أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-3-2018
15376
التاريخ: 14-08-2015
4625
التاريخ: 19-1-2020
1580
التاريخ: 14-08-2015
13619
|
يتميز حازم بأنه شاعر ايضاً فضلاً عن كونه ناقداً، اذن، فقد كان امامه فرصة نادرة ليطبق في شعره ما رسمه في نقده وها هنا يجد المرء اغراء يدفعه إلى المقارنة بين النظر والعمل، ليرى ما اذا كان حازم مخلصاً لمنهجه النقدي بحيث يأتي شعره صورة لنظريته، بيد انه ما يكاد ينظر في قصائده ومقطعاته التي نشرها الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة(1) حتى يرى بوضوح ان ثمة بونا شاسعاً بين ما دعا إليه، وما درج عليه، فإذا كان قد اتى في "منهاجه" بلمحات نقدية بارعة، فأننا لا نجد في شعره التقليدي اي أثر لهذه اللمحات وذلك يدعو إلى افتراض امرين، فأما انه لم يكن يعتقد بضرورة العملي، وذلك أمر بعيد واما انه كان يعتقد ان شعره هو تطبيق لنهجه النظري، وذلك يؤكد ــ لا محالة ــ بأن مفهومه عن المحاكاة لم يكد يجاوز اعتبارها ضرباً من المجاز، وان ما افاض فيه من معاني التخييل، والاغراب، والصدق، والتحسين والتقبيح، لم يكن إلا رموزاً جديدة لمعان قديمة، فكأن شعره يفسر نقده، ويؤكد ان هذا النقد كان تجديداً في المظهر لا في الجوهر، وهكذا يمكننا ان نفهم كيف اسف حازم لأن ارسطو لم تتح له معرفة طرائق التشبيه العربي، ولما كان هو قد عرفها، فقد كان شعره صورة لها، بكل ما كانت تنطوي عليه في القرن السابع من جمود التقليد، واذا نظرنا في مقصورته الالفية التي عارض بها مقصورة ابن دريد، الفينا فيها تقليداً محضاً ينطوي على معظم اغراض الشعر فقد كان سبب نظمها (مدح المستنصر بالله الحفصي على تجديده الحنايا، وايصاله الماء من زغوان إلى تونس ثم استصراخه والاستنجاد به لغزو النصارى، وتطهير بلاد الاندلس منهم) (2) وطبعاً فلا بد ان تبدأ بالغزل وتشتمل على المديح، والرحيل، والشكوى، إلى ان يختمها حازم مباهياً بها عروة بن حزام، وابا الطيب المتنبي:
نظمتها فريدة في
حسنهــــــــــا منظومة نظم
الفريد المنتقــــــــــى(3)
تخطب بالأنفس
اعلاق لهــــــا نفيســـة
بكــل علــق تفتـــــــــــدى
تخير اللفظ الفصيح
خاطـــري لها، ولم يحفل بحوشي
اللغـــــى
قلـدها مـن
المعانـي حليــــــــة وزفهــا
إلى المعالــي وهـــــــــدى
نحوت في النقلة من
اغراضها مذاهباً اعيت على من
قد نحــــــا
فاختلفت اغراضها
وائتلفــــت بالمذهب
المقصود فيها المنتحــى
وانتسب المعنى
بلطف حيلـة فيها إلى
المعنى الذي منه انتقـــى
نظمها ابن حازم
وقد نمـــــى نسبها لابن
حزام من نمــــــــــى
وقد عزا الاحسان
في امثالها لابن الحسين
احمد من قد عـــزا
واذا كان لنا ان
نستخلص آراء حازم من ابياته هذه، فيبدو ان الشعر عنده نظم يتخير فيه اللفظ الفصيح،
ليعبر عن المعنى الشريف، على نحو يجيد فيه الناظم التلطف في الانتقال بين شتى
الاغراض ، والاحتيال على التأليف بين شتى المعاني، وواضح ان هذا التعريف يناقض ما
تقدم من تعريف الشعر في "منهاج البلغاء" حيث التخييل هو جوهر الشعر، وان كان يوافق طبيعة
المقصورة التي هي اقرب إلى النظم منها إلى الشعر، حقاً، اشار حازم كثيراً إلى
