المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



مظاهر من شخصية الإمام علي بن محمد الهادي ( عليه السّلام )  
  
1449   01:33 صباحاً   التاريخ: 2023-04-10
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 12، ص 27-36
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن محمد الهادي / مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام) /

لقد تحلّى الإمام الهادي ( عليه السّلام ) بمكارم الأخلاق التي بعث جدّه الرسول الأعظم لتتميمها ، واجتمعت في شخصيته كل عناصر الفضل والكمال التي لا يسعنا الإحاطة بها ولا تصويرها ، ولكن هذا لا يمنع أن نشير إلى جملة من مكارم أخلاقه التي تجلّت في صور من سلوكه . وإليك بعض هذه المكارم التي نصّت عليها كتب السيرة والتاريخ .

1 - الكرم :

كان ( عليه السّلام ) من أبسط الناس كفا ، وأنداهم يدا ، وكان على غرار آبائه الذين أطعموا الطعام على حبّه مسكينا ويتيما وأسيرا ، وكانوا يطعمون الطعام حتى لا يبقى لأهلهم طعام ، ويكسونهم حتى لا يبقى لهم كسوة[1].

وقد روى المؤرّخون بوادر كثيرة من برّ الإمام الهادي ( عليه السّلام ) واحسانه إلى الفقراء وإكرامه البائسين ، نقتصر منها على ما يلي :

1 - وفد جماعة من أعلام الشيعة على الإمام الهادي ( عليه السّلام ) وهم أبو عمرو عثمان بن سعيد ، وأحمد بن إسحاق الأشعري ، وعلي بن جعفر الحمداني ، فشكا إليه أحمد بن إسحاق دينا عليه ، فالتفت ( عليه السّلام ) إلى وكيله عمرو ، وقال له :

ادفع له ثلاثين ألف دينار ، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، كما أعطى وكيله مثل هذا المبلغ .

وعلّق ابن شهرآشوب على هذه المكرمة العلوية بقوله : « فهذه معجزة لا يقدر عليها إلّا الملوك ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء »[2].

2 - اشترى إسحاق الجلاب لأبي الحسن الهادي ( عليه السّلام ) غنما كثيرة يوم التروية ، فقسمها في أقاربه[3] « 2 » .

3 - وكان قد خرج من سامراء إلى قرية له ، فقصده رجل من الأعراب ، فلم يجده في منزله فأخبره أهله بأنه ذهب إلى ضيعة له ، فقصده ، ولما مثل عنده سأله الإمام عن حاجته ، فقال بنبرات خافتة : يا ابن رسول اللّه ، أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسّكين بولاية جدّك علي بن أبي طالب ، وقد ركبني فادح - أي دين - أثقلني حمله ، ولم أر من أقصده سواك .

فرقّ الإمام لحاله ، وأكبر ما توسل به ، وكان ( عليه السّلام ) في ضائقة لا يجد ما يسعفه به ، فكتب ( عليه السّلام ) ورقة بخطّه جاء فيها : أن للأعرابي دينا عليّ ، وعيّن مقداره ، وقال له : خذ هذه الورقة ، فإذا وصلت إلى سر من رأى ، وحضر عندي جماعة فطالبني بالدين الذي في الورقة ، وأغلظ عليّ في ترك إيفائك ، ولا تخالفني فيما أقول لك .

فأخذ الأعرابي الورقة ، ولما قفل الإمام إلى سرّ من رأى حضر عنده جماعة كان فيها من عيون السلطة ومباحث الأمن ، فجاء الأعرابي فأبرز الورقة ، وطالب الإمام بتسديد دينه الذي في الورقة فجعل الإمام ( عليه السّلام ) يعتذر إليه ، والاعرابي يغلظ له في القول ، ولما تفرّق المجلس بادر رجال الأمن إلى المتوكل فأخبروه بالأمر فأمر بحمل ثلاثين ألف درهم إلى الإمام فحملت له ، ولما جاء الأعرابي قال له الإمام ( عليه السّلام ) :

« خذ هذا المال واقض منه دينك ، وانفق الباقي على عيالك وأهلك واعذرنا . . . » .

وأكبر الاعرابي ذلك ، وقال للامام : ان ديني يقصر على ثلث هذا المبلغ . فأبى الإمام ( عليه السّلام ) أن يستردّ منه من الثلاثين شيئا ، فولّى الاعرابي وهو يقول : اللّه أعلم حيث يجعل رسالته[4].

2 - الزهد :

لقد عزف الإمام الهادي ( عليه السّلام ) عن جميع مباهج الحياة ومتعها وعاش عيشة زاهدة إلى أقصى حدّ ، لقد واظب على العبادة والورع والزهد ، فلم يحفل بأي مظهر من مظاهر الحياة ، وآثر طاعة اللّه على كل شيء ، وقد كان منزله في يثرب وسرّ من رأى خاليا من كل أثاث ، فقد داهمت منزله شرطة المتوكل ففتّشوه تفتيشا دقيقا فلم يجدوا فيه شيئا من رغائب الحياة ، وكذلك لما فتّشت الشرطة داره في سرّ من رأى ، فقد وجدوا الإمام في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر وهو جالس على الرمل والحصى ، ليس بينه وبين الأرض فراش[5].

3 - العمل في المزرعة :

وتجرّد الإمام العظيم من الأنانية ، حتى ذكروا إنّه كان يعمل بيده في أرض له لإعاشة عياله ، فقد روى عليّ بن حمزة حيث قال : « رأيت أبا الحسن الثالث يعمل في أرض وقد استنقعت قدماه من العرق فقلت له : جعلت فداك أين الرجال ؟

فقال الإمام : يا علي قد عمل بالمسحاة من هو خير منّي ومن أبي في أرضه .

قلت : من هو ؟

قال : رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وأمير المؤمنين وآبائي كلّهم عملوا بأيديهم ، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء الصالحين »[6].

4 - إرشاد الضالين :

واهتمّ الإمام الهادي ( عليه السّلام ) اهتماما بالغا بإرشاد الضالين والمنحرفين عن الحق وهدايتهم إلى سواء السبيل ، وكان من بين من أرشدهم الإمام وهداهم أبو الحسن البصري المعروف بالملاح ، فقد كان واقفيا يقتصر على إمامة الإمام موسى بن جعفر ( عليهما السّلام ) ولا يعترف بإمامة أبنائه الطاهرين ، فالتقى به الإمام الهادي فقال له : « إلى متى هذه النومة ؟ أما آن لك أن تنتبه منها ؟ ! » .

وأثّرت هذه الكلمة في نفسه فآب إلى الحقّ ، والرشاد[7].

5 - التحذير عن مجالسة الصوفيين :

وحذّر الإمام الهادي ( عليه السّلام ) أصحابه وسائر المسلمين من الاتصال بالصوفيين والاختلاط بهم لأنهم مصدر غواية وضلال للناس ، فهم يظهرون التقشّف والزهد لاغراء البسطاء والسذّج وغوايتهم .

فلقد شدّد الإمام الهادي ( عليه السّلام ) في التحذير من الاختلاط بهم حتى روى الحسين بن أبي الخطاب قال : كنت مع أبي الحسن الهادي ( عليه السّلام ) في مسجد النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري ، وكان بليغا وله منزلة مرموقة عند الإمام ( عليه السّلام ) وبينما نحن وقوف إذ دخل جماعة من الصوفية المسجد فجلسوا في جانب منه ، وأخذوا بالتهليل ، فالتفت الإمام إلى أصحابه فقال لهم :

