أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-03-2015
2583
التاريخ: 26-03-2015
28679
التاريخ: 13-9-2020
10492
التاريخ: 26-03-2015
10072
|
وهذا
الباب مما فرعه قدامة من الباب المتقدم عليه، وشرحه بأن قال: هو أن يكون اللفظ
مساوياً للمعنى حتى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه وهذا من البلاغة التي وصف بها بعض
الوصاف بعض البلغاء فقال: كانت ألفاظه قوالب لمعانيه، ومعظم آيات الكتاب العزيز
كذلك، ومنها قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
فإن قيل: معظم هذه الآية من باب الإشارة، لأن العدل والإحسان والفحشاء والمنكر على
قلة هذه الألفاظ تدل على معاني من أفعال البر وضدها لا تنحصر، ولا معنى للإشارة
إلا دلالة اللفظ القليل على المعاني الكثيرة، فكيف تجتمع المساواة والإشارة؟ قلت:
المساواة تطلق ويراد بها معنيان: أحدهما أن تكون ألفاظها ألفاظ المعنى الموضوعة
له، فتلك هي التي لا تزيد على المعنى ولا تقصر عنه، وهي التي لا تجتمع مع الإشارة
ولا الإرداف ولا غيرهما من الكلام الذي لفظه أقل من معناه، والثاني أن يكون لفظ
الكلام غير لفظ معناه الموضوع له، كالإشارة والإرداف وما جرى هذا المجرى، فإن كانت
كذلك ولم يأت المتكلم في أثناء الكلام وخلاله بلفظة زائدة على لفظ المقصد الذي
قصده لإقامة وزن أو لاستدعاء قافية أو تتميم معنى، أو لإيغال أو سجعة، فتلك أيضاً
مساواة لأن لكل باب لفظاً يخصه، فمتى زاد على ذلك اللفظ الدال على ذلك المعنى
المقصود كان الكلام غير موصوف بالمساواة.
ومن
هذا الباب في الكتاب العزيز قوله تعالى: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ الآية فإن قيل: لفظة القوم في قوله
تعالى: وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ زائدة يمنع الآية أن توصف بالمساواة، فإنه لو قال وقيل بعداً
للظالمين أجزأ. قلت: لما سبق قوله تعالى: وكلما مر عليها ملأ من قومه
وقوله سبحانه: ولا تخاطبني في الذين ظلموا أوجبت البلاغة أن
يقول في آخر الكلام: بُعْدًا لِلْقَوْمِ
الظَّالِمِينَ ، ولو اقتصر سبحانه على لفظة الظالمين دون لفظة القوم لتوهم
متوهم أن آلة التعريف في الظالمين للجنس وهو خلاف المراد، فإن المراد بالظالمين
هاهنا قوم نوح الذين قدم ذكرهم ووصفهم بالظلم، ونهاه عن المخاطبة فيهم ليرتد عجز
الكلام على صدره، ويعلم أن المدعو عليهم هم الذين تقدم ذكرهم احتراساً من وقوع هذا
التوهم، ولا يحصل ذلك إلا بذكر القوم فقد صار الإتيان بها يفيد معنى لم يفده
الكلام بدونها.
واعلم
أن البلاغة قسمان: إيجاز، وإطناب، والمساواة معتبرة في القسمين معاً، فأما الإيجاز
فكقوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ
والإطناب في هذا المعنى كقوله: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا
لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ
وكقوله سبحانه في قسم الإيجاز من غير هذا المعنى: خُذِ
الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْجَاهِلِينَ وكقوله تعالى في الإطناب: إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ الآية، ولا
بد من الإتيان بهذا الفصل لئلا يتوهم أن الإطناب لا يوصف بالمساواة.
ومن
شواهد المساواة قول امرئ القيس [متقارب]:
فإن
تكتموا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
وإن
تقتلونا نقتّلكم ... وإن تقصدوا لدم نقصد
وكقول
زهير [طويل]:
ومهما
تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس
تعلم
وكقول
طرفة [طويل]:
ستبدي
لك الأيام ما كنت جاهلاً ... ويأتيك
بالأخبار من لم تزود