أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-09-2015
9612
التاريخ: 26-09-2015
2105
التاريخ: 24-09-2015
1655
التاريخ: 25-03-2015
5036
|
وهو
أن يمزج المتكلم معاني البديع بفنون الكلام، أعني أغراضه ومقاصده بعضها ببعض بشرط
أن تجمع معاني البديع والفنون في الجملة أو الجمل من النثر، والبيت أو البيوت من
الشعر، كقول بكر بن النطاح [طويل]:
بذلت
لها ما قد أرادت من المنى ... لترضى فقالت: قم فجئني
بكوكب
فقلت
لها: هذا التعنت كله ... كمن يتشهى لحم عنقاء مغرب
سلي
كل شيء يستقيم طلابه ... ولا تذهبي يا بدر بي كل مذهب
فأقسم
لو أصبحت في عزِّ مالك ... وقدرته أعيا بما رمت
مطلبي
فتى
شقيت أمواله بعفاته ... كما شقيت بكر بأرماح تغلب
فإن
التمزيج وقع في الثلاثة المتواليات من هذا الشعر بعد الأول، فأما الأول من الثلاثة
فإنه مزج في صدره العتاب بالغزل بالمراجعة حيث قال:
فقلت
لها هذا التعنت كله
لارتباط
هذا الصدر بما قبله بسبب المراجعة التي فيهما إذ قال: فقالت ، وأتى
في عجز البيت بالتذييل ليتحقق العتاب، ويستدل على صحة ما ادعاه من التعنت، فمزج
المذهب الكلامي بالتذييل في العجز، كما مزج العتاب والغزل في الصدر، مع الارتباط
بما قبل، وحقق ذلك بالمراجعة الحاصلة فيهما، فوقع التمزيج في البيت المذكور من
الفنون في العتاب. والغزل ومن المعاني في المراجعة بسبب الارتباط والتذييل والمذهب
الكلامي، ثم مزج المبالغة بالقسم في البيت الثاني من الثلاثة، والمدح بالغزل
بواسطة الاستطراد، وأتى بالطامة الكبرى في البيت الثالث من الثلاثة، إذ مزج فيه
الإرداف بالتشبيه والشجاعة بالكرم ومدح قبيلة الممدوح بمدحه وذم أعداءها والإيغال
بالتشبيه.
فأما
الإرداف ففي قوله: شقيت أمواله بعفاته فإن أراد أن يقول: فتى جواد، فعدل عن هذا
اللفظ إلى ردفه، لما في لفظ شقاوة الأموال بالعفاة من زيادة المعنى، وديباجة اللفظ
التي لا توجد في لفظ الحقيقة، والتشبيه في قوله: كما شقيت هذه القبيلة بهذه
القبيلة والقبائل المتعادون كثير، وإنما اقتصر على هاتين القبيلتين لما في ذكرهما
من النكتة التي يزيد بها معنى المدح، وخص الممدوح به وأراد تكميل المدح ورأى أنه
لو اقتصر على مدحه بالكرم كان المدح غير كامل، وأراد تكميل المدح بالشجاعة فأوجبت
عليه الصناعة أن يأتي بالتنكيت في عجز البيت بحيث يكون بين العجز والصدر ارتباط
يوجب لهما التلاحم، فوصل بينهما بكاف التشبيه مقتصراً على ذكر القبيلتين اللتين في
ذكرهما نكتة حسنة، وهي مدح قبيلة الممدوح، والتعريض بذم قبيلة أعدائه، والمدح
لقبيلة الممدوح مدح له، فيكمل له المدح الذي أراده، والتمزيج الذي قصده، والفرق
بين التمزيج والتكميل والافتنان والتعليق والإدماج، فإن هذه الأبواب الخمسة ربما
اشتبهت على كثير من الناس لكونها تجمع المعاني والفنون غالباً إذ أن التكميل لا
يكون إلا في معاني النفوس وأغراضها معاً في البديع، ولا يكون أحد الأمرين فيه قد
اتحد بالآخر، بحيث لا يظهر من الكلام إلا صورة أحد الأمرين دون الآخر، وإنما يؤخذ
المعنى الآخر من الكلام بطريق القوة لشدة امتزاج المعنيين أو الفنين أو أحدهما
بالآخر، وهذه حال التمزيج بمعاني النفوس ومعاني البديع والفرق بين التمزيج
والافتنان أن الافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من أغراض المتكلم كالغزل
والمدح والعتاب، والهجاء، والتهنئة، والتعزية، والتمزيج بخلاف ذلك، إذ هو يجمع
الفنون والمعاني ويكون الأمران فيه متداخلين، والفنان فيه ظاهران، والفرق بين
التمزيج والتعليق أن التعليق كالافتنان في اختصاصه بالفنون دون المعاني وظهور الفنين
فيه معاً، إلا أن أحدهما متعلق بالآخر، والافتنان لا يكون إلا بالجمع بين فنين من
أغراض المتكلم كالغزل والمدح، والعتاب والهجاء، والتهنئة والتعزية، والتمزيج بخلاف
ذلك، إذ هو يجمع الفنون والمعاني، ويكون الأمران فيه متداخلين أي أحد الفنين فيه
متعلقاً بالآخر ولا بد، وكلاهما يفارق الامتزاج في ظهور صور الأشياء التي تكون
فيه، فإنها تمتزج في الامتزاج بحيث لا يظهر منها لكل شيئين إلا صورة واحدة، والفرق
بين التمزيج والإدماج أن الإدماج كالتعليق، لا يكون إلا بالفنون دون المعاني بخلاف
التمزيج، وإن اشتبه التمزيج في إيجاد الصور لا يكون إلا بالمعاني البديعية دون
المعاني النفسية، ودون الفنون، والفرق بين التعليق والتكميل دقيق وقد جاء في
الكتاب العزيز من التمزيج قوله تعالى: (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) فإنها امتزج فيها فنا الأدب والهجاء بمعنى
الإرداف والتتميم وتولد من ذلك ما استخرجته منا من بقية المحاسن، فكان ذلك أربعة
عشر نوعاً يضيق هذا المكان عن ذكرها مفصلة، وقد ذكرتها مفصلة في بديع
القرآن العزيز والله أعلم.