الاثار الجيومورفولوجية للانسياب الارضي:

يقوم الانسياب الارضي في المناطق المحيطة بالجليد بنقل المواد الصخرية التي حطمها وفتتها فعل الصقيع على جوانب المنحدرات نحو أسافلها. وتكون أحجام الفتات الصخري الناتج من تأثير الصقيع والمنقول بعامل الانسياب الارضي كبيرة للغاية، نظرا لأن كل العمليتين، فعل الصقيع والانسياب الارضي، تتميزان بالنشاط والسرعة، خاصة في الصخور المسامية الكثيرة الفواصل والشروخ، التي تتعرض للتفكك والتحلل الى كتل وحبيبات بواسطة تمدد أسافين الجليد وبلوراته.

ونتيجة لهذه الانهيارات الارضية Mass Wasting نجد قمم التلال وأراضي ما بني الانهار Interfluves وقد خفضت واستدارت، ونرى مخارج (مكاشف) الطبقات Outcrops العادية وقد تآكلت وتناقص ارتفاعها بفعل الصقيع ثم غمرها الفتات الصخري المتحرك بتأثير الانسياب الارضي. وبهذه الطريقة تنشأ قطاعات منحدرات متعادلة (متوازية) ناعمة Graded Profiles. وتتراكم حول قاعدة أمثال هذه المنحدرات، حيث تكون الانحدارات هينة كميات كبيرة من رواسب الانسياب الارضي، فتعطى الفرصة لتكوين مراوح ومآزر من الفتات الصخري ذات مقاطع مستقيمة أو مقعرة.

وتكون كميات مواد الفتات الصخري المجواه والمنقولة بالانسياب الارضي عبر منحدرات جوانب الاودية النهرية الى بطونها كبيرة للغاية، حتى ان تلك الوديان تفتقد القدرة على تحريك تلك المواد الصخرية العظيمة الحجم نحو أدانيها، خصوصا ان تلك الوديان أم أن تكون متجمدة او ناضبة التصريف المائي معظم السنة. وتكون الظروف حينئذ مهيئة لعلميات التراكم والإرساب.

وتتعرض مواد حشو الوادي ذاتها أحيانا لتأثير عملية الانسياب الارضي نحو أدنى الوادي. وتتضمن العملية رفع الحطام الصخري الخشن بواسطة فعل الصقيع الى السطح، الذي ما يلبث ان يميل في اتجاه أعلى الوادي بواسطة رد فعل تدفق مواد التربة السفلى في اتجاه أدنى الوادي، وتتخذ كتلة المواد المتحركة مقطعا عرضيا محدبا، وعند حضيض كل من جانبي الوادي تجرى المياه في مجرى مائي، يفصلهما عن بعضها رواسب حشو الوادي المحدبة التي تعرف باسم المجرى الصخري Rock Stream (شكل 55).

وتوجد المجاري الصخرية الحفرية (القديمة) حاليا في كثير أراضي الجهات المعتدلة، وأمكن تتبعها ودراستها في وديان معلومة في مرتفعات الاردن العالية High Arclennes في بلجيكا. وقد تنشأ ظواهر مماثلة من امتدادات لفرشات رواسب الانسياب الارضي غير المتجانسة، وذلك عن طريق غسر وأزالة المواد الناعمة منها فيما بعد، وترك الكتل الصخرية الكبيرة الصعبة التحريك في مواضعها على السطح مكونة لما يسمى بالمجاري الصخرية ايضا. وتشاهد أمثال هذه الظواهر كثيرا في بعض وديان انجلترا والهضبة السويسرية والبافارية. وترى هناك الاحجار الكبيرة مرتكزة فوق حطام صخري سميك، وتم النقل والارساب الى المواضع الحالية بواسطة فعل الانسياب الارضي أثناء عصر البلايوستوسين

وينشأ عن العلميات المورفولوجية في مناطق هواشم الجليد عموما الى خفض التضاريس، وذلك عن طريق عمليتين هما: نحت مناطق ما بين الانهار، ثم ارساب وردم قيعان الاودية (شكل 56أ) وبذلك يقل  الفارق الرأسي بين عنصري التضرس: الارتفاع والانخفاض. ويرى كثير من البحاث أن البيئات الطبيعية اللطيفة التموج، التي تتميز بها سهول ساليزبوري Salisboury وبيكاردي Picardy وأوتوا Artois على سبيل المثال، والتي تتصف بمقاطع منحدرات هينة التقوس، وبارسابات عظيمة من المواد الصخرية التي فتتها فعل الصقيع، والتي تحو أودية ضحلة، قد نشأت ابان فترات جليد الزمن الرابع بفعل العمليات المورفولوجية في مناطق محيط الجليد خاصة فعل الصقيع والانهيار الارضي، ومن ثم فهي بمثابة ((حفرية)) باقية من تأثيرات ظروف مناخية شبة قطبية سالفة.

ومع هذا، فإننا ينبغي ان لا نبالغ في تأثيرات التسوية الارضية التي تقوم بها العمليات الجيومورفولوجية المناخية في مناطق محيط الجليد. ذلك ان عمليات الانسياب الارضي Solfluxion يمكنها ان تتسبب في أحداث اضطراب وعدم انتظام في مناطق المنحدرات، وذلك من خلال بناء حطام الصخر على المنحدر عند نقاط معلومة أو على امتداد صفوف حسنة التحديد. وقد تتكون ظاهرات ارساب مهمة ذات جبهات شديدة الانحدار يبلغ ارتفاعها بضعة أمتار فوق المنحدرات الهينة، وتتخذ شكل درجات تعرف ((بدرجات الانسياب الارضي)) Solifluxon Terraces التي تمتد تدريجيا نحو حضيض المنحدر، كلما تدفقت المواد فوق سطح الدرجة، وتراكمت فوق الجزء القائم منها.