أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-08
687
التاريخ: 2023-05-24
1100
التاريخ: 3-12-2015
2350
التاريخ: 2023-05-07
1579
|
قال تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[البقرة: 27]
العهدُ، كما قد تمت الإشارة إليه في الآية ٢٧، يفيد معنى الحفظ والمراعاة المستمرين. فإن ما لا يستقر في الذمة ولم يتقبل أحد حفظه، لا يُعد مصداقاً للعهد. وبناء عليه، فإن مجرد الحكم، أو الأمر، أو أمثال ذلك ليس هو عهداً بالفعل ما لم يؤمن به أحد، وإن أمكن عده عهداً شأنياً أو عهداً بالقوة.
العهد، مثل "الخلق"، تأتي أحياناً بمعنى المصدر، وأحياناً أخرى بمعنى الحاصل من ذلك المصدر؛ مثلما أن "خلق" تأتي تارة بمعنى عملية الخلق، وتارة أخرى بمعنى المخلوق. من هنا فإنه يُطلق "العهد" أحياناً على الأمر المتعهد به والذي يكون حفظه لازماً؛ وهو ما يُطلق عليه عنوان "الميثاق" أيضاً.
يكون العهد حيناً كما في الإيقاع - من طرف واحد، وحيناً آخر - شبيهاً بالعقد - يبرم بين طرفين، ويُقال للتعهد المُبرم بين طرفين التعاهد والمعاهدة، وإن صدق عليه عنوان العهد أيضاً؛ فالعهد الإيقاعي والذي يكون من جانب واحد هو من قبيل النذر، والقسم، والعهد المصطلح فقهيّاً الذي يأتي ذكره مع النذر واليمين. أما العهد العقدي الذي يكون بين طرفين فهو من قبيل البيع، والإجارة، والصلح العسكري، والاقتصادي و .... الخ.
يُنشأ أحياناً عهدان إيقاعيان ولا يكون أي واحد منهما في مقابل الآخر. في هذه الحالة يكون الوفاء أو عدم الوفاء بأي منهما مستقلاً عن الآخر، وأحياناً أخرى يكون العهدان المذكوران مرتبطين ببعضهما، وغير منقطعين. في حالة كهذه يكون مثل هذا العهد بمثابة المعاهدة المتبادلة والميثاق المبرم من قبل طرفين.
العهد الابتدائي المطلق والذي يكون من طرف واحد إذا كان من قبل البشر، فإن إنجازه يكون تكليفاً عقليّاً ونقليّاً وإن تركه يكون إثماً، وأما إذا كان من ناحية الله فإن إنجازه يكون فيضاً قطعياً؛ ذلك لأن خُلف الوعد وترك العهد أمر قبيح وصدور القبيح من الله عز وجل محال. إذن فإنجازه وإفاضته هما واجبان عن الله وليسا واجبين "على" الله، وإذا كان العهد مشروطاً ومرتبطاً بتحقق أمر أو إنجاز عمل، فإن إنجازه قبل تحقق الشرط أو الأمر المرتبط به لا يكون واجباً "على" البشر ولا يكون واجباً "عن" الله. هنا لن يكون للأشاعرة - الذين لا يقبلون لا بـ "الوجوب على الله" ولا بـ "الوجوب عن الله" - طريق لإثبات ضرورة وفاء الله بالعهد؛ ذلك لأن الأساس الفكري لهذه الفرقة، المنكرة للحسن والقبح العقليين، هو القبول بالإرادة الجزافية والتبرير غير الوجيه للآية: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23]
ما يُستشف من الآية مدار البحث هو أن الله تبارك وتعالى جعل الوفاء بعهد بني إسرائيل منوطاً بوفاء بني إسرائيل بعهده سبحانه. وبناءً على ذلك، يُعلم أن عهد الله مشروط، وليس مطلقاً، إلا أنه لا يفهم من الآية أن عهد بني إسرائيل مشروط أيضاً؛ لأنه لا يحق للبشر أن يجعلوا طاعتهم لله تعالى مشروطة بأمر ما، على الرغم من استطاعتهم لإنشاء عهود مشروطة نظير النذر والقسم. إن وعد الله وتعهداته تكون مشروطة في الكثير من الموارد وليس مطلقاً؛ كما في استجابة الدعاء، والتعليم الالهامي، وإفاضة الفرقان، وكشف الشدائد والإيصال إلى الفرج، وأمثال ذلك حيث جعلت التقوى في الآيات المتعلقة بكل واحد من الأمور المشار إليها، شرطاً أساسياً لنيلها.
الحكم بالوفاء بالعهد ناظر إلى العهد بعنوان أنه اسم مصدري والذي يُراد منه الميثاق؛ بمعنى أن قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1] وأمثالها ترمي إلى ذلك الأمر الاعتباري الذي ينتج عن المصدر، وأن آيات من قبيل: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] ، {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 111] له ناظرة إلى ذلك أيضاً.
إن عنوان الصدق، وإن كان في مقابل الكذب وهو راجع إلى الخبر لا إلى الإنشاء، إلا أن الصدق بمدلوله الجامع يشمل مورد الإنشاء كما في العهد؛ نظير: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ..} [الأحزاب: 23].
نقل الشيخ الطوسي في التبيان (1) والطبرسي في مجمع البيان (2) أقوالاً شتى في مسألة: ما هو المقصود من "العهد" في جملة {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} [البقرة: 40] ، وقد أخذوا بهذا القول: وهو أن المراد منه هو البشارات الواردة في التوراة بخصوص بعثة النبي الأكرم (صلى الله عليه واله) حيث قد أخذ الميثاق من بني إسرائيل على أن يؤمنوا به، لكنّه من الواضح أن هذا هو أحد مصاديق عهد الله مع بني إسرائيل أولاً، وأنه لا يوجد شاهد على انحصار العهد بما جاء في التبيان والمجمع ثانياً.
إن المراد من العهد في الآية محلّ البحث هو العهد التشريعي، أي مجموعة الوحي والقوانين التي أنزلت على بني إسرائيل من جانب الله سبحانه وتعالى وهي تقع ضمن حيز التكليف، وإنهم كانوا ومازالوا مكلفين بالإيمان به واتباعه. إذن فالعهد الذي أنشئ بلسان التكوين والفطرة الأولية خارج عن محور بحثنا، هذا وإن كانت الأرضيّة لأخذ العهد التشريعي قد مُهدت بواسطته. بالطبع إن المصداق الكامل للعهد المذكور هو الإيمان بالرسول الأعظم (صلى الله عليه واله).
_______________________
(1) ج ۱، ص ١٨٣.
(2) ج ۱، ص ٢٠٨.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
تسليم.. مجلة أكاديمية رائدة في علوم اللغة العربية وآدابها
|
|
|