أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-08-2015
4077
التاريخ: 14-08-2015
9469
التاريخ: 29-09-2015
2135
التاريخ: 25-03-2015
2412
|
نشأت
الرمزية في أواخر القرن التاسع عشر نتيجة ردّ فعل على الرومانسية والبرناسيّة،
واستمرت حتى أوائل القرن العشرين معايشةً البرناسيّة والواقعية والطبيعيّة، ثم
امتدت حتى شملت أمريكا وأوربا.
لم
تكن الرمزية واضحة المعالم في البدء، فقد ذكرنا سابقاً أن جماعة (البرناس) انقسمت
على نفسها وانفصل عنها فيرلين ومالارميه ليكوّنا اتجاهاً سيعرف بالرمزية ولم يعرف
اصطلاح (الرمزية ورمزيّ) إلاّ في عام 1885. حتى إن فيرلين كان يكره هذه التسمية
بعد ظهورها. وقد ورد هذا الاصطلاح للمرة الأولى في مقالة كتبها الشاعر الفرنسي جان
موريس رداً على الذين اتهموه وأمثاله بأنهم شعراء الانحلال أو الانحدار. فقال:
إن الشعراء الذين يُسمّون بالمنحلين إنما يسعَون للمفهوم الصافي والرمز
الأبدي في فنهم قبل أي شيء آخر ثم اقترح استخدام كلمة رمزي بدلاً من كلمة
منحدر أو منحل الخاطئة الدلالة. وفي عام 1886 أنشأ جريدة سماها (الرمزيّ) ونشر في
العام نفسه، في جريدة الفيغارو، بيان الرمزية وفي عام 1891 أعلن أن الرمزية قد ماتت...!
ولكنها خلافاً لما رآه استمرت وقويت وانتشرت وأصبحت ذات شأن عظيم في مجالات الأدب
والفن بقيت آثاره خلال القرن العشرين على الرغم من تعرضها لكثير من الهجمات
والتقطعات والتداخلات.. وبقيت معايشةً للمدارس الجديدة كالسرياليّة والمستقبلية
والدّادائية والوجوديّة وغيرها من الحركات... ولئن مالت إلى التلاشي في فرنسا فقد قويت في غيرها ولقيتْ
رواجاً كبيراً، حتى قيل إن الأدب الأمريكي في القرن العشرين كان كلّه رمزياً...!
كان
رواد الرمزية الأوائل قد أخذوا على الرومانسية مبالغتها في الذاتية والانطواء على
النفس بحيث غدت غير آبهة بما يجري خارج الذات، وإفراطها في التهاون اللغوي
والصياغة الشكليّة. ثم أخذوا على البرناسية بالمقابل المبالغة في الاحتفاء بالشكل
ولا سيما في الأوزان مما قد يحرم الشاعر من إمكانية التلوين والتنويع ومواءمة
التموجات الانفعالية وأخذوا عليها أيضاً شدة الوضوح والدقّة بينما توجد في عالم
الشعر مناطق ظليلة واهتزازات خفية يصعب التعبير عنها بدقة ووضوح فالوضوح والدقة
والمنطق والوعي والقيود اللغوية والفنية كلّها شروط تخنق الإبداع وتكبح تيار الانفعال.
ولا بدّ من الانطلاق مع العفوية والحرية الكاملة ليجري الإبداع في أجواء خالية من
القيود والسدود..! ولا بد من التماس أدوات لغوية جديدة هي الرموز للتعبير عن
الحالات النفسية الغائمة بطريقة الإيماء لا بالطريقة المباشرة الواضحة.
فالرمزية
إذن مدرسة جديدة عملت على محورين أولهما محاولة التقاط التجربة الشعرية في أقصى
نعومتها وارتعاشها ورهافتها، وثانيهما التماس الإطار الفنّي الحرّ المرن الذي
يستطيع التعبير عن التجربة الشعرية ونقل أحوالها إلى القارئ بخلق نوع من
المغناطيسية التي تسري إليه من الشاعر، تماماً كما هو الأمر في الموسيقا والفنون
التشكيلية.
ولئن
كان الرمز عماد هذه المدرسة فالرمزية الفنية الجديدة تختلف عن الرمزية التي كانت
معروفة في العصور السابقة، فالتعبير بالرمز كان مألوفاً في كثير من المدنيات، تجده
في العصور الوسطى وأدب التصوّف وفي روائع الرواية الواقعية، وكان الرومانسيون
والبرناسيون يستخدمون الرمز أحياناً ولنذكر مثلاً (بردوم وكوبيه..) فالرمز أداة
تعبير عالمية قديمة. واللغة في حدّ ذاتها مجموعة من المنظومات الرمزية وكان الناس،
ولا يزالون يعبرون بالرموز عن مقاصدهم سواءٌ بالإشارة أو بالرسم أو بالألفاظ. وكان
مألوفاً التعبير بالنار عن الإحراق وبالطير عن السرعة وبالريح عن القوة مع السرعة
وبالصليب عن التخليص وبالبحر عن الإتساع وبالراية عن سيادة الأمة وبالجماعة عن
السلام وبالمقصّ عن الرقابة الصحفيّة.. فهذه كلها رموز، لكن المدرسة الرمزية شيء
آخر، لقد أصبحتْ منهجاً فنيّاً متكاملاً ذا مواصفات عديدة وأصبح الرمز فيها قيمة
فنيّة وعضوية ودخلت في نطاقه الرموز التاريخية والأسطورية والطبيعية والأشياء ذات
الدلالة الموحية كما تميّزت بالاستفادة من المقومات الموسيقية واللونيّة والحسيّة
والمشابكة بينها في لغةٍ تعبيرية جديدة