المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6242 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



ما يُستظهر من كلام ابن قولويه في مقدمة (كامل الزيارات) وما يتعلق منه بوثاقة رواة كتابه.  
  
1426   11:04 صباحاً   التاريخ: 2023-03-07
المؤلف : أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
الكتاب أو المصدر : قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة : ج1، ص 92 ـ 102.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الرجال / مقالات متفرقة في علم الرجال /


المقام الأول: فيما يستظهر من كلام ابن قولويه في مقدمة كامل الزيارات، وما يتعلق منه بوثاقة رواة كتابه مقطعان:

(أحدهما): قوله: (وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره [و] لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته).

و(ثانيهما): قوله متصلاً بالأول: (ولا أخرجت فيه حديثاً مما روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم).

هكذا ورد المقطع الثاني في البحار (1) نقلاً عن الكامل، وذكر في هامشه: وفي نسخة (يؤثر ذلك عن المذكورين) أي بدلاً عن قوله: (يؤثر ذلك عنهم).

ونـظـير ذلك مـا أورده المـحدث النـوري في خـاتمة المسـتـدرك (2)، ولكـن في المطبوعة النجفية (3) والقميّة (4) من الكامل هكذا: (يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين).

وفي المطبوعة الطهرانية (5) هكذا: (يؤثر ذلك عنهم (عليهم السلام) المذكورين).

وكيف كان فلا بد من البحث عن مفاد كل من المقطعين:

1 ــ أما (المقطع الأول) فقد استظهر غير واحد دلالته على أن جميع من وقعوا في سلسلة أسانيد الأحاديث المنتهية إلى المعصومين (عليهم السلام) في كامل الزيارات هم من (ثقات أصحابنا الإمامية).

ويمكن تقريب ذلك بأن قوله (قدس سره): (ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا) وإن كان لا يقتضي في حدّ ذاته شمول التوثيق لجميع من وقعوا في الأسانيد، لصدق التعبير المذكور ولو كان الثقة منهم خصوص مشايخه بلا واسطة، إذ يصح أن يقال في مثل ذلك: إن الأحاديث المروية بطريقهم قد وصلت من جهة الثقات من أصحابنا. ولكن حيث إن من الواضح جداً أن التعبير بـ(الثقات من أصحابنا) قد ذكره (رحمه الله) لإضفاء الاعتبار والمقبولية على أحاديث كتابه، ولا يتحقق ذلك بمجرد كون المشايخ المباشرين له من الثقات من دون أن يكون من بعدهم من الثقات أيضاً، كان ذلك قرينة على أن مقصوده وثاقة جميع رواة تلك الأسانيد.

إن قيل: إن أقصى ما يدل عليه اختيار التعبير المذكور هو كون المؤلف بصدد إضفاء درجة من الاعتبار على روايات كتابه، وهي تحصل بكونها منقولة له من قبل المشايخ الثقات. وأما اعتبارها التام المنوط بوثاقة جميع الرواة فذلك أمر آخر ليس في استخدام التعبير بـ(الثقات من أصحابنا) دلالة عليه.

قلت: إن الرواية التي تمرّ بوسائط متعددة إلى المعصوم (عليه السلام) لا يجدي في اعتبارها ولو بأدنى درجات الاعتبار كون الواسطة الأخيرة فقط من الموثقين، وأي اعتبار لرواية يرويها ثقة عن الإمام (عليه السلام) بخمس وسائط مثلاً وفيهم بعض الضعفاء أو المجاهيل؟!! إلا إذا كان ذلك الثقة ممن يصطلح عليهم بـ(نقّاد الأخبار) وهم الصفوة من علماء الحديث الذين لهم إلمام واسع بتمييز الصحيح منه عن السقيم وما يصح الاعتماد عليه أو ما يمكن أن يخرّج شاهداً عما لا عبرة به أصلاً، فإن رواية بعض هؤلاء النقّاد للخبر المطعون بعض رواته من دون الإيعاز إلى عدم الاعتماد عليه كان يعدّ عند أصحابنا المتقدمين أمارة على تصحيحه ومسوّغاً للعمل به كما سيأتي ذكر بعض الشواهد عليه إن شاء الله تعالى.

ولكن ابن قولويه (رحمه الله) لم يقيّد (الثقات من أصحابنا) بكونهم من نقّاد الأخبار ليكتفي في اعتبار الرواية الضعيفة سنداً ــ وفق ما وصل إليه ــ بكون الراوي لها من الثقات.

وعلى ذلك فمقتضى كونه بصدد بيان اعتبار روايات كتابه وصحة العمل بها ــ كما تقدم ــ أن يريد بعبارته المذكورة وثاقة جميع من وقعوا في سلسلة أسانيدها.

إن قيل: مقتضى البيان المذكور هو دوران الأمر بين أن يكون المقصود بـ(الثقات من أصحابنا) خصوص النقّاد منهم ليكتفي بوقوع بعضهم في سلسلة رواة الحديث فلا ينظر إلى من بعده من الرواة وإن كان مطعوناً عليه أو مجهول الحال، وأن يكون المقصود مطلق الثقة ليدل بدلالة الاقتضاء على وثاقة جميع رواة الخبر. وحيث لا قرينة على أحد الوجهين بالخصوص فلا يمكن أن يستفاد من العبارة المذكورة وثاقة جميع رواة كامل الزيارات.

قلت: حمل (الثقات من أصحابنا) على خصوص النقّاد منهم أكثر مؤونة بحسب ظاهر العبارة من حمل الكلام على إرادة وثاقة جميع رواة الأخبار، فإنّ هذا ألصق بالعبارة من ذلك، إلا أن توجد قرينة عليه كما سيأتي في المقطع الثاني.

إن قيل: ما ذكر مبني كله على أن يكون إيراد التعبير المذكور في عبارة ابن قولويه بغرض إضفاء الاعتبار والمقبولية على روايات كتابه، ولكن يمكن المناقشة في ذلك والقول بأنه قصد من ورائه التنبيه على تنزهه عما كان يعدّ عيباً عند المتقدمين وهو الرواية عن المجاهيل والضعفاء مباشرة، فإن الذي يظهر من كلماتهم أنهم كانوا يلتزمون بعدم أخذ الحديث إلا ممن ثبتت وثاقته ولا يلتزمون بأن لا يكون في سند الرواية ضعيف أو مجهول فأراد ابن قولويه بيان أن جميع مشايخه من الثقات فهو منزّه عما كان يعاب به عدد من الأصحاب من الرواية عن الضعفاء والمجاهيل, وفي ضوء ذلك فالمستفاد من الرواية وثاقة مشايخ المؤلف دون جميع رواة كتابه.

قلت: إن ما كان يعدّ نقصاً ويسعى للتجنب عنه هو الرواية عن المشهورين بالكذب والضعف، وكذلك الإكثار من الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، وأما الرواية أحياناً عن بعض من طعن عليهم أو المجهول حالهم فكان أمراً متداولاً عندهم وقلما سلم منه محدث، ومن كان ملتزماً بعدم الرواية إلا عن الثقات اشتهر أمره بين الأصحاب وصار يشار إليه بالبنان كمحمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.

وبالجملة: إن الرواية أحياناً عن بعض الضعفاء أو عمن لم تثبت وثاقتهم لم يكن أمراً معيباً ليحمل كلام ابن قولويه على الإشارة إلى تجنبه عنه، مع أن مساقها بعيد عن ذلك. بل إن حمل كلمة (أصحابنا) على خصوص المشايخ في غاية البعد، ولو كان يقصد وثاقة مشايخه لكان الأحرى به أن يقول: (مشايخنا الثقات) فإن إيراد اللفظ العام في مورد الخاص مع ما يوجبه من إيهام العموم خلاف طريقة أهل المحاورة.

ومهما يكن فقد ظهر بما مرّ أن الأقرب إلى ظاهر المقطع الأول من عبارة ابن قولويه هو ما استفاده جمع من الأعلام المحققين من إرادة شمول التوثيق لجميع من وقعوا في سلسلة أسانيد الكتاب مما تنتهي إلى المعصومين (عليهم السلام)، ولا يمكن المساعدة على ما ذكره بعض الأعلام (طاب ثراه) (6) من أنه لا يظهر منه أزيد من توثيق الرواة الذين نقل عنهم مباشرة.

