مفهوم تأثير الحرارة على حالات المادة عند مؤيد الدين الطغرائي (القرن 6هـ/12م) |
870
02:02 صباحاً
التاريخ: 2023-04-27
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-2-2017
1326
التاريخ: 2023-05-27
1115
التاريخ: 2023-04-25
744
التاريخ: 2023-05-02
911
|
ارتكز الكيميائي مؤيد الدين الطغرائي على تعريف أرسطو للحرارة، ثم بحث في أثرها في المعالجة الكيميائية للمواد، فالحطب الذي تُسَلَّط عليه النار تجتمع الأجزاء المتماثلة فيه مع بعضها وتنتقل لمرحلة أخرى، إما تصعد أو تترسب.
قال الطغرائي: «اعلم أنَّ قوى البسائط المبحوث عنها والمحتاج إليها أربعة: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة؛ فالحرارة سواء كانت هي المعلومة أو الموجودة بالتدبير عبارة عن كيفية من شأنها تفريق المختلفات وجمع المؤتلفات، فإنها إذا سلكت على جسمٍ مركب من جسدين بارد ورطب وبارد ويابس مثلًا، فإنها لا تزال تجمع أجزاء كل واحدٍ منهما حتى يتم، ثم تميّز أحدهما عن الآخر، فتجد البارد الرُّطب وحده والبارد اليابس وحده، وكذا تفعل في كل مختلفين ومتضادَّين، وأما المؤتلفات فكمثل أجزاء الحار اليابس الدقيقة المتفرقة في جرمِ الشيء المركَّب منه ومن غيره؛ أي المتبدّدة في أقطاره ومساحة جرمه؛ فإنها عند إحساسها بالحرارة وتسليطها على المركَّب لا تزال تجتمع وتنضم مع بعضها بعضًا إلى أن تستكمل كلها وتستخلص من الجسم الذي هي فيه، وتصعد إن كانت قابلة للصعود، وتركد إن كانت قابلة للرُّكود. وهكذا إذا كان الأمر على مثل إلى أن يتبقى من المركَّب الذي سُلِّطَت عليه الحرارة أرضه وجسده، وأتفاله باقية وحدها غير مشوبة بشيء من غيره، مثال ذلك: أنَّ الحطب الذي سُلِّطَت عليه النار العنصرية لا يزال تجتمع فيه الأجزاء المتماثلة بعضها من بعض من مساحة حرمه طولا وعرضًا، وتجتمع جملةً وتصعد أدخنة حاملة لأرواحه إلى ألا يبقى فيه شيء مما هو قابل للصعود حتى يخرج منه، فيبقى جسده وتفله أرضًا ميتةً لا روح فيها أبدًا وهو الرماد، فهذا معنى كون الحرارة تفرق المختلفات وتجمع المؤتلفات.»57
ويميز الطغرائي بين تحول المادة إلى مادة أخرى كفعل فيزيائي (استحالة)، وبين تحلُّل المادة وفسادها كفعل كيميائي فيقول: «اعلم أنَّ الاستحالة غير الكون والفساد، والفرق بينهما أن الاستحالة حركة في الكيف مع بقاء الصورة النوعية بعينها، مثاله حركة الماء عند التسخين من البرودة إلى الحَرَارة فهذا الجسم المائي الذي تَحَرَّك من البرودة الذاتية إلى الحرارة العرضية باقٍ بعينه مع زوال كيفيته وهي البرودة. ويُفرق بينهما من وجه اخر هو أنَّ الجسم المستحيل في كيفيته لا تزول كيفيته رأسًا، وبالحقيقة، بل إنما تستر. بحسب قوة الضّد الوارد عليها فتهرب البرودة مثلا من النار إلى باطن الجسم، وتبقى الحرارة إلى حين تغلب عليها البرودة الذاتية فتكسرها وتُخرجها من محلها وتحلُّ البرودة في جسدها كما كانت، وأما لو كانت الكيفيات تزول رأسًا في الاستحالات لما عادت أبدًا.» 58 ثم يُنَبِّه إلى أنَّ ما تفعله الحرارة هو تحليل الجسم إلى الأجزاء التي يتركب منها، لكن لهذا التحليل حدود؛ إذْ لا يمكن للحرارة أن تُحَلَّل الأجسام البسيطة، وإنما فقط تُحلّل الأجسام المركَّبة من عناصر عديدة، ومع وجود تناقض بين كلامه وكلام أرسطو في تعريف قدرة الحرارة، إلا أنه يُحاول أن يتجنَّب الحديث في ذلك، فماذا لو أنَّ المُرَكب كان من عناصر مُتماثلة وليست مختلفة عندها فإنَّ الحرارة ستعمل على تفريق المتماثلات وليس تجميعها التناقض نفسه سبق وأن شعر به ابن سينا لكنه كابر وحاول الدفاع عنه، حتى يتجنَّب الكثير من الانتقادات التي يمكن أن تواجه منظومته الفكرية والفلسفية برمتها.
قال الطغرائي: «قد علمت مع غاية البيان مما ذكرناه في ذلك أنَّ أول شيء يحدث في المركب من الحرارة هو التحليل؛ إذْ ليس معنى للتحليل إلا تفصيل المُرَكَّب إلى أجزائه التي يتركب منها وتفرقها، واستبان أيضًا مِمَّا ذُكر أنَّ التحليل لا يكون ولا يمكن أن يكون بشيء سوى الحرارة، واستبان أيضًا بالضرورة أنه لا يمكن أن يكون التحليل في غير المركبات فلا يمكن التحليل في البسائط؛ لأنها ليست ذوات أجسام لها أجزاء أولية تتركب منها؛ فلذلك لا يكون التحليل في صناعتنا هذه إلا في أول التدبير والحجر باق على تركيبه، ثم في أول القسم الثاني من التدبير يحتاج أيضًا إلى تحليله؛ لأنه يكون هناك قد جمعت إليه أجزاؤه وبسائطه التي أُخذَت منه.»59
يشكر للطغرائي انتباهه إلى وجود علاقة بين الزَّمن والحرارة في أثناء تأثيرها على المادة، خصوصًا لدى تقطير أي مادة، وقد وجد أنَّ هذه العلاقة عكسية حيثُ إِنَّ «ما
تفعله الحرارة الهائلة في الزمن القصير تفعله الحرارة الضعيفة في الزمن الطويل. ومن ضوابط الحكمة في هذا الباب أن الحرارة الضعيفة تفعل في الزمن الطويل ما لا تفعله الحرارة الكبيرة في الزمن اليسير.»60
_____________________________________
هوامش
57- الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، نسخة مكتبة الكونغرس، ص56 و-56 ظ.
58- المرجع السابق نفسه، ص 36 و.
59- الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، ج 1، ص 56 ظ.
60- المرجع السابق نفسه، ج 2، ص 93 و.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|