أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-21
227
التاريخ: 11-4-2017
2029
التاريخ: 29-6-2016
3561
التاريخ: 3-1-2023
1090
|
هل أنت مجرد ذرة غبار تسبح في الفضاء، أو مجرد قطرة ماء في مياه البحر، أو مجرد ورقة يابسة من أوراق الغابة؟..
لوكان كذلك، لما خلقك الله بإرادة خاصة منه، ولما أودع فيك طاقات هائلة، ولا أرسل لك رسله العظام، ولا أنزل إليك كتبه المقدسة، ولا سخر لك الأرض والسماء، والماء والهواء..
إن الكون كله انطوى في وجودك، وطوَّع الله لك كل قدرات الحياة، وقال عنك أمير المؤمنين عليه السلام:
أتزعم أنك جرم صغير وفيك نطوى العالم الأكبر؟
ولكن ذلك لا يعني أنك كبير بطبيعتك، سواء قمت بأعمال كبيرة، أو لم تقم بمثل ذلك؟
وسواء استثمرت طاقاتك أو لم تستثمر؟
فما أودع الله في ذاتك من طاقات، وما أوجد لك في الكون من قوى هي مجرد خامات، ومن دون أن تستخدم تلك الخامات، لبناء ما ينفعك وينفع الناس، فإنك تبقى مجرد خامة مهملة، وهذا يعني أن الإنسان ليس عظيماً كيفما كان، بل هو عظيم إن كان له هدف عظيم، وعمل عظيم، وإنجاز عظيم.
أنت كل ما في هذا الكون إن كنت بالفعل ممن يعرف رب الكون، ويعمل لما أمر به، وإلا فلا قيمة لك.
وهكذا فإن الأمر يعود إليك. فأنت الذي تختار بأن يكون لك دور عظيم وموقع أعظم. أو تكون أقل من ذرة غبار في الفضاء، أو قطرة ماء في البحر، أو ورقة يابسة في الغابة.
فالإنسان عظيم عندما يؤدي دوراً بحجم الطاقات التي أودعها الله فيه.
فالحياة في خدمة أولئك الذين يعملون فيها ويبنونها، ولكنها لا تعطي نفسها للخاملين الكسالى الذين لا يألفون، ولا ينتجون ولا يعملون، ويبحثون عن التوافه وليس عن المعالي، ويعيشون في زوائل الشهوات وليس في مواقع الحياة.
يقول الإمام علي عليه السلام: «إن النفس لجوهرة ثمينة من صانها رفعها، ومن ابتذلها وضعها»(١).
فمن يصون نفسه يرفعها، ومن يتركها ملتصقة بالتوافه فهو يضعها. وهكذا فإن الإنسان إذا عرف نفسه أدرك القدرة الكامنة في وجوده. فيا ترى هل نعرف أنفسنا؟
إن كل المعلومات التي تنهال علينا يومياً تبقى عاجزة عن التعريف بحقيقة الإنسان، فبالرغم من أن الجميع
يظنون أنهم باتوا يعرفون أنفسهم، إلا أن الإنسان يبقى هو المجهول الأكبر في هذا الكون. وفيما يلي نشير إلى ثلاث مجالات نحن بحاجة إلى سبر أغوارها لمعرفتها فيما يرتبط بأنفسنا.
أولاً: مجال النفس.
فالعلم الحديث في بعض فتراته تجاوز بحث قضية النفس، ظناً من العلماء الماديين بأن الإنسان ليس إلا هذا الجسد ولا شيء وراء ذلك. وحينما وجدوا أن الجسد وحده لا يمكن أن يجيب على كل تساؤلاتهم العلمية، قالوا بأن اهتزازات الجسد تحدث طاقة غير مرئية، وإن تلك هي النفس.
ثم بعد مواجهة الحقائق اعترفوا بوجود للنفس البشرية، لكن العلم لا يزال في ألف باء معرفة النفس. أما فيما يرتبط بالروح فإنها تبقى منطقة مجهولة إلى أن يشاء الله، لأن الروح من أمور الآخرة، وستبقى أمور
الاخرة مجهولة علينا حتى نرد إليها. وإلى ذلك يشير ربنا تعالى في كتابه الكريم بقوله: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85].
