أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-1-2023
1253
التاريخ: 25-3-2021
1655
التاريخ: 2024-04-20
765
التاريخ: 2023-10-15
997
|
يرجع استقرار المادة والانتظام الدوري في جدول مندليف للعناصر الذرية في نهاية المطاف إلى حقيقة أن الإلكترونات تتبع مبدأ أساسيا من مبادئ ميكانيكا الكم يعرف باسم «مبدأ الاستبعاد»، الذي ينص على أنه يستحيل أن يحتل إلكترونان في مجموعة واحدة نفس حالة الطاقة الكمية. عندما أدرك بول ديراك أن نظرية الكم تقضي بإمكانية وجود نظائر موجبة الشحنة مضادة للإلكترونات تعرف بالبوزيترونات، استخدم مبدأ الاستبعاد هذا لعمل نموذج للفراغ من شأنه أن يتسبب تلقائيا في وجود مثل هذه الجسيمات العجيبة. اقترح ديراك أن ننظر إلى الفراغ على أنه غير خاو بالمرة؛ فالفراغ بالنسبة له كان مليئا بعدد لا نهائي من الإلكترونات التي تشغل طاقاتها المنفردة كل القيم، بداية من قيم سلبية لانهائية وحتى قيم قصوى. يمتد هذا البحر العميق الهادئ في كل مكان ولا يلحظه أحد ما دام لم يعكر صفوه شيء. ونطلق على هذه الحالة العادية «الحالة القاعية»، وهي المستوى الأساسي الذي نحدد كل الطاقات مقارنة به: يحدد «مستوى سطح البحر» لديراك نقطة الصفر للطاقة.
يمكن إعادة ترتيب معادلة أينشتاين الشهيرة، الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء، لتكون هكذا: الكتلة = الطاقة/مربع سرعة الضوء، وهو ما يعني أنه يمكن إنتاج الكتلة من الطاقة. للإلكترون وتوأمه المضاد، البوزيترون، نفس الكتلة × مربع سرعة الضوء، ولهما شحنات كهربائية متساوية لكن متضادة. لذلك إذا تجاوزت الطاقةE ضعف مقدار الكتلة × مربع سرعة الضوء، يمكن أن يظهر إلكترون وبوزيترون من العدم. يمكن لتذبذبات الطاقة في الفراغ أن تتحول تلقائيا إلى إلكترونات وبوزيترونات، لكنها محكومة بمبدأ عدم اليقين بحيث تدوم لجزء يسير من الثانية فحسب لا يتجاوز ħ / ضعف الكتلة × مربع سرعة الضوء، وهو ما يعادل 10-21 ثوان. وهذه الفترة الزمنية محدودة للغاية حتى إن الضوء ما كان ليقطع سوى واحد على الألف من قطر ذرة الهيدروجين. يستحيل رؤية مثل هذه الجسيمات «الافتراضية» بأكثر مما يرى مقدار الحيود عن حفظ الطاقة الذي تتسبب به هذه التذبذبات. غير أنه يمكن الكشف عن فكرة أن الفراغ مليء بالجسميات الافتراضية عن طريق القياسات الدقيقة المضبوطة. تحيط بالجسيم المشحون كهربائيا، كالإلكترون أو الأيون، سحابة افتراضية من الإلكترونات أو البوزيترونات. وتحيط به أيضا كل الأنواع الأخرى من الجسيمات المشحونة ونظائرها المضادة، وكلما كانت أثقل قل تذبذبها، وعلى هذا لما كان الإلكترون والبوزيترون هما الأخف، فهما إذن الجسيمان المهيمنان. أحد تأثيرات هذه السحب يتمثل في تخفيف شدة القوى الكهربائية بين الجسمين المشحونين. وكلما كانت عدسة المجهر المستخدم أرق، زادت قدرتنا على رصد تأثير هذه السحب الافتراضية في الفراغ. وبينما يظهر زوج الإلكترون والبوزيترون ويختفي في هذا الوجود الافتراضي في غضون جزء على ألف من قطر الذرة، بإمكانه أن يؤثر على القوة المتولدة بين البروتون والإلكترون البعيد في ذرة الهيدروجين، وهو ما يسبب تعديلًا طفيفا لقانون التربيع العكسي للقوة، ويؤثر أيضا على مغناطيسية الجسيمات مثل الإلكترون بطرق قابلة للحساب تتفق مع البيانات بدقة تتجاوز الجزء على المائة مليار.
في تفسير ديراك للفراغ بوصفه بحرا لانهائيا عميقا مليئا بالإلكترونات، إذا فقد إلكترون واحد في هذا البحر، فإنه يترك مكانه ثقبًا. يظهر غياب الإلكترون سالب الشحنة ذي الطاقة السالبة مقارنة بمستوى البحر على صورة جسيم موجب الشحنة ذي طاقة موجبة، تحديدا جسيم له جميع خصائص البوزيترون. يمكن للتذبذبات الحادثة في سطح البحر، بالتعاون مع ظاهرة طاقة نقطة الصفر التي وصفناها سابقا، أن تنشط الإلكترون المغادر للثقب على نحو لحظي، فيظهر مكانه زوج افتراضي من إلكترون وبوزيترون.
من الممكن جعل هذه التذبذبات الافتراضية مرئية من خلال تزويد الذرة بالطاقة. إذا قذفت الذرة بفوتون له طاقة تتجاوز ضعف الكتلة × مربع سرعة الضوء، أغلب الظن أنه سيؤين هذه الذرة. غير أنه من الممكن أن يموج الإلكترون والبوزيترون الافتراضيان داخل المجال الكهربائي للذرة في الوقت الذي يصدمهما فيه الفوتون. هذه الحالة سيطردهما الفوتون خارج الذرة، تاركا الذرة في حالة هدوء. يمكن تصوير هذه الظاهرة، المعروفة باسم «تخليق الأزواج»، في غرفة فقاقيع، وهو ما يؤدي لظهور شكل فني رائع ومبهم كما في الشكل 7-3. وهكذا يصير الجسيمان الافتراضيان حقيقيين.
يرى ديراك أن هذه الأجسام المضادة هي ثقوب تخلفت في البحر العميق اللانهائي الذي هو الفراغ. أيضا تحل هذه الصورة أمرا آخر قد يبدو متناقضا؛ فإذا كان الفراغ خاويا بحق، ما الذي كان سيشكل قوانين الطبيعة، وخصائص المادة، بحيث يكون لجميع الإلكترونات والبوزيترونات المخلقة «من العدم» خصائص متطابقة وكتل محددة، بدلًا من أن تكون لها قيم عشوائية؟ تتبع البروتونات والكواركات وجسيمات أخرى مشابهة أيضا مبدأ الاستبعاد، وتملأ بحرا عميقا لانهائيا. وهذا المستودع العميق اللانهائي المتمثل في بحر ديراك هو الذي يمدنا بجسيمات المادة.
شكل 7-3: تخليق الأزواج. (1)
طبقا لهذا التفسير، الفراغ هو وسط. للفراغ صلات عميقة بالظواهر التي تحدث في الوسائط «الحقيقية»، مثل المواد الصلبة والسائلة حيث تنظم أعداد هائلة من الذرات أو الجسيمات نفسها «أطوارا» مختلفة، ومن ثم يشبه الفراغ الكمي الترتيب الذي يملك أدنى حد ممكن من الطاقة، أي «الحالة القاعية»، لنظام متعدد الجس، لهذا الأمر تبعات عميقة، بما في ذلك احتمالية أن طبيعة الفراغ لم تكن واحدة على مدار تاريخ الكون، يثير هذا أيضا احتمالا مثيرا: أنه بمقدور المرء أن «يضيف» شيئا إلى الفراغ ومع ذلك «يقلل» من طاقته، في هذه الحالة سيصنع المرء حالة فراغ جديدة؛ فالفراغ السابق، الذي يتمتع بطاقة أعلى من الحالة القاعية الحقيقية، يعرف بـ «الفراغ المزيف»، والتحول من الفراغ المزيف إلى الفراغ الجديد يعرف باسم «التغير الطوري»، يخمن المنظرون – ولعل تجارب فيزياء الطاقة العالية تجيب
شكل 7-4: (أ) الفراغ مليء ببحر عميق لا نهاية له من مستويات الطاقة الممتلئة، بداية من تلك السالبة بلا نهاية وصولا لتلك القصوى. وهذا الترتيب، حالة الطاقة الدنيا، مستوى الطاقة به يساوي صفرا. (ب) حالة ذات طاقة موجبة، على سبيل المثال، إلكترون ذو طاقة موجبة بالنسبة للفراغ. (ج) ثقب في الفراغ. سيبدو غياب الحالة ذات الطاقة السالبة والشحنة الكهربية السالبة على صورة حالة ذات طاقة موجبة وشحنة موجبة. هذا هو تصور ديراك عن الجسيم المضاد للإلكترون: البوزيترون. (د) حالة ذات طاقة سالبة خالية وحالة ذات طاقة موجبة ممتلئة. يمكن أن يكون هذا إلكترونا ذا طاقة موجبة ويدرك «الثقب» بوصفه بوزيترونا ذا طاقة موجبة. لإنتاج هذا الترتيب يجب أولا تزويد الفراغ بالطاقة. هذه الطاقة يمكن توفيرها من خلال فوتون بحيث يتحول الفوتون إلى إلكترون وبوزيترون. يمكن رؤية صورة لمثال واقعي على هذه العملية في الشكل 7-3.
عن هذا عما قريب – أن شيئا من هذا القبيل حدث في وقت مبكر من تاريخ الكون عند درجات حرارة تتجاوز مليون المليار درجة.
هوامش
(1) © Lawrence Berkeley Laboratory/Science Photo Library.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|