أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-6-2018
10278
التاريخ: 4-10-2021
5061
التاريخ: 15-4-2017
2923
التاريخ: 2-4-2016
16330
|
عبَّر مُشرعو قوانين اغلب الدول عن العيب الذي يصيب القرار الإداري في محله بعبارة (( مخالفة القوانين و اللوائح )) ففي مصر عبَّر المشرع عن هذا الوجه من أوجه إلغاء القرار الإداري في قوانين مجلس الدولة المتعاقبة منذ سنة 1946 وحتى القانون الحالي رقم 47 لسنة (1) 1972 وقد أورد المشرع العراقي في القانون رقم 65 لسنة 1979المعدل هذا العيب في مقدمة أسباب الطعن بالقرارات الإدارية أمام محكمة القضاء الإداري (2)
وكذلك المشرع الأردني افرد لهذا العيب بنداً خاصاً عندما نص عليه في قانون محكمة العدل العليا (3) وجميع هذه القوانين أشارت لهذا العيب بعبارة (( مخالفة القوانين و اللوائح )) أو (( مخالفة القوانين و الأنظمة )) و المقصود بعيب مخالفة القانون هو العيب المتصل بموضوع القــرار الإداري وموضوع القرار الإداري هو الأثر الذي يحدثه هذا القرار في الحالة القانونية القائمة من إنشاء مركز قانوني جديد أو تعديل مركز قانوني قديم أو إلغائه(4) وقيل انه الخروج عن مضمون القانون و أحكامه الموضوعية الأمر الذي يستتبع أن يكون القرار الصادر في هذه الحالة معيباً من حيث المحل أو الموضوع (5) . وقد عرفه الفقيه الفرنسي ( فيدل ) بأنه (( كل مخالفة للنظام لا تندرج تحت عيب من العيوب الأخرى(6) )) و هذا تعريف سلبي تكمن أهميته في تميز هذا العيب عن غيره من العيوب التي تصيب القرار الإداري . فكل قرار معيب و لا يمكن رد العيب فيه إلى مخالفة قواعد الاختصاص أو قواعد الشكل أو إلى الباعث أو الغاية منه يكون قراراً مشوباً بعيب مخالفة القانون .
ويقول عنه ( ديلوبادير ) انه (( يتصل بذات القرار أي أن الإدارة لم يكن لها – أصلاً – اتخاذ القرار ....)) (7).
ويرتبط عيب مخالفة القانون بمحل القرار الإداري فتتعلق عدم مشروعية المحل في مادة القرار وموضوعه وهي ترد على موضوع التعبير عن الإرادة أي أنها ترد على القرار الذي تعتزم الإدارة اتخاذه .
وهكذا تتمثل عملية تقدير محل القرار في تحديد مدى ضرورة اتخاذ القرار (8).
أن عبارة (( عيب مخالفة القانون )) تتسم بشيء من الغموض , خصوصاً عندما نطرح تعبير (( عيب مخالفة القانون )) بمعناه العام و الواسع , ففي هذه الحالة يستغرق العيب كافة العيوب التي يمكن أن تشوب أركان القرار الإداري (9)
ويطلق على عيب المحل عيب مخالفة القانون بالمعنى الضيق . لأن أي عيب يشوب القرار الإداري إنما يعتبر مخالفة للقانون بمعناه الواسع إذ أن القانون هو الذي يحدد القواعد التي تحكم كافة أركان القرار الإداري من اختصاص و شكل و محل و سبب و غاية لذلك فعيب مخالفة القانون في بحثنا هذا هو العيب المتعلق بمخالفة محل القرار الإداري للقانون (10)
وقد تعرضت عبارة ( مخالفة القانون ) لسهام النقد من جانب الفقه (11) حيث اعتبرها غير موفقة فهي ليست جامعة و لا مانعة ذلك لأنها من ناحية لا يقصد بعيب مخالفة القانون مجرد مخالفة النصوص , ولكن مدلوله أوسع من ذلك بكثير, ومن ناحية ثانية فأن هذا الاصطلاح لو أُخذ به على إطلاقه لشمل جميع أوجه الإلغاء كما وضحنا في أعلاه بيد أن الفقه و القضاء قد أعطيا اصطلاح ( مخالفة القانون ) معنى أدق من المفهوم السابق بحيث ينحصر هذا العيب بمحل القرار الإداري فقط مع دراسة بقيـة عيوب القرار الإداري – عيب الشكل و الإجراءات – عيب الاختصاص – عيــب الانحراف بالسلطة و عيب السبب كُل على حدة (12) . كما نجد أن قوانين مجلس الدولة في الدول المختلفة قد ذكرت عيب مخالفة القانون كأحد أسباب الطعن بالإلغاء مع العيوب الأخرى هذا دليل على اختلاف عيب مخالفة القانون عن العيوب الأخرى (13) . لذلك اتجه بعض الفقه إلى تسمية هذا العيب ( بعيب المحل ) بدلاً من مخالفة القانون تمييزاً له عن عيوب الإلغاء الأخرى (14)
كما أن الفقيهين اوبي و دراجو فضلا تسميتهُ ( بمخالفة القاعدة القانونية ) (15)
ويلاحظ أن هذه التسمية غير دقيقة أيضاً ولا تختلف عن اصطلاح مخالفة القانون . ومع كل هذه الاختلافات في المصطلحات الدالة على عدم مشروعية محل القرار فان اصطلاح ( عيب مخالفة القانون ) يجب أن يؤخذ بمعنى محدد وان كان الفقه لايزال غير مُجمع على هذا المعنى بالتحديد , فالبعض يرى انه يشمل عيب المحل و عيب السبب (16) و البعض الأخر يرى انه يشمل عيب المحل فقط وهو الاصوب (17) .
ولما كان على كل عضو من أعضاء السلطة الإدارية ألا يمارس عملاً قانونياً إلا إذا كان يملك هذا الحق طبقاً لما تقضي به قواعد الاختصاص وإذا كان يجب أن يصـــدر العمل القانوني ( القرار الإداري في مجال بحثنا هذا ) وفقاً للإجراءات و الشروط الشكلية المقررة فأن محل القرار الإداري يجب أن يكون موافقاً للقانون (18)
فمن متطلبات مبدأ المشروعية . أن تخضع الإدارة العامة للقانون فلا يجوز لها أن تصدر قراراً إدارياً أو تقوم بعمل مادي إلا بمقتضى القانون (19). و أن لفظة القانون في مورد هذا العيب يجب أن تؤخذ بالمعنى الواسع لا الضيق فتشمل كل القواعد القانونية النافذة في الدولة , سواءً أكانت مكتوبة أو غير مكتوبة و بقطع النظر عن مصدرها و الاسم الذي تتسمى به (20) . وان عيب مخالفة القانون لا ينطبق على مخالفة القواعد القانونية النافذة مكتوبة كانت أو غير مكتوبة حسب و إنما ينطبق أيضاً على مخالفة روح القانون (21) . وبناءً عليه يتعين على الجهات الإدارية المختلفة ممارسة صلاحياتها القانونية في ضوء القواعد القانونية التي تنظم ممارسة تلك الصلاحيات نصاً و روحاً . وعليه يُعتبر غير مشروع أي قرار يخالف القواعد القانونية العليا بصرف النظر عن طبيعة تلك القواعد .فيستوي أن تكون مكتوبة أو غير مكتوبة , إذ يتفق الفقه على تبني المدلول الواسع لاصطلاح قواعد القانون الواجب احترامها وعدم مخالفتها بحيث تشمل جميع مصادر مبدأ المشروعية نفسه وهكذا تقتضي عدم المشروعية التي تلحق محل القرار عدم المساس أو مخالفة مبدأ تدرج القواعد القانونية في الدولة فيجب أن يكون الأثر القانوني الذي أحدثه القرار غير مخالف لقاعدة أعلى وبذا يتم تقدير مشروعية محل القرار الإداري بالمقارنة مع مبدأ تدرج القواعد القانونية (22) .
و استثناءً مما تقدم انفرد الأستاذ ( Eisenmann ) برأي مؤداه أن عيب مخالفة القانون (( violation de la loi )) يقتصر فقط على حالة مخالفة الإدارة للقواعد المنصوص عليها في القانون الذي يصدره البرلمان . ويقوم هذا الرأي على أن الحصانة التي تتمتع بها القوانين في مواجهة الإدارة يجب أن تؤدي إلى التضييق من مبدأ المشروعية بحيث يقتصر على القانون بمعناه الشكلي نظراً لأنه يخرج عن سلطة الإدارة, بينما تدخل القرارات الإدارية – بما في ذلك القرارات اللائحة – في نطاق النشاط الإداري . وإذا كان مبدأ المشروعية يقتضي التزام الإدارة بأن تخضع لجميع القواعد القانونية , بما في ذلك القواعد الإدارية , فأن ذلك يرجع إلى أن الإدارة تخضع بطريقة غير مباشرة للقانون أي القواعد التشريعية و يخلص الأستاذ ( Eisenmann ) إلى انه يجب التفرقة بين مبدأ المشروعية وبين قائمة مصادر القانون الإداري (23) . ومهما يُعتقد من سلامة هذا الرأي , فأن المسلم به الآن فقهاً و قضاءً أن فكرة مخالفة القانون لاتقتصر على القانون بالمعنى الشكلي و إنما تشمل مخالفة أية قاعدة قانونية ناشئة عن مركز قانوني قائم من قبل , أياً كانت طبيعة هذا المركز(24) فالعبرة في تقدير الالتزام بالقاعدة القانونية تكون بمضمون القاعدة وليس بشكلها (25) وفي ذلك تقول المحكمة الإدارية العليا في مصر في حكم لها ( ... ذلك أن عيب مخالفة القانون ليس مقصوراً على مخالفة نص في قانون أو لائحة , بل هو يصدق على مخالفة كل قاعدة جرت عليها الإدارة واتخذتها شرعةً لها ومنهاجاً ) (26) .