ضرورة التعرف على الدنيا المذمومة والدنيا المطلوبة
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 87 ــ 89
2025-12-18
30
ان عباد الله المحبوبين والصالحين قد نزعوا جلباب الشهوة، وأن التعلق الخاطئ والارتباط بملذات الدنيا يشبه القميص الذي يضعه الشيطان على جسم الإنسان، وما دام الإنسان تحت تأثير الوساوس الشيطانية، فهذا القميص لا ينزع عن جسده، وسوف يبقى اهتمامه منصبا على الدنيا وملذاتها، وسيبقى ذهنه وفكره مشغولاً بها على الدوام، فإذن، الأمر المذموم هو التعلق بملذات الدنيا، وبما أن أولياء الله يُدركون حقيقة الدنيا وملذاتها، فهم لا يتعلقون بها، وهذا لا يعني - بطبيعة الحال - أن التمتع والالتذاذ بنعم الدنيا مذموم وممنوع تماما، وأنه يجب على المرء تجنب المجتمع وملذات الدنيا، ويجب أن نلتفت إلى أن بعضهم سبب من خلال سوء استغلاله أو سوء فهمه لهذا الكلام، انحراف الآخرين.
لا يقتصر الأمر على أن التمتع بملذات الدنيا ونعمها ليس ممنوعا وليس مذموما فحسب، بل في بعض المواطن لا غنى عنه أيضا، فأساسا يعتبر خلق الله لنعم الدنيا من حكمته، وذلك لكي يتمكن البشر من تأمين احتياجاتهم وتحقيق أهدافهم، وهو إنما يحصل من خلال الاستفادة من هذه النعم، كذلك جعل الله متعا في استخدام تلك النعم؛ لأن الإنسان إذا لم يكن يستمتع بها فلن يطلبها، وفي النتيجة سوف تتعطل حياته الشخصية والاجتماعية.
يجب على الإنسان أن يعيش في هذه الدنيا، ويجب عليه أن يستخدم الأدوات التي تسهل حياته بشكل صحيح، فيجب أن يأكل وإلا سوف يمرض ويفقد صحته، ويجب أن يستخدم الغرائز الجنسية وإلا - إن لم يفعل ذلك - فإن النسل سينقرض، لقد خلق الله الإنسان في هذه الدنيا كي يتكامل ويترقى، ومن ضمن ذلك التكاثر حتى يزداد نسله ويستمر، ولكن يجب الالتفات إلى أن الإنسان يجب أن يتعامل مع الدنيا ونعمها على أنها أدوات ووسائل لتحقيق أغراضه وأهدافه المتعالية والا يعتبرها غاية أصلية.
إن الأمر المذموم ومصداق الدنيا المذمومة الذي يعده القرآن في اصطلاحه (متاع الغرور) هو النظرة الاستقلالية للدنيا ولملذاتها، وجعلها غاية، والتعلق بها، هذا هو الأمر الذي ذمه القرآن في بعض الآيات على سبيل المثال، يقول الله (عز وجل): {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].
كذلك يقول الله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64].
الاكثر قراءة في معلومات عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة