محبوب: أن الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر بن وهب، وكان وهب عبداً سنديّاً.. ومات الحسن بن محبوب في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين، وكان من أبناء خمس وسبعين سنة).

والمقطع الأخير إما من كلام الكشي أو من كلام القتيبي، وأما احتمال كونه تتمة لما أورده القتيبي عن جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب فضعيف إذ الملاحظ أن القتيبي حدد في بداية كلامه ما ينقله عن جعفر بن محمد بما يتعلق بنسبة جده الحسن بن محبوب، ومن الواضح أن الذيل لا علاقة له بذلك، فتأمّل.

هذا ولكن لما كان القتيبي ممن لم تثبت وثاقته كما مرَّ في بحث سابق (12) فلا يمكن الاعتماد على ما يُشك في كونه من كلامه أو من كلام الكشي، وعلى ذلك يتم ما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) من أنه لا دليل على عدم إدراك الحسن بن محبوب لأبي حمزة الثمالي.

اللهم إلا أن يقال: إن ما ورد في كتاب الكشي في تحديد عمر ابن محبوب وتاريخ وفاته المقتضي لعدم إدراكه أبا حمزة الثمالي هو المنسجم مع كون ابن محبوب من الطبقة السادسة ومشايخه من الطبقة الخامسة في حين أن أبا حمزة من الطبقة الرابعة بل ربما يُعدُّ من الطبقة الثالثة (13).

وبعبارة أخرى: إنّه لو كان ابن محبوب أسبق ولادة بعشرين عاماً ــ مثلاً ــ على ما ورد في كتاب الكشي لاقتضى ذلك أن يكون من رجال الطبقتين الخامسة والسادسة ــ كما هو حال حماد بن عيسى ــ وعندئذٍ كان من المتجه روايته مباشرة عن أبي حمزة الثمالي الذي هو من الطبقة الرابعة ولكن كان من المناسب جداً أن يروي عن غيره من رجال هذه الطبقة أيضاً ولا سيما الذين توفوا قريباً من وفاته كزرارة ومحمد بن مسلم (14) فما له تركهم واقتصر على الرواية عن الثمالي ثم عمن كانوا من الطبقة الخامسة؟!

إن قيل: بل لابن محبوب روايات عن عدد آخر من رجال الطبقة الرابعة (15) كأبي مريم الأنصاري (16) وأبي الصباح الكناني (17) وسدير الصيرفي (18) وأبي الجارود (19) ومحمد بن إسحاق المدني (20) ــ المتوفى في سنة (151 هـ) أو (152 هـ) ــ وأبي بصير (21)، فكيف يدعى أنه لم يروِ إلا عن الثمالي ممن هم في طبقته؟!

قلت: لم تثبت روايته مباشرة عن أيٍّ من المذكورين فإن ما أشير إليه إنما ورد في روايات منفردة والمتعارف روايته عن هؤلاء وأشباههم مع الواسطة، فهو يروي عن أبي مريم الأنصاري بواسطة أبان بن عثمان وهشام بن سالم وجميل بن صالح وأبي الولاد والحسن بن سري وأضرابهم (22)، كما يروي عن أبي الصباح الكناني بواسطة جميل بن صالح ومعاوية بن عمار وأبي أيوب الخزاز وأمثالهم (23). ويروي عن سدير الصيرفي بواسطة علي بن رئاب وجميل وحنان بن سدير ولده وحماد وإسحاق بن جرير وأضرابهم (24). ويروي عن أبي الجارود بواسطة محمد بن سلمان الأزدي أو غيره (25). ويروي عن أبي بصير بواسطة علي بن رئاب وهشام بن سالم وعلي بن أبي حمزة ومالك بن عطية وجميل بن صالح وأبي أيوب الخزاز وسيف التمار وسعدان بن مسلم ويونس بن يعقوب وآخرين (26).

وعلى ذلك فلا يمكن البناء على ثبوت روايته عن المذكورين وأمثالهم من رجال الطبقة الرابعة مباشرة.

وبعبارة أخرى: إنّ سقوط اسم الواسطة في الطرق والأسانيد أمر متعارف يقع كثيراً نبّه عليه المحققون ويعرفه الممارسون ولكن لا يمكن البناء عليه إلا مع توفر قرينة تقتضيه، ومن القرائن العامة ما إذا كان المروي عنه أسبق طبقة من عامة مشايخ الراوي.

