أقرأ أيضاً
التاريخ: 27/10/2022
1475
التاريخ: 2024-05-11
771
التاريخ: 2024-09-02
313
التاريخ: 1-8-2022
1765
|
إن نجاح عملية النهوض والتحرر، يحتاج ـ إلى فضاء من الحرية السياسية والفكرية، والعلمية والإعلامية.. فمناخ الحرية التي يتطلع إليها كل إنسان ولا سيما الشباب، يشكل أرضية خصبة للإبداع والتطور، ولأجل ذلك فقد خصصنا هذه الفقرة للحديث عن مفهوم الحرية، فكيف نفهم الحرية؟ وكيف نمارسها؟
1 ـ قيمة الحرية
الحرية هي دون أدنى شك قيمة رائعة، ولسنا نبالغ إن قلنا: إنها من أجمل القيم الانسانية وأغلاها:
1ـ فهي فطرة إنسانية فطر الله الناس عليها، فلدى كل منا نزوع فطري نحو التحرر ورفض العبودية والرقية والاستبداد.
2ـ وقيمة الحرية تساوي الإنسانية، وتضاهي الكرامة وتمنح الحياة معناها ومغزاها، هي روح الإنسان وهي الهواء الذي يتنفسه.
3ـ هي سر الإبداع لديه، فالإنسان لا يمكن أن يكون مبدعاً وخلاقاً إن لم يكن حراً، فالحرية تؤمِّن فضاءً مناسباً للإبداع والابتكار، وتشكل منطلقاً للتغيير.
4ـ والحرية هي سر تمايز الإنسان، وهي التي جعلته أفضل من الملائكة. فحرية الإنسان في أن يتمرد حتى على خالقه أو أن يطيعه ويعبده، هي التي ميزته على الملائكة التي لا تعرف إلا الطاعة؛ لأن الملك مجبور على أن يطيع، بينما الإنسان يختار الطاعة عن وعي وإرادة، والله تعالى أرادنا أن نعبده من موقع الحرية والإرادة، لا من موقع الجبر والقسر.
5- انها مجمع الفضائل الإنسانية، لأن معنى أن تكون حراً، أن تكون عزيزاً أبياً شريفاً مقاوماً، كريم النفس، لا ترضى بالذل والهوان، ومن هنا كان شعار "هيهات منا الذلة". هو شعار الأحرار على مر التاريخ..
2ـ عبودية الله منطلق الحرية
وإننا نستمد روح الحرية من الله تعالى، لأنه واهب الحرية، وهو يحب الأحرار والشرفاء، وهو ملهمهم ومعينهم، وقد أراد للناس أن يظلوا أحراراً كما خلقهم، فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): "إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة وأن الناس كلهم أحرار، ولكن الله خول بعضكم بعضاً"(1).
أجل، إن الله تعالى يريدك أن تكون عبداً له، وحراً أمام العالم، وعبوديتك لله لا تنافي تطلعك للحرية، بل إنها تنمي فيك إحساساً قوياً بضرورة التحرر من كل القيود، فمن رضي بعبودية الله، فهو يهين نفسه عندما يستعبدها لغير الله.
3 ـ تعميق الحرية في النفوس
في ضوء ما تقدم، فإننا مسؤولون عن أن نبني مجتمع الأحرار، ولن يتسنى لنا ذلك إلا بتعميق قيمة الحرية في النفوس، وتأصيلها في واقع الإنسان وحركة حياته، انسجاماً مع فطرتنا وتطلعاتنا.
وبناء مجتمع الأحرار يفرض:
أولاً: أن نبدأ بأنفسنا لنحترمها ونكرمها، فليس مسموحاً لك إهانة نفسك وإذلالها، قال الإمام علي (عليه السلام) - فيما روي عنه -: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا"(2)، أي إن الحرية تبدأ من داخل النفس الإنسانية، وإذا عشت الحرية في داخلك، فلا يمكن لأحد أن يهزمك أو يذلك أو يستعبدك. فالاستبداد لا يمكن أن يفرض عليك إن لم تكن لك قابلية لذلك، ولا شك أن من يعيش الحرية في داخله لا يمكن أن ينهزم، بل سيبقى حراً ولو أودع في السجون، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن الحر حر على جميع أحواله إن نابته نائبة (مصيبة) صبر لها وإن تداكت (ازدحمت) عليه المصائب لم تكسره وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عشراً، كما كان يوسف الصديق الأمين صلوات الله عليه لم يضرر حريته أن استعبد وقهر وأسر" (3).
ثانياً: علينا أن نربي أبناءنا على ثقافة الحرية، وننمي فيهم الإحساس بقيمة الحرية، ولا يحق لنا أبداً أن نذلّهم أو نهينهم، أو نقهر شخصيتهم أو نصادر حريتهم، وإلا سوف يكونون في المستقبل إما طغاة مستكبرين وإما أذلاء خانعين. والشخصية الذليلة الخانعة لا يمكن أن تنال حرية واستقلالاً أو تواجه ظالماً أو مستعمراً أو محتلاً، يقول الشاعر:
مَـن يَهُـن يسـهـلِ الـهـوانُ عليه مـا لـجـرحٍ بميّتٍ إيلامُ
4 ـ ثمن الحرية
والحرية لا تُعطى ولا تُمنح من أحد، وإنما تُنتزع انتزاعاً وتُؤخذ غلاباً، وهي لا تنال بالمجان، بل إن ثمنها ـ في الغالب ـ يكون باهظاً، وهو المعاناة والمكابدة وبذل التضحيات، وهذا ما يعطي الحرية طعماً خاصاً وقيمة مضاعفة؛ لأن ما يناله الإنسان بالمجان، فإنه لن يقدر قيمته، وقد يضيعه بسهولة، بينما الشيء الذي يناله بعرق الجبين وبذل الدماء، فإنه يحافظ عليه ويحميه بأشفار العيون.
إن الإنسان الحر يأبى المهانة وعيش المذلة، وموت العزة عنده خير من حياة الذل، أليس هذا هو درس كربلاء؟ بلى إنه درس الحرية والكرامة: "هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون"(4)، ولهذا فإن الحر يقف في وجه سياسات الاستعباد والاستكبار ولا يرضى المهانة ولو كلفته حياته ونفسه، وهي أعز ما يملك(5).
5ـ الحرية في مواجهة الغريزة
والحديث عن الحرية في مواجهة المستكبرين والظالمين، الذين يعملون على استعباد الناس أو قهرهم أو ظلمهم، لا ينبغي أن ينسينا أن نكون أحراراً في مواجهة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فلا نخضع لشهواتنا عندما تدعونا إلى معصية الله تعالى، ولا ننقاد لغرائزنا التي تريد أن تستذلنا وتسترقنا. فإن العبودية للشهوات والمطامع والغرائز، لا تقل هواناً عن العبودية للسلاطين والمستكبرين، فعن علي (عليه السلام): "عبد الشهوة أذل من عبد الرق" (6)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "لا يسترقنك الطمع وقد جعلك الله حرا"(7)، بل إن الحرية والعزة في مواجهة الظالمين والمستكبرين، لا يصنعها إلا من كان حراً في مواجهة أطماعه ونفسه الأمارة بالسوء، والتي تدعوه إلى الدعة والسلامة، أو الجلوس على التل في مواقع الصراع والتحدي.
6 ـ الحرية والتحرير
وأخيراً، وعلى قاعدة قول الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١] يجمل ويجدر بنا أن ننوه، بأن ما ننعم به اليوم من عزة وكرامة بعد تحرير أرضنا المحتلة في لبنان(8) وبعد انتصار حرب تموز (2006م) لم ننله بالمجان، بل كان ثمنه دماً عزيزاً لآلاف الشباب وتضحيات جسام من معاناة أسير إلى أنين طفل إلى وجع شيخ إلى دموع أم ثكلى.. ولهذا كان لزاماً علينا أن نحفظ نعمة الحرية هذه، وأن لا نسمح لأحد بأن يعيدنا إلى زمن الاحتلال والمعاناة، أو يدخلنا نفق الاحتراب المذهبي، أو يجعلنا نفقد البوصلة الصحيحة التي تؤشر إلى فلسطين وتنبهنا إلى أن عدونا الأساس هم المحتلون الغاصبون. إن الاحتراب المذهبي سيفقدنا طعم الحرية، بل أخشى أن يعيدنا إلى زمن الاحتلال والعبودية؛ لأنه ، سيهيئ الفرصة الذهبية لعدونا بأن يعاود الإمساك بأرضنا، وأن يذل إنساننا. وإذا فرضت علينا معركة هنا أو هناك، فلا يجوز أن يدفعنا ذلك إلى تغيير مبادئنا وقناعتنا، وبوصلتنا وقبلتنا.
لهذا إذا أردنا أن نحمي حريتنا وعزتنا وكرامتنا، فعلينا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا (مرحلة الفتنة الداخلية) أن نتحلى بالوعي والحكمة، وأن لا ننجر إلى الانفعال وأن لا تستفزنا العصبيات، ولا سيما العصبيات المذهبية التي تسلب الإنسان إنسانيته، وتحوله إلى أسوأ من الوحش المفترس!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ج 8 ص 69.
(2) نهج البلاغة ج 3 ص 51.
(3) الكافي ج 2 ص 89.
(4) اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس ص59، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج3 ص250.
(5) ومن جملة شهداء الحرية ذاك الشخص المسلم الذي اختار القتل على الإذلال والإقرار بالعبودية ليزيد بن معاوية، فقد جاء في الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): "إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج فبعث إلى رجل من قريش فأتاه فقال له يزيد: أتقر لي أنك عبد لي، إن شئت بعثك وإن شئت استرقيتك، فقال له الرجل: والله يا يزيد! ما أنت بأكرم مني في قريش حسبا، ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والإسلام، وما أنت الدين، ولا بخير مني فكيف أقر لك بما سألت؟ فقال له يزيد: إن لم تقر لي والله قتلتك، فقال له الرجل: ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي (عليهما السلام) ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، فأمر به فقتل!"، انظر: الكافي ج 8 ص 235.
(6) عيون الحكم والمواعظ ص 341.
(7) المصدر نفسه ص 528.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|