أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-3-2016
3432
التاريخ: 30-3-2016
3059
التاريخ: 15-04-2015
26380
التاريخ: 30-3-2016
3674
|
ادخل رأس الحسين ( عليه السّلام ) ونساؤه ومن تخلّف من أهله على يزيد وهم مقرّنون في الحبال وزين العابدين ( عليه السّلام ) مغلول ، فلمّا وقفوا بين يديه على تلك الحال تمثّل يزيد بشعر حصين بن حمام المرّي قائلا :
نفلّق هاما من رجال أعزّة * علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما[1]
فردّ عليه الإمام عليّ بن الحسين ( عليه السّلام ) بقوله تعالى : ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ[2].
وتميّز يزيد غضبا ، فتلا قوله تعالى : ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ[3].
وينقل المؤرّخون عن فاطمة بنت الحسين ( عليه السّلام ) قولها : فلمّا جلسنا بين يدي يزيد رقّ لنا فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه الجارية - يعنيني - فأرعدت وظننت أنّ ذلك جائز لهم فأخذت بثياب عمّتي زينب وكانت تعلم أنّ ذلك لا يكون .
فقالت عمّتي للشامي : كذبت واللّه ولؤمت واللّه ، ما ذاك لك ولا له !
فغضب يزيد وقال : كذبت إنّ ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت !
قالت : كلّا واللّه ما جعل اللّه لك ذلك إلّا أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها ، فاستطار يزيد غضبا ، وقال : إيّاي تستقبلين بهذا ؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك !
قالت : بدين اللّه ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدّك وأبوك إن كنت مسلما ، قال : كذبت يا عدوّة اللّه !
قالت : أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك ، فكأنّه استحيى وسكت .
فعاد الشاميّ فقال : هب لي هذه الجارية ، فقال يزيد : اعزب ، وهب اللّه لك حتفا قاضيا[4].
ويبدو أنّ اعتماد يزيد لهجة أقلّ قسوة وشراسة من لهجة ابن زياد في الكوفة يعود إلى أنّ الأخير كان يريد أن يدلّل على إخلاصه لسيّده ، بينما لا يحتاج يزيد ذلك ، ولعلّ يزيد أدرك أنّه قد ارتكب خطأ كبيرا في قتله الحسين ( عليه السّلام ) وسبيه أهل بيت النبوّة ، من هنا فإنّه أراد تخفيف مشاعر السخط تجاهه .
وفي تلك الأيام أو عز يزيد إلى خطيب دمشق أن يصعد المنبر ويبالغ في ذمّ الحسين وأبيه ( عليهما السّلام ) فانبرى اليه الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) فصاح به :
« ويلك أيّها الخاطب ، اشتريت رضاء المخلوق بسخط الخالق فتبوّأ مقعدك من النار » .
واتّجه الإمام نحو يزيد فقال له : « أتأذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلمات فيهنّ للّه رضى ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب . . . » .
وبهت الحاضرون وعجبوا من هذا الفتى العليل الذي ردّ على الخطيب والأمير وهو أسير ، فرفض يزيد إجابته ، وألحّ عليه الجالسون بالسماح له فلم يجد بدّا من إجابتهم فسمح له ، واعتلى الإمام أعواد المنبر ، وكان من جملة ما قاله :
« أيّها الناس ، أعطينا ستا ، وفضّلنا بسبع : أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفضّلنا بأن منّا النبيّ المختار محمّدا ( صلّى اللّه عليه واله ) ومنّا الصّدّيق ومنّا الطيّار ومنّا أسد اللّه وأسد الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة » .
وبعد هذه المقدّمة التعريفية لأسرته أخذ ( عليه السّلام ) في بيان فضائلهم ، قائلا :
« فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي .
أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الزكاة بأطراف الرداء ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حجّ ولبّى ، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء ، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى ، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى اليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن عليّ المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلّا اللّه .
أنا ابن من ضرب بين يدي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر باللّه طرفة عين .
أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيّين ، وقاطع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكّائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ورسول ربّ العالمين .
أنا ابن المؤيّد بجبرئيل ، المنصور بميكائيل ، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأوّل من أجاب واستجاب للّه من المؤمنين ، وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبير المشركين ، وسهم من مرامي اللّه ، وبستان حكمة اللّه ، . . . ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب .
أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيّدة النساء ، أنا ابن الطهر البتول ، أنا ابن بضعة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) ، أنا ابن المرمّل بالدماء ، أنا ابن ذبيح كربلاء ، أنا ابن من بكى عليه الجنّ في الظلماء ، وناحت عليه الطير في الهواء » .
ولم يزل الإمام يقول : أنا أنا حتى ضجّ الناس بالبكاء ، وخشي يزيد من وقوع الفتنة وحدوث ما لا تحمد عقباه ، فقد أوجد خطاب الإمام انقلابا فكريا إذ عرّف الإمام نفسه لأهل الشام وأحاطهم علما بما كانوا يجهلون .
فأوعز يزيد إلى المؤذّن أن يؤذّن ليقطع على الإمام كلامه ، فصاح المؤذن « اللّه أكبر » فالتفت إليه الامام فقال له : « كبّرت كبيرا لا يقاس ، ولا يدرك بالحواس ، لا شيء أكبر من اللّه » ، فلمّا قال المؤذّن : أشهد أن لا إله إلّا اللّه قال الإمام ( عليه السّلام ) : « شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعظمي » ، ولمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمدا رسول اللّه التفت الإمام إلى يزيد فقال له :
« يا يزيد ! محمّد هذا جدّي أم جدّك ؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت ، وإن قلت : أنّه جدّي فلم قتلت عترته[5] » ؟ !
ووجم يزيد ولم يجر جوابا ، فإنّ الرسول العظيم ( صلّى اللّه عليه واله ) هو جدّ سيّد العابدين ، وأمّا جدّ يزيد فهو أبو سفيان العدوّ الأوّل للنبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) ، وتبيّن لأهل الشام أنّهم غارقون في الإثم ، وأنّ الحكم الامويّ قد جهد في إغوائهم وإضلالهم ، وتبيّن بوضوح أنّ الحقد الشخصيّ وغياب النضج السياسيّ هما السببان لعدم إدراك يزيد عمق ثورة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) ممّا أدّى إلى توهّمه بأنّها لن تؤدّي إلى نتائج خطيرة على حكمه .
ولعلّ أكبر شاهد على هذا التوهّم هو رسالة يزيد في بدايات تسلّمه الحكم لواليه على المدينة والتي أمره فيها بأخذ البيعة من الحسين ( عليه السّلام ) أو قتله وبعث رأسه إلى دمشق إن رفض البيعة .
وفي سياق الحديث عن حسابات يزيد الخاطئة نشير أيضا إلى عملية نقل أسرى أهل البيت ( عليهم السّلام ) إلى الكوفة ، ومن ثمّ إلى الشام ، وما تخلّل ذلك من ممارسات إرهابية عكست نزعته الإجرامية ، ولم يلتفت يزيد إلى خطورة الجريمة التي ارتكبها إلّا بعد أن تدفّقت عليه التقارير التي تتحدّث عن ردود الفعل والاحتجاجات على قتله ريحانة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، ولذلك حاول أن يلقي مسؤولية الجريمة البشعة على ابن مرجانة ، قائلا للإمام السجاد ( عليه السّلام ) : لعن اللّه ابن مرجانة ، أما واللّه لو أنّي صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلّا أعطيته إيّاها ، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ، ولكن اللّه قضى اللّه ما رأيت ، كاتبني من المدينة وأنه كلّ حاجة تكون لك[6] .
والتقى الإمام السجاد ( عليه السّلام ) خلال وجوده في الشام بالمنهال بن عمرو ، فبادره قائلا : كيف أمسيت يا ابن رسول اللّه ؟ فرمقه الإمام بطرفه وقال له :
« أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، أمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمّدا منها ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأنّ محمّدا منها ، وأمسينا أهل بيته مقتولين مشرّدين ، فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون »[7].
وعهد يزيد إلى النعمان بن بشير أن يصاحب ودائع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وعقائل الرسالة فيردّهنّ إلى يثرب[8] وأمر بإخراجهنّ ليلا خوفا من الفتنة واضطراب الأوضاع[9].
[1] الارشاد : 2 / 119 و 120 ، ووقعة الطف لأبي مخنف : 168 و 271 ، والعقد الفريد : 5 / 124 .
[2] الحديد ( 57 ) : 22 - 23 .
[3] الشورى ( 42 ) : 30 .
[4] الإرشاد : 2 / 121 ، ووقعة الطف لأبي مخنف : 271 ، 272 .
[5] نفس المهموم : 448 - 452 ط قم عن مناقب آل أبي طالب : 4 / 181 عن كتاب الأحمر عن الأوزاعي : الخطبة بدون المقدمة . والمقدمة عن الكامل للبهائي : 2 / 299 - 302 ، وانظر حياة الإمام زين العابدين للقرشي : 175 - 177 .
[6] تاريخ الطبري : 5 / 462 ، والارشاد : 2 / 122 .
[7] اللهوف في قتلى الطفوف : 85 مرسلا ورواه ابن سعد في الطبقات مسندا عن المنهال بن عمرو الكوفي في الكوفة وليس الشام ، والخبر أكثر من هذا وإنّما هذا مختصر الخبر .
[8] الطبري : 5 / 462 ، والارشاد : 2 / 122 وعنهما في وقعة الطف لأبي مخنف : 272 .
[9] عن تفسير المطالب في أمالي أبي طالب : 93 ، والحدائق الوردية : 1 / 133 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|