مثلاً: ابن أبي عمير من الطبقة السادسة ومشايخه هم بصورة عامة من الطبقة الخامسة أي من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) الذين لم يدركوا أباه الباقر (عليه السلام) فإذا وجدت رواية له عن زرارة أو محمد بن مسلم أو بريد بن معاوية أو جابر بن يزيد أو بكير بن أعين أو الفضيل بن يسار أو محمد بن قيس (27) وأضرابهم ممن هم من رجال الطبقة الرابعة لزم البناء على سقوط الواسطة بينه وبينهم في تلك الموارد المحدودة ولا سيما إذا تكررت روايته عنهم مع الواسطة كما هو المتداول في جوامع الحديث.

وهذه القرينة العامة متوفرة في مورد الكلام بالنسبة إلى رواية ابن محبوب عن أبي مريم الأنصاري وأبي الصباح الكناني وسائر المذكورين آنفاً.

وهل يمكن الالتزام بموجبها بالنسبة إلى رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي أيضاً؟

الظاهر أنه لا يمكن ذلك بقرينة ما حكاه الكشي عن نصر بن الصباح (28) أنه قال: (ما كان أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن ابن محبوب من أجل أن أصحابنا يتهمون (29) ابن محبوب في روايته عن أبي حمزة الثمالي ثم تاب ورجع عن هذا القول). فإن نصر بن الصباح وإن لم تثبت وثاقته إلا أن صدور هذا الكلام منه مؤشر واضح على أن ابن محبوب كان يدعي الرواية عن أبي حمزة بلا واسطة، وإلا لم يكن مجال لأن يدعي نصر ــ صدقاً أو كذباً ــ أن الاصحاب كانوا يتهمون ابن محبوب في روايته عن أبي حمزة ومن أجل ذلك كان أحمد بن محمد بن عيسى لا يروي عن ابن محبوب مدة من الزمن ثم رجع عن ذلك.

وبعبارة أخرى: إن ما ادعاه نصر بن الصباح من اتهام الأصحاب لابن محبوب في روايته عن أبي حمزة وترك أحمد بن محمد بن عيسى للرواية عنه في بداية أمره وإن لم يثبت بنحو يعتمد عليه إلا أن أصل صدور الدعوى المذكورة من نصر قرينة واضحة على تلقي الأصحاب كون رواية ابن محبوب عن أبي حمزة بلا واسطة فلا محل لاحتمال سقوط الواسطة بينهما فيما ورد من ذلك في مجامع الحديث، وهو كثير في كتبنا (30) وتوجد له نماذج في كتب الجمهور أيضاً (31).

وممّا يبعّد احتمال سقوط الواسطة بين ابن محبوب وأبي حمزة هو أن كلاً من الشيخ والنجاشي (32) روى كتاب أبي حمزة بطريقين مختلفين عن ابن محبوب عنه ويستبعد وقوع السقط في كليهما بل لعله لا مجال له أصلاً في طريق النجاشي بعد تصريحه بأن كتاب النوادر هو من رواية ابن محبوب، فلاحظ.

وبالجملة: إنّ احتمال وجود واسطة محذوفة بين ابن محبوب وأبي حمزة الثمالي ضعيف لا يُعتد به، وعلى ذلك فلا بد من البحث عن طريق آخر لتوجيه روايته عنه مباشرة، وهنا وجوه:

الوجه الأول: أنه روى عنه كتبه بالإجازة، كأن كان الحسن ابن سنة أو نحوها وجاء به أبوه إلى أبي حمزة في أخريات عمره وطلب منه أن يجيز له نقل كتبه عنه بعد بلوغه وتأهله لذلك فوافق أبو حمزة وأجازه. ومن المعروف أن محبوباً والد الحسن كان معنياً جداً بتعليم ابنه حتى إنه قد روي (33) أنه كان يعطيه درهماً على كل حديث يكتبه عن علي بن رئاب، فلا غرو أن يسعى في استحصال الإجازة له في نقل كتب أبي حمزة وهو بعد طفل صغير لئلا يفوته شرف النقل عنه في كبره.