ضرورة عرض التصديق في اهاب التخييل بيد ان هذا العرض لم يتفق له في مقصورته التي
غلب عليها طابع الخطابة، والتي جمعت فنون الاغراض ، وفنون البديع، فهي ــ كما يقول
حازم ــ قد (ازاغ الخاطر اقتناصها من خفي المراصد، واهتدى إليها رائد الفكر، وهدى
منها إلى العقول كل عقيلة بكر، قد احكم صيغتها ومبناها، وقسم صنعة لفظها، ومعناها
إلى ما ينشط السامع، ويقرط المسامع، من تجنيس انيس، وتطبيق لبيق، وتشبيه نبيه،
وتقسيم وسيم، وتفصيل اصيل، وتبليغ بليغ، وتصدير بالحسن جدير) (4) ويبدو
ان ما اشار إليه من تجنيس وتطبيق، وتشبيه وتقسيم هو ما كان يريده بالمحاكاة وإلا
لما افتخر باشتمال. مقصورته عليه، وهو الذي يقول: ان المحاكاة جوهر الشعر، والحق
ان هذه المحاكاة لم تفلح في انقاذ الشعر من الطابع النثري، وما يظهر في هذا الشعر
من صورة انما هو غالباً محاكاة لما تقدمه، فكأن مفهوم المحاكاة ينصرف هنا إلى
تقليد القدماء كما هو ظاهر في مطلع المقصورة الغزلي:
لله ما قد هجت يا
يوم النوى على فؤادي من
تباريح الجوى(5)
لقد جمعت الظلم والاظلام اذ واريت
شمس الحسن في وقت الضحى
فخلت يومي اذ
توارى نورها قبل انتهاء وقته قد
انتهى
فيا لها من آية
مبصرة أبصرها طرف
الرقيب فأمترى
فالتصنيع اوضح في
هذا المطلع من التخييل، ومقصورته انموذج لما كان يريده العرب في عمود الشعر، سواء
في توزع اغراضها بين غزل ومديح، ووصف ورحيل ام في توزع اسلوبها بين شرف المعنى
وفصاحة اللفظ، واصابة الوصف، ومقارنة التشبيه(6) فضلاً عن التزامه
احكام الربط بين الاغراض من جهة، ومدح الخلفاء بالعقل والعفة والعدل، والشجاعة،
والدين، والعلم، والحلم، والتقى، والورع، وذلك على جهة الافراط من جهة اخرى(7)
كما شرط هو في "منهاجه" اذن فإن شعره ربما كان ذا دلالة واضحة في تفسير
نقده، ورده إلى الصبغة العربية، لا إلى الصبغة اليونانية.
فإذا تركنا
مقصورته إلى سائر شعره، الفينا طابع شعره واحداً من حيث انصراف المحاكاة إلى مظاهر
الامور على سبيل التقليد المحض لصور القدماء، فها هنا ايضاً لا نجد محاكاة ابعد من
تصوير الشيء كما هو كائن، ولا مجال للحض على فعل او النهي عن فعل في مثل شعره الذي
وصف فيه الطبيعة، او الوردة، او نور اللوز، والغريب ان الناقد الذي أفرغ جهده في
جعل المحاكاة تصويراً لمظاهر الاشياء لم ينصرف في شعره إلى الوصف بأكثر من عشرة
ابيات في ثلاث مقطعات تقليدية نحو قوله في الطبيعة:
فتق النسيم لطائم
الظلمـــــــــــاء عن
مسكة قطرت مع الانداء(8)
وغدا الصباح يفض
خاتم عنبـر بالشرق عن
كافورة بيضـــاء
والكوكب الدري
يزهر سابحــاً في
مائه كالدرة الزهــــــــراء
وكأنما ابن ذكاء
يذكي مجمراً منه يفيد الريح طيب ذكـــــاء
وواضح ان هذا
التصوير الحسي لم ينطو على اية لمحة خيالية جديدة، واي جديد في نسيم يفتق الظلام
عن مسك ندى، أو صباح يفض خاتم عنبر عن كافور؟ او زهر كالدر يملأ الجو ارجاً؟ وأية
صلة بين التشبيه في شعره، والمحاكاة في نقده؟ (9) اذن ثمة بون شاسع بين
افكاره واشعاره، وطبعاً، ليس للمرء ان يفترض فيمن يحيط بأحكام النقد ان يبدع في
اخيلة الشعر، وإلا لكان كل ناقد شاعراً، غير ان حازماً هو الذي وضع عشر قوى قال:
