أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-10-2015
2398
التاريخ: 25-10-2015
2534
التاريخ: 8-1-2023
6478
التاريخ: 6-6-2021
3430
|
يعد حق الاعتراض الذي يتمتع به رئيس الدولة أحد عناصر تحقيق التوازن بين السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية ، في النظام البرلماني ، فإذا كان رئيس الدولة يملك حق حل البرلمان ، فإن حق الاعتراض يمثل وسيلة معتدلة لتحقيق التوازن بين السلطتين ، ذلك أنه حق حل البرلمان بما يتيره من صعوبات يعتبر إجراءً استثنائيا ، يكون صعبا اللجوء اليه فيكون حق الاعتراض إجراء مناسبا أكثر من حق حل البرلمان لمعالجة المشاكل بين السلطتين
غير أن أهمية هذا الحق كوسيلة من وسائل حفظ التوازن بين السلطتين تزداد في النظام الرئاسي إذ تنص الدساتير على مبدأ الفصل شبه المطلق بين السلطات ومنتسكيو يعد أول من أشار الى الوجه السياسي للاعتراض على مشاريع القوانين بوصفه وسيلة فعالة و مهمة للحد من تعدي السلطة التشريعية على امتيازات الحكومة ، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات (1) إستناداً الى ما سبق فإننا سنوضح تطبيقات هذا الحق في بعض الدول ضمن الانظمة السياسية المختلفة و التي قد تختلف فيها طريقة ممارسة استخدام هذا الحق من قبل الرئيس من دولة الى أخرى في النظام السياسي الواحد و التي من أبرزها مايلي :
اولا : ممارسة حق الاعتراض في النظام البرلماني .
فيما يتعلق بحق الاعتراض لرئيس الدولة في النظام البرلماني في بريطانيا فأن الملك (أو الملكة ) يتمتع بحق الاعتراض المطلق على مشاريع القوانين التي تصدر من البرلمان ، فلا يمكن للبرلمان التغلب على هذا الاعتراض بإعادة الموافقة على القانون مرة أخرى ، فهذا الحق يتميز بصفتي النهائية و الإطلاق ، حيث يؤدي اعتراض الملكة إلى إلغاء مشروع القانون نهائيا ، ولا توجد أي وسيلة دستورية لتجاوز الاعتراض الملكي ، وفي حال رفض الملك الموافقة على مشروع القانون فان صيغة الرفض تكون برد مقتضب فيه شئ من المراوغة ، بهدف عدم استفزاز البرلمان فيقوم بحجب الأموال عن التاج ، ولكن مع تطور النظام البرلماني في بريطانيا ، أخذ هذا الحق في بريطانيا بالتلاشي ، نتيجة ظهور المسؤولية الوزارية وانتقال حقوق الملك الى الوزارة ، التي أصبحت المحرك الرئيس في هذا النظام ومن الجدير بالذكر أن أخر استعمال لهذا الحق كان في عهد الملكة ان (172 1714) في 11 اذار عام 1708م (2) ، فبعد الملكة ( أن ) انتهت سلالة آل سيتوارت ، ودعا البرلمان البريطاني إلى العرش سلالة جديدة هي أسرة هتوفر الألمانية ولم يكن الملك الاول من هذه العائلة و هو الملك جورج الأول (1714 - 1727 يعرف الانكليزية ، ولهذا السبب لم يكن يحضر اجتماعات حكومته ، وعلاوة على ذلك فان الأمر كان يتعلق بنظام اتحاد شخصي ، ولهذا كان ملك انكلترا غائبا عن لندن وكان ابنه جورج الثاني (1727م) (1760م ، الذي خلفه هو الأخر يجهل الانكليزية و لهذا السبب لم يحضر اجتماعات الحكومة و هكذا فطيلة العهدين اللذين داما (46) سنة لم يكن الملكان يمارسان مباشرة السلطة الحكومية ، ونتيجة لهذا الواقع اكتسبت الحكومة سلطة كبيرة و أخذ مفهوم المسؤولية السياسية للوزارة ينمو بشكل مواز مع تنامي سلطتهم (3).
وفي العراق فبعد تغيير النظام السياسي ، فقد تبنى دستور جمهورية العراق لعام 2005م في المادة (1) منه النظام البرلماني أسلوبا جديدا لنظام الحكم السياسي ، و فيما يخص موقف هذا الدستور من اختصاص رئيس الجمهورية من الامتناع عن تصديق مشاريع القوانين التي يوافق عليها مجلس النواب فقد مر بمرحلتين ، في المرحلة الأولى كان الاعتراض فيه على مشاريع القوانين من اختصاص مجلس الرئاسة خلال الدورة النيابية الأولى ( 2006م - 2010م ) ، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة صلاحية رئيس الجمهورية المنصوص عليها في المادة (3/73 ) من الدستور
ففي المرحلة الأولى نظم الدستور إجراءات الاعتراض على القوانين ، حيث تبدأ بعد إرسال مجلس النواب لمشروع القانون الذي وافق عليه الى مجلس الرئاسة) ، الذي يتكون من الرئيس ونائبين له ، يتم انتخابهم من قبل مجلس النواب بقائمة واحدة و بأغلبية التلتين ( 4 ) ، وقد حدده الدستور ضمن الدورة الأولى لمجلس النواب ، إذ يجب أن يصادق المجلس المذكور بالأجماع على مشروع القانون لأجل اعتباره مصادقا عليه خلال مدة عشرة أيام من تاريخ إرسال المشروع اليه ، إلا أنه يمكن لمجلس الرئاسة الامتناع عن تصديق مشروع القانون المرسل اليه من مجلس النواب بموجب ما ورد في المادة (138 / خامسا ) من الدستور ، والمواد ( 137 و 138 ) ( 5 ) من النظام الداخلي لمجلس النواب .
وبالتالي فان لمجلس الرئاسة أن يطلب من مجلس النواب إعادة النظر في مشروع قانون وعلى ضوء الملاحظات التي يبديها ، ولكن لمجلس النواب أن يُصر على مشروع القانون بالأغلبية الموصوفة و دون إدخال أي تعديلات عليه و أرساله الى مجلس الرئاسة للموافقة عليه (6) ، أما إذا اعترض مجلس الرئاسة على مشروع القانون المرسل اليه مرة ثانية خلال عشرة أيام من تاريخ وصوله إليه يعاد المشروع الى مجلس النواب ، الذي له الحق في اقراره بأغلبية ثلاثة أخماس عدد أعضائه ومن دون أن يكون لمجلس الرئاسة حق الاعتراض على القانون و يصبح مصادقا عليه ، وقد استعمل مجلس الرئاسة خلال دورته عدد من الاعتراضات على مشاريع القوانين بلغ عددها (32) اعتراضا نذكر منها مشروع قانون تعديل اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 م و و مقترح قانون تعديل قانون المحكمة الجنائية العليا رقم 10 لسنة 2005م و مقترح تعديل قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969م و غيرها من الاعتراضات وبانتهاء الدورة الانتخابية الأولى أصبحت المادة التي أعطت صلاحية حق الاعتراض على مشاريع القوانين لمجلس الرئاسة غير قابلة للتطبيق وذلك للتحديد الزمني الذي أعطي لها و هو دورة انتخابية واحدة لاحقة لنفاذ دستور عام 2005 ، و التي بانتهائها انتهت صلاحيتها في النفاذ و التطبيق عادت ، و صلاحية رئيس الجمهورية و التي نصت عليها المادة (3/73 ) (7). من الدستور، وتبعا لذلك فان رئيس الجمهورية وفقا لهذه المادة لا يملك حق الاعتراض على مشاريع القوانين حيث بدأ العمل بصلاحيات رئيس الجمهورية الواردة في المادة (73 ) من الدستور (8).