وقد لوحظ وقوع مثل هذا لبعض آخر قريباً من ذلك العصر، فقد أجاز أبو غالب الزراري (34) لحفيده وهو طفل صغير رواية ما كان لديه من الكتب والمصنفات، وكتب بذلك رسالة تعرف برسالة أبي غالب الزراري إلى ابن ابنه. ويظهر من المحقق الشيخ محمد حفيد شيخنا الشهيد الثاني (35) ترجيح هذا الوجه حيث قال: (لعل المراد بالتهمة ــ أي اتهام ابن محبوب في روايته عن أبي حمزة ــ أن روايته عنه حينئذٍ إنما تكون بالإجازة وعدم التصريح بذكر الإجازة في الرواية أوجب التهمة بالكذب لأن ظاهر الرواية إذا لم تقيد بالإجازة أنها بغيرها من طرق التحمل، ثم إن رجوع أحمد بن محمد عن ذلك لعله لترجيح جواز إطلاق الرواية من غير ذكر الإجازة، كما هو مذهب بعض العلماء على ما قرروه في علم الدراية. على أن أحمد وإن لم يرجح هذا لكن إذا حصل الوجه المسوغ للرواية جاز أن يكون الحسن بن محبوب اختاره).

أقول: إن هذا الوجه لا يخلو من بُعد، فإن الرواية بالإجازة التي كانت متداولة في ذلك العصر إنما كان موردها البالغ المؤهل لتحمل الحديث كما ورد فيما حكي عن أحمد بن محمد بن عيسى (36) من أنّه قال: (خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشاء، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلاء وأبان بن عثمان الأحمر، فأخرجهما إليَّ، فقلت له: أحبّ أن تجيزهما لي، فقال لي: يا رحمك الله وما عجلتك، اذهب فاكتبهما واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أن هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه).

وأما إجازة الصغير في رواية الكتب واعتماد الصغير بعد بلوغه على تلك الإجازة في النقل عنها فلم يُعهد له مورد فيما نعلم إلا ما تقدم بشأن حفيد أبي غالب الزراري، ولكن كان ذلك حالة خاصة شرح الزراري ملابساتها في كتابه، فليراجع (37).

الوجه الثاني: ما يظهر من المحقق البهبهاني (38) من أن ابن محبوب إنما روى عن أبي حمزة من كتبه بعد وفاته، وهذا مما لا بأس به مع إحراز سلامة الكتاب عن الدسِّ والتزوير، وقد ورد الترخيص فيه من الأئمة (عليهم السلام)، ففي رواية محمد بن الحسن بن أبي خالد شنبولة (39) قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وكانت التقية شديدة، فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: ((حدثوا بها فإنها حق)).

وفي رواية أحمد بن عمر الحلال (40) قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول: اروه عني، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال: ((إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه)).

أقول: هذا الوجه مستبعد أيضاً فإن الذي يظهر من الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحرزهم الشديد عن الرواية عن طريق الوجادة حتى إن أيوب بن نوح (41) قدح في روايات محمد بن سنان ورفض أن يحدث عنه لأنه قال قبل موته: (كلما حدثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية إنما وجدته).

وكأن السبب الأساس في رفضهم الرواية بالوجادة هو ما تعرضت له كتب الأصحاب من الدسِّ والتزوير كما حكاه يونس بن عبد الرحمن (42) عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) من: ((أن المغيرة بن سعيد لعنه الله دسَّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي)) وكما حكاه يونس (43) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال: ((إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله (عليه السلام)، لعن الله أبا الخطاب. وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسّون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) )).

وبالجملة: إن من البعيد جداً اعتماد ابن محبوب على كتب أبي حمزة في الرواية عنه من دون سماع ولا قراءة ولا مناولة ونحو ذلك، مع أنه لو كان الأمر كذلك لما اختص بأبي حمزة وكان له أن يروي كتب محمد بن مسلم وزملائه من الطبقة الرابعة بالطريقة نفسها، فتدبر.

الوجه الثالث: ما مال إليه المحقق التستري (قدس سره) (44) من كون كلمة (سبعين) مصحّفة عن (تسعين) فيما حكاه الكشي (45) بقوله: (وكان ــ أي ابن محبوب ــ من أبناء خمس وسبعين سنة)، ومقتضى ذلك كون عمر ابن محبوب عند وفاة أبي حمزة الثمالي قريباً من عشرين سنة وهو عمر يؤهله لتحمّل الحديث، وإن كان ربما دون ما هو المتعارف آنذاك.

ولعلّه لذلك بنى بعض الأصحاب اتّهامه للحسن بن محبوب في روايته عن أبي حمزة أي من جهة صغر سنّه، ويبدو أن عدول أحمد بن محمد بن عيسى عن تبني ذلك الاتّهام هو وقوفه على كون الحسن مؤهلاً لتحمّل الحديث بصورة جيدة بالرغم من كونه صغير السن.