ان ابداع الشاعر منوط لتوفرها، وعلى قدر توفرها تكون مرتبة ولسنا ندري: هل كان
حازم يعتبر نفسه ممكن توفرت فيه هذه القوى؟ وهل توفرت فيه كلها او بعضها؟، ومهما
يكن، فلعل الشعر لا يتأتى يتوفر قوى مصطنعة اذا غابت قوة الموهبة الفطرية التي
يعسر اكتسابها، وربما كان شعر حازم يشتمل حقاً على معظم هذه القوى التي وضعها في
"منهاجه" غير انه يبقى شعراً مصنوعاً ضعيف الحظ من قوة الطبع او قوة
الخيال، وهنا يعرض لنا قوله ان "النظم صناعة آلتها الطبع)(10)،
ولكن هذا الطبع ليس هو ما صدر عن جبلة الشاعر، وانما هو "استكمال للنفس في
فهم اسرار الكلام"(11) اما هذه القوى فهي القوة على التشبيه،
والقوة على تصور كليات الشعر، والقوة على تصوير أفضل صورة للقصيدة، والقوة على
تخيل المعاني والشعور بها، والقوة على ملاحظة تناسب هذه العبارات، والقوة على
ملاحظة العبارات الحسنة، والقوة على الالتفات، والقوة على الربط، والقوة على تمييز
حسن الكلام من قبيحه(12) وما
دام الطبع هو استكمال النفس في فهم اسرار الكلام بحسب توفر هذه القوى فقد كان
ينبغي ان يأتي شعر حازم انموذجاً، فضلاً عن ان يكون انموذج للمحاكاة كما عرفها هو،
واذا كان ذلك واضحاً في وصفه، فإنه واضح ايضاً في غزله الذي غلب عليه ان يقدمه في
مطلع قصائد المديح، او مجالس الانس، ما خلا قصيدة واحدة جعلها خالصة للغزل(13)
ولعل كون الغزل مقدمة للمديح يشى بطابعه التقليدي(14) اما قصيدته
الغزلية فهو يبدؤها يجعل محبوبته ظبية لحظها رشا وابتسامتها زهرة، وثغرتها لؤلؤ،
وحسنها سلطان، وطبعاً لا بد ازاء هذا الحسن من عاذل، غير ان الشاعر لا يصغي
كالعادة إلى هذا العاذل(15) ويبدو ان اوصاف الحسن التقليدية قد نضبت
سريعاً فلم يلبث حازم ان التمس وسيلة إلى اعادتها في قالب لفظي آخر بأن اجاب
العاذل ان محبوبته يوسفية الحسن، وانها ظبي يرتعي القلوب، أو مهاة لها لحاظ تحيي
وتميت(16) وهنا يتذكر سالف ايام الوصال، على خوف الرقيب ايضاً، وما كان
في هذه الايام من نجوى وشكوى، وكيف سعا إلى محبوبته تحت جنح الليل كما كان يسعى
عمر بن ابي ربيعة(17)، ثم يختم قصيدته بما درج عليه العرف من شكوى
السهر والهجر(18).
أما المديح الذي
يقرب من ثلاثين قصيدة هي معظم ديوانه، فلا ريب انه يخضع لما وضعه هو من احكام
مفصلة، ما دام قد أخذ نفسه برسم هذه الاحكام كما رأينا(19)، اذن فنمط
المديح واحد مهما تغير اللفظ، لان مدار الامر على معيار ثابت لنظم متغير، يقول
حازم: (ان امداح الخلفاء يجب ان تكون نمطاً واحداً ينحى بأوصافها ابداً نحو الافراط)
(20) وحقاً كان حازم وفياً لهذا النمط في مدائحه، فكان الخليفة ــ دائماً ــ
تقياً، ورعاً، شجاعاً، عادلاً حليماً رحيماً، كريماً، مهيباً، ولقد مدح ثلاثة
خلفاءهم ابو زكريا الحفصي والمنتصر والواثق، فلم تختلف صفات المديح(21)
ولم ينس ان يجنح إلى الافراط، فنراه مثلاً يقول في المنتصر:
دعوت فلبى أمرك
الشرق والغرب واصغت لداعي هديك العجم والعرب(22) وجاء ملوك الارض نحوك
جسم مدبر ورأيك فيه السروح والنفس والقلب وهكذا، فإذن آراء حازم لم تختلف عن
الآراء النقدية السائدة، بل لعلها كانت تأكيداً لهذه الآراء وتنظيماً لها.
