أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-18
887
التاريخ: 2023-08-22
927
التاريخ: 2024-06-08
657
التاريخ: 2023-05-02
908
|
سادت نظرية السيَّال الحراري حوالي الخمسين سنة، وقد لفت الكونت رمفورد أنظار المجتمع العلمي إلى عدم صحتها عام 1798م. كان رمفورد مُتَخَصِّصًا في صناعة المدافع، 77 وحاول أن يفسر ما يحدث أمامه من ارتفاع في درجة الحرارة بقوله: «يُصبح الجسم أكثر سخونة كلما اشتدَّت حركة الدقائق التي يتكون منها، تماما كما يُصْبِح صوت الناقوس أقوى رنةً، كلما زادت سرعة تردده.» 78
لقد لاحظ رمفورد تولُّد الحَرَارة من أداوت الثقب والخراطة في أثناء كشط وتقوير قلب المدفع، الأمر الذي كان يضطرهم لرش تيار الماء البارد بشكل دائم، مع ذلك فإنَّ درجة الحرارة تزداد، وهذا يعني أنَّ الحرارة ليست مجرد انتقال مائع من جسمٍ لآخر، بل هي شيء يمكن إحداثه وزيادة كميته؛ لأنها صورة من صور الحركة التي تنتقل من المثقاب إلى الجسيمات الدقيقة التي تتكون منها مادة المدفع. 79 وحتى يتأكد رمفورد من فرضيته قام بإحضار مثقاب مدفع مثلم بشكل كبير وذلك لرفع درجة الاحتكاك، واستعمله على معدنٍ يُراد ثقبه ومغمور في 12 كغ من الماء البارد (ذكر 26.5 باوند من الماء حسب تقريره؛ إذ إنَّ الوحدات المترية لم تكن مستعملة ذلك الوقت). بعد ساعتين ونصف من الحفر المستمر أدَّت العملية إلى غليان الماء والحصول على 269 غراما من البرادة المعدنية. أوضح رمفورد أنَّ الكمية نفسها من الحرارة كانت لازمة لرفع درجة حرارة كل من 269 غرامًا من البرادة المعدنية وكمية مكافئة من 269 غراما من المعدن الصلب للمدافع غير المحفورة؛ وبالتالي أظهر أن المعدن لم يفقد قدرته على إبقاء الحرارة نتيجة حالته، وأنَّ الحرارة التي أدت إلى غليان الماء ناجمة عن العمل في حفر المعدن. وفي عام 1798م قدَّم الكونت رمفورد نتائج بحثه حول طبيعة الحرارة إلى الجمعية الملكية البريطانية بدراسة أسماها «أبحاث مُتعلّقة في مصدر الحرارة الناتجة عن الاحتكاك».80 وذكر «أنه، لما كانت الحرارة تبدو ظاهرةً لا تنفد، فمن المستحيل أن تكون عنصرًا ماديا، ويبدو لي من الصعوبة بمكان – إذا لم أقل مستحيلا – أن نتصوّر وجود أي شيء يمكن أن يُثار، كما استُثيرت الحرارة وانتقلت خلال هذه التجارب، إلا إذا كانت الحركة.» 81
طبعا لم يقبل أصحاب فكرة السيال الحراري ما طرحه رمفورد؛ فقد كانت حججه التجريبية بالنسبة لهم غير دقيقة، لكنه استمرَّ بالدفاع والجدال عن وجهة نظره، وقال: إنه يتمنى «أن يعيش ما يكفي من الزَّمن ليغتبط برؤية السيال الحراري يُدفن مع الفلوجيستون في المقبرة نفسها.» 82
لكن بعض المؤرّخين يرى بأنَّ هذا لا يجعلنا اعتبار رمفورد من المؤمنين بالنظرية الميكانيكية للحرارة، نظرًا لكون مناقشاته ناقصة، ولم يتجاوز فيها التقرير المبهم، واستخدام تعبير كان شائعًا في القرن 19م؛ 83 لذلك لا نستغرب أن تُهمل أفكار رمفورد بدعوى أن العلماء لا يمكنهم أن يروا هذه الجسيمات الدقيقة التي تكلم عنها رمفورد،