إن قيل: إذا كان ابن محبوب مؤهلاً للرواية عن الثمالي لكان مؤهلاً للرواية عمن كانوا في طبقة الثمالي كزرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما فلماذا لم يروِ عنهم أيضاً؟!

كان الجواب عنه بأنه ليس كل من هو مؤهل للرواية عن عدد من الشيوخ يروي عنهم جميعاً ولا سيما إذا كان في أوائل شبابه وتأهله لطلب العلم، فإنه قد يتسنى له أن يروي عن بعضهم دون بعض لعلاقة خاصة لأهله به أو لكونه صاحب حلقة دراسية مفتوحة (46) أو لكونه أقل تشدداً في قبول التلمذة لديه ونحو ذلك من الأسباب.

وبالجملة: لا استبعاد في رواية ابن محبوب ــ وهو حسب الفرض شاب في أوائل عهده بطلب العلم ــ عن أبي حمزة الثمالي دون زرارة ومحمد بن مسلم مع وفاتهم جميعاً في عام واحد كما قيل، فإنه ربما لم تتهيأ له فرصة التلمذة لديهما لعوامل أخرى سوى عدم تأهله لذلك.

أقول: إنّ تصحيف (تسعين) بـ(سبعين) وإن كان متداولاً في كتب السابقين لتقاربهما في رسم الخط (47) إلا أن مقتضاه في المقام هو كون الحسن بن محبوب من المعمرين وإدراكه لعصر الصادق (عليه السلام)، ولو كان كذلك لنبّه عليه أهل الرجال ولا أقل من تنبيههم على أنه أدرك عصره (عليه السلام) وإن لم يروِ عنه، كما ذكروا مثل ذلك بالنسبة إلى غيره (48).

وبالجملة: كيف يمكن التصديق بأن الحسن بن محبوب قد عمّر ما يقرب من مائة سنة وأدرك الصادق (عليه السلام) وينحصر الشاهد عليه في عبارة مغلوطة في كتاب الكشي؟!

لا يقال: بل قد نصّ بعض رجالي العامة على روايته عن الصادق (عليه السلام)، ويوجد ذلك في بعض رواياتنا مما يؤكد صحة الاحتمال المذكور وتطابقه مع الواقع.

قال ابن حجر (49): (الحسن بن محبوب أبو علي مولى بجيلة روى عن جعفر الصادق رحمه الله تعالى، والحسن بن صالح بن حي وجعفر بن سالم وحنان بن سدير وصالح بن زرارة وعبادة بن صهيب في آخرين روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى ومعاوية بن حكيم ويونس بن علي العطار ومحمد بن سيرين وابن أبي الخطاب وآخرون، ذكره الطوسي في رجال الشيعة).

وروى الشيخ (50) بإسناده عن الحسن بن محبوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((ليس بين أهل الذمة معاقلة..)).

فإنه يقال: لا ينبغي الشك في عدم رواية ابن محبوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) مباشرة، وإلا لم ينحصر من يذكر ذلك في واحد من رجالي الجمهور بل ذكر في كلمات علمائنا أيضاً كالبرقي والكشي والشيخ مع أنهم جميعاً ذكروه في أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) فقط، وأيضاً لوجدت له روايات عديدة عنه (عليه السلام) ــ فإن الرجل كثير الروايات جداً ــ ولم تنحصر في رواية واحدة في التهذيب مع أن هذه الرواية مروية في الكافي والفقيه (51) عن الحسن بن محبوب عن أبي ولاد عن أبي عبد الله (عليه السلام).

هذا مضافاً إلى أن معظم ما أورده ابن حجر في أوائل كتابه (لسان الميزان) من تراجم رواة الشيعة الإمامية مما لا يمكن الاعتماد عليه في حدِّ ذاته، والوجه فيه: هو ما أشير إليه عند البحث عن علامات البلوغ في الذكر والأنثى من أن الملاحظ أن ابن حجر قد نسب ــ تصريحاً أو تلويحاً ــ معظم ما أورده إلى الكشي أو النجاشي في كتابيهما أو إلى الشيخ في أحد كتابيه مع أنه لا يوجد أكثر ما نسبه إليهم في النسخ المتوفرة من تلك الكتب بأيدينا، وكما لا يحتمل أن يكون ذلك اختلاقاً منه ــ فإنه لا يناسبه ولا مصلحة له فيه ــ كذلك لا يحتمل سقوط كل ذلك عن النسخ المتأخرة من تلك المصادر فإنه كثير جداً بل لما كان في الغالب بمضامين لم يعهد صدورها من أصحاب تلك الكتب فمن المستبعد أصل اشتمالها عليه.