وأيضاً قد تصدت هذه المحكمــة لتعريف مدلول القانون في حكمها الصادر بتاريخ 14 أبريل سنة 1948 (( أن مدلول مخالفة القوانين و اللوائح يشمل كل مخالفة للقاعدة القانونية بمعناها الواسع )) (27). . ومن المعلوم أن القواعد القانونية التي تشكل مصدراً لمشروعية القرار ليست متساوية في قيمتها القانونية وإنما تتدرج فيما بينها من حيث قوتها القانونية فضلاً عن أنها لا تظهر بشكل واحد , فمنها ما يظهر بشكل قواعد مكتوبة في وثيقة رسمية صادرة من سلطة مختصة ومنها ما يظهر بشكل قواعد غير مكتوبة , إلا أن هذا الاختلاف في القيمة القانونية وفي الشكل الذي تظهر فيه لا يؤثر شيئاً على وجوب عدم مخالفة القرار لها طالما كانت نافذة , ومن ثم ليس للإدارة إلا الخضوع لأحكامها الموضوعية , وإذا ما أصدرت قراراً خالفت فيه من حيث الموضوع مضامين تلك القواعد يكون ذلك القرار غير مشروع مشوباً بعيب مخالفة القانون . هذا و لا يسعنا إلا أن نقول انه لم يعد هذا العيب مقصوراً على القانون باعتباره قاعدة عامة ومجردة وانه اتسع مدلوله بحيث أصبح شاملاً المراكز القانونية التي تترتب عليها آثار قانونية فكل تنكر لقاعدة عامة ومجردة أياً كان مصدرها و كل مساس بمركز قانوني مشروع يُعد مخالفة للقانون (28) . ولكي نقف على المظاهر المختلفة لعيب مخالفة القانون , فمن الأفضل دراسة الأنواع المختلفة لقاعدة القانون , محاولين أن تكون القواعد القانونية التي سندرسها جامعة لكل مظاهر عيب مخالفة القانون . وعليه سنبحث في المطلب الأول القواعد القانونية المكتوبة و في المطلب الثاني القواعد القانونية غير المكتوبة وفي المطلب الثالث سنبحث في مصادر أخرى للقاعدة القانونية .
المطلب الأول
مصادر القاعدة القانونية المكتوبة
يقصد بالقواعد القانونية المكتوبة تلك القواعد التي تتضمنها وثيقة رسمية صادرة من السلطة المختصة في الدولة و ينبغي أن تتوافق قرارات الإدارة مع نصوص القواعد القانونية المكتوبة , سواءً تمثل مصدرها في دستور أو قانون عادي أو قرارات تنظيمية .
أولاً :- الــدستـــــور
الدستور يوجد على قمة النظام القانوني في الدولة و تعتبر قواعده أعلى القواعد القانونية و اسماها داخل الدولة , والبعض يسمي الدستور (( قانون القوانين )) (29) و الدستور من الناحية الشكلية هو الوثيقة القانونية الأساسية التي تبين شكل الحكم ونظام السلطات وحدود اختصاصها . وبعبارة أخرى هو تلك الوثيقة التي تبين نظام الحكم في الدولة (30) . أما من الناحية الموضوعية فان القانون الدستوري هو مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبين سلطاتها العامة وعلاقاتها ببعضها وعلاقة الأفراد بهـا كما تقرر حقوق الأفراد وحرياتهم المختلفة وضمانات هذه الحقوق وتلك الحريات (31)
و القواعد الدستورية تعلو على كل القواعد القانونية النافذة في الدولة وهي تستمد هذه العلوية من السمو المادي و السمو الشكلي . والسمو المادي يعني أن القواعد الدستورية في الدولة هي الأساس للنشاط القانوني فيها على اعتبار أنها تحدد السلطات العامة وتوزع الاختصاصات فيما بينها وهذا من شأنه أن يدعم مبدأ المشروعية لصالح المواطنين لأنه إذا كان كل عمل تقوم به الإدارة بالمخالفة لأحكام القانون يُعتبر باطلاً فمن باب أولى اعتباره هكذا إذا خالف أحكام الدستور(32) .أما السمو الشكلي فانه يتمثل بالإجراءات و الأساليب التي تُتبع في تعديل الدساتير ومن هنا برزت التفرقة بين الدساتير الجامدة و المرنة (33)
ويتوجب على السلطات العامة ومنها السلطة الإدارية التزام حدود وأهداف الأحكام الدستورية بوصفها( قواعد القانون الأعلى واجبة الإتباع في مواجهة الكافة حكاماً و محكومين على السواء ) ومنه تستمد السلطات العامة سندها الشرعي في الحكم وتحدد بالتالي مجالات السلطة و الحرية معاً (34). ونظراً لما للنصوص الدستورية من أهمية بالغة لتأثيرها المباشر على مصالح المجتمع يكون من المتعين على الإدارة احترام أحكامها فيما تصدره من قرارات إدارية المفترض فيها أنها صدرت لتحقيق المصلحة العامة وهي ذات المصلحة التي يهدف الدستور إلى تحقيقها وترتيباً على ذلك فأن أي قرار إداري ينتهك أحكام نص دستوري بشكل مباشر أو غير مباشر فأن هذا يؤدي فوراً ومباشرةً إلى بطلان هذا القرار.
والواقع يؤكد أن النصوص الدستورية التي تتعرض للإهدار بقرارات الإدارة أكثر من سواها هي النصوص المتعلقة بالحقوق و الحريات العامة (35). وقد اخذ العراق بنظام الدولة الدستورية (36)(بما تعنيه من ضرورة الخضوع لأحكام الدستور القائم بمثابة الأساس الضروري لقاعدة المشروعية ولمبدأ خضوع الدولة للقانون) (37) وعليه يجب على السلطة الإدارية في العراق الخضوع لأحكام الدستور النافذ فليس لها أن تصدر قراراً تخالف فيه الأحكام الموضوعية للتشريعات الدستورية النافذة باعتبارها الأساس الشرعي لتلك التصرفات.
وبعض الدساتير تنص صراحة على التزام السلطة التنفيذية والإدارية في الدولة بأحكام الدستور مثال ذلك في نصوص الدستور العراقي نص المادة (57) / الفقرة أ / من دستور (1970) المُلغى والتي كانت تنص على انه ( رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة يتولى ممارسة السلطة التنفيذية مباشرة أو بمساعدة نوابه ووزرائه وفق أحكام الدستور) ومرادف لهذا المعنى نص المادة (66 ) من دستور (2005 ) النافذ حيث تنص (تتكون السلطة التنفيذية الاتحادية من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء تمارس صلاحياتها وفقاً للدستور و القانون ) .
وفي مصر قضى مجلس الدولة بإلغاء القرار الصادر بإبعاد مواطن مصري لمخالفته المادة (7) من دستور (38)1923
والدستور الأردني نص على أن العمل حق لجميع المواطنين وعلى الدولة أن توفره للأردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به (39) .وتطبيقاً لهذا المبدأ قررت محكمة العدل العليا في الأردن انه إذا صدر قرار إداري يحرم الأردني من حقه في مزاولة العمل كان القرار باطلاً لمخالفته لأحكام الدستور (40).
وبعد أن كفل المشرع العراقي في دستور 2005 النافذ الحقوق والحريات في المواد من (14) إلى (45) نص في المادة (46) على انه ( لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً عليه, على أن لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية )
ومعنى التزام الإدارة بنصوص الدستور أن ليس للسلطة الإدارية مخالفة فحوى النص الدستوري كما ليس لها أن تمتنع عن التدخل لإعمال هذا النص عندما يُطلب منها ذلك لأن الالتزام السلبي كالالتزام الايجابي في تطبيق مبدأ المشروعية (41) .
وختاماً فأن تطبيق مواد الدستور كتشريع وضعي ليس محل خلاف بين الفقه والقضاء فمما لاشك فيه أن وجود الدستور في الدولة يعني تقيد جميع السلطات في الدولة بأحكامه القانونية, ذلك لأن الدستور وهو القانون الأساسي في الدولة ليس إلا مقرراً لهذه السلطات ومُنظمــاً لاختصاصاتها وسُلطاتها العامة وفيما يتعلق بالسلطة الإدارية بالذات ليس لها أن تصدر قراراً أدارياً تخــالف فيه جوهــر الأحكــــام الدستورية وان فعلت ذلك يُعتبر القرار غير قانوني وبالتالي يُعتبر ممارسة لسلطة فعلية أو لإجراءات قهرٍ مادية لا أساس قانوني لها (42)
ولا تلتزم الإدارة بنصوص الدستور فقط وإنما أيضاً بوثيقة إعلانه فهي من مصادر المشروعية و الدستورية على حدٍ سواء وتشكل مع نصوص الدستور كُلاً غير قابل للانقسام (43) فإلى جانب الوثيقة الدستورية توجد إعلانات حقوق الإنسان أو مقدمات للدستور قد تكون في ديباجة الدستور أو جزء منه فاعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لسنة 1789 تّصدر دستور فرنسا لسنة 1791 وفي قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية جاء الباب الثاني منه تحت عنوان الحقوق الأساسية .
إن إعلانات الحقوق تتضمن ثلاثة أنواع من القواعد .
الأولى/ مبادئ وإعلانات أساسية تبين أسس النظام السياسي والاجتماعي في الدولة
الثانية/ قواعد تتعلق بمضمون ممارسة السلطة وهي موجهة إلى الحكام
الثالثة/ قواعد موجهة إلى المحكومين (44)
وقد ثار الخلاف بين الفقهاء حول القيمة القانونية لإعلانات الحقوق ومقدمات الدساتير فرأي يعطيها قيمة أعلى من قيمة النصوص الدستورية وآخر يعطيها نفس قيمة النصوص الدستورية وثالث يميز في هذه النصوص بين التي تأتي محددة وبطبيعة قاعدة قانونية قابلة للتطبيق فهي مُلزمة وأخرى تحتوي على توجيهات فلسفية وأهداف وبرامج عمل يُراد تحقيقها فهي غير مُلزمة . في حين هناك رأي ينزع عنها أية قيمة قانونيــة
ويرى أن لها قيمة أدبيـــــة حسب أما الرأي الراجح فأنه يعطي إعلانات الحقوق قوة القواعد القانونية العادية (45).
إما في مصر فأنه قد صدر ميثاق العمل الوطني عام 1962 ليمثل إرادة الشعب وقد أُعتبر القانون الأسمى للدولة فهو أساس وضع الدستور و القوانين (46).
