طرائق توثيق الرواة / الطريقة الثانية عشرة / كون الراوي من أصحاب الإجماع. |
2392
03:12 مساءً
التاريخ: 10/11/2022
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 12/11/2022
1752
التاريخ: 21-4-2016
1707
التاريخ: 2024-02-06
945
التاريخ: 21-4-2016
1539
|
أصحاب الإجماع:
إنّ من أمّهات المسائل التي تبحث في هذا العلم ما يعرف بـ "أصحاب الإجماع" ولئن صحّت دعوى أنّ أصحاب الإجماع لا يسندون ولا يرسلون إلا عن ثقة لدخل في حيّز الأخبار الصحيحة المئات إن لم تكن الآلاف من الأخبار التي حكم المشهور بضعفها.
قال الشيخ النوريّ: في الفائدة السابعة من المستدرك: "فإنّه ذكر أصحاب الإجماع - من مهمّات هذا الفن إذ على بعض التقدير تدخل آلاف من الأحاديث الخارجة عن حريم الصحّة إلى حدودها أو يجري عليها حكمها" (1).
وقد سبقه صاحب الوسائل إلى البحث هذا قائلا: "في ذكره أصحاب الإجماع وأمثالهم كأصحاب الأصول ونحوهم والجماعة الذين وثقهم الأئمة (عليهم السلام) وأثنوا عليهم وأمروا بالرجوع إليهم والعمل برواياتهم والذين عُرِفَت عدالتهم بالتواتر فيحصل بوجودهم في السند قرينة توجب ثبوت النقل والوثوق وإن رووا بواسطة - ثم قال - فعلم من هذه الأحاديث الشريفة قول المعصوم، بل المعصومين (عليهم السلام) في هذا الإجماع الشريف المنقول بخبر هذا الثقة الجليل وغيره.. وناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله وسنده قرينة قطعية على ثبوت كل حديث رواه واحد من المذكورين مرسلا أو مسندا عن ثقة أو ضعيف أو مجهول لإطلاق النص والإجماع كما ترى"(2).
وقبل البحث عن المقصود ينبغي تقديم مقدّمات لتكون مدخلا للبحث.
الأولى: ما هو الأصل في هذه الدعوى؟
الثانية: من هو الكشي؟
الثالثة: هل أنّ كتابه معتمد وكيف وصل إلينا؟
المقدمة الأولى: نقول: إنّ الأصل في هذه الدعوى ما ذكره الكشي (رحمه الله) في كتابه الرجال قائلا: "تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام).
اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) وأصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأوّلين ستة: زرارة ومعروف بن خربوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي قالوا وأفقه الستة: زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري" (3).
ثم عقّب بفقرة أخرى فقال: "تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسمّيناهم وهم ستّة نفر: جميل بن درّاج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحمّاد بن عثمان وحمّاد بن عيسى وأبان بن عثمان، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله (عليهم السلام)" (4).
ثم قال: "تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليه السلام).
أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم وهم ستّة نفر أخر دون ستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فهم يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب وأحمد بن محمد بن أبي نصر وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب، وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب: عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى"(5).
المقدمة الثانية: الكشي هو محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بأبي عمرو الكشي، قال في الفهرست: ثقة بصير بالأخبار والرجال حسن الاعتقاد وله كتاب أخبرنا به جماعة عن أبي محمد التلعكبري عن محمد بن عمر بن عبد العزيز أبو عمرو الكشي (6).
وقال في رجاله.. صاحب كتاب الرجال من غلمان العياشي، ثقة بصير بالرجال والأخبار مستقيم المذهب.
وقال النجاشي في فهرسته: "محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي أبو عمرو كان ثقة عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً وصحب العياشي وأخذ عنه وتخرّج عليه وفي داره التي كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم، له كتاب الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة" (7).
وكل من تأخر عنها منها أخذ ومن معينها اغترف.
ولا بد من الإشارة إلى أنّه (رحمه الله) تتلمذ على يد محمد بن مسعود العياشي الذي ترجمه النجاشي بقوله: محمد بن عياش السلمي السمرقندي أبو النضر المعروف بالعياشي، ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة وكان يروي عن الضعفاء كثيراً، وكان في أول أمره عامّي المذهب، وسمع حديث العامة فأكثر منه ثم تبصّر وعاد إلينا، وكان حديث السن سمع أصحاب علي بن الحسن بن فضال وعبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي وجماعة من شيوخ الكوفيين والبغداديين والقميين، قال أبو عبد الله بن عبيد الله سمعت القاضي أبا الحسن علي بن محمد قال لنا أبو جعفر الزاهد: أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه سائرها وكانت ثلاث مائة ألف دينار وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أو قارئ أو معلق مملوءة من الناس.
وقال الشيخ في رجاله: "محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السمرقندي يكنى أبا النضر أكثر أهل المشرق علما وأدبا وفضلا وفهما ونبلا في زمانه، ص ف أكثر من مائتي مصنّف ذكرناها في الفهرست وكان له مجلس للخاصي والعامي".
أمّا الكشي فهو من كش قرية قريبة من مدينة سمر قند في بلاد أوزبكستان اليوم.
المقدّمة الثالثة: في طريق الكتاب وكيفيّة وصوله إلينا، فإنّا لم نعلم على نحو التحديد من أوصل الكتاب من سمرقند إلى بغداد إلا أنّ الذي يظهر أن الكشي نفسه وصل بغداد وروی كتابه فيها، وذلك لرواية النجاشي الكتاب عنه بطريق جعفر بن محمد بن قولویه عنه مباشرة والشيخ بواسطة التلعكبري عنه مباشرة كما ذكرا ذلك في فهرستيهما، ومن الواضح أنّ التواصل ما بين سمرقند وبغداد كان حافلاً كما مرّ في ترجمة العياشي وأنّه سمع من مشايخ الكوفة وبغداد وأنّ الزمن ما بين النجاشي والشيخ من جهة والكشي لم تكن بعيدة، بل عاش الكشي في القرن الرابع والنجاشي والشيخ في الخامس، وعلى كل حال فإنّ كتاب الكشي وصل للنجاشي والشيخ بطريق صحيح حتماً.
أولاً: لما ذكرنا، وثانياً: لنسبة الكتاب إليه في الفهرست والنجاشي بلا تردّد، وأنّهما تعهدا ذكر أصول ومصنّفات الشيعة، ولهذا نلاحظ أنّ الشيخ قد تلقّى الكتاب بالقبول وأخذ في اختصاره واعتاد ما يراه مورداً للاعتماد وترك الزائد منه حتّى عُرِفَ الكتاب الجديد باختيار الرجال" وكذلك لم يتردّد النجاشي في نسبة الكتاب إليه في ترجمته سوى أنه قال فيه أغلاط كثيرة" هذا وكل من جاء من بعدهما نسب الكتاب إليه بلا تردّد، وعليه فإنّ نسبة الكتاب للكشي وكونه وصل إليها بطريق صحيح لم يتردد فيه أحد، وأما ما بعدهما فإنّ شهرة الكتاب أغنته عن التردّد فيه.
نعم، هناك بعض تفاوت ما بين النسخة الموجودة لدينا وبين نسخة ابن طاووس ولعل التغاير الموجود والنادر من اشتباه النساخ، وعلى كلٍّ فإنّه لا يؤثّر على صحّة النسخة الموجودة لدينا لندرة التغاير.
وبعد هذا كلّه يعلم صحة طريق الكتاب إلينا، ومشهوريّته قديما ومتأخرا تغني عن تتبّع طريقه على نحو الدقة، ولهذا نلاحظ كلمات من نقل عنه من القدماء هي عين الموجود في الكتاب اليوم – غالباً ـ ما يعلم معه وحدة النسخة وصحّة الكتاب.
وقد تبيّن لك أنّ الدعوى التي ذكرها الكشي صحيحة من حيث الوصول ويبقى الكلام في الدلالة.
محلّ البحث:
قال الكشي في صدر الفقرة الأولى: "تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين.." وفي صدر الفقرة الثانية: "تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون.." وفي صدر الفقرة الثالثة: "تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا، أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم..".
ومن الملاحظ أنّه في الفقرات الثلاث قال: "أجمعت العصابة أو أجمع أصحابنا" وكان هذا هو السبب في معروفيّة هذه المسألة بمسألة "أصحاب الإجماع" ولهذا نبدأ البحث بالكلام في الإجماع صغرويّاً وكبرويّاً أي: من حيث ثبوته وحجيّته.
أمّا من حيث ثبوته صغرويّاً فإنّا لم نجد أحدا من تقدّم على النجاشي والشيخ قد ذكر هذه المسألة أبدا كالمفيد والصدوق وأبيه وابن الجنيد وابن أبي عقيل العماني وغيرهم، بل لم يطرحها أحد في أي من كتبه ولو بالإشارة، وهذه كتب المفيد والمرتضى و من تقدّم عنها خالية عن أي ذكر لأصحاب الإجماع، ولعلّ الكتاب وصل للشيخ بعد وفاة السيد المرتضى، خاصة أنّ الشيخ (رضوان الله عليه) بدأ بإملاء كتابه "الاختيار" على تلاميذه في النجف الأشرف عام 456هـ أي: بعد وفاة المفيد بـ43 سنة وبعد وفاة المرتضى بـ 20 عاما وهذا ما ذكر في ديباجة كتاب الاختيار، ولو كان للإجماع أثر ما قبل الشيخ لذكره أحد في كتابه ولو على نحو الاستطراد، فعدم ذكره دليل العدم في مثل هذه المسائل والتي هي محل للابتلاء الواسع والتي تتوقف عليها الآلاف من الفروع الفقهية، بل لم يذكر هذه المسألة على ما اطّلعنا عليه إلى زمن الشيخ سوى الشيخ وتلقّاها الأصحاب من بعده إمّا بالقبول وإمّا بالرد، في حين أنّه ردّها هو نفسه في التهذيب، ما يحتمل معه جدا عدم وصولها بعد إليه حينما ألّف التهذيب أي: من سنة 411 حتى
418هـ. وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله.
وأمّا حجيّة هذا الإجماع المنقول - أي البحث الكبرويّ - فلا أظن أحداً يمكنه القول بحجيّته بعدما تبيّن لك حاله، فهو مجرد إخبار ثقة مع مجهوليّة المراد من دلالته، فكيف يكون كاشفا عن رأي المعصوم (عليه السلام) الذي هو المدار في الحجيّة كما تبيّن لك في المباحث الأصولية وإن ادّعى كونه حجةً الحرُّ في رسائله والمامقاني في تنقيحه، بل حتى ولو قيل بأنّ الإجماع على مثل هذه الموضوعات يكشف عن سيرة القدماء بالعمل به بمثل هذه الموارد، إذ من باب حسن الظن بهم وبسلوكهم هذا المسلك نعمل به، ونؤمن بهذا الإجماع، فإنّه يقال في جوابه: بأنّ هذا الإجماع الذي نحن فيه ليس من هذا القبيل، بل إنّ المعلوم أنّ هذا الإجماع لم يكن محلا للعمل بل لم يكن معروفا عند قدماء الأصحاب، وما ادّعاه الكلي لم يكن وهما، وإنّا مراده أمر آخر غير ما هو المعروف بين متأخّري الأصحاب رحمهم الله برحمته - كما تبيّن لك . وعليه فالإجماع هذا لم يثبت صغرى ولا كبرى.
نعم، وعلى الرغم ممّا ذكرنا فإنّا نجد أنّ ابن شهر آشوب في مناقبه قد تلقاّه بالقبول وهو من أعلام القرن السادس، وكذا يظهر من العلامة وابن داود والشهيد الأول وغيرهم، خلافا لجمع من الأصحاب - بل لعلّه الأشهر - ممّن أنكروا دلالة كلمات الكشي على مرادهم، ومنهم السيد صاحب الرياض ما إذا قال - على ما حكى عنه تلميذه الشيخ أبو علي الحائري - "إنّي لم أعثر في الكتب الفقهية من أول كتاب الطهارة إلى آخر كتاب الديّات على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتج بأنّ في سنده أحد الجماعة وهو إليه صحيح".
أقول إضافة إلى ذلك: إنّي لم أجد أحدا من قدمائنا قد ذكر هذا الإجماع أو أشار إليه ولو على نحو الاستطراد بل لم يدّعِ ذلك أحد مع أهميّة هذه المسألة وكثرة البحث عنها، وما ذكره الشيخ في العدّة فمن الكشي أخذ وإليه يرجع كما سيتبيّن لك، وإنّ ادّعاء صاحب الوسائل إنّما هو أبلغ من كليّات الكشي، وما قاله من قوله: "وقد ذكر نحو ذلك، بل ما هو أبلغ منه - أي: من أصحاب الإجماع - الشيخ في كتاب العدّة وجماعة من المتقدّمين والمتأخّرين، وذكروا أنّهم أجمعوا على العمل بمراسيل هؤلاء الأجلاء وأمثالهم (8)" مخالف للواقع، وهذه كلمات الأصحاب بين أيدينا، فإنّا لم نجد للإجماع المذكور حس ولا خبرة، بل لم يدّعِه غيره، ولعلّ مراده من "المتقدّمين" هو المتقدّمون عليه كالشهيدين والعلامة وابن طاووس وغيرهم لا من عرفوا بالمتقدّمين من القرن الخامس ومن سبقهم.
نعم، قد يقال: إن ثبت الإجماع صغرى فإنّه يكشف عن عمل الطائفة جميعا فيكون أصح وأقوى من التوثيقات الخاصة.
وكيفما كان فقد اختلفت كلمات المثبتين على أقوال ونحن ذاكرون منها أربعا:
الأول: وهو تصحيح الرواية، قال الحر في الفائدة السابعة من خاتمة وسائله: "وناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله وسنده قرين قطعيّة على ثبوت كل حديث رواه واحد من المذكورين مرسلا أو مسندا عن ثقة أو ضعيف أو مجهول لإطلاق النص والإجماع كما ترى"(9) وكذا قال غيره، وكل ما اعتمد عليه القائل لتصحيح الرواية - أي المروي - هو ما قاله الكشي من قوله: "أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون..".
ويقال في جوابه:
أولا: لو كان مراده تصحيح الرواية لشاع ذلك وبان في كلمات القدماء مع كونها من أهم مسائل الابتلاء في الاستنباط الفقهي.
ثانيا: لعلّ المراد من الموصول الحكاية أي: ما يقوله هؤلاء فهو صحيح وصدق، وليس ظهور المروي أقوى من ظهور الرواية والحكاية، بل لعلّ الثاني أظهر، ولا أقلّ من الإجمال فكيف يعيّن الأول دون الثاني ـ أي: الرواية دون الحكاية.
ثالثا: الإجماع - إن ثبت - قائم على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء أي: عن أصحاب الإجماع، ولو كان المراد تصحيح المروي للزم أن يكون التعبير مغايراً لرفع الإيهام ولقال: تصحيح ما يصحّ عن المعصوم بواسطة هؤلاء، فالنسبة إليهم تعني تصحيح أقوالهم لا مرويّاتهم.
الثاني: وهو تصحيح الراوي ممّن روى عنه أحد أصحاب الإجماع، قال الشيخ النوري (رحمه الله) في مستدركه وفي الفائدة السابعة أيضا: "وقال العلّامة الطباطبائي في رجاله في ترجمة زيد النرسي في رد من طعن على أصله بأنّه موضوع، والجواب عن ذلك أنّ رواية ابن أبي عمير لهذا الأصل تدلّ على صحّته واعتباره والوثوق بمن رواه - إلى أن قال - وحكى الكشي في رجاله إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه والإقرار له بالفقه والعلم، ومقتضى ذلك صحّة الأصل المذكور لكونه ممّا قد صحّ عنه، بل توثيق راويه أيضاً لكونه العلّة في التصحيح غالباً، والاستناد إلى القرائن وإن كان ممكنا إلا أنّه بعيد في جميع روايات الأصل، انتهى ما أفاده الطباطبائي - ونحن - صاحب المستدرك نشيد بنيانه بعون الله تعالى ونزيد عليه في طي مقامين..." (10) انتهى كلامه.
وهو دالٌّ على وثاقة مشايخ أصحاب الإجماع، بل يظهر من الشهيد الأول توثيق كل من هو قبل من روى عنه أصحاب الإجماع - أي: ـ مشايخ المشايخ أيضاً ـ قال في نكت الإرشاد في كتاب البيع بعد ذكر رواية الحسن بن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع الشامي هكذا "وقال: كش - اختصار الكشي - أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن الحسن بن محبوب، قلت ۔ الشهيد في هذا توثيق ما "لأبي الربيع الشامي". انتهى كلامه (رحمه الله) وفي نسخة الشيخ النوري بلا كلمة "ما" أي: وفي هذا توثيق لأبي الربيع، وعلى الحالين هو توثيق لأبي الربيع وهو شيخ الشيخ.
وقد تبيّن لك أنّ القائل بين من يقول بالتوثيق إذا كان بلا واسطة، وبين من يقوله حتى مع الواسطة إلى المعصوم (عليه السلام) كما هو ظاهر الشهيد الأول (رحمه الله) وأيّده المحقّق النوري بقوله: "فتحصّل من جميع ما ذكرناه قوّة القول بدلالة الإجماع المذكور على وثاقة الجماعة ومن بعدهم إلى المعصوم.." (11).
وقد تصفّحت كلمات المحقّق النوري أكثر من مرة مع كثرتها محاولا استفادة أدلّة غير ما ذكره الكشي فلم أجد شيئا. وعليه فكلّ ما اعتمده القائلون يرجع إلى كلمات الكشي وما دونه لا يرقى إلى دليل ليعتمد، وعليه يقال في جوابه:
أولا: عنون الكشي كلاته ب "تسمية الفقهاء" وأنّهم أقرّوا لهم بالعلم والفقه، وأنّ الأفقه زرارة، والعنوان هذا ليس بيّنا بتوثيق الرواة بل ليس ناظراً إلى ذلك أبداً، والتوثيق والتضعيف من شأن الرجاليّين وليس الفقهاء، بل الخلاف الواقع في الأفقه بين الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب بدل الحسن بن محبوب يؤكد ما بيّنا من أن النظر إلى الفقاهة لا إلى الوثاقة.
ثانيا: لم نجد أحدا من القدماء ادّعى توثيق أي من الرجال اعتمادا على أصحاب الإجماع، ولو كان لبان ولو في مورد واحد من آلاف الموارد مع حاجتهم الشديدة إلى ذلك.
ثالثا: إنّ عمل القدماء يكذّب هذه الدعوى، فإنّ كثيراً من الرواة ممّن عرفوا بالكذب والزندقة قد روى عنهم أصحاب الإجماع كرواية زرارة بن أعين عن سالم بن أبي حفصة الذي قال في حقّه العلّامة في الخلاصة "سالم بن أبي حفصة لعنه الصادق (عليه السلام) وكذّبه وكفّره" وهذا يأبى القول القائل بتعارض التضعيف مع التوثيق العام لصراحة التضعيف ومعروفيّته وشهرته وشهرة صاحبه، فلو كان أمره خافياً لأمكن ذلك، ولهذا لا يتأتّى هذا القول مع شهرة ضعفهم.
رابعا: إنّ آمنّا بالدعوى المذكورة فغايتها تصحيح ما يصحّ عنهم، وأمّا الراوي ما بعد المروي عنه فإنّه تصحيح ما يصحّ عن غيرهم لا عنهم.
الثالث: وهو تصحيح أصحاب الإجماع أنفسهم، قال السيد الخوئي فمن الظاهر أنّ كلام الكشي لا ينظر إلى الحكم بصحة ما رواه أحد المذكورين عن المعصومين (عليهم السلام) حتّى إذا كانت الرواية مرسلة أو مرويّة عن ضعيف أو مجهول الحال، وإنّما ينظر إلى بيان جلالة هؤلاء وأنّ الإجماع قد انعقد على وثاقتهم وفقههم وتصديقهم فيما يروونه، ومعنى ذلك أنّهم لا يتّهمون بالكذب في أخبارهم وروايتهم، وأين هذا من دعوى الإجماع على الحكم بصحة جميع ما رووه عن المعصومين (عليهم السلام) وإن كانت الواسطة مجهولا أو ضعيفا"(12).
وكذا قال غيره اعتماداً على ما قاله الكشي مؤيّداً برواية أصحاب الإجماع عمّن نصّ على تضعيفه، لكنّه يقال في جوابه:
أولا: لو أردنا تعداد الثقات والصادقين من أصحاب الباقرين (عليهما السّلام) خاصّة لضاقت بهم الصفحة بل صفحات، فكيف يدّعى أنّ الكشي من أراد بيان جلالتهم حتى قال: "أجمعت العصابة" لقد كان الأمر من الأهميّة بمكان حتّى بيّن ذلك وادّعى عليه الإجماع.
ثانيا: من البيّن أنّ الكشي ليس ناظراً إلى تصديقهم وجلالتهم، إنّما نظره إلى فقاهتهم، فقد عنون الفقرات الثلاث بقوله "في تسمية الفقهاء من أصحاب.." فهو مبيّن الفقهاء، لذا أتبعه بقوله "وانقادوا لهم بالفقه، وأقرّوا لهم بالفقه، وإنّ أفقه هؤلاء...".
وقد ظهر جليّاً أنّ كل ما قيل من تفسير وبيان لكليّات الكشي لا يخلو من خدشة بل يقال: إنّ بعضها ما كان ينبغي أن يصدر من هؤلاء الأجلة رحمهم الله برحمته.
الصحيح من الأقوال:
الرابع: الإبقاء على ظاهر كلمات الكشي ودون أن تكون منافية لتضعيفات من ضُعِّف ممّن روى عنه أصحاب الإجماع بأن يقال: إنّ الكشي أراد بيان الفقهاء من أصحاب المعصومين المذكورين - لا أكثر ـ لذا عنونهم بقوله تسمية الفقهاء" فهو بصدد تعدادهم وذكر أسمائهم خاصّة، ويترتّب على كلامه ثمرة بغاية الأهمية، وهي:
أولا: أنّ المتشرّعة أقرّوا لهم بالفقه، وانقادوا لهم به، حتّى لو كانت الفتيا عنهم خاصة دون المعصوم (عليه السلام)، فإنّ الإجماع قائم على اتّباعهم فيما يقولون ويفتون؛ لأنّهم فقهاء، كأيّامنا هذه فإنّ المتشرّعة يرجعون إلى الفقهاء لأخذ معالم دينهم عنهم.
