أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015
1625
التاريخ: 26-09-2015
3779
التاريخ: 25-03-2015
2509
التاريخ: 25-03-2015
4589
|
التوليد
على ضربين: من الألفاظ ومن المعاني، فالذي من الألفاظ على ضربين أيضاً، توليد
المتكلم من لفظه ولفظ غيره، وتوليده من لفظ نفسه، والأول هو أن يزوج المتكلم كلمة
من لفظه إلى كلمة من غيره، فيتولد بينهما كلام ينقض غرض صاحب الكلمة الأجنبية،
وذلك في الألفاظ المفردة دون الجمل المؤتلفة.
مثاله
ما حكى أن مصعب بن الزبير وسم خيله بلفظة عدة فلما قتل وصار إلى العراق رآها
الحجاج فوسم بعد لفظة عدة لفظة الفرار فتولد بين اللفظتين غير ما أراده مصعب.
ومن
لطيف التوليد قول بعض العجم، وهو توليد المتكلم ما يريد من لفظ نفسه [وافر]:
كأن
عذاره في الخد لام ... ومبسمه الشهي العذب صاد
وطرة
شعره ليل بهيم ... فلا عجب إذا سرق الرقاد
فإن
هذا الشاعر ولد من تشبيه العذار باللام، وتشبيه الفم بالصاد لفظة لص، وولد من
معناها ومعنى تشبيه الطرة بالليل ذكر سرقة النوم، فحصل في البيت توليد وإغراب
وإدماج، وهذا من أغرب ما سمعت في ذلك، وهو الثاني من التوليد اللفظي.
ومن
توليد الألفاظ توليد المعنى من تزويج الجمل المفيدة.
ومثاله
ما حكى أن أبا تمام أنشد أبا دلف:
على
مثلها من أبع وملاعب
فقال:
من أراد نكتة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فولد بين الكلامين كلاماً
ينافي غرض أبي تمام من وجهين: أحدهما خروج الكلام من النسيب إلى الهجاء بسبب ما
انضم إليه من الدعاء، والثاني خروج الكلام من أن يكون بيتاً من شعر إلى أن صار
قطعة من نثر.
ومن
هذا الضرب قول الشاعر [طويل]:
ألوم
زيادا في ركاكة عقله ... وفي قوله أي الرجال المهذب
وهل
يحسن التهذيب منك خلائقا ... أرق من الماء الزلال
وأطيب
تكلم
والنعمان شمس سمائه ... وكل مليك عند نعماك كوكب
ولو
أبصرت عيناه شخصك مرة ... لأبصر منه شمسه وهو غيهب
فإن
هذا الشاعر زوج مدحة ممدوحه بتهذيب الأخلاق إلى قول النابغة أي الرجال المهذب
فتولد بين الكلام ما ينافي غرض النابغة، حيث أخرج الشاعر كلامه مخرج المنكر على
النابغة ذلك الاستفهام، وأوضح مناقضته للنابغة في بيته الثاني، وهو قوله: وهل يحسن
التهذيب، البيت، وزوج قوله في عجز البيت الثالث:
وكل
مليك عند نعماك كوكب
إلى
قول النابغة:
فإنك
شمس والملوك كواكب
بدليل
قول الشاعر عن النابغة:
تكلم
والنعمان شمس سمائه
البيت،
فتولد بين الكلامين قوله [طويل]:
ولو
أبصرت عيناه شخصك مرة ... لأبصر منه شمسه وهو غيهب
فهذا
الضرب الأول من التوليد بأقسامه، وهو ما تولد من اللفظ.
وأما
الضرب الثاني منه، وهو ما تولد من المعاني، كقول القطامي: [بسيط]
قد
يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل
الزلل
فقال
من بعده: [بسيط]
عليك
بالقصد فيما أنت فاعله ... إن التخلّق يأتي دونه
الخلقُ
فمعنى
صدر هذا البيت معنى بيت القطامي بكماله، ومعنى عجز البيت مولد بينهما، وهو قوله:
إن
التخلق يأتي دونه الخلق
والقطامي
أخذ معناه من عدي بن زيد العبادي حيث قال [سريع]:
قد
يدرك المبطئ من حظه ... والخير قد يسبق جهد الحريص
وعدي
نظر إلى قول جمانة الجعفي [طويل]:
ومستعجل
والمكث أدنى لرشده ... لم يدر في
استعجاله ما يبادر
ومن
التوليد توليد بديع من بديع كقول أبي تمام [طويل]:
له
منظر قيد النواظر لم يزل ... يروح ويغدو في خفارته
الحبُّ
فإنه
ولد قوله: قيد النواظر من قول امرئ القيس: قيد الأوابد لأن هذه
اللفظة التي هي قيد انتقلت بإضافتها من الطرد إلى النسيب، فكأن النسيب تولد من
الطرد، وتناول اللفظة المفردة لا يعد سرقة كتناول هذه اللفظة.
ومن
التوليد نوع آخر وهو توليد المعاني، والذي مضى توليد الألفاظ، وهو أن يزوج المتكلم
معنى من معاني البديع بمعنى فيه، فيتولد بينهما فن مدمج في فن كقولي [طويل]:
شفيعي
عند الغيد مسودّ وفرتي ... إذا ما غدا غيري وشافعه
الوفر
فإني
لما زوجت التجنيس بالمبالغة تولد بينهما تفضيل الشباب على المال، فالتجنيس قولي:
وفرتي والوفر والمبالغة تسميتي الشباب شفيعاً والوفر شافعاً، وفعيل من أبنية
المبالغة بخلاف فاعل، وتفضيل الشباب جاء مدمجا في الغزل، لأن البيت بمعناه الذي
قصد التغزل، وهذا توليد كما ترى، ولا يقع في الكتاب العزيز من التوليد إلا توليد
المعاني البديعية، ومن ذلك ما وقع في قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112]
فإني استخرجت من هذه الآية أربعة عشر نوعاً من البديع أمهاتها خمس، وهي:
الأرداف والتتميم والائتلاف والتهذيب، وتولد من هذه الأمهات تسعة أضرب، وهي
الإيضاح والإدماج والافتنان وحسن البيان والمقارنة والامتزاج والإيجاز والإبداع،
والمثل السائر، وشرح ذلك يضيق عنه هذا المكان، وقد أفردته في صحيفة على انفراده،
والله أعلم.