أما على صعيد القضاء فأن موقف مجلس الدولة الفرنسي كان متبايناً ففي مبدأ الأمر لم يعتبر المجلس إعلانات الحقوق إلا مبادئ عرفية أو مبادئ قانونية عامة وذلك في حكم له صدر عام 1950 عندما أثيرت مشكلة تحديد القيمة القانونية للنص الوارد في ديباجة دستور 1946 بخصوص حق الإضراب إذ قرر المجلس بأن النص الوارد في الدستور المذكور والذي قضى بأن ( الإضراب حق يُمارس في حدود القوانين التي تنظمه) يسمح للحكومة بالتدخل ووضع القيود على الحق المذكور بما يحقق الصالح العام إلا أن المجلس وفي قرارات احدث اعتبر إعلانات الحقوق مصدراً لقواعد قانونية مكتوبة لها قوة الإلزام فلا تستطيع الإدارة مخالفتها .
بقي أن نقول أن سمو الدستور يغدو كلمة جوفاء إذا استطاعت أي من سلطات الدولة اختراقه بدون جزاء ومن هنا انبثقت مشكلة الرقابة على دستورية القوانين فبعض الدول لا تأخذ بالرقابة المذكورة والبعض الأخر يأخذ بها وهو إما يُنيطها بالسلطة القضائية أو بسلطة سياسية. وعلى أية حال فأن قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 الملغى جاء قاضياً في المادة (44) منه بتشكيل محكمة اتحادية عليا بقانون وأعطاها سلطة إلغاء القانون أو النظام أو التعليمات أو الإجراء المخالف لأحكامه (47)
وأيضاً فقد أخذ المشرع العراقي في دستور 2005 النافذ بفكرة الرقابة على دستورية القوانين وأناط هذه الرقابة بالمحكمة الاتحادية العليا حيث نص في المادة (93) من الدستور أعلاه على أن (( تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي : أولاً :- الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة ))
ثانياً :- التشريعات العــادية
كان لنتيجة الأخذ بمبدأ فصل السلطات بما يفيده من تقسيم الأعمال والوظائف بين السلطات في الدولة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) أن تم تحديد مهمة إحدى هذه السلطات بوضع التشريعات العادية (القانون في معناه الشكلي) وكان ذلك من نصيب السلطة التشريعية تطبيقاً لفكرة السيادة الشعبية (48)
ويقصد بالتشريع ما تسنه السلطة التشريعية من قوانين سواء تمثلت هذه السلطة بالبرلمان أو الحكومة أثناء غيابه- بناءً على تفويض صريح – من قواعد قانونية عامة ومجردة يسري حكمها على الكافة تحقيقاً لمبدأ المشروعية (49).والتشريعات العادية هي المصدر الثاني والغزير للمشروعية حيث تأتي بعد الدستور في المرتبة من حيث التزام الإدارة بها عند أداء نشاطها (50)
والإدارة تخضع لأحكام القانون لاعتبارين :-
الأول / إن السلطة التشريعية تضع القواعد القانونية لتنظيم العلاقات الاجتماعية ثم تأتي السلطة التنفيذية لتطبقها أو تنفذها عن طريق ما تصدره من قرارات إدارية وليس مـن ريب أن من يقوم بوظيفة التنفيذ ليس له أن يخالف القواعد التي يقوم بتنفيذها.
أما الاعتبار الثاني / فأنه يتمثل بأن القانون يصدر عن الشعب أو ممثليه وإرادته يجب أن تسود ولهذا كان حرياً بالسلطة التنفيذية أن تحترم القانون فيما تقوم به من أعمال (51)
إلا انه يجب ملاحظة أن الإدارة لا تخضع لكل القواعد القانونية النافذة في الدولة بل تخضع للقواعد التي تخاطبها أو التي يكون مضمونها متفقًا وطبيعة الوظيفة الإدارية وما يترشح عنها من علاقات. فالإدارة مثلاً تحتاج في بعض الأحيان إلى تمُّلك بعض الأموال التي تعود ملكيتها لأفراد معينين فباستطاعة الإدارة أن تلجأ للحصول عليها عن طريق شرائها منهم فتكون العلاقة خاضعة لأحكام القانون المدني ولكن الإدارة قد تفضل استخدام أساليب السلطة العامة فتلجأ إلى طريق الاستملاك وبالتالي يتم تطبيق قانون الاستملاك (52) .
والقضاء مستقر على أن مناط استجلاء مشروعية القرار الإداري هو القوانين القائمة وقت صدوره مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف التي لابسته ومدى تحقيقه للصالح العام دون ما يصدر من قوانين لاحقة أو ما يستجد من ظروف من شأنها زوال السند القانوني للقرار أو تعديل المركز القانوني الذي أنشأهُ (53).
ومن المشاكل التي تثور من الناحية العملية وتعرض على القضاء هي مدى صلاحية التصحيحات التي ترد على نصوص القوانين الأصلية وتنشر في الجريدة الرسمية بعد نشر النص الأصلي بعد مرور فترة زمنية ؟
يميل القضاء إلى الاعتراف بهذا التصحيح في حالتين :-
الأولى :- عندما يكون موضوع التصحيح خطأً مادياً في النشر.
الثانية :- عندما يهدف التصحيح إلى اعتماد النص الأصلي وهو في حالة القانون النص الذي يصدره رئيس الجمهورية (54).