ولكن هناك سؤال قد يُتار ما الأثر الذي يترتب لو قام الرئيس بإعادة مشروع القانون الى مجلس النواب بعد إقراره من المجلس دون أن يصادق عليه ؟
الحقيقة أن هذه الحالة حدث لمرات عديد وكان آخرها إعادة رئيس الجمهورية ( لقانون اسس تعادل الشهادات والدرجات العلمية العربية والاجنبية) ، والذي أقره مجلس النواب العراقي في 2020/10/28 ، وقام الرئيس بإعادته الى مجلس النواب دون المصادقة عليه بكتابه المرقم 41/1/ 2559 و المؤرخ في 11/17/ 2020 ، وكان رد مكتب النائب الأول لرئيس مجلس النواب بكتابه المرقم م.خ. ش 824/3/1 بتاريخ 11/24/ 2020 عدم امتلاك رئيس الجمهورية و حسب ما استقر عليه قضاء المحكمة الاتحادية لصلاحية الاعتراض على مشاريع القوانين ، ودعا الى إتخاذ الاجراءات اللازمة لإصدار القانون
من هذا يتضح أنه حتى لو أعاد رئيس الجمهورية القانون الى مجلس النواب دون الموافقة عليه ، فان هذا القانون سوف يأخذ مجراه الى الإصدار و يتم نشره في الجريدة الرسمية و هذا ما حدث للقانون المذكور إذ تم نشره في جريدة الوقائع العراقية ( 9 ) ، ولكن من حيث الواقع العملي نجد أن رئيس الجمهورية الاسبق المرحوم جلال الطالباني قد امتنع عن تصديق مشروع قانون لتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971م في عام 2010م، عندما رفض نص المادة (136/ب) من القانون كونها توفر حماية للمسؤولين عن جرائم الفساد المالي والإداري في الوزارات، ولقد أخذ مجلس النواب بملاحظات واعتراضات الرئيس ، وقام بإعادة النظر في مشروع القانون وألغى المادة (136/ب) من مشروع تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية، أي إنه أخذ بالاعتراض التوقيفي أي إيقاف المصادقة على مشروع القانون (10).
نستنتج مما سبق أنَّ دستور جمهورية العراق لعام 2005 لم يمنح حق الاعتراض لرئيس الدولة إلا أنه منح هذا الحق في السابق الى مجلس الرئاسة و بهذه الطريقة يكون قد أخذ ما يقتضيه النظام البرلماني التقليدي البريطاني من أن رئيس الدولة بموجب هذا النظام لا يملك حق الاعتراض على مشاريع القوانين و في الوقت نفسه ينبغي أن يسود رئيس الدولة ولا يحكم .
أما في الهند وهي جمهورية برلمانية فدرالية فعند تمرير مشروع قانون في مجلسي البرلمان الهندي فيجب عرضه على رئيس الدولة الذي له حق نقض جميع مشاريع القوانين ، فيما عدا مشاريع القوانين المالية ، حيث يجب على الرئيس في حال نقضه لمشروع القانون غير المالي دون أن يحدد الدستور المدة التي على الرئيس التقيد بإعادته الى البرلمان مرفقا برسالة يطلب فيها ضرورة إعادة النظر في مشروع القانون أو نصوص محددة فيها ، واقتراح إجراء التعديلات يوصي بإدخالها الى مشروع القانون ، ويقوم البرلمان بإعادة النظر بمشروع القانون وفقا لتوصيات و طلبات الرئيس ، أما إذا أقر مجلسا البرلمان الهندي مشروع القانون مرة أخرى ، بتعديل حسب توصيات الرئيس أو بدونه وقدم للرئيس للتصديق عليه ، فليس للرئيس أن يقوم بالاعتراض على القانون (11).
ثانيا : ممارسة حق الاعتراض في النظام الرئاسي
أن النموذج الأبرز للنظام الرئاسي هو النظام الأمريكي فحسب ( المادة 1 الفقرتان 2 و 3) من دستور الولايات المتحدة الامريكية الصادر في عام 1787م ، هناك نوعان من الاعتراض يتمتع بهما رئيس الولايات المتحدة وهما : النقض العادي Regular veto ) )و نقض الجيب المسمى (Veto Pocket )أضاف العرف نوعا تالتا التهديد بالنقض Veto Treat ) و هو ذو طابع وقائي و يسمى ويهدف الى تجنب ممارسة الاعتراض بالمعنى الحصري للكلمة (12).
1- الاعتراض العادي لمشاريع القوانين
يستخدم هذا النوع من حق الاعتراض للإشارة الى تصرف الرئيس عندما لا يوافق على مشروع القانون الذي أقره مجلسا الكونغرس الأمريكي، ويعيده مع اعتراضاته الى المجلس الذي اقترح مشروع القانون ، ولهذا يطلق عليه أحيانا ( الاعتراض المعاد أو المرتد The Veto Returned لتمييزه عن اعتراض الجيب ، الذي لا يُعاد الى الكونغرس بسبب رفعه لجلساته ، وعلى ذلك فان أرسل الكونغرس مشروع قانون الى الرئيس ، فان الدستور الأمريكي يخول الرئيس الحق في الاعتراض عليه خلال مدة عشرة أيام ( يستثنى منها ايام الأحاد ) ، وإعادته الى المجلس الذي أقره أولاً مرفقا به أسباب اعتراضه على مشروع القانون ، إلا أن هذا الاعتراض لا يترتب عليه إنهاء مشروع القانون و القضاء عليه وإنما يترتب عليه إعادة النظر والدراسة على مشروع القانون من طرفي الكونغرس مرة ثانية والاجراءات المتبعة في الكونغرس بشأن إعادة النظر في مشروع القانون المعترض عليه من قبل الرئيس ، فيتمثل باستلام مشروع القانون عند وصوله الى المجلس (صاحب الاقتراح الأصلي لمشروع القانون) ، و يقوم بإدراجها في سجل الوارد للمجلس ( 13 ) ، وبعد أن يتم ادراج رسالة الفيتو الواردة من الرئيس في السجل اليومي لأعمال المجلس و يتحتم الاستجابة للمطلب الدستوري بضرورة إعادة النظر في مشروع القانون المعترض عليه ، وطبقا للدستور الأمريكي يشترط من أجل تخطي اعتراض الرئيس أن يوافق على مشروع القانون المعترض عليه أغلبية تلتي الاعضاء الحاضرين من المجلس ، بشرط اكتمال النصاب القانوني للحضور ، فاذا تمت الموافقة على مشروع القانون بهذه الاغلبية أرسل بعد ذلك الى المجلس الآخر، الذي يقوم كذلك بإعادة بحته و دراسته ، فاذا تمت الموافقة عليه بأغلبية تلتي الاعضاء الحاضرين في المجلس يصبح المشروع قانونا واجب التنفيذ ، ولا يحتاج للتوقيع من جانب الرئيس و يسقط حق الاعتراض نهائيا (14).
2- اعتراض الجيب ( Pocket Veto )
يكمن اعتراض الجيب في امتناع الرئيس عن توقيع مشروع القانون، الذي أقره المجلسان خلال الأيام العشرة التي تسبق تأجيل انعقاد اجتماعات الكونغرس ، وقد نص الدستور الأمريكي على هذا النوع من الاعتراض، لكن عبارة الجيب لم ترد علنا الا أثناء ولاية الرئيس اندرو جاكسون ( 1837م- 1829م ) فبموجب المادة (1) الفقرة (7) من الدستور يعرض كل مشروع قانون أقره المجلسان على رئيس الدولة لتوقيعه ، فاذا امتنع الرئيس في الايام العشرة الأولى (باستثناء أيام الاحاد ) التي تلي التسليم ، ولم يوقع عليه ، يصبح المشروع قانونا ، كما لو أن رئيس الدولة قد وقعه ، إلا إذا أدى تأجيل اجتماع (الكونغرس) الى جعل إعادة مشروع القانون اليه مستحيلة ، ففي هذه الحالة لن يكون لمشروع القانون قوة القانون ، ولن يحال الى الكونغرس كما هو الحال في الاعتراض أو النقض العادي لمشاريع القوانين ، وبالنتيجة فانه لا يمكن أن يرد من جانب الكونغرس و سينتج في هذه الحالة أثار النقض المطلق ، أي يؤدي هذا النوع من الاعتراض الى الغاء القانون و كانه لم يكن ، وليس في الدستور الأمريكي شئ يشير إلى ضرورة توجيه رسالة رئاسية الى المجلسين لشرح أسباب (اعتراض الجيب ) (15).
ومن هنا يمكن القول : أن الرئيس الأمريكي وضع القانون في جيبه فبسبب هذا النوع من الاعتراض المنحرف المشروع القانون لن يتحول الى قانون فحسب بل يُقبر نهائيا ، فهو بذلك أكثر فعالية و قوة من الفيتو العادي اذ لا يمكن تجاوزه من جانب الكونغرس ، وقد كان الرئيس الأمريكي الرابع جيمس مادیسون (1807م - 1817م) أول رئيس استخدم اعتراض الجيب في تشرين الثاني من عام 1812م ، ولكي يتحقق اعتراض الجيب من جانب الرئيس الامريكي يجب أن تتوفر الشروط التالية :
1- أن تقض دورة انعقاد الكونغرس قبل انقضاء عشرة ايام ابتداءً من تاريخ تقديم المشروع الى الرئيس.