2 ــ وأما (المقطع الثاني) وهو قوله: (ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال..) ففي تفسيره اتجاهان:

أحدهما: أن قوله: (غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم) كأنه وصف لـ(الشذاذ من الرجال) كما لو قال: ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال غير المعروفين بالرواية.

وهذا هو الظاهر من أصحاب القولين الأول والثاني المتقدمين.

ثانيهما: أنّ قوله: (غير المعروفين..) مسوق لتوصيف رجال آخرين يروون أحاديث الشذّاذ، فكأنه قال: ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال إذا كان الراوي له عنهم من غير المعروفين بالرواية.

وهذا هو مبنى القول الثالث المتقدم.

وينبغي أولاً البحث عما هو المقصود بالشذاذ من الرجال، فأقول:

الشذوذ في اللغة يفيد معنى الانفراد، يقال (7): (شذ الرجل من أصحابه: انفرد عنهم، وكل شيء منفرد فهو شاذ)، وجمع شاذ: شواذ وشذاذ وشذان، ويقال (8): (شذاذ الناس: الذين يكونون في القوم وليسوا من قبائلهم ولا منازلهم).

وعلى ذلك فالمقصود بالشذاذ من الرجال بعض رواة الحديث ممن ينفردون عن جمهور رواته في جانب ما، ولكن ما هو هذا الجانب؟ فيه وجوه:

1 ــ كونهم رجالاً مغمورين في علم الحديث في مقابل المشهورين بذلك المعروفين بالرواية، فيصير معنى الجملة: أنه لا يخرّج روايات الأشخاص غير المعروفين بهذا العلم.

ولكن هذا الوجه لا يخلو من بُعد، فإن كون الراوي غير معروف بعلم الحديث لا يبرر التعبير عنه بالشاذ، ولا سيما إذا كان ثقة غير مطعون فيه. فإن المعروفين من رجال هذا العلم هم القلة كما هو ظاهر لمن راجع المعاجم الرجالية.

اللهم إلا أن يقال: إن في المقطع اللاحق قرينة على إرادة هذا الوجه وسيأتي الكلام فيه.

2 ــ كونهم يتفردون في نقل الأحاديث أي يروون الروايات الشاذة، فكما أن المراد بـ(شذاذ الفقهاء) هم الذين يتفردون في آرائهم الفقهية ويختارون فتاوى شاذة، والمراد بـ(شذاذ الشيعة) هم الذين يعتنقون مذاهب شاذة في المسائل العقدية، كذلك المراد بـ(شذاذ الرواة) هم الذين يروون الأحاديث الشاذة. فكأن ابن قولويه (رحمه الله) أراد أن يقول: إنه لا يورد في كتابه أحاديث هذا القسم من الرواة.

وهذا الوجه بعيد جداً، فإنه ــ مضافاً إلى أنه لا يعهد في الرواة من يعرف بالشذوذ بهذا المعنى ــ يمكن أن يقال: إن العبارة المذكورة لا تناسب إفادة ما ذكر من الوجه، فإنه لو كان هو المقصود لابن قولويه (رحمه الله) لكان الأجدر به أن يقول: (ولا أخرجت فيه حديثاً شاذاً) لا أن يقول: (ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال) ويقصد به أنه لا يورد الأحاديث الشاذة.

اللهم إلا أن يكون مراده أنه لا يورد أحاديث الرجال الذين يعرفون بالتفرد في نقل الأحاديث من دون أن يكلف نفسه البحث عن كون الحديث المروي عن طريقهم شاذاً أو لا، ولكن هذا أيضاً بعيد.

3 ــ كونهم من المطعونين في الرواية، فكأنهم يتفردون عن سائر الرواة من هذا الجانب، وهذا هو المتبادر من اللفظ المذكور، وإن كان قد يقال: إن كون الراوي مطعوناً في حديثه لا يمثل حالة شاذة بل هو كثير بين الرواة. وإن كان الغالب خلوهم عن الطعن حسب ما وصل إلينا من المصادر الرجالية، إذ لم يذكر معظمهم فيها بقدح أو جرح، ولذلك يرجّح أن يكون المراد بالشذاذ من الرجال هو كبار المطعون عليهم ممن عرفوا بالكذب والوضع فإنهم قلة شاذة.