ويبقى من اغراض
حازم قصائده في الزهد، وهي ثلاث: اثنتان منها تسبيح الهي، وثالثة في المدح النبوي،
والقصيدة الاولى تقرب من ثلاثين بيتاً تنصب على تنزيه الله سبحانه، وتبيان عظمته ،
والحض على طاعته(23) والاخرى مؤلفة من شتى عشر ومائة بيت تبدأ جميعها
ــ ما خلا ستة ابيات ــ بلفظ
"سبحان" الذي تتلوه نعمة من نعم
الله، وربما كان مجرد التزام لفظ "سبحان" في مطلع كل بيت ينبئ عما فيها
من صنعة حشد لها المعاني الدينية في قالب النظر، دون ان يكون لهذا النظم حظ من التخييل،
فحازم كان ينظم اكثر مما كان يعبر، وعلمه كان اظهر في قصيدته من شعوره:
سبحان من سبَّحته ألسن
نطقت من عالم في حجاب الغيب
مكتتم(24)
سبحان من سبحت سبع
له سبحــت من السماوات ذات الأنجم
العتــــــــــم
سبحان من سبحت شمس
النهار لـه والبدر بدر الدجى
والشهب في الظـلـم
سبحان من سبح
الليل البهيم لـــــــه وسبح
الصبح يبدي ثغر مبتســـــــــــم
سبحان من سبح
الرعد المرن لـــه والريح والبرق
في سحب الحيا السجم
سبحان من سبح
الجسم الجماد لــه بمنطـــق من
لســــــان الحال منفهـــــم
ويتساءل المرء عن
قيمة مثل هذه القصيدة في معيار حازم نفسه الذي ذهب إلى ان الشعر والخطابة يشتركان
في مادة المعاني، ويفترقان بصورتي التخييل والاقناع(25) فأي تخييل في
هذه القصيدة الخطابية القائمة على الاقناع؟ وإذا كان التخييل ــ لا الوزن أو
المعنى ــ هو جوهر الشعر، فهل يمكن القول: ان التخييل يغلب على الاقناع في هذه
القصيدة؟ وايضاً، اليس الاقناع هو طابع قصيدته في مدح النبي ــ صلى الله عليه
[وآله] وسلم ــ:
قف بين قبر محمد
والمنبـــــــــر وقل السلام
على الســــراج الأنور (26)
والثم ثرى قبر
النبي محمـــــــــد وبذلك
العفر الأسرة عفـــــــــر
واستنش طيب نسيمه
وانعم بـــه واجعله خير ذخيرة
للمحشـــــر
واشفع صلاتك
بالسلام وصلهما ابداً على
الهادي البشير المــنذر
اذن لا سبيل الى
اعتبار شعر حازم مثلاً لنقده، بل لعله يمكن اعتباره نقيض نقده، ولا سيما إذا نظرنا
في شعره في الاحاجي(27) والتضمين (28) وذلك يؤكد ان الشعر
ليس صناعة مكتسبة بقدر ما هو طبع موهوب، وان حازماً لم يأت بجديد في نقده اللهم
إلا في طريقة العرض، ذلك ان المرء لا يرى في شعره من آرائه سوى مسألة احكام الرباط
بين اغراض القصيدة جرياً على مذهبه في ان تعدد هذه الاغراض ادعى إلى ابعاد السأم عن
ذهن السامع، إذا ما اجيد الربط بينها، وهذا يعني اخلاص حازم لمفهوم المحاكاة التي
لا تقتضي وحدة الموضوع بقدر ما تقتضي تنوعه، جرياً على عمود الشعر، وهكذا فلعل
حازماً لم يتخل قط عن المفهوم العربي إلى المفهوم العربي إلى المفهوم الاغريقي
للمحاكاة، ما دام الشعر العربي جزءاً من حضارة تختلف عن حضارة الاغريق.
___________________
(1) قصائد
ومقطعات، صنعة ابي الحسن حازم القرطاجني، تحقيق الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة،
تونس 1972.
(2) قصائد
ومقطعات: المقدمة ص41.
(3) المصدر نفسه:
ص70-71.
(4) المصدر نفسه:
ص10-11.
(5) المصدر نفسه:
انظر الغزل ص17-20.
(6) انظر: مقدمة
المرزوقي على شرح الحماسة ص9.
(7) انظر: منهاج
البلغاء ص170.
(8) قصائد
ومقطعات: ص75.
(9) انظر: وصف
الوردة الذي يحاكي فيه حازم وصف ابن الرومي لقوس الغمام: ص145، ووصف نور اللوز
وتشبيهه بالأصداف والدرر، ص167، وثمة بيت واحد في وصف الخيل يبدو انه جزء من قصيدة
ضائعة: ص198 وانظر وصف ابن الرومي لقوس الغمام العمدة، 2/236-237.
(10) منهاج
البلغاء ص199.
(11) المصدر نفسه:
ص199
(12) انظر: المصدر
نفسه ص199-201.
(13) انظر
القصيدة: ص209.
(14) انظر هذا
الغزل في قصائده: ص76، 81، 91، 102، 104، 146، 154، 169، 176.
(15) ص209
(16) ص 209-210
(17) ص210
(18) 210-211
(19) انظر: منهاج
البلغاء ص170-171.
(20) منهاج
البلغاء ص171.
(21) انظر مدحه
لابي زكرياء: ص77-78 ومدحه للمنتصر
ص83-85 ومدحه
للواثق ص141.
(22) قصائد
ومقطعات: ص87.
(23) المصدر نفسه:
ص174.
(24) المصدر نفسه
ص188.
(25) منهاج
البلغاء: ص21.
(26) قصائد
ومقطعات: ص139.
(27) انظر: المصدر
نفسه: ص112
(28) انظر: المصدر
نفسه: ص179.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|