« لا تلتفتوا إلى هؤلاء الخدّاعين فإنّهم حلفاء الشياطين ، ومخرّبو قواعد الدين ، يتزهّدون لإراحة الأجسام ، ويتهجّدون لصيد الأنعام ، يتجرّعون عمرا حتى يديخوا للايكاف[8] حمرا ، لا يهللون إلّا لغرور الناس ، ولا يقلّلون الغذاء إلّا لملء العساس واختلاس قلب الدفناس[9] ، يكلّمون الناس باملائهم في الحبّ ، ويطرحونهم بإذلالهم في الجب ، أورادهم الرقص والتصدية ، وأذكارهم الترنّم والتغنية ، فلا يتبعهم إلّا السفهاء ، ولا يعتقد بهم إلّا الحمقاء ، فمن ذهب إلى زيارة أحدهم حيا أو ميتا ، فكأنّما ذهب إلى زيارة الشيطان وعبادة الأوثان ، ومن أعان واحدا منهم فكأنّما أعان معاوية ويزيد وأبا سفيان » .

فقال أحد أصحابه : وإن كان معترفا بحقوقكم ؟ .

فزجره الإمام وصاح به قائلا : « دع ذا عنك ، من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا ، أما تدري أنّهم أخسّ طوائف الصوفية ، والصوفية كلهم مخالفونا ، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا ، وإن هم إلّا نصارى أو مجوس هذه الأمة ، أولئك الذين يجتهدون في إطفاء نور اللّه بأفواههم ، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون »[10].

6 - تكريمه للعلماء :

وكان الإمام الهادي ( عليه السّلام ) يكرم رجال الفكر والعلم ويحتفي بهم ويقدّمهم على بقية الناس لأنّهم مصدر النور في الأرض ، وكان من بين من كرّمهم أحد علماء الشيعة وفقهائهم ، وكان قد بلغه عنه انه حاجج ناصبيا فأفحمه وتغلّب عليه فسرّ الإمام ( عليه السّلام ) بذلك ، ووفد العالم على الإمام فقابله بحفاوة وتكريم ، وكان مجلسه مكتظّا بالعلويين والعباسيين ، فأجلسه الإمام على دست ، وأقبل عليه يحدّثه ، ويسأل عن حاله سؤالا حفيا ، وشقّ ذلك على حضار مجلسه من الهاشميين فالتفتوا إلى الإمام ، وقالوا له : كيف تقدّمه على سادات بني هاشم ؟

فقال لهم الإمام : « إيّاكم أن تكونوا من الذين قال اللّه تعالى فيهم : أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ[11] أترضون بكتاب اللّه عزّ وجلّ حكما ؟ »

فقالوا جميعا : بلى يا ابن رسول اللّه[12].

وأخذ الإمام يقيم الدليل على ما ذهب إليه قائلا : أليس اللّه قال :

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ - إلى قوله - : وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ[13]  فلم يرض للعالم المؤمن إلّا أن يرفع على المؤمن غير العالم ، كما لم يرض للمؤمن إلّا أن يرفع على من ليس بمؤمن ، أخبروني عنه قال تعالى : يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ أو قال : يرفع اللّه الذين أوتوا شرف النسب درجات ؟ ! أوليس قال اللّه : . . . هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ؟ . . .[14].

فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللّه ، إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج اللّه التي علمه إياها لأشرف من كل شرف في النسب .

وسكت الحاضرون ، فقد ردّ عليهم الإمام ببالغ حجّته ، إلّا ان بعض العبّاسيين انبرى قائلا :

يا ابن رسول اللّه لقد شرّفت هذا علينا ، وقصرتنا عمن ليس له نسب كنسبنا ، وما زال منذ أول الاسلام يقدم الأفضل في الشرف على من دونه .

وهذا منطق رخيص فإن الاسلام لا يخضع بموازينه إلّا للقيم الصحيحة التي لم يعها هذا العباسي ، وقد ردّ عليه الإمام ( عليه السّلام ) قائلا :

سبحان اللّه ! أليس العبّاس بايع أبا بكر وهو تيمي ، والعباس هاشمي ، أوليس عبد اللّه بن عباس كان يخدم عمر بن الخطاب ، وهو هاشمي أبو الخلفاء ، وعمر عدوي ، وما بال عمر أدخل البعداء من قريش في الشورى ، ولم يدخل العباس ؟ ! فإن كان رفعا لمن ليس بهاشمي على هاشمي منكرا ، فأنكروا على العباس بيعته لأبي بكر وعلى عبد اللّه بن عباس بخدمته لعمر ، فإن كان ذلك جائزا فهذا جائز »[15].