ولكن الظاهر أنّ التعبير عن مطلق المطعونين بالشذاذ متعارف ومتداول في الكلمات، فلا محل لاستبعاد الوجه الثالث المذكور.

هذا فيما يتعلق بقوله: (الشذاذ من الرجال) وأما الجملة التي بعده أي قوله: (يأثر [يؤثر] ذلك عنهم..) فقد تقدم اختلاف النسخ بشأنها.

 والظاهر أنّ كلمتي (يأثر) و(يؤثر) تؤديان معنى واحداً وهو الحكاية والنقل، ولعلّ الأول أصح.

وأمّا المشار إليه بلفظة (ذلك) فالمتعيّن أن يكون هو قوله: (حديثاً).

وأمّا لفظة (عنهم) فمقتضى المطبوعة الطهرانية ــ المشتملة على قوله: (عليهم السلام) بعدها ــ هو رجوع الضمير فيها إلى الأئمة (عليهم السلام)، ولكن لا يبعد أن يكون ذلك زيادة من بعض المصححين أورده بحسب فهمه لمعنى العبارة، والاحتمال الآخر هو رجوع الضمير المذكور إلى الشذاذ، وأمّا احتمال رجوعه إلى (الثقات من أصحابنا) فبعيد جداً، فإنه لا يستقيم معه المعنى كما لا يخفى.

ثم إنّ المذكور في المطبوعة النجفيّة والقميّة بعد ذلك قوله: (عن المذكورين) وفي المطبوعة الطهرانية نحو ذلك مع حذف حرف الجر، ولا يستقيم معنى العبارة على الوجهين. فالصحيح ما ورد في البحار والطبعة الحجرية من المستدرك من كون قوله: (غير المذكورين) نسخة بدل عن لفظة (عنهم). ولا يبعد أنه كان في الأصل تفسيراً لها من قبل بعض العلماء كتبه بين السطور ولكن أدرجه بعض النسّاخ في المتن.

وبذلك يتبيّن أنّ قوله: (غير المعروفين) إنّما هو في موضع الرفع فاعلاً لقوله (يأثر) أو (يؤثر)، ولا يمكن أن يكون وصفاً أو قيداً لـ(الشذاذ) لوقوع الفصل بينهما بجملة (يأثر [يؤثر] ذلك عنهم).

ثم إنّ في مفاد المقطع المذكور أي قوله: (يأثر [يؤثر] ذلك عنهم غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم) وجهين:

أحدهما: أن يكون مسوقاً لتوضيح المراد من قوله: (ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال) وكأنه أراد أن يقول: (إنه لا يورد في هذا الكتاب الأحاديث التي يرويها عن الأئمة (عليهم السلام) الرجال الشذاذ غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم).

ومقتضى هذا الوجه شهادة ابن قولويه بأن جميع رواة كتابه إنما هم من المشهورين بالعلم والحديث.

ثانيهما: أن يكون المقطع المذكور في موضع الحال من اللفظ المجرور في قوله: (ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ)، وكأنه أراد أن يقول: إنه لا يورد أحاديث الرجال المطعون فيهم إذا كان يرويها عنهم غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم.

ومقتضى هذا الوجه أن ابن قولويه لم يتعهد بعدم الرواية في كتابه عن المطعونين مطلقاً، بل يورد أحاديثهم أحياناً ولكن بشرط أن يكون قد حكاها بعض المشهورين في علم الحديث المعبر عنهم بـ(نقّاد الأخبار).

وبذلك يظهر أن التفاوت بين الوجهين يكمن في أمور:

1 ــ إن مقتضى الوجه الأول كون المراد بالشذاذ غير المعروفين بعلم الحديث، في حين أن مقتضى الوجه الثاني كون المراد بهم خصوص المطعون عليهم.