2- ألا يرفض الرئيس مشروع القانون و يعيده الى الكونغرس قبل فض دورته .
3- ألا يوافق الرئيس على مشروع القانون خلال عشرة أيام من تقديمه
وتظهر أهمية اعتراض الجيب من خلال العدد الهائل لمستوى ممارسته من جانب الرؤساء ومن جهة أخرى إقرار الفقه بأن اعتراض الجيب له خصائص النهائية و الاطلاق ، فيكفي أن يلتزم الرئيس الصمت دون إيراد أية أسباب ليعتبر القانون كأن لم يكن (16) ، الا أن هناك طريقة وحيدة امام الكونغرس للقيام بالتحايل على نقض الجيب وهو بإعادة تقديم التشريع كمشروع قانون جدید و تمريره من خلال المجلسين و عرضه على رئيس الجمهورية مرة أخرى للتوقيع عليه (17).
3- التهديد بالنقض
التهديد بالاعتراض threat veto هو عبارة عن اعتراض وقائي ضد مشروع قانون لتجنب نقض عادي أو نقض جيب في المستقبل ويوجه الرئيس هذا الاعتراض ضد مشروع قانون لا يوافق عليه ، أصبح معروضا في الكونغرس لدراسته فقد تؤدي موافقة الكونغرس عليه في المستقبل الى نقض رئاسي ( 18 ) ، فيمكن أن يثبت التهديد باستخدام حق النقض ايضا انه أداة فعالة للرئيس مما يؤدي أحياناً الى إجبار الكونغرس لتعديل التشريع قبل تقديم مشروع القانون الى الرئيس ، بالإضافة الى الخطابات العامة المتعلقة بالتشريعات ، يتمتع الرئيس بالقدرة على إصدار بيانات سياسة الادارة التي تسمى (SAPS ) للتعبير عن وجهة نظر الادارة بشأن مشروع قانون . ، و (SAPS ) هي شكل مكتوب من الاتصالات بين الادارة و الكونغرس ، وعادة يتم إصدارها قبل فترة وجيزة من إجراء كلمة بشان مشروع القانون .
ومن الجدير بالذكر أن ( 38 ) رئيساً من مجموع (45 ) مارسوا حق النقض (الفيتو) على إجمالي (2576) مشروع قانون منذ عام 1789م ، ومن ضمن هذا العدد كان (1010) أي ما يعادل (58,6%) من حق النقض تم اعادة التشريع الى غرفة المنشأ في الكونغرس أثناء انعقاد الجلسة و (1066 ) أي ما يعادل (41,4) تم رفضها اثناء تأجيل الكونغرس أي استخدم الرئيس نقض الجيب (19).
اما في البرازيل فإن دستور عام 1988م النافذ فينص على حق الرئيس في الاعتراض على مشاريع القوانين بعد اقرارها من الكونغرس خلال مدة (15) يوما من تاريخ استلام الرئيس للمشروع ، وبذلك يتوجب على الرئيس إما المصادقة على القانون خلال هذه المدة، وإما الاعتراض عليه و بيان أسباب الاعتراض ، وعند وصول مشروع القانون المعترض عليه الى الكونغرس ، يجتمع الكونغرس بمجلسيه للنظر في الاعتراض الرئاسي، فإما أن يصوت على مشروع القانون بأغلبية تلتي أعضاء المجلسين وهذا يلغي الاعتراض و ينشر القانون و يصبح ملزما لهيئات الدولة ، أما إذا عجز الكونغرس عن إقراره بالثلتين فيكون الاعتراض في هذه الحالة مقرا ، مع ملاحظة أن الكونغرس مقيد بشان مشروع القانون المعترض عليه من الرئيس وهي أن يتم التوصل الى الاتفاق في الكونغرس خلال مدة (45 ) يوما ( 20 ) .
ثالثا : ممارسة حق الاعتراض في النظام المختلط .
من المعلوم أن رائد هذا النظام هو الدستور الفرنسي الصادر في عام 1958م ، وقد تبنى هذا الدستور الاعتراض البسيط على مشاريع القوانين ، حيث نصت المادة (10) منه "( يصدر رئيس الجمهورية القوانين الصادرة عن البرلمان خلال خمسة عشر يوماً تلي التمرير النهائي لقانون ما وتحويله إلى الحكومة ، يمكن له قبل انقضاء هذه المهلة الطلب من البرلمان إعادة فتح النقاش حول القانون أو أية أقسام منه ولا يجوز رفض إعادة فتح هكذا نقاش )"
يفهم من هذا النص أن رئيس الجمهورية يمكنه أن يعيد مشروع القانون الى البرلمان خلال مدة خمسة عشر يوما بعد تمرير مشروع القانون ويطلب من البرلمان اجراء مداولة جديدة ، فان البرلمان لا يمكنه رفض طلب الرئيس في اجراء المداولة و دراسة مشروع القانون من جديد ، وبعد هذه المداولة من قبل البرلمان و إقراره مرة أخرى ، فلا يمكن لرئيس الدولة أن يمنع صدور القانون وإجراء التصويت داخل البرلمان لا يحتاج الى أغلبية خاصة ، بل أن الاغلبية العادية كافية لتمريره و يصبح القانون نهائيا . ولكن ماذا يكون موقف الرئيس في حالة تبيّن لديه أن مشروع القانون المقدم اليه من البرلمان للتصديق عليه ، فيه خرق و انتهاك لأحكام الدستور ؟
إن الاجراء المتخذ من قبل رئيس الدولة في هذه الحالة بوصفه حامي الدستور هو اللجوء الى المادة (61) (21) ، من الدستور الفرنسي حيث يوجد حق اعتراض بديل عن حق الاعتراض البسيط و هو حق الاعتراض الناقل ، فرئيس الدولة يمكنه الاعتراض على مشروع القانون قبل اصداره فله حق إحالته دستورية مشروع القانون من عدمه خلال مدة شهر ، وللحكومة في حالة الاستعجال أن تطلب قصر هذه المدة و جعلها ثمانية أيام ، فاذا أعلن المجلس الدستوري عدم دستورية مشروع القانون فانه حسب نص المادة (62) (22) من الدستور الفرنسي لا يجوز إصداره إذ أن قرارات المجلس باتة و لا يمكن الطعن بها و هي ملزمة لجميع السلطات العامة وجميع المحاكم .
مما سبق يتضح أن حق الاعتراض على مشاريع القوانين الذي يمارسه رئيس الدولة في النظام البرلماني سواء أكان ملكا أم رئيسا للجمهورية ليست جميعها في مرتبة و قوة واحدة ، حيث أن دور و قوة رئيس الدولة في هذا المجال في النظام البرلماني تختلف من دولة الى اخرى ، فبعضها لا يملك سوى سلطة المصادقة على القوانين دون حق الاعتراض ، وتعتبر مصادقا عليها بعد مرور مدة معينة ، بعضها الآخر يملك قدرا كافيا من سلطة الاعتراض أو إعادة مشروع القانون الى البرلمان للمداولة و القراءة الثانية بهدف إجراء التعديلات عليه بما قد يرضي توجهات الرئيس .
أما بالنسبة لسلطة الرئيس الامريكي في الاعتراض على القوانين بالطريقة العادية فهي ليست مطلقة ونهائية ، بل أن سلطته في هذا الشأن مجرد سلطة اعتراض توقيفي يستطيع الكونغرس التغلب عليه بأغلبية التلتين في الكونغرس ، أما عند استعمال الرئيس لاعتراض الجيب على مشاريع القوانين فعند تحقق شروطه فانه يؤدي الى الغائه نهائيا
أما في حالة تهديد الرئيس باستعمال حق الاعتراض فهي مجرد تهديد فريما قد ينتج عنه ولادة القانون بالتوافق بين الرئيس و الكونغرس ، أو الغائه باستعمال الرئيس لحق النقض ، أو قد يؤدي الى مرور القانون بتراجع الرئيس عن التهديد أو تصويت الكونغرس على القانون بأغلبية الثلثين مما يؤدي الى أسقاط الاعتراض الرئاسي سواء بعد اعتراض الرئيس أم قبله
أما في النظام الفرنسي المختلط فان الرئيس يستطيع ممارسة إعادة مشروع القانون الإجراء مداولة و دراسة جديدة على القانون دون أن يكون للبرلمان الحق في رد طلب الرئيس على مداولة القانون ، واذا تبين للرئيس بأن مشروع القانون المرسل اليه من البرلمان ، يشكل خرقا للدستور الفرنسي فان الرئيس لديه السلطة في إحالة القانون الى المجلس الدستوري للنظر في دستورية القانون و يكون قرار المجلس الدستوري في هذا الشأن باتا و ملزما لسلطات الدولة كافة .