ثانياً: منطقة التحكم بالعادات والتقاليد.
إننا لازلنا نجهل أنفسنا فيما يرتبط بضبط أفعالنا الصادرة عن العقل الباطن الذي يصدر أوامره بحكم العادة والتطبع. فكم من مرة يصمم أحدنا على شيء جديد يتعلق بنفسه، وتصرفاته أو يتعلق بالآخرين...ثم يجد نفسه يكرر خلاف ذلك من دون إرادة منه؟
فكيف يتم ذلك؟ ولماذا؟
وكيف يمكننا تغيير هذا الأمر؟
إن هذه من المجالات التي يجب أن نتعرف عليها، ونحاول التأثير فيها فيما يرتبط بأنفسنا.
ثالثا: مجال القدرة على التحكم بأجسامنا.
صحيح أن الطب الحديث يتقدم إلى الأمام بقفزات سريعة، إلا أنه يقف عاجزاً في أحيان كثرة أمام (فيروس) مرض معين، أو أمام خلية متمردة، مما يكشف عن أن الإنسان عاجز في التحكم باختلالات الجسد، كما هو عاجز في التحكم فيما يرتبط بنفسه وروحه، فالمعرفة الجسدية هي الأخرى لم تتكامل لحد الآن، وإذا أخذنا بعين الاعتبار جهل الإنسان بعالم النفس وعالم الروح، وأضفنا ذلك إلى جهله بعالم الجسد، يتبين لنا أن كل ما تتحقق به إنسانية الإنسان لا تزال مجهولة على الناس.
لقد أكد المفكر المعروف «الكسيس كاريل» في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) على حقيقة قصور المعرفة البشرية حيال ما يرتبط بالإنسان. وقد حاز على جائزة نوبل في الأدب، وكانت تلك أول مرة تمنح فيها الجائزة لشخص يتظاهر بالجهل وليس بالعلم، أي يعترف بالمجهولات وليس بالمعلومات. وفي الواقع إن نقطة المزج بين الروح والجسد. هي نقطة الجهل الرئيسية بالنسبة إلينا.
يقول ربنا عز من قائل: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:2].
فإدراك هذه «النطفة الأمشاج» باعتبارها خليطاً من الخير والشر، هو ما ينقصنا والذي لا بد من تركيز الجهود عليه. وهذا يعني أن أي فهم منفرد للجسد لن يكفي لفهم حقيقة الإنسان، بل لابد من معرفة نقطة المزج ما بين الجسد والروح، أي نقطة التلاقي بين عالم الدنيا وعالم الآخرة، وهي منطقة التقاطع في حياتنا التي نعيشها في هذه الدنيا.
ويبدو أن هذه النقطة بالذات قد تم إهمالها من قبل العلماء الماديين لأنهم أساساً يحاولون دائماً التنكر لحقيقة الروح، وما يرتبط بالعالم الآخر.
وبعد تحديد هذه المراكز الثلاث الرئيسية التي يجهلها الإنسان، لابد من العودة إلى السؤال الذي طرح في البداية وهو: من أنت؟
وقبل الإجابة عليه لابد من التذكير بأن هذا السؤال ظل يتردد على لسان الناس منذ أول إنسان، وسيبقى يتردد على ألسنتهم إلى آخر إنسان، لأن المنطقة مجهولة جداً وهي منطقة النفس البشرية، كما أنها واسعة جداً فكلما توغلنا فيها كلما وجدنا آفاقاً جديدة لابد من سبرها. وسوف نكتفي هنا بالإجابة على سؤال: ما هي النفس؟
والجواب: إذا كان العقل هو ذلك الشيء الذي يميز الانسان به الخير من الشر، والصلاح من الفساد، والحق من الباطل، والظلمة من النور، والإيمان من الكفر، فإن الروح هي تلك القوة الخفية التي تبعث الحياة في نفس الإنسان. والجسد هو مجموعة الأعضاء والأجهزة والأدوات التي تنظم عمليات بناء الجسم
وحفظ حيويته لاستخدام الروح لها من أجل الارتباط بعالم الدنيا.
أما النفس فهي عبارة عن قوة تتمركز فيها وتنبع منها كافة الميول والشهوات في الإنسان، مثل الحب والكره، والجبن والشجاعة وما أشبه..
