أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1615
التاريخ: 11-08-2015
1646
التاريخ: 1-07-2015
1653
التاريخ: 1-07-2015
1523
|
قال الشيخ في كتاب المبدأ والمعاد : « لمّا كان علم الأوّل بنظام الخير في الوجود علما لا نقص فيه ، وكان ذلك العلم سببا لوجود ما هو علم به ، حصل الكلّ في غاية الإتقان ، لا يمكن أن يكون الخير فيه إلاّ ما هو عليه ، ولا شيء ممّا يمكن أن يكون له إلاّ وقد كان له ، فكلّ شيء من الكلّ على جوهره الذي ينبغي له ، فإن كان فاعلا فعلى فعله الذي ينبغي، وإن كان مكانيّا فعلى مكانه الذي ينبغي ، وإذا كان الخير فيه هو أن يكون منفعلا قابلا للأضداد ، فقوّته مقسومة بين الضدّين على البدل ، وإذا كان أحدهما بالفعل فهو الآخر بالقوّة ، والذي بالقوّة حقّ أن يصير بالفعل مرّة ، ولكلّ ذلك أسباب معدّة. وما عرض له من ذلك أن يزول عن كماله بالقسر فإنّ فيه قوّة تردّه إلى الكمال ، وجعلت الأسطقسّات قابلة للقسر حتّى يمكن فيها المزاج ، ويمكن بقاء الكائنات منها بالنوع ؛ فإنّ ما أمكن بقاؤه بالعدد أعطي السبب المستبقي له على ذلك ، وكانت القسمة العقليّة توجب باقيات بالعدد وباقيات بالنوع ، فوفّى الكلّ وجوده ، ورتّبت الأسطقسّات مراتبها ، فأسكن النار منها أعلى المواضع وفي مجاورة الفلك ، ولو لا ذلك لكان مكانها في موضع آخر ، وعند الفلك مكان جرم آخر يلزمه السخونة ؛ لشدّة الحركة ، فيتضاعف الحارّ بالفعل وبغليان سائر الأسطقسّات ، فيزول العدل.
ولمّا كان
يجب أن يغلب في الكائنات ـ التي تبقى بالنوع ـ الجوهر اليابس والصلب ، ومكان كلّ
كائن حيث يكون الغالب عليه ، وجب أن يكون الأرض أكثر بالكمّ في الحيوان والنبات ،
ومع ذلك فقد كان يجب أن يكون مكانها أبعد من الحركات السماويّة ؛ فإنّ تلك الحركة
إذا بلغت بتأثير الأجساد غيّرتها وأفسدتها ، فوضعت الأرض في أبعد المواضع عن الفلك
، وذلك هو الوسط ، وإذا كان الماء يتلو الأرض في هذا المعنى وكان مكانا أيضا لكثير
من الكائنات وكان مشارك الأرض في الصورة الباردة ، جعل الماء يتلو الأرض ، ثمّ
الهواء بهذا السبب ، ولأنّه يشارك النار في الطبيعة.
ولمّا
كانت الكواكب أكثر تأثيرها بوساطة الشعاع النافذ عنها وخصوصا الشمس والقمر وكانت
هي المدبّرة لما في هذا العالم ، جعل ما فوق الأرض من الأسطقسّات مشفّا لينفذ فيها
الشعاع ، وجعلت الأرض ملوّنة بالغبرة ليثبت عليها الشعاع ولم يحط بها الماء
فيستقرّ عليها الكائنات.
والسبب
الطبيعيّ في ذلك يبس الأرض وحفظها للشكل الغريب إذا استحال منه أو إليه ، فلا يبقى
مستديرا بل مضرّسا ، ويميل الماء إلى الغور من أجزائه ، والأجرام السماويّة لم
تخلق بجميع أجزائها مضيئة ، وإلاّ لتشابه فعلها في الأمكنة والأزمنة ، ولا بجميع
أجزائها كثيفة ، وإلاّ لما نفذ عنها الشعاع ، بل خلق فيها كواكب ، ثمّ لم يجعل
الكواكب ساكنة ، وإلاّ أفرط فعلها في موضع بعينه ، ففسد ذلك الموضع ولم يؤثّر في
موضع آخر ، ففسد ذلك أيضا ، بل جعلت متحركة لينتقل التأثير من موضع إلى آخر ، ولا
يبقى في موضع واحد فيفسد.
ولو كانت
الحركة التي ترى لها غير سريعة ، لفعلت من الإفراط والتفريط ما يفعل السكون ، ولو
كانت حركتها الحقيقيّة تلك السريعة بعينها ، للزمت دائرة واحدة وأفرط فعلها هناك
ولم يبلغ سائر النواحي ، بل جعلت هذه الحركة فيها تابعة لحركة مشتملة على الكلّ ،
ولها في نفسها حركة بطيئة تميل بها إلى نواحي العالم جنوبا وشمالا ، ولو لا أنّ
للشمس مثل هذه الحركة لم يكن شتاء ولا صيف ولا فصول ، فخولف بين منطقتي الحركتين ،
وجعلت الأولى سريعة وهذه بطيئة ، فالشمس تميل إلى الجنوب شتاء ليستولي على الأرض
الشماليّة البرد ، وتتحقّق الرطوبات في باطن الأرض وتميل إلى الشمال بعد ذلك صيفا
لتستولي الحرارة على ظاهر الأرض ، وتستعمل الرطوبات في تغذية النبات والحيوان ،
وإذا جفّ باطن الأرض يكون البرد جاء ، والشمس مالت فتارة تحيل الأرض غذاء ، وتارة
تعدّ.