والاحتمال الأقرب في المقام هو أنه اعتمد في نقل تلك المطالب عن بعض كتب المتأخرين ــ ولعله كتاب الحاوي في طبقات الإمامية ليحيى بن طيّ الحلبي الذي ذكره وأشار إليه مراراً (52) ــ ويبدو أن منشأ وقوعه في الاشتباه هو أن مؤلف ذلك الكتاب ــ الذي يظهر أنه لم يكن لدى ابن حجر إلا أوائله ــ لما كان يترجم لشخص ويذكر ما لديه بشأنه من المعلومات يشير ضمناً إلى أنه قد ذكره الشيخ في رجال الشيعة أو في مصنفي الإمامية مثلاً، قاصداً بذلك التنبيه على بعض مصادر ترجمته، ولكن ابن حجر كان يفهم منه أن ما ورد في الترجمة إنما هو مقتبس من كلام الشيخ مثلاً فينسبه إليه مباشرة!

وبالجملة: الظاهر ــ بحسب الشواهد والقرائن ــ أنه لم يكن لابن حجر مصدر فيما ذكره في تراجم رواة أصحابنا سوى بعض كتب المتأخرين منهم ــ دون الأصول الرجالية المعروفة ــ والمظنون قوياً أن الأصل فيما ورد في ذلك الكتاب مما أورده ابن حجر في ترجمة الحسن بن محبوب هو فهرست الشيخ (قدس سره) ولكن مع بعض السقط أو التحريف، فقد ترجم الشيخ لابن محبوب قائلاً (53): (الحسن بن محبوب السراد، ويقال له: الزراد، ويكنى أبا علي، مولى بجيلة، كوفي ثقة. روى عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)) ثم أورد طرقه إلى جملة من كتبه، وممن روى عنهم فيها كل من أحمد بن محمد بن عيسى ومعاوية بن حكيم ويونس بن علي العطار، ويوجد في موضع آخر (54) منه رواية محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب، كما توجد في مواضع منه (55) رواية الحسن بن محبوب عن كل من الحسن بن صالح بن حيّ وحفص بن سالم وحنان بن سدير وصالح بن رزين وعباد بن صهيب.

فيلاحظ أن كل من ذكر ابن حجر رواية ابن محبوب عنهم أو روايتهم عنه موجود في كتاب الفهرست إلا أنه قد وقع في كلام ابن حجر تحريف (حفص بن سالم) إلى (جعفر بن سالم) و(صالح بن رزين) إلى (صالح بن زرارة) و(عباد بن صهيب) إلى (عبادة بن صهيب) و(محمد بن الحسين بن أبي الخطاب) إلى (محمد بن سيرين وابن أبي الخطاب).

وأمّا قول ابن حجر: (روى عن جعفر الصادق) فهو إما من سهو القلم وصحيحه: (روى عن علي الرضا) أو أن الأصل فيه هو (روى عن جمع ممن روى عن جعفر الصادق كالحسن بن صالح بن حي..) أو نحو ذلك.

ومهما يكن فلا ينبغي الشك في أن الحسن بن محبوب لم يكن من الرواة عن الصادق (عليه السلام) ولو فرض أنه كان له من العمر عشرون سنة أو ما يقربها عند وفاته (عليه السلام)، كيف ولم يروِ عنه من هو أقدم منه وهو يونس بن عبد الرحمن الذي ولد في خلافة هشام بن عبد الملك المتوفي عام (125 هـ) وكان في العقد الثالث من عمره عند وفاة الإمام (عليه السلام) في عام (148 هـ).

والحاصل: أنّ ما ورد في كلام ابن حجر من رواية ابن محبوب عن الصادق (عليه السلام) يكاد أن يكون معلوم البطلان. وأما كونه ممن أدركه (عليه السلام) بأن عمّر خمساً وتسعين سنة كما مال إليه المحقق التستري فهو وإن كان أمراً محتملاً إلا أنه بعيد أيضاً وإلا لاقتضى أن ينبّه الرجاليون على كونه معمراً قد أدرك الصادق (عليه السلام) كما صنعوا مثل ذلك في غيره.