ثانيا: إن فسّر الفقهاء المذكورون كلاماً للمعصوم (عليه السلام) فإنّ تفسيرهم يكون مقبولاً بالإجماع المذكور، لأنّهم أدرى بمراد المعصوم (عليه السلام) من غيرهم لأنّهم فقهاء، ولو اختلف كلام أحدهم مع آخر فإنّ زرارة في الطبقة الأولى أفقه من غيره، فيقدّم عليه، وكذا ابن درّاج في الثانية ويونس في الطبقة الثالثة، وهذا القول هو ظاهر كلمات الكشي وذلك لأنّه أولا: بصدد بيان الفقهاء من أصحاب المعصومين المذكورين (عليهم السلام). وثانياً: لتكرار قوله "تصديقهم، وانقادوا لهم بالفقه، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وإنّ أفقه هؤلاء..."إضافة إلى الخلاف الواقع على بعض إنّه هو الأفقه كالحسن بن محبوب أو أنّ الأفقه هو الحسن بن علي بن فضال مثلا ما يظهر منه جليّا أنّ نظره إلى الفقاهة، وبذلك لا نقع في أي من الإشكالات السابقة كروايتهم عن الضعفاء ليكون تكذيبه للإجماع أو وقوع التعارض، بل النظر كلّه إلى أنّهم مجرّد فقهاء كما للعامّة ما يقارب العشرين فقيها، ولعلّ منشأ هذا الإجماع هو كون الكشي كان يسكن بلاد العامة وتتلمذ عند العيّاشي الذي كان داره مرتعاً لعلماء العامّة أيضا، فكما كان يقال للنجاشي: إنّه لا مصنِّف لكم ولا مصنَّف حتّى اضطرّه الأمر لكتابة كتابه الموسوم برجال النجاشي، كذلك الكشي كان يدان بأن لا فقهاء عندكم، فبيّن أنّ هؤلاء فقهاء بالإجماع يعمل بأقوالهم وفتاويهم كبقية الفقهاء، وهذا المقدار ممّا ذكره الكشی كان مقبولا عند قدماء الفقهاء، لذا نلاحظ دائما أنّ أيّا من تفسيرات وفتاوى هؤلاء الأركان كان يدون في كتبهم وتتناقله مصنّفاتهم حتّى وصلت إلى أيّامنا هذه دون نكير كالأخبار الصادرة عن نفس المعصوم (عليه السلام) ولم ينكر ذلك أحد من الأوّلين ولا من الآخرين، وعليه يكون القول الرابع هو المتبّع والله العالم بحقائق الأمور.
ولهذا نلاحظ أنّه وصلنا عن بعض أصحاب الإجماع أسئلة سئل بها أصحاب الإجماع خاصة دون المعصومين (عليهم السلام)، كأن يقال "سألت زرارة، أو سمعت محمد بن مسلم يقول" دون إسناد إلى المعصوم (عليه السلام).
ومرّة أخرى يفسّر أصحاب الإجماع أخبار المعصوم (عليه السلام) مجملة الدلالة كما في الصحيح عن مرازم قال كان يعمل لأبي الحسن (عليه السلام) الفقاع في منزله، قال ابن أبي عمير، ولم يعمل فقاع يغلي.
وكما في صحيح جميل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يكون لي على الرجل الدراهم فيعطيني خمراً فقال: خذها ثم أفسدها، قال ابن أبي عمير يعني: اجعلها خلا.
فإنّ منظور الكشي (رحمه الله) هو هذا، أي: ما يفتي به الأصحاب فإنّه مقبول، وكذا ما يفسّرون به قول المعصوم (عليه السلام) أو إذا عارض كلامهم كلام غيرهم فإنّه يقدّم.
بقي الكلام فيما أفاده الشيخ (رحمه الله) في العدّة حيث قال: "وإذا كان أحد الراوين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمّن يوثّق به وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم، فأمّا إذا لم يكن كذلك ويكون ممّن يرسل عن ثقة وعن غير الثقة فإنّه يقدّم خبر غيره عليه وإذا انفرد وجب التوقف في خبره إلى أن يدل دليل على وجوب العمل به" (13).
وقد اختلفت كلمات الرجاليّين بين من اعتبرهم كذلك وإن لم يؤمن بمقالة الكشي - أي: أصحاب الإجماع - وبين رادٍّ لمقولة الشيخ لاعتماده فيما أفاده على ما قاله الكشي في رجاله، وما يمكن أن يستدلّ به على اعتبار مقالة العدّة ادّعاء الشيخ من "تسوية الطائفة بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم، إضافة إلى ذلك ما قاله النجاشي في ترجمة ابن أبي عمير: إنّه حبس في أيام الرشيد فقيل: لِيَلِيَ القضاء وقيل: إنّه ولي بعد ذلك وقيل: ليدلّ على مواضع الشيعة.. ورُويَ أنّه ضرب أسواط.. وقيل إنّ أخته دفنت كتبه في حالة استتاره وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكتب، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت فحدّث من حفظه، وممّا كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله" (14).
فهذا ما يمكن أن يستدل به، أي: أولا: ادّعاء الشيخ في العدّة من تسوية الطائفة بين مراسيلهم ومسانيدهم. وثانيا: ما أفاده النجاشي من قوله "فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله ".
ويقال مع حسن ظننا بالشيخ: إنّ هذا الادعاء لا يخلو عن كونه مجرّد ادّعاء لا أكثر، ولا يصلح للاعتماد وذلك لعدم وجوده لفظا أو عملاً عند أي من القدماء مع أهميّته وكونه مورد ابتلاء للفقيه المستنبط. هذا أولا.
ثانيا: لم يعمل بهذه الدعوى حتّى الشيخ في التهذيب والاستبصار، فإنّه قال إنّ ما هذا شأنه - أي: مرسل - لا يصلح لمعارضة المسند" مع أنّ المرسِل ابن أبي عمير.
ثالثا: قوله في تلك العبارة: إذا انفردوا عن رواية غيرهم، أي: أنّه في حال التعارض، فإنّ خبر غيره المسند يقدّم على خبره المرسل، وهذا يعني عدم التساوي بين المرسل والمسند، فلو كان المرسِل لا يرسل إلا عن ثقة فأي وجه حينئذ لتقديم المسند عليه إلا عدم المساواة، ولازمه عدم الاعتبار للمرسل في حال التعارض والتنافي مع المسند ما يحمل في طيّاته عدم اعتبار المرسل ما يلزم منه التنافي بين صدر كلامه وبين ذيله، وهذا ما ذكره الشيخ نفسه حيث أنّه ناقش رواية ابن بكير، وأيضا ابن فضال فقال "إنّهما مرسلان لا يعارضان المسند" مع أنّهما من أصحاب الإجماع المطمئن أنّهما داخلان في كلامه حيث قال "وغيرهم".
رابعا: لم يدّعِ أحد من أصحاب الإجماع جميعا ومنهم الثلاثة المذكورين في أي من كلماتهم أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة، فإثباتها من غيرهم دونهم (اعتمادا على قرائن غير علمية) إثبات بلا دليل.
خامسا: رواية هؤلاء الثلاثة عن ضعفاء مشهورين بالضعف فضلا عن المجاهيل وذلك كرواية ابن أبي عمير وصفوان عن علي بن أبي حمزة البطائني ورواية البيزنطي عن عبد الرحمن بن سالم الذي ضعّفه الشيخ نفسه، والحسن بن محبوب عن صالح بن سهل وجميل بن دراج عن الشعيري وغيرهم.
وبعد كل هذا يعلم أنّ دعوى الشيخ لم يؤمن بها حتى هو، وقد نفاها عملا في كتابيه، وعليه فدعوى أصحاب الإجماع بالمعنى الذي أفاده بعض الأصحاب من صحة الرواية أو الراوي لا يمكن اعتمادها ولا اعتبارها حجّة وكذا ما أفاده الشيخ في العدّة في حقّ الفقهاء الثلاثة، وعليه فمن روى عنهم أصحاب الإجماع كبقيّة الرواة، إن ثبتت وثاقتهم اعتُمِدوا وإلا فلا، والله العالم بحقيقة الحال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مستدرك وسائل الشيعة، ج 25، ص 7.
(2) الوسائل، ج30، ص 222.
(3) الكشي، ص312 تحت رقم 431.
(4) الكشي، ص441 تحت رقم 705.
(5) الكشي، ص599 تحت رقم 1050.
(6) الفهرست، ص109.
(7) رجال النجاشي، ج2، 282.
(8) وسائل الشيعة، ج30، ص224 .
(9) المصدر السابق.
(10) مستدرك الوسائل، ج25، ص37.
(11) مستدرك وسائل الشيعة، 25، ص58.
(12) معجم رجال الحديث، ج1، ص 61.
(13) العدة، ج1، ص 386 .
(14) رجال النجاشي، ج2، ص 204 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|