___________
1- سنان سهیل نجمان ، دور رئيس الدولة في العملية التشريعية، دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق ، الجامعة الاسلامية في لبنان 2012 ص 83 .
2- فيصل شطناوي و سليم سلامة حتاملة ، سلطة رئيس الدولة في الاعتراض على القوانين في النظام الدستوري الأردني مجلة علوم الشريعة و القانون ، الجامعة الأردنية ، العدد 2 ، المجلد ، 42 ، لسنة 2015 ، ص 404 .
3-د. جوي ثابت ، حق رئيس الدولة في نقض القوانين ، ترجمة د. محمد عرب سيصلا ، ط1 ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع ، بيروت ، 2008 ، ص 94 .
4- د. ليلى حنتوش ناجي و د. علي يوسف الشكري ، التنظيم الدستوري لصلاحية الرئيس في الامتناع عن تصديق القانون في النظام البرلماني بحث منشور في مجلة جامعة بابل للعلوم الانسانية ، جامعة بابل ، العدد 2 ، المجلد 24 لسنة 2016، ص 1117 .
5- تنص المادة ( 137 ) من النظام الداخلي لمجلس النواب على ( لمجلس الرئاسة الموافقة على القوانين التي يسنها مجلس النواب واصدارها بعد ارسالها اليه خلال عشرة ايام من تاريخ وصولها بأستثناء ما ورد في المادتين (118) و (119) من الدستور وفي حال عدم الموافقة تعاد القوانين الى مجلس النواب اما المادة (138 ) فتنص على ( من النظام الداخلي لمجلس النواب على : أولاً: يعقد مجلس النواب جلسة لهذا الغرض ويحيل المجلس قرار النقض والبيانات المتعلقة بها إلى لجنة مختصة لدراسة المشروع محل الأعتراض و الأسباب التي استند عليها قرار عدم الموافقة، ويعرض تقرير اللجنة المختصة على المجلس للنظر فيه على وجه الاستعجال فإذا أقر المجلس مشروع القانون محل النقض بالأغلبية ترسل الى مجلس الرئاسة للموافقة عليها. ثانياً: في حالة عدم موافقته ثانية خلال عشرة ايام من تاريخ وصولها اليه فلمجلس النواب بعد اعادتها اليه ان يقر بأغلبية ثلاثة اخماس عدد أعضائه غير قابلة للأعتراض وتعد مصادقاً عليها ).
6- د. ليلى حنتوش ناجي و د. علي يوسف الشكري ، التنظيم الدستوري لصلاحية الرئيس في الامتناع عن تصديق القانون في النظام البرلماني بحث منشور في مجلة جامعة بابل للعلوم الانسانية ، جامعة بابل ، العدد 2 ، المجلد 24 لسنة 2016 ص 1118 - 1119
7- تنص المادة (73) الفقرة 3 من الدستور العراقي 2005 على ( يتولى رئيس الجمهورية الصلاحيات الآتية :- يصادق و يصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب و تعد مصادقا عليها بعد مضي خمسة عشر يوما من تاريخ تسلمها).