فأنت تخشى الظلام لأن نفسك تهيج في السواد الحالك، وأنت أيضاً تخشى من جثة هامدة، مع علمك بأنها لا تحرك ساكناً ولا تستطيع أن تضرك ولو بمقدار نملة لأن نفسك تهيج هنا أيضاً..
وهذا الخوف يأتيك بالرغم من أن عقلك يقول لك: لا يجوز الخوف من الظلام، كما لا يجوز الخوف من جسد لا روح فيه، إلا أن النفس تبقى خائفة وهائجة ومشفقة من الظلمة ومن الجثة..
وقد يتصور البعض أن العلم يمكنه أن يحل لنا المشكلة، وذلك عن طريق وضع قواعد لتنظيم عملية التفكير.
إلا أن الواقع يكشف عن إن المشكلة هي نفسية، قبل أن تكون عقلية.
ومن ثم فنحن بحاجة إلى معالجة النفس البشرية، ومعرفة الداء والدواء قبل أن نضع القواعد للعقل وتنظيم الفكر.
إن كثيراً من الآيات القرآنية الكريمة جاءت لتعالج مشاكل النفس الأمارة بالسوء، لأن بناء النفس هو منطلق التغيير الشامل للفرد وللأمة، ونقطة التحول في المجتمعات. فصحة النفس هي التي تضمن للانسان حريته وكرامته. ولقد اهتم الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله بتزكية نفوس أصحابه، أكثر من اهتمامه بالجوانب العلمية فيهم.
فقاد النفوس إلى الأفضل والأكمل قبل أن يقودهم إلى معرفة المجهولات في الحياة.
يقول ربنا تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2].
فقدمت الآية (التزكية) على (التعليم) لأن هدف التعليم في النهاية هو التزكية، ولا قيمة للتعليم إن لم ترافقه التزكية.
وكانت تلك مهمة الأنبياء على مر التاريخ.. إنهم كانوا يبعثون لتهذيب النفوس وتزكيتها، ولم تكن مهمتهم أن يعلموهم القراءة والكتابة، والهندسة والطب وما شابه ذلك، وإن كان التقدم في هذه المجالات نتيجة طبيعية للنهضة التي يفجرها الأنبياء.
فتزكية النفس هي الخطوة الأولى لمواجهة كل المشاكل، ومن هنا فإن أكبر هزيمة يمكن أن يتلقاها فرد أو جماعة هي هزيمة النفس، كما أن أول سلاح وأخطره هو سلاح يؤدي إلى أن تنهزم الأمة نفسياً.
ألا ترى كيف أن الحرب النفسية أخطر على الأمم من الحرب الجرثومية، حيث أن الحرب النفسية لا تفتك بعدد من الأفراد فقط.. وإنما تقتل الملايين من النفوس، وربما تترك أثرها على الأجيال.
وقد يتم كل ذلك من دون أن يحس أحد أو يشعر بخطورة ما يحدث، بالإضافة إلى أن الحرب الجرثومية يمكن إتقاؤها بالكمامات الواقية، أما الحرب النفسية فلا توجد لها كمامات.
ولقد علم الخبراء العسكريون بأن الحرب النفسية تُنزل الهزيمة بأقوى الجيوش قبل أن تخوض القتال، وهو ما حصل في كثير من الحروب في التاريخ.
ولهذا كله لابد من بناء النفوس على العزة والكرامة، حتى لا تنهزم أمام المشاكل والأزمات ولا تنهار في مواجهة أساطيل الشر، ووسوسات الشيطان، ورغبات الجسد.
إن النصر والنجاح والسعادة تتطلب شحنة هائلة من الشعور بالكرامة، وإحساساً متدفقاً بالعزة، وقدرة على مواجهة الشهوات والرغبات، وكل ما يدفع الإنسان إلى الإخلاد إلى الأرض والترسب في مستنقعاتها.
إن كل إنسان يملك في داخله قوى هائلة لا يستطيع أن يستفيد منها إلا إذا كان يمتلك نفساً سليمة زاكية. فتزكية النفس هي الخطوة الأولى والضرورية التي بدونها لا يمكننا أن نفعل شيئاً في هذه الحياة.
________________________
(1) غرر الحكم، ج ٢، ص ٥٢٢.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|