7 - العبادة :

إنّ الاقبال على اللّه والإنابة إليه واحياء الليالي بالعبادة ومناجاة اللّه وتلاوة كتابه هي السّمة البارزة عند أهل البيت ( عليهم السّلام ) .

أما الإمام الهادي ( عليه السّلام ) فلم ير الناس في عصره مثله في عبادته وتقواه وشدّة تحرّجه في الدين ، فلم يترك نافلة من النوافل إلّا أتى بها ، وكان يقرأ في الركعة الثالثة من نافلة المغرب سورة الحمد وأول سورة الحديد إلى قوله تعالى : وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وفي الركعة الرابعة سورة الحمد وآخر سورة الحجرات[16].

8 - استجابة دعائه :

وقد ذكرت بوادر كثيرة من استجابة دعاء الإمام ( عليه السّلام ) عند اللّه كان منها :

1 - ما رواه المنصوري عن عمّ أبيه ، قال : قصدت الإمام عليّا الهادي ، فقلت له : يا سيّدي ان هذا الرجل - يعني المتوكّل - قد اطرحني ، وقطع رزقي ، وملّني وما اتّهم به في ذلك هو علمه بملازمتي بك ، وطلب من الإمام التوسّط في شأنه عند المتوكّل ، فقال ( عليه السّلام ) : تكفى إن شاء اللّه ، ولما صار الليل طرقته رسل المتوكل فخفّ معهم مسرعا إليه ، فلما انتهى إلى باب القصر رأى الفتح واقفا على الباب فاستقبله وجعل يوبّخه على تأخيره ثم أدخله على المتوكّل فقابله ببسمات فيّاضة بالبشر قائلا : يا أبا موسى تنشغل عنّا ، وتنسانا ؟ ! أي شيء لك عندي ؟

وعرض الرجل حوائجه وصلاته التي قطعها عنه ، فأمر المتوكّل بها وبضعفها له ، وخرج الرجل مسرورا .

وانصرف الرجل فتبعه الفتح فأسرع إليه قائلا :

لست أشكّ أنك التمست منه - أي من الإمام - الدعاء ، فالتمس لي منه الدعاء .

ومضى ميمّما وجهه نحو الإمام ( عليه السّلام ) فلمّا تشرّف بالمثول بين يديه قال ( عليه السّلام ) له : يا أبا موسى هذا وجه الرضا .

فقال الرجل بخضوع : ببركتك يا سيّدي ، ولكن قالوا لي : إنّك ما مضيت إليه ولا سألته .

فأجابه الإمام ببسمات قائلا : إن اللّه تعالى علم منّا أنّا لا نلجأ في المهمات إلّا إليه ، ولا نتوكّل في الملمّات إلّا عليه ، وعوّدنا إذا سألناه الإجابة ، ونخاف أن نعدل فيعدل بنا .

وفطن الرجل إلى أن الإمام قد دعا له بظهر الغيب ، وتذكّر ما سأله الفتح فقال : يا سيّدي ان الفتح يلتمس منك الدعاء .

فلم يستجب الإمام له وقال : ان الفتح يوالينا بظاهره ، ويجانبنا بباطنه ، الدعاء انّما يدعى له إذا أخلص في طاعة اللّه ، واعترف برسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وبحقّنا أهل البيت[17].

2 - روي أن عليّ بن جعفر كان من وكلاء الإمام ( عليه السّلام ) فسعي به إلى المتوكّل فحبسه ، وبقي في ظلمات السجون مدّة من الزمن ، وقد ضاق به الأمر فتكلّم مع بعض عملاء السلطة في إطلاق سراحه ، وقد ضمن أن يعطيه عوض ذلك ثلاثة آلاف دينار ، فأسرع إلى عبيد اللّه وهو من المقرّبين عند المتوكّل ، وطلب منه التوسّط في شأن عليّ بن جعفر ، فاستجاب له ، وعرض الأمر على المتوكل ، فأنكر عليه ذلك وقال له :

لو شككت فيك لقلت : إنّك رافضي ، هذا وكيل أبي الحسن الهادي وأنا على قتله عازم .

وندم عبيد اللّه على التوسّط في شأنه ، وأخبر صاحبه بالأمر ، فبادر إلى عليّ بن جعفر وعرّفه أن المتوكّل عازم على قتله ولا سبيل إلى إطلاق سراحه ، فضاق الأمر بعليّ بن جعفر ، فكتب رسالة إلى الإمام جاء فيها :

« يا سيّدي اللّه اللّه فيّ ، فقد خفت أن أرتاب ، فوقّع الإمام على رسالته : « أمّا إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد اللّه فيك » ، وأصبح المتوكّل محموما دنفا ، وازدادت به الحمّى فأمر باطلاق جميع المساجين ، وأمر بإطلاق سراح علي بن جعفر بالخصوص ، وقال لعبيد اللّه : لم لم تعرض عليّ اسمه ؟ فقال :

لا أعود إلى ذكره أبدا ، فأمره بأن يخلّي عنه ، وأن يلتمس منه أن يجعله في حلّ مما ارتكبه منه ، وأطلق سراحه ، ثم نزح إلى مكّة فأقام بها بأمر من الإمام »[18].

هذه بعض البوادر التي ذكرها الرواة من استجابة دعاء الإمام ، ومن المؤكّد ان استجابة الدعاء ليس من عمل الانسان وصنعه ، وإنّما هو بيد اللّه تعالى فهو الذي يستجيب دعاء من يشاء من عباده ، ومما لا شبهة فيه ان لأئمّة أهل البيت ( عليهم السّلام ) منزلة كريمة عنده تعالى لأنّهم أخلصوا له كأعظم ما يكون الاخلاص ، وأطاعوه حقّ طاعته وقد خصّهم تعالى باستجابة دعائهم كما جعل مراقدهم الكريمة من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء[19].

 

[1] صفة الصفوة : 2 / 98 .

[2] المناقب : 4 / 409 .

[3] مناقب آل أبي طالب : 4 / 443 .

[4] الاتحاف بحبّ الاشراف : 176 . والفصول المهمة لابن الصباغ : 274 . والصواعق المحرقة : 312 .

[5] أصول الكافي : 1 / 499 وعنه في الارشاد : 2 / 302 ، 303 وعن الكليني في إعلام الورى : 2 / 119 . والفصول المهمة : 377 .

[6] كتاب من لا يحضره الفقيه : 3 / 162 .

[7] إعلام الورى : 2 / 123 عن كتاب الواحدة للعمّي ، وعن الاعلام في بحار الأنوار : 50 / 189 .

[8] يديخوا : أي يذلوها ويقهروها .

[9] الدفناس : الغبيّ والأحمق ، كما في مجمع البحرين : 4 / 71 .

[10] حديقة الشيعة للأردبيلي : 602 ، 603 عن المرتضى الرازي في كتاب الفصول ، وابن حمزة في كتاب الهادي إلى النجاة كلاهما عن الشيخ المفيد ، وعنه في روضات الجنّات : 3 / 134 .

[11] آل عمران ( 3 ) : 23 .

[12] كذا ، والصحيح : ألا ترضون . . وإلّا فالجواب بنعم وليس ببلى .

[13] المجادلة ( 58 ) : 11 .

[14] الزمر ( 35 ) : 9 .

[15] الاحتجاج للطبرسي : 2 / 259 .

[16] وسائل الشيعة : 4 / 750 .

[17] أمالي الطوسي : 285 ح 555 وعنه في بحار الأنوار : 50 / 127 وفي المناقب : 4 / 442 .

[18] رجال الكشي : 606 ح 1129 وعنه في بحار الأنوار : 50 / 183 .

[19] راجع حياة الإمام علي الهادي : 42 - 62 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.