8- د. وليد حسن حميد الزيادي ، التنظيم الدستوري للعتراض على القوانين ، بحث منشور في مجلة القادسية للقانون والعلوم السياسية ، جامعة القادسية ، العدد 2 ، المجلد 6 لسنة 2015 ، ص 271
9- انظر مجلة الوقائع العراقية العدد 4608 تاريخ النشر 12/21/ 2020
https://www.moi.gov.iq/upload/pdf/4608.pdf
10- د. روافد الطيار ، الاثر القانوني لأمتناع الرئيس العراقي عن تصديق مشروع قانون الاقتراض ،
http://kerbalacss.uokerbala.edu.iq/wp/blog/2020/12/12/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%B1- D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86%D9%8A-
%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%AA%D9%86%D8%A7%D8%B9-
%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-1%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82
تاريخ الزيارة 2021/4/2 الساعة 5:40 pm
11- تنص المادة (111) من الدستور الهندي لعام 1949 النافذ ( عندما يتم تمرير مشروع قانون من قبل مجلسي البرلمان، فإنه يتعين عرضه على الرئيس، حيث يعلن الرئيس إما أنه موافق على مشروع القانون، أو أنه يحجب الموافقة عن مشروع القانون. كما يشترط أن يقوم الرئيس، في أقرب وقت ممكن، بعد عرض مشروع القانون عليه للموافقة على المشروع، بالعمل على إرجاع مشروع القانون المقدم له إذا لم يكن مشروع قانون مالي إلى كلا مجلسي البرلمان، مع رسالة يطلب فيها ضرورة إعادة النظر في مشروع القانون أو أي أحكام محددة من المشروع، وخاصة النظر في إمكانية قبول إدخال أية تعديلات على مشروع القانون كما قد يوصي بها في رسالته، ولدى ورود مشروع القانون للبرلمان، فإنه يتعين على كلا المجلسين إعادة النظر في مشروع القانون وفقاً لذلك الطلب من الرئيس، وإذا تم تمرير مشروع القانون مرة أخرى من قبل البرلمان، مع أو بدون تعديل، وجرى عرضه مجدداً على الرئيس لإبداء الموافقة بشأنه، فإن الرئيس عندها لن يقوم بحجب الموافقة على المشروع ) .
12- د. جوي ثابت ، حق رئيس الدولة في نقض القوانين ، ترجمة د. محمد عرب سيصلا ، طا ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر و التوزيع ، بيروت ، 2008 ، ص 211-212
13- د. شداد التميمي ، سلطات الرئيس الامريكي في الظروف الاستثنائية دراسة تحليلية مقارنة ، ط 1 ، مكتبة زين الحقوقية و الادبية ، بيروت ، 2019، ص 63- 64
14- د. حسن البحري، سلطة الرئيس الامريكي في الاعتراض على القوانين دراسة تحليلية ، بحث منشور في مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية و القانونية ، المجلد 28 ، العدد الاول ، ، سنة 2012 ، ص 100-99
15- د. جوي ثابت ، مصدر سابق، ص 613 - 614 .
16- د. احمد سلیمان ریحان ، حق رئيس الدولة في الاعتراض على القوانين ، دراسة مقارنة ، دار الكتب و الدراسات العربية ، الاسكندرية ، مصر 2020 ، ص 95-96
17- Regular Vetoes and Pocket Vetoes: In Brief, (Congressional Research Service (CRS) Date of visit 2/4/2021 9:15 Am Updated July 18, 2019
https://fas.org/sgp/crs/misc/RS22188.pdf
p1
18- د. جوي ثابت، المصدر السابق ،615-616
19- Regular Vetoes and Pocket Vetoes: In Brief, (Congressional Research Service (CRS) Op. cit. p3
20- د. عدنان الزنكنة ، المركز القانوني لرئيس الدولة الفدرالية – العراق نموذجا ، ط1 المنشورات الحلبي الحقوقية بيروت 2011 ، ص 170
21- تنص المادة (61) من الدستو الفرنسي لعام 1958 على (.... تحال قوانين البرلمان إلى المجلس الدستوري، قبل إصدارها من قبل رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ، أوستين من أعضاء الجمعية الوطنية أو ستين من أعضاء مجلس الشيوخ ، يتعين على المجلس الدستوري أن يبت في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين السابق ذكرهما في غضون شهر واحد بيد أنه وبناء على طلب من الحكومة، في الحالات المستعجلة، تخفض هذه المدة إلى ثمانية أيام. يترتب على الإحالة على المجلس الدستوري، في مثل هذه الحالات، تعليق العمل بالوقت المخصص لصدور القانون.)
22- تنص المادة (62) من الدستور الفرنسي لعام 1958) لا يجوز إصدار أو تطبيق حكم أعلن عن عدم دستوريته على أساس المادة 61 .. قرارات المجلس الدستوري غير قابلة لأي طعن وهي ملزمة للسلطات العامة ولجميع السلطات الإدارية والمحاكم) .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|