فالنتيجة: أنّ ما ذكر في الوجه الثالث لتوجيه رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي ليس بتام أيضاً.

الوجه الرابع: أنّ ما ذكر في رجال الكشي في تاريخ وفاة الحسن بن محبوب من أنه مات في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين مما لا يمكن الالتزام به، فإنه لو كان قد مات في هذا التاريخ لكان قد أدرك تمام مدة إمامة أبي جعفر الجواد (عليه السلام) وبعضاً من إمامة أبي الحسن الهادي (عليه السلام) فلماذا لم يذكر في أصحابهما أو فيمن أدركهما (عليهما السلام) ولم يروِ عنهما، مع أن الملاحظ اهتمام الرجاليين بالتنبيه على مثل ذلك؟!! فقد ذكروا صفوان بن يحيى المتوفي عام (210 هـ) في أصحاب الجواد (عليه السلام) وكذلك ابن أبي عمير المتوفي عام (217 هـ) وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي المتوفي عام (221 هـ) وهكذا أمثالهم، فكيف لم يذكروا الحسن بن محبوب في أصحاب الجواد (عليه السلام) بل ذكروه في أصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) فقط؟

وبالجملة: بقاء الحسن بن محبوب حياً إلى آخر سنة أربع وعشرين ومائتين كما ورد في كتاب الكشي مستبعد جداً. ويحتمل كون لفظة (وعشرين) حشواً في كلامه. وعلى ذلك يسهل توجيه رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي من دون اقتضاء كونه من المعمرين ــ على خلاف ما مرَّ في الوجه الثالث ــ.

نعم مقتضى هذا الوجه أيضاً كونه ممن أدرك الصادق (عليه السلام) وإن لم يتيسر له السماع منه فكان ينبغي أن ينبّه عليه في كتب الرجال.

اللهم إلا أن يقال: إنهم إنما ينبهون على من رأى الإمام (عليه السلام) والتقى به وإن لم يسمع منه كيونس بن عبد الرحمن، ولعل ابن محبوب لم يرَ الإمام (عليه السلام) أصلاً لأنه كان في الكوفة ولم يخرج إلى الحج قبل وفاته (عليه السلام)، فتأمل.

وكيف كان فلعل هذا الوجه هو أقرب ما يمكن أن يقال في توجيه رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي مباشرة، وإن كان في النفس منه شيء.

هذا وكان المتوقع من النجاشي (قدس سره) الذي تعرض لما ادعاه نصر بن الصبّاح ــ من اتهام الأصحاب لابن محبوب في روايته عن أبي حمزة وامتناع أحمد بن محمد بن عيسى عن الرواية عن ابن محبوب لذلك ثم الرجوع عنه ــ أن يتصدى لتوضيح منشأ الاتهام وما يندفع به، وما أوجه ما ذكره المحقق الشيخ محمد حفيد شيخنا الشهيد الثاني (قُدِّس سرُّهما) فإنه بعد أن أشار إلى إجمال كلام النجاشي قال (56): (وعدم التعرّض فيه لتحقيق الحال غريب، فإن التهمة والرجوع عنها لا بد من الإشارة إلى حقيقتها) ثم قال: (فالمقام لم أجد من حام حول تحقيقه من المتأخرين فينبغي النظر فيه بعين الاعتبار).