وكان على نظريته الانتظار ريثما يأتي من يؤيدها ويُثبت صحتها، كما أنَّ ظهور نظرية دالتون الذريَّة أقنع العلماء بوجود الذرات والتي تقوم بهذه الحركات، وتولد الحرارة. لقد أجرى رمفورد أيضًا مُحاولة لإعطاء فكرة عَمَّا دُعي فيما بعد بـ «المكافئ الميكانيكي للحرارة». مثقابه كان يشغل بعمل حصانين يديران قضيبًا رحويًّا – علما أن واحدًا منهما كان يكفي – ويُشير رمفورد إلى أن تسخين الماسورة بواسطة المثقاب يساوي ذاك تسع شمعات كبيرة من المحتمل أنه افتراض أكثر مما ينبغي أن رمفورد فكر بشأن صون الطاقة، إلا أنه أشار إلى هذا: «سيحصل المرء على حرارة أكثر [من المثقاب]، إذا أحرق علف الخيول. وهكذا أعطى الانطباع، أنه ربما ظن أن مقادير الحرارة تلك هي الشيء نفسه. 84
من ناحية أخرى، وفي نظرية السيَّال الحراري الكيميائية، فإن درجة الحرارة جرى تصورها ككثافة أو ضغط للسيَّال الحراري الحر فقط؛ لأنَّ السيال الحراري الكامن كان يُتصور عادةً كسيَّال حراري مُجَرَّد من قُوَّته المنفرة المميزة؛ لذلك هو غير قادر على أن يُسبب تمدد مواد القياس الحراري. إلا أنه كان من غير الممكن دحض مذاهب السيَّال الحراري – الكيماوي المتنوّعة بالتجربة المباشرة؛ لأنه لم تكن توجد طريقة مباشرة لقياس مقدار السيَّال الحراري الذي يُصبح كامنًا أو محسوسًا من جديد في أي عملية كيميائية أو فيزيائية مُحدَّدة، وأيضًا مقدار مجموع السيال الحراري الكامن المحتوى في جسم. هنا واجهت رمفورد عدم إمكانية الدحض هذه عندما حاول تقديم أسباب ضد نظرية السيَّال الحراري على أساس تجربته الشهيرة في ثقب المدفع. في رأي رمفورد الخاص، أنَّ تجربته دحضت نظرية السيَّال الحراري لأنها بيَّنت أن مقدارًا غير محدود من الحرارة يمكن توليده بالاحتكاك (الحركة). بالنسبة لمؤيدي السيال الحراري الأكثر أهمية تجربة رمفورد بيَّنت فقط تحرُّر السيَّال الحراري المتحد بوصفها نتيجةً للإثارة الميكانيكية، ولم يعرف أحد مقدار السيَّال الحراري المتحد الذي سيُحرر بهذه الطريقة. 85
بالاشتراك مع السير همفري دايفي، واصل رمفورد تجاربه على الحرارة: لقد وزن الماء بدقة قبل وبعد التجمُّد ووجد الوزن غير متبدل، مع أنه أطلق حرارةً في العملية؛ لذا استنتج أن السيَّال الحراري، إذا كان يُوجد، فهو غير قابل للوزن. هذه الملاحظة يجب أن تكون قد جرَّدَت السيال الحراري من صلاحيته للاستمرار في العمل، إلا أنها لم تفعل طوال 40 سنةً أخرى. 86
___________________________________
هوامش
77- عزام محمد، مدخل إلى فلسفة العلوم، ص133.
78- لانداو وكيتايجورودسكي، أ، الكتاب الثاني، الجزيئات، ص21.
79- أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص 74.
80- Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 11
81- ويلسون ميتشل، الطاقة، ص36.
82- كوب، كاتي ووايت هارولد جولد، إبداعات النار، ص 135.
83- فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج2، ص 46.
84- Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 11-12.
85- Chang, Hasok, Inventing Temperature: pp. 170-171.
86- Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 12.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|