وأيضاً فأن هناك مسألة غاية في الأهمية وهي هل تعد مخالفة القرار الإداري لقانون أجنبي مخالفة للقانون توصم القرار بعدم مشروعية محله وتنحدر به إلى الإلغاء ؟
أن من القواعد البديهية أن القانون يطبق تطبيقاً إقليميا , لأنه مظهر من مظاهر سيادة الدولة , ولذلك فأن الدولة لا تسمح بنفاذ قانون أجنبي فوق إقليمها (55) .وان من شروط دعوى الإلغاء أن يكون موضوعها قراراً أدارياً صادراً عن سلطة وطنية في ممارسة نشاط يتم وفقاً للقانون الوطني (56) . ولهذا لا تعتبر مخالفة القانون الأجنبي عيباً يشوب محل القرار الإداري ويبرر طلب إلغائه (57) ونحن نؤيد هذا الاتجاه لواقعيته وانسجامه مع المنطق القانوني السليم , ولكننا نستثني من ذلك حالة نص القانون على خلاف ذلك, فعند ذلك يُتبع هذا النص.
وخلاصة القول : أن التشريعات العادية تأتي بعد التشريعات الدستورية من حيث قيمتها القانونية مما يقتضي على السلطة الإدارية أن تلتزم في قراراتها أحكام تلك التشريعات طالما كانت نافذة ويستتبع ذلك انه لا يجوز إلغاؤها أو تعديلها إلا بتشريع عادي
أو دستوري . وطالما ليس للقرارات الإدارية – الفردية والتنظيمية – تلك القوة فليس لها أن تتضمن أثاراً قانونية مخالفة لما تحتويه التشريعات العادية .
ثالثاً :- المعــــــاهدات
تُعتبر المعاهدات مصدراً من مصادر المشروعية في الدولة وذلك بعد إقرارها والتصديق عليها من قبل السلطة المختصة في الدولة وفقاً للإجراءات القانونية . إذ إنهـا تصبح بهذا التصديق جزءاً من القانون الداخلي للدولة ومن ثم يلتزم الأفراد والسلطات العامة باحترامها والنزول على حكمها (58). و لكن القيمة القانونية للمعاهدات تختلف من دولة إلى أخرى.
ففي فرنسا تنص المادة(26) من الدستور الفرنسي لسنة 1958 على أن( المعاهدات الدبلوماسية المصادقة عليها بصورة قانونية والمنشورة, لها قوة القانون حتى في الحالات التي تكون متعارضة مع القوانين الداخلية الفرنسية, بدون حاجة لضمان تطبيقها إلى نصوص تشريعية أخرى إلا ما كانت ضرورية لضمان تصديقها) (59)
وللمعاهدة في فرنسا قيمة أعلى من القوانين وأدنى من الدستور بشرط أن تطبق من قبل الطرف الأخر (60).
وفي الولايات المتحدة الأمريكية فأن الوضع بالنسبة لقيمة المعاهدات هو الوضع ذاته في فرنسا (61) وفي انكلترا لا تأخذ محاكم القانون علماً بالمعاهدة إلا بعد تصديق البرلمان عليها (62) . وبالرغم من أن السلطة التنفيذية غير مقيدة من حيث الدخول في التزامات مع المجتمعات الأخرى عن طريق المعاهدات التي تعقدها معها, إلا أن هذه الالتزامات تحتاج إلى صدور تشريع برلماني داخلي يضعها موضع التنفيذ حتى تصبح مقبولة لدى المحاكم في المملكة المتحدة. فنصوص المعاهدات ذاتها لا تعتبر مصدراً لحقوق أو التزامات قانونية قابلة للنفاذ داخل المملكة المتحدة وإنما المصدر لذلك هو التشريع البرلماني . كما أن التاج البريطاني عند عقده أي معاهدة لا يعتبر وكيلاً لأي من رعاياه في غيـــاب نص صريح يقضي بذلك (63).
غير أن السلطة التشريعية في انكلترا غير مقيدة بالمعاهدات وبالتالي يجوز إصدار قانون مخالف للمعاهدة الدولية (64).
أما في مصر فأن للمعاهدات بعد استيفائها للأوضاع الدستورية المقررة قيمة القانون (65).ونادراً ما يطبق القضاء الإداري في مصر المعاهدات باعتبارها مصدراً للمشروعية. ويمكن أن نشير إلى حكم مهم لمحكمة القضاء الإداري المصرية قضت فيه بعدم مشروعية قرار وزارة الثقافة بتركيب هرم ذهبي فوق قمة الأهرام نظراً لأن((تركيب أجزاء من أية مادة كانت تتضمن تغييراً ولو مؤقتاً للأثر التاريخي هو مخالفة واضحة لالتزامات مصر الدولية الناشئة عن اتفاقية حماية التـــراث الإنساني العالمي , حتى ولو في الفرض الجدي , بأنه ليس من شأن ذلك المساس بكيان الأثر)) وتقرر المحكمة صراحةً أن هذه المعاهدة أصبحت بعد التصديق عليها ونشرها جزءاً لا يتجزأ من التشريع الوطني ومصدراً من مصادر المشروعية التي يتعين على الجهة الإدارية الالتزام بأحكامها والنزول على مقتضياتها (66). وفي العراق و الأردن فأن للمعاهدات قيمة القوانين العادية رغم عدم ورود نص على ذلك (67) .
إلا أن اعتبار المعاهدة مصدراً من مصادر المشروعية يثير بعض الصعوبات العملية ففي فرنسا أذا وجد القاضي الإداري أن في المعاهدة غموضاً فانه يحيل الأمر إلى وزارة الخارجية لغرض تقديم التفسير القانوني للمعاهدة. وعادة ما يكون هذا التفسير من اختصاص لجان مشتركة تمثل الدول المرتبطة بالمعاهدة. كما انه من المعلوم أن المعاهدة تهتم بالعلاقات الدولية وهذه قد يستولي عليها وصف أعمال السيادة وبالتالي تكون بنجوى من الرقابة القضائية ولذلك جاء الدستور الفرنسي متحسباً لهذه الصعوبات فأعطى الحق لرئيس الجمهورية والوزير الأول ورئيسي مجلس البرلمان في حالة خروج المعاهدة على الدستور عرض الأمر على المجلــس الدستوري فإذا اقتنع الأخير بان المعاهدة تتضمن شرطاً مخالفاً للدستور فلا يعطي الإذن بالتصديق إلا بعد تعديل الدستور (68)
رابعاً :- اللوائـــــح
تشارك السلطة الإدارية في الدولة السلطة التشريعية في عملية التشريع إضافة إلى وظيفتها الأصلية المتمثلة بتنفيذ التشريعات القائمة وإدارة وتنظيم المرافق العـــامة في الدولة (69) في صورة ما يسمى اصطلاحاً باللوائح الإدارية التي تعني : ( كل تصرف تنظيمي صادر من السلطة التنفيذية عند ممارستها للنشاط الإداري (70) ) وأصبحت هذه التشريعات الفرعية تشكل جزءاً مهماً في مجموعة القواعد القانونية المكونة للنظام القانوني في الدولة واحتلت المرتبة الثالثة بعد التشريعات الدستورية و العادية في تسلسل مصادر المشروعية وعليه يتحتم على كافة الهيئات في الدولة متابعة أحكامها في التطبيق على الحالات التي تنظمها (71) والقواعد الواردة في اللوائح هي قواعد عامة موضوعية تسري على جميع الأفراد الذين تنطبق عليهم الشروط التي وردت في اللائحة (72) ولقد قيل بأن القرارات التنظيمية أعمال قانونية مُّشرعة استناداً إلى المعيار الموضوعي الذي يعتمد طبيعة العمل القانوني للتمييز بين الأعمال القانونية الصادرة من سلطات الدولة المختلفة إلا أن ذلك لا يعني أن التشريعات الفرعية بمرتبة التشريعـــات العادية لأن الأخيرة أقوى من الأولى لصدورها من السلطة المختصة بالتشريع- وفق أحكام الدستور- ولأنها أكثر شمولاً وتجريداً من اللوائح الإدارية (73) هذا وان بالاستناد إلى المعيــار الموضوعي - الذي نعتمده في دراستنا – تعتبر اللوائح قرارات إدارية لصدورها من السلطة الإدارية وبما أنها تتضمن قواعد قانونية عامة فقد سميت بالقرارات الإدارية التنظيمية تمييزاً لها عن القرارات الإدارية الفردية التي تتضمن مركزاً قانونياً فردياً (74).
واللوائح الإدارية أنواع مختلفة منها اللوائح التنفيذية وهي ما يصدر عن الإدارة من قواعد تنظيمية تكون مرتبطة بالقانون وغايتها تكون تنفيذ أحكامه. و اللوائح التنظيمية والتي تكون مستقلة عن القانون كما في لوائح الضبط واللوائح المنظمة للمرافق العامة . واللوائح التفويضية ولوائح الضرورة. ومهما تنوعت اللوائح الإدارية فأنها تعتبر مصدراً لمشروعية القرار الإداري الفردي والإدارة ملزمة بالخضوع لأحكامها فيما تصدره من قرارات وبعكسه يعتبر القرار غير مشروع مشوباً بعيب مخالفة القانون في محله مستحقاً الإلغاء وطلب التعويض عن الأضرار التي سببها للغير (75) .
والتدرج لا يكون بين الدستور والقوانين واللوائح فحسب, بل يجب أن يُراعى بين اللوائح المختلفة بحيث تكون اللائحة الصادرة من السلطة الدنيا في حدود اللائحة الصادرة من السلطة العليا. وتحرص المحكمة الإدارية العليا في مصر على ترديد هذه القاعدة ففي حكم لها صادر في10/11/1956 تعلن انه (من المسلمات في فقه القانون انه إذا صدرت قاعدة تنظيمية عامة بأداة من درجة معينة فلا يجوز إلغاؤها أو تعديلها إلا بأداة من ذات الدرجة أو من درجة أعلى) (76) .
ويجب على الإدارة احترام القرارات اللائحية بمناسبة تطبيقها على الحالات الخاصة غير أن مخالفة اللوائح لا تعتبر في جميع الأحوال مخالفـة للمشروعية . ويرجع ذلك إلى أن اللائحة يجب أن تكون مشروعة, لأن رفض تطبيق لائحة غير مشروعة يكون مشروعاً (77) . والقاعدة أن اللائحة تنفذ بمجرد صدورها ممن يملكها بعكس القوانين التي يُشترط نشرها لنفاذها (78) وبالنسبة لما يتعلق ببدء تطبيق أحكام القرارات التنظيمية , فالقاعدة العامة هي أن هذه القرارات تطبق بأثر حال مباشرةً ولا تسري على الماضي ولا يكون لها اثر رجعي, غير إن هنالك بعض الاستثناءات على هذه القاعدة العامة تنحصر فيما يأتي :-
3- أن يكون القرار التنظيمي صادراً تنفيذاً لحكم قضائي بإلغاء قرار أو قرارات إدارية وقعت مخالفة للقانون , لما يترتب على الإلغاء من اثر في الحوادث السابقة (79)
المطلب الثاني
مصادر القاعدة القانونية غير المكتوبة
إذا كانت الإدارة ملزمة على نحو ما رأينا باحترام القواعد القانونية المكتوبة , فيما تصدره من قرارات إدارية فأنها ملزمة أيضاً وبنفس الدرجة باحترام القواعد القانونية غير المكتوبة , لأن النظام القانوني في الدولة لا يقتصر على القواعد القانونية المكتوبة فقط وإنما يتضمن إلى جانب ذلك قواعد قانونية غير مكتوبة يتحتم على القرار موافقته لها موضوعياً حتى يتصف بالمشروعية وبعكسه يظهر القرار الإداري معيباً بعيب مخالفة القانون .
ومن أهم القواعد القانونية غير المكتوبة : العرف و المبادئ العامة للقانون
أولاً :- العــــــــرف
يُعتبر مصدراً للمشروعية ويأتي بمرتبة ثانية بعد التشريع وهو إما أن يكون دستورياً أو قانونياً أو إدارياً والذي يعنينا من أنواع العرف في مجال دراستنا هو العرف الإداري وهو ما جرت السلطة الإدارية على إتباعه من قواعد في مباشرة وظيفتها بصدد حالة معينة بالذات دون أن يكون لهذه القواعد سند من النصوص التشريعية. وينشأ العرف الإداري من استمرار الإدارة على الالتزام بهذه الأوضاع و السير على سنتها في ممارسة نشاطها بحيث تصبح هذه الأوضاع بمثابة القاعدة القانونية واجبة الإتباع (80)
وبناءً على ذلك تعتبر هذه القاعدة عُرفاً مُلزماً لجهة الإدارة وتعتبر مخالفتها مخالفة لمبدأ المشروعية تؤدي إلى الحكم ببطلان القرار الإداري الذي خالف العرف (81) ومن أحكام مجلس الدولة المصري في هذا الصدد حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 24/6/1953 والذي جاء فيه (( انه وان كان العرف الإداري هو بمنزلة القاعدة القانونية بحيث تعتبر مخالفة هذا العرف مخالفة للقانون إلا انه يجب أن يكون العرف الإداري ثابتاً ومستقراً كأن تكون الإدارة قد سارت على سنن معينة باطراد المدة الكافية والتزمت به دائماً وطبقته في جميع الحالات الفردية ويجب من ناحية ثانية ألا يخالف العرف قاعدة مكتوبة )) (82) .
ولكي ينشأ العرف الإداري يجب أن يقوم على عنصرين عنصر مادي وعنصر نفسي أو معنوي :
ويعني العنصر المادي تكراراً مستديماً لسلوك معين عام وثابت ومنتظم – سلبياً كان أم ايجابياً- في خلال فترة زمنية طويلة نسبياً . فالسلوك المتباعد غير المستقر و المتقطع أو المنفرد لا ينهض دليلاً على قيام العرف (83) .
أما العنصر المعنوي فيتمثل في شعور أطراف العلاقة القانونية التي تحكمها القاعدة العرفية بأن هذه القاعدة ملزمة لهم أي هو وجود اعتقاد أو أيمان بالصفة الملزمة لذلك السلوك ونزوله في ضمير الجماعة – الأفراد والسلطات- منزلة القاعدة القانونية الملزمة بحيث يعتبر الخروج عليها ومخالفتها إهداراً لمبدأ المشروعية , يستحق الجزاء الذي يترتب على مخالفة قاعدة قانونية ملزمة (84) .
ويشترط لاعتبار العرف مصدراً من مصادر المشروعية ملزماً للإدارة أن يتوفر شرطان
الشرط الأول :- أن يكون العرف عاماً وان تطبقه الإدارة بصفة دائمة وبصورة منتظمة, فإذا اُغفل هذا الشرط فلا يرتفع العمل الذي جرت على مقتضاه الإدارة إلى مستوى العرف الملزم لها (85) .
والشرط الثاني :- ألا يكون العرف قد نشأ مخالفاً لنص قائم (86)
وعلى ذلك فأن اطراد العمل على مخالفة القانون لا يسبغ الشرعية على هذه المخالفة بل يظل رغم ذلك انحرافاً يجب تقويمه. كما أن من المُســـلم به أن العرف لا يجوز أن يخالف نصاً آمراً. والنصوص الإدارية جميعها قواعد آمرة لا يستساغ أن ينشأ عرف على خلافها (87) .وبالمثل فأن العرف لا يعتد به أذا كان ناشئاً عن خطأ في فهم القانون (88).