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1.  بحوث في شرح مناسك الحج ج:2 ص:218.
  2.  ترتيب أسانيد الكافي ج:1 ص:200.
  3.  كتاب الضعفاء الكبير ج:1 ص:172. كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين ج:1 ص:206.
  4.  من لا يحضره الفقيه (المشيخة) ج:4 ص:36. رجال النجاشي ص:115. رجال الطوسي ص:110، وفي (ص:333): (اختلف في بقائه إلى وقت أبي الحسن موسى (عليه السلام) ).
  5.  اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:851.
  6.  معجم رجال الحديث ج:3 ص:416.
  7.  معجم رجال الحديث ج:1 ص:36.
  8. اليقين باختصاص مولانا علي (عليه السلامبإمرة المؤمنين ص:198.
  9.  مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر ص:18.
  10. لاحظ بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد (عليهم السلام) ص:32، 34، والكافي ج:1 ص:398، ج:2 ص:592، ج:7 ص:76، ج:8 ص:196، وأمالي الصدوق ص:383، 440، 593، والتوحيد ص:317، وثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص:168، 172، وعلل الشرائع ص:324، والغيبة للنعماني ص:219، والإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج:1 ص:88، 218، والأمالي للمفيد ص:122.
  11.  اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:851.
  12. لاحظ ص:195 وما بعدها.
  13. ترتيب أسانيد الكافي ج:1 ص:111.
  14. لاحظ اختيار معرفة الرجال ج:1 ص:354، ورجال النجاشي ص:323.
  15. ربما يُعدُّ منهم محمد بن النعمان الأحول الذي روى عنه ابن محبوب في مواضع شتى (لاحظ الكافي ج:1 ص:415، 425، 427، ج:2 ص:125، 423، ج:6 ص:12، ج:8 ص:256، وتفسير القمي ج:1 ص:191، 251، ج:2 ص:252، والخصال ص:423، وكمال الدين وتمام النعمة ص:339، ومن لا يحضره الفقيه (المشيخة) ج:4 ص:14). ولكن الظاهر أنه لم يكن من رجال الطبقة الرابعة وإن عدّه البرقي في رجاله (ص:64) من أصحاب الصادق (عليه السلام) ممن أدركوا أباه الباقر (عليه السلام)، فإن مقتضى الشواهد والقرائن أنه كان من أحداث أصحاب الصادق (عليه السلام) الذين أصبحوا من بعده من أصحاب الكاظم (عليه السلام) فهو من الطبقة الخامسة، فلا إشكال في رواية ابن محبوب عنه.
  16. تهذيب الأحكام ج:8 ص:120.
  17.  الكافي ج:2 ص:26، 447.
  18. الكافي ج:2 ص:190.
  19.  الكافي ج:1 ص:532.
  20. الكافي ج:4 ص:195، ج:8 ص:95. الخصال ص:397. تفسير القمي ج:2 ص:246.
  21. المحاسن ج:1 ص:261. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد (عليهم السلام) ص:114. تهذيب الأحكام ج:7 ص:132.
  22. لاحظ الكافي ج:5 ص:453، ج:7 ص:284، 300، ج:8 ص:84، 168.
  23. لاحظ المحاسن ج:1 ص:285، والكافي ج:5 ص:267، 409. وتجدر الإشارة إلى أن المورد الأول من الموردين اللذين وردت فيهما روايته عن الكناني مباشرة مذكور بعينه في المحاسن وفيه توسط جميل بن صالح بينهما.
  24. لاحظ الكافي ج:1 ص:256، ج:2 ص:633، والخصال ص:12، وثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص:145، وتهذيب الأحكام ج:10 ص:61. وتجدر الإشارة إلى أن المورد الذي وردت فيه روايته عن سدير مباشرة مذكور في أمالي المفيد (ص:178) وفيه توسط حنان بن سدير بينهما.
  25. لاحظ الكافي ج:8 ص:289، وطب الأئمة (عليهم السلام) ص:17، 37.
  26. لاحظ الكافي ج:1 ص:92، ج:2 ص:85، 334، 660، ج:3 ص:481، ج:4 ص:179، ج:5 ص:188، ج:6 ص:172، 440. وتجدر الإشارة إلى أن المورد الأول من الموارد الثلاثة التي وردت فيها روايته عن أبي بصير مباشرة مروي في الكافي (ج:2 ص:85) وفيه توسط هشام بن سالم بينهما، والمورد الثاني مذكور في بصائر الدرجات (ص:544) وفيه توسط أبي أيوب بينهما، والمورد الثالث مذكور في الكافي (ج:5 ص: 228) وفيه توسط أبي أيوب بينهما أيضاً.
  27. لاحظ الكافي ج:3 ص:340، ج:2 ص:425، وتهذيب الأحكام ج:5 ص:32، والكافي ج:3 ص:489، ومن لا يحضره الفقيه (المشيخة) ج:4 ص:32، والمحاسن ج:2 ص:601، والكافي ج:6 ص:284.
  28. لاحظ رجال النجاشي ص:82، واختيار معرفة الرجال ج:2 ص:799.
  29. تجدر الإشارة إلى أن الكشي حكى عن نصر بن الصباح بشأن عثمان بن عيسى أنه (كان شيخاً، وعمّر ستين سنة، وكان يروي عن أبي حمزة الثمالي. ولا يتهمون عثمان بن عيسى) (اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:860). وفي هذا الكلام تعريض بالحسن بن محبوب الذي ادعى أن الأصحاب كانوا يتهمونه في روايته عن أبي حمزة، ويبدو أن لفظ (ستين) في كلامه محرف (تسعين) بقرينة قوله: (كان شيخاً عمّر..) وأيضاً بقرينة ما ادعاه من التفريق بين عثمان بن عيسى والحسن بن محبوب في اتهام الثاني في روايته عن أبي حمزة دون الأول فإنه لو كان قد عمّر ستين سنة فقط لكان هو أولى بالاتهام من ابن محبوب الذي عمّر خمساً وسبعين سنة مع كونهما في عصر واحد، فتأمّل.
  30. لاحظ المحاسن ج:1 ص:286، وبصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد (عليهم السلام) ص:50، والكافي ج:1 ص:88، والغيبة للنعماني ص:304، وكامل الزيارات ص:334، والأمالي للصدوق ص:389، والتوحيد ص:173، وثواب الأعمال وعقاب الأعمال ص:148، وكمال الدين وتمام النعمة ص:652، ومعاني الأخبار ص:346، ومن لا يحضره الفقيه ج:3 ص:503 (ط: إيران)، والإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج:1 ص:12، والأمالي للمفيد ص:184، وتهذيب الأحكام ج:1 ص:295، والأمالي للطوسي ص:79، والغيبة للطوسي ص:428.
  31.  لاحظ تاريخ دمشق ج:42 ص:386، ج:26 ص:323، ووقع فيه تصحيف بتلقيب ابن محبوب بالسراج بدل السراد. وشواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت (عليهم السلامج:1 ص:58، وحلية الأولياء وطبقات الأصفياء ج:3 ص:135.
  32. فهرست كتب الشيعة وأصولهم ص:90. رجال النجاشي ص:115.
  33.  اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:851.
  34.  لاحظ رسالة أبي غالب الزراري إلى ابن ابنه ص:153.
  35.   استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ج:2 ص:146، ولاحظ ج:5 ص:135.
  36. رجال النجاشي ص:39.
  37. قال (رحمه الله) : (وقد خفت أن يسبق أجلي إدراكك وتمكنك من سماع الحديث وتمكني من حديثك بما سمعت من الحديث، وأن أفرّط في شيء من ذلك كما فرّط جدي وخال أبي رحمهما الله.. ولم يبق في وقتي من آل أعين أحد يروي الحديث ولا يطلب علماً، وشححت على أهل هذا البيت الذي لم يخل من محدث أن يضمحل ذكرهم، ويندرس رسمهم، ويبطل حديثهم من أولادهم. وقد بينت لك آخر كتابي هذا أسماء الكتب التي بقيت عندي.. وأجزت لك خاصة روايتها عني..) (رسالة أبي غالب الزراري ص:152).
  38. التعليقة على منهج المقال ص:13.
  39.  الكافي ج:1 ص:53.
  40. الكافي ج:1 ص:52.
  41. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:795.
  42. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:489.
  43. اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:490.
  44.  قاموس الرجال ج:3 ص:350.
  45.  اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:851.
  46.  ويظهر من بعض الروايات أن أبا حمزة الثمالي كانت له حلقة دراسية في مسجد الكوفة قبيل وفاة الصادق (عليه السلام). (لاحظ الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ج:1 ص:328).
  47. ومن ذلك أنه ورد في (اختيار معرفة الرجال ج:2 ص:605) في ترجمة حماد بن عيسى أنه عاش نيّفاً وسبعين سنة، مع أن المذكور في (رجال النجاشي ص:143) أنه مات سنة (209) أو (208) وله نيّف وتسعون سنة.
  48. رجال النجاشي ص:446.
  49. لسان الميزان ج:2 ص:248.
  50.  تهذيب الأحكام ج:10 ص:170.
  51.  الكافي ج:7 ص:364. من لا يحضره الفقيه ج:4 ص:106.
  52.  لاحظ لسان الميزان ج:1 ص:407، 436، ج:2 ص:62، ج:7 ص:57.
  53. فهرست كتب الشيعة وأصولهم ص:122.
  54. فهرست كتب الشيعة وأصولهم ص:526.
  55. فهرست كتب الشيعة وأصولهم ص:128، 159، 164، 245، 344.
  56. استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ج:2 ص:146ــ147.

 

 

 

 

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)