أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-5-2016
1773
التاريخ: 2023-07-25
1177
التاريخ: 2023-03-16
995
التاريخ: 2023-10-04
1160
|
بعد البيريليوم يأتي الكربون كأول العناصر الثقيلة؛ إذ يحتوي على ست بروتونات وستة نيوترونات. هل من الممكن أن تكون النجوم قد وجدت سبيلا لتجاوز الليثيوم والبيريليوم والاتجاه مباشرة من الهليوم إلى الكربون؟ سيتطلب هذا اتحاد ثلاث أنوية من الهليوم في اللحظة ذاتها. إن حساب البروتونات والنيوترونات (3 × 2 × 2 = 6 + 6) يسير بشكل صحيح، ويكون الناتج النهائي نواة كربون مستقرة. لكن لأن البروتونات المشتركة في هذه المقابلة النووية الثلاثية أكثر من الموجودة في عملية الاندماج النووي الأصلية للهيدروجين، تصير قوة التنافر الكهربي أكبر بالتبعية، لذا هناك حاجة لحرارة أعظم للسماح للأنوية بالتقارب بما يكفي للسماح للقوة النووية الشديدة بممارسة عملها. ليست هذه هي المشكلة؛ فبمزيد من الانكماش يمكن أن ترتفع حرارة قلب النجم إلى درجة كافية. لكن هناك صعوبة أساسية تخص التفاعل نفسه، وهي أن احتمال تقابل ثلاث أنوية للهليوم في نفس المكان ونفس اللحظة ضعيف للغاية. بالطبع ليس لزامًا عليها أن تصل في نفس اللحظة «بالضبط»، فمن الممكن أن تتحد نواتان للهليوم أولًا لتكوين نواة البيريليوم غير المستقرة بشكل كبير، وقبل أن تتحلل يمكن أن تلحق بها نواة الهليوم الثالثة. لكن من النظرة الأولى يتضح أن هذا أمر غير مرجح؛ نظرًا لتحلل نواة البيريليوم بسرعة كبيرة بما لا يعطي الفرصة لنواة الهليوم الثالثة للاصطدام بها. وهكذا يبدو من الظاهر أن هذا الطريق لتكوين الكربون مسدود هو الآخر.
كان هذا هو الموقف الذي تواجهه الفيزياء الفلكية في أوائل الخمسينيات. اهتم فريد هويل، عالم الفلك الإنجليزي المغمور نسبيًّا وقتها بهذه الأحجية. وقد رأى أن الكائنات القائمة في حياتها على الكربون بشكل عام، وفريد هويل نفسه بشكل خاص، لم تكن لتوجد من الأساس لو ظل تكون العناصر مقتصرًا على الهليوم وحده. حسن، من الواضح أن شيئًا ما حدث كي يتم تكوين ذرة الكربون، وهو على الأرجح شيء بداخل النجوم. وطالما فشلت الفيزياء النووية في تفسير تكون الكربون، فربما يكون المسؤول عنه شيئًا غير عادي. هذا يصل بنا إلى لب القضية في العلم يحاول المرء تجنب اللجوء للمصادفات في تفسيراته. كما أن مبدأ شفرة أوكام يحضنا على تبني أبسط وأوضح التفسيرات أولاً. لكن أحيانًا لا تفلح التفسيرات البسيطة الواضحة ونكون مرغمين على اللجوء لتفسير غير معتاد. وكما قال شيرلوك هولمز فإننا حين نستبعد المستحيلات، فإن ما يتبقى لنا، مهما كان مستبعدا، هو الحقيقة. بشكل عام يعد الالتزام بالتفسيرات البسيطة الواضحة هو أفضل استراتيجية، لكن هناك موضوعًا واحدًا يمكن فيه للمصادفات الاستثنائية أن تدخل في نسيج التفسير العلمي السليم، وهذا الموضوع هو الحياة.
بالنظر إلى العالم من عين المراقب لا بد للعالم الذي تراه من أن يشتمل على كل ما يمكنك – أنت المراقب - من رؤيته لم يطبق فريد هويل هذا المنطق «الإنساني» على مشكلة تكون الكربون في النجوم عن طريق الالتجاء إلى سلسلة من الأحداث الاستثنائية، كما هو الحال مع أسلافنا، بل بالالتجاء إلى سمة استثنائية غير متوقعة من سمات نواة الذرة.
إليك تصوره عن الأمر: تعتمد سرعة التفاعل النووي على طاقة الجسيمات المشاركة فيه. في الغالب ينتج عن التفاوتات في معدلات الطاقة حدوث ارتفاع أو انخفاض طفيف في كفاءة التفاعل، لكن أحيانًا ما تحدث قفزة كبيرة في معدل التفاعل. يطلق العلماء على هذه الزيادة المباغتة اسم الرنين. يأتي هذا الاسم من الطريقة التي تدخل بها ميكانيكا الكم الصورة. تصف نظرية الكم جانبًا موجيًّا للجسيمات، بما في ذلك أنوية الذرات، وعادة ما ينتج عن الموجات رنين. على سبيل المثال، بعض مغني الأوبرا يمكنهم إصدار نغمات صوتية ذات تردد مرتفع تتوافق مع ذبذبات كأس زجاجي بما يكفي لتحطيمه. مثال معتاد آخر على الرنين يتمثل في ضبط مستقبل المذياع كي يتلقى إشارة محطة إذاعية بعينها. فحين يتوافق تردد الدوائر الموجودة في المذياع مع تردد الموجات اللاسلكية الآتية من المحطة، تتوافق الموجات مع الدائرة وتُضخّم الإشارة بدرجة كبيرة. يمكن للموجات الكمية أن تتوافق بهذا الشكل هيا الأخرى، ومن ثم تعزز معدل العمليات الذرية أو النووية.
شعر هويل أن الرنين يحمل تفسير عملية تكون الكربون؛ إن كتلة نواة الكربون أقل نسبيًّا من مجموع كتل أنوية الهليوم الثلاث التي من المفترض أنها تتصادم معا كي تكونها، وذلك بسبب الكتلة الطاقة المنطلقة عند تكون الكربون. بيد أن الأنوية توجد في حالات استثارة أيضًا، لذا استنتج هويل أن نواة الكربون لا بد أن لها حالة استثارة أعلى بقليل من الكتل / الطاقات المجتمعة لأنوية الهليوم الثلاث. وقتها يمكن لنظام الهليوم - البيريليوم أن يتناغم مع هذه الكتلة / الطاقة إذا تم تعويض هذا النقص البسيط من الطاقة الحركية للجسيمات المتدافعة داخل النجم المتقد. سيكون تأثير هذا الرنين إطالة عمر نواة البيريليوم غير المستقرة، وهذا يعطي نواة الهليوم الثالثة فرصة جيدة للاصطدام بها. وهكذا سيكون الطريق مفتوحًا أمام تكون وفرة من ذرات الكربون، رغم كافة الاحتمالات المعاكسة. وقد حسب هويل المقدار الذي ينبغي أن تكون عليه طاقة الرنين.
حدث هذا في عام 1951. لم يكن الكثير معروفًا عن حالات استثارة النواة، رغم تطوير برنامج تجريبي على هذا الأمر إبان الحرب العالمية الثانية لخدمة مشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة الذرية. كان هويل يزور معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) في هذا الوقت، وعرض على مجموعة من علماء الفيزياء النووية الأمريكان، من ضمنهم ويلي فاولر (الذي سيفوز بجائزة نوبل عن عمل له صلة بالموضوع)، تنبؤاته المتعلقة بالرنين النووي للكربون. تشكك العلماء في فكرة ظهور عالم فلك بريطاني مغمور بشكل مفاجئ والزعم بأنه يعرف عن نواة الكربون أكثر مما تعرفه مجموعة من أهم خبراء الفيزياء النووية الأمريكان. لكن هويل واصل الإلحاح على زملاء فاولر إلى أن وافقوا على إجراء تجربة للتحقق من صحة فكرته. وبعد عمل بعض التعديلات على معداتهم أعلن علماء الفيزياء النووية صحة تخمين هويل هناك بالفعل رنين في الكربون، وبطاقة مناسبة تماما كي تصنع النجوم كميات وفيرة من هذا العنصر من خلال عملية الأنوية الثلاث للهليوم. أكدت التجارب أن الرنين سيطيل عمر نواة البيريليوم غير المستقرة لما يقارب المائة مليار مليار جزء من الثانية، وهي الفترة الكافية كي يحدث التفاعل بين أنوية الهليوم الثلاث. وفور تكون الكربون يصير الجزء المتبقي يسيرًا. فلا توجد مآزق أخرى. يتكون الأكسجين بعد ذلك، ثم النيون، ثم المغنسيوم، وهكذا على امتداد الجدول الدوري وصولاً إلى الحديد. يغطي هذا تقريبا كل العناصر التي تحتاجها الحياة للاستمرار. تنتج النجوم أيضًا العناصر الأثقل من الحديد، لكن هذا لا يتم إلا أثناء ثوراتها المتفجرة، حين يكون المزيد من الطاقة موجودا.9
تركت قصة الكربون انطباعًا عميقًا لدى هويل؛ إذ أدرك أنه لولا مصادفة وجود رنين النواة بهذا القدر المناسب من الطاقة لم يكن هناك وجود للكربون، ولا للحياة على الأرجح، في هذا الكون. تتحدد الطاقة التي يحدث وفقها رنين الكربون بالتفاعل بين القوة النووية الشديدة والقوة الكهرومغناطيسية. إذا كانت القوة النووية الشديدة أقوى أو أضعف بقدر يسير (بقدر يصل إلى واحد بالمائة)،10 كانت الطاقات التي تربط النواة ستتغير ولم يكن الرنين ليحدث بشكل متوافق، وربما كان الكون وقتها خاليًا من الحياة ويمضي دون أن يرصده أحد.
ما الذي نستخلصه من هذا؟ حين جذب هويل الانتباه لهذا الموضوع كانت النظرة التقليدية هي أن قوة القوى النووية «ثابتة»؛ مجرد «متغير حر»، لا تتحدد قيمته من خلال أي نظرية بل يجب قياسها من واقع التجارب. وكانت الاستجابة التقليدية هي عدم المبالاة بالقضية من الأساس وقول: ((القيمة التي هي عليها هي القيمة التي هي عليها، ولو كانت مختلفة لم نكن لنوجد حتى نقلق بشأن هذا الأمر)). بيد أن هذا التوجه يبدو غير مرض بشكل ما، فبالتأكيد يمكنا أن نتخيل كونا يكون فيه قانون القوة النووية مماثلاً للذي لدينا، لكن مستوى القوة نفسها مختلف تمامًا مثلما يمكن تخيل عالم تكون فيه قوة الجاذبية أقوى أو أضعف مما لدينا، لكنها تطيع نفس القوانين. إن حقيقة كون قيمة القوة النووية الشديدة والقوة الكهرومغناطيسية في نواة الذرة ملائمة تماما للحياة (تماما كما هو الحال في عصيدة جولديلوكس) تحتاج للتفسير.
هوامش
(9) Lithium and beryllium get manufactured as by-products of other reactions.
(10) H. Oberhummer, A. Csótó, and H. Schlattl, “Stellar Production Rates of Carbon and Its Abundance in the Universe,” Science, vol. 289 (2000), p. 88.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|