2 ــ إن مقتضى الوجه الأول أن يكون مرجع الضمير في قوله: (عنهم) هم الأئمة (عليهم السلام)، في حين أن مقتضى الوجه الثاني كون مرجعه هو الشذاذ من الرجال.

3 ــ إن مقتضى الوجه الأول عدم تضمن المقطع المذكور الشهادة بخلو الكتاب من أحاديث المطعونين، بل الشهادة بخلوه من أحاديث غير المشهورين بالحديث والعلم، في حين أن مقتضى الوجه الثاني تضمن المقطع المذكور الشهادة باشتمال الكتاب على أحاديث المطعونين أحياناً إذا كان الراوي لها من المشهورين بالحديث والعلم.

ثم إنّ لكلّ من الوجهين ما يقرّبه وما يبعده..

أمّا الوجه الأول فيقرّبه أنه ألصق بظاهر المقطع المذكور ويحقق الانسجام التام بين صدره وذيله، ولكن يبعدّه أن مقتضاه أن يكون المراد بالشذاذ من الرجال هم غير المشهورين بالحديث والعلم وإن كانوا من الثقات، وهو بعيد. وكذلك مقتضاه أن يكون جميع رواة الكامل من المشهورين كذلك، وهذا مستبعد تماماً كما سيأتي في المقام الثاني.

وأما الوجه الثاني فيقرّبه أنه يتطابق مع ما يعرف من طريقة القدماء من أصحابنا (رضوان الله عليهم) ــ كما سيأتي في المقام الثاني ــ من الاعتماد على أحاديث المطعون فيهم إذا رواها نقّاد الأحاديث ولم يردّوها. ويبعدّه أن العبارة بناءً عليه لا تخلو من حزازة، وكان الأولى أن يقول: (ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال إذا لم يؤثره عنهم المعروفون بالرواية المشهورون بالحديث والعلم).

ولكن هذا المبعّد ليس بشيء في مقابل ما ذكر من المبعّد للوجه الأول كما لا يخفى.

وبذلك يتضح أن الوجه الثاني المذكور أحرى بالقبول، وبناءً عليه ينبغي أن يكون المراد بـ(ثقات أصحابنا) في المقطع الأول هو خصوص (المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم) المعبر عنهم بنقاد الأخبار.

فيكون نظير ما ذكره السيد ابن طاووس في مقدمة فلاح السائل قائلاً (9): (وربما يكون عذري فيما أرويه عن بعض من يُطعن عليه أنني أجد من اعتمد عليه من ثقات أصحابنا الذين أسندت إليهم أو إليه عنهم قد رووا ذلك عنه ولم يستثنوا تلك الرواية ولا طعنوا عليها ولا تركوا روايتها فأقبلها منهم وأجوّز أن يكون قد عرفوا صحة الرواية المذكورة بطريقة أخرى محققة مشكورة أو رووا عمل الطائفة عليها فاعتمدوا عليها أو يكون الراوي المطعون على عقيدته ثقة في حديثه وأمانته).

وبالجملة: مقتضى الوجه الثاني أن يكون المراد بثقات أصحابنا في المقطع الأول هو خصوص نقّاد الأخبار، وأما وفق الوجه الأول فيمكن أن يكون المراد بهم مطلق الثقات من أصحابنا أو خصوص المشايخ بلا واسطة

هذا وقد تحصل من جميع ما مرّ حال الأقوال الثلاثة المتقدمة:

أ - أما القول الأول فهو ــ بوجوهه الخمسة ــ مخالف لما مرّ ترجيحه في مفاد المقطع الثاني. ومع الغض عن ذلك فيمكن أن يناقش في الوجه الأول بأنّه لا وجه لاستفادة توثيق جميع رواة الكتاب حتى من وقع منهم في أسانيد الأحاديث المنتهية إلى غير المعصومين، فإن قول ابن قولويه: (لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا) استدراك من قوله: (أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم) أي عن الأئمة (عليهم السلام)، فكيف يدل على وثاقة من وقعوا في سند حديث لا ينتهي إلى الإمام (عليه السلام)؟!

وأما قوله في المقطع الثاني: (ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال) فهو ملحوق بقوله: (يؤثر ذلك عنهم)، ومرّ أنه يحتمل رجوع الضمير في الجار والمجرور إلى الأئمة (عليهم السلام)، فلا يستفاد منه عدم إيراد حديث عن الشذاذ إذا كان منتهياً إلى غيرهم (عليهم السلام).

ويمكن أن يناقش في الوجه الثاني بأن المقطع الأول من كلام ابن قولويه لا يقتضي توثيق رواة كتابه من غير أصحابنا، كما أن المقطع الثاني إنما يقتضي ــ على وجهٍ ــ كونهم من المشهورين بالرواية فمن أين يستفاد منه وثاقة غير الإمامي ممن وقع في أسانيد الكتاب؟!

ويمكن أن يناقش في الوجه الثالث بأنه وإن كان أولى من الوجهين الأولين من حيث عدم تعميم التوثيق لغير الإمامي ولرواة الأسانيد غير المنتهية إلى المعصوم (عليه السلام) ــ كما علم وجهه مما مرّ ــ إلا أن ما ذكر فيه من عدم شمول التوثيق أيضاً لرواة الروايات المرسلة والمرفوعة والمقطوعة ولما في سندها راوٍ غير إمامي مما ليس له وجه ظاهر. نعم التوثيق لا يشمل الوسائط المبهمة والمحذوفة أسماؤهم وغير الإماميّين وأما غيرهم ممن وقع في السند فلا وجه للمنع من شمول التوثيق له، فتأمل.

ويمكن أن يناقش في الوجه الرابع بأنه وإن كان ألصق بعبارة ابن قولويه من حيث كون مورد كلامه هو ثواب الزيارات ولكن الملاحظ أن الأبواب الأخرى غير المتعلقة بالزيارة كثيرة في الكتاب، ومن المستبعد اعتناؤه بتوثيق رواة أبواب الزيارات فقط.

ويمكن أن يناقش في الوجه الخامس بأنه لا يعدو كونه مجرد اقتراح للتخلص عما هو واضح ــ كما سيأتي ــ من عدم إرادة ابن قولويه من توثيق جميع رواة كتابه، وإلا فهو خالٍ عن أي شاهد ولا يعرف له نظير من عمل المتقدمين.

ب ــ وأما القول الثاني فهو مخالف لظاهر المقطع الأول من كلام ابن قولويه لو لوحظ في حدّ ذاته، وكذا لو لوحظ مع ما هو المرجح في تفسير المقطع الثاني حسب ما علم مما سبق.

وبذلك يظهر أن ما أفاده غير واحد منهم السيد الأستاذ (قدس سره) في بعض كلماته (10) من أن وثاقة مشايخ ابن قولويه هو القدر المتيقن من التوثيق الذي تضمنته عبارته غير تام.

كما أن ما أفاده في بيان (استدراك حول إسناد كامل الزيارات) من أنه صوناً لكلام ابن قولويه (قدس سره) عن الإخبار بما لا واقع له لم يكن بد من حمل العبارة على خلاف ظاهرها بإرادة مشايخه خاصة، مما لا يمكن المساعدة عليه.

ج ــ وعلى ذلك فالمتعين في مفاد ما ذكره ابن قولويه (رحمه الله) في مقدمة الكامل هو القول الثالث، والله العالم.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ج:1 ص:75.
  2. مستدرك الوسائل (الخاتمة) ص:523 ط: حجر. ولكن في الطبعة الجديدة (ج:3 ص:251) مثل ما في المطبوعة النجفية!
  3. كامل الزيارات (بتصحيح العلامة الأميني (قدس سرهط: المطبعة المرتضوية النجف الأشرف) ص:4.
  4. كامل الزيارات (بتحقيق الشيخ جواد القيومي مؤسسة نشر الفقاهة ــ قم) ص:37.
  5.  كامل الزيارات (بإشراف علي أكبر الغفاري مكتبة الصدوق ــ طهران) المقدمة ص:15ــ16.
  6. مباحث الأصول ج:4 ص:500.
  7. العين ج:6 ص:215.
  8. معجم مقاييس اللغة ج:3 ص:180.
  9. فلاح السائل ونجاح المسائل ص:9.
  10. مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة) ج:4 ص:279.

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)