ولمّا كان
القمر يفعل شبيه ما يفعل الشمس من التسخين والتحليل إذا كان متبدّرا قويّ النور ،
جعل مجراه في تبدّره مخالفا لمجرى الشمس ، فالشمس تكون في الشتاء جنوبيّة والبدر
شماليّا لئلاّ يعدم السببان المسخّنان معا.
ولمّا كانت الشمس صيفا على سمت رءوس أهل
المعمورة ، جعل أوجها هناك لئلاّ يجتمع قرب الميل وقرب المسافة معا ، ويشتدّ
التأثير.
ولمّا
كانت شتاء بعيدة عن سمت الرءوس ، جعل سمت حضيضها هناك لئلاّ يجتمع بعد الميل وبعد
المسافة فينقطع التأثير.
ولو كانت
الشمس دون هذا القرب ، أو فوق هذا البعد ، لما استوى تأثيرها الذي يكون عنها الآن.
وكذلك يجب
أن يعتقد في كلّ كوكب وفي كلّ شيء ، ويعلم أنّه بحيث ينبغي أن يكون عليه » (1).
انتهى كلام الشيخ.
وقوله :
وكذلك يجب أن يعتقد ... معناه أنّه لمّا دلّ التدبير ـ التامّ المعلوم لنا في
البعض ـ على علم الفاعل تعالى ، وأنّ هذا التدبير مسبّب عن علم كامل ، دلّ ذلك على
التدبير في سائر أفعاله وإن لم نعلمه ، فليتدبّر.
فظهر أنّ
الاستدلال بهذا الوجه غير مختصّ بالمتكلّمين ، بل هو أحرى بالحكماء ؛ لأنّ وجوه
الإتقان والإحكام من التدابير الكلّيّة والمنافع الجزئيّة إنّما ظهرت بحسن سعيهم
وشدّة اعتنائهم كما لا يخفى على المتدرّب في فهم العلوم الطبيعيّة والرّياضيّة ،
فثبت علمه تعالى بأفعاله ، وأنّها صادرة عنه عالما بمصالحها ومنافعها.
فإن قيل :
دليلكم منقوض بما قد يصدر عن بعض الحيوانات العجم من الأفعال المحكمة المتقنة في
ترتيب مساكنها وتدبير معايشها كما لكثير من الوحوش والطيور ، على ما هو في الكتب
مسطور ، وفيما بين الناس مشهور.
وكفى في
ذلك ما يفعله النحل من البيوت المسدّسات المتساوية بلا مسطرة ولا فرجار ،
واختيارها للمسدّس الذي هو أوسع من المثلّث والمربّع والمخمّس ، ولا يقع بين
المسدّسات فرج كما يقع بين المدوّرات وما سواها من المضلّعات ، وهذا لا يعرفه إلاّ
الحذّاق من أهل الهندسة.
وكذلك
العنكبوت ينسج تلك البيوت ، وتجعل لها سدى ولحمة على تناسب هندسي بلا آلة مع أنّها
ليست من أولي العلم.
قلنا : لا
نسلّم أنّها ليست من أولي العلم مطلقا ؛ لجواز أن يكون فيها قدر ما يهتدي إلى ذلك
بأن يخلقها الله تعالى عالمة بذلك ، أو يلهمها هذا العلم حين ذلك الفعل.
قال الشيخ
في طبيعيّات الشفاء : « من الواجب أن يبحث الباحث ، ويتأمّل أنّ الوهم ـ الذي لم
يصحبه العقل حال توهّمه ـ كيف ينال المعاني التي في المحسوسات عند ما ينال الحسّ
صورتها من غير أن يكون شيء من تلك المعاني يحسّ؟
فنقول :
إنّ ذلك للوهم من وجوه : من ذلك الإلهامات الفائضة على الكلّ من الرحمة الإلهيّة
مثل حال الطفل ساعة يولد في تعلّقه بالثدي ، ومثل حال الطفل إذا أفل وأقيم ، فكاد
يسقط من مبادرته إلى أن يتعلّق ويعتصم بشيء لغريزة جعلها فيه الإلهام الإلهيّ ،
وإذا تعرّض لحدقته بالقذى ، بادر ، فأطبق جفنه قبل فهم ما يعرض له ، وما ينبغي أن
يفعل بحسبه كأنّه غريزة لنفسه لا اختيار معه ، وكذلك للحيوانات إلهامات غريزيّة.
والسبب في
ذلك مناسبات موجودة بين هذه الأنفس ومبادئها هي دائمة لا تنقطع غير المناسبات التي
يتّفق أن تكون مرّة ، وأن لا تكون كاستعمال العقل وكخاطر الصواب ؛ فإنّ الأمور
كلّها من هناك.
وهذه
الإلهامات يقف بها الوهم على المعاني المخالطة للمحسوسات فيما يضرّ وينفع ، فيكون
الذئب يحذره كلّ شاة وإن لم تره قطّ ولا أصابتها منه نكبة ، وتحذر الأسد حيوانات
كثيرة ، وجوارح الطير يحذرها سائر الطير ويشنع عليها الطير الضعاف من غير تجربة ،
فهذا قسم (2). » ثمّ ذكر الأقسام الأخر. وفيما ذكرناه كفاية.
وعند
الإشراقيّين أنّ لكلّ نوع من الجسمانيّات : البسائط والمركّبات عقلا مجرّدا مدبّرا
له ذا عناية به ، معتنيا بشأنه ، حافظا إيّاه ، ويسمّون تلك العقول أرباب الطلسمات
، والطلسم عندهم عبارة عن النوع الجسمانيّ ، فكلّ من تلك العقول ربّ لطلسم أي مربّ
إيّاه يربّي كلّ فرد منه ويوصله إلى كماله ، ويلهمه ويهديه إلى مصالحه (3).
وشيخ
الإشراق يؤوّل ما ذهب إليه أفلاطون ومن سبقه من الفلاسفة كهرمس وفيثاغورس
وأبناذقلس من القول بالمثل إلى ذلك (4).
وبالجملة
، فهذا السؤال ممّا يؤكّد إحكام أفعاله تعالى وإتقانها ، وتحقّق وجه الاستدلال بها
على كمال علمه وتدبيره وعنايته تعالى بالمخلوقات ، كما لا يخفى.
وأمّا
إيراد هذا السؤال على سبيل المنع على الكبرى ، فخارج عن القانون ؛ لادّعاء الضرورة
فيها كما مرّ. وإذا ثبت علمه تعالى بأفعاله ، دلّ على علمه بذاته أيضا ؛ لأنّ كلّ
من علم شيئا فله أن يعلم أنّه يعلمه ، وهذا ضروري ، وكلّ ما هو ممكن في حقّه تعالى
فهو واجب له ؛ لبراءته عن القوّة والإمكان الخاصّ ، فهو يعلم ذاته بالفعل دائما
وهو المطلوب.
قال الشيخ
في الإشارات : إنّك تعلم أنّ كلّ شيء يعقل شيئا فإنّه يعقل بالقوّة القريبة من
الفعل أنّه يعقله ، وذلك عقل منه لذاته ، فكلّ ما يعقل شيئا فله أن يعقل ذاته (5).
واعترض
عليه الإمام بأنّ العقول المفارقة ليس منها شيء بالقوّة ، فهي إنّما تعقل بالفعل ،
فكان الواجب أن يقول : فإنّه يمكن أن يعقله بالإمكان العامّ (6).
وأجاب عنه
المصنّف بأنّ الإمكان العامّ يقع على الإمكانات البعيدة حتّى على دائم العدم من
غير ضرورة ، ولذلك لم يعبّر به الشيخ عن المقصود في هذا الموضع ، وعبّر بالقوّة
القريبة التي هي العقل بالفعل ، وهو الذي يقتضي أن يكون للعاقل أن يلاحظ معقوله
متى شاء.
فالمراد
أنّ كلّ شيء يعقل شيئا فله أن يعقل بالفعل متى شاء أنّ ذاته عاقلة لذلك الشيء ؛
وذلك لأنّ تعقّله لذلك الشيء هو حصول ذلك الشيء ، وتعقّله لكون ذاته عاقلة لذلك هو
حصول ذلك الحصول له ، ولا شكّ أنّ حصول الشيء لشيء لا ينفكّ عن حصول ذلك الحصول له
إذا اعتبر معتبر ، فتعقّل الشيء مشتمل على تعقّل صدور التعقّل من المتعقّل بالقوّة
القريبة ، فالمشتمل على القوّة القريبة هو التعقّل لا المتعقّل. وكون المتعقّل
بحيث يجب أن يكون له بالفعل ما يكون لغيره بالقوّة بسبب يرجع إلى ذاته لا ينافي
ذلك (7).
هذا ،
وللمتكلّمين طريق آخر في إثبات علمه تعالى ، وهو أنّه تعالى فاعل بالقصد والاختيار
... ولا يتصوّر ذلك إلاّ مع العلم بالمقصود.
ويرد عليه
منع استدعاء صدور الفعل الاختياريّ العلم بالمقصود ، مستندا بصدوره عن الحيوانات
العجم مع خلّوها عن العلم.
وادّعاء
الضرورة فيه لا يخلو عن إشكال ؛ لمكان فعل النائم والساهي ، ولا فرق بين القليل
والكثير في ذلك ؛ إذ لو امتنع صدور الكثير بلا علم ، امتنع صدور الواحد ؛ لامتناع
تحقّق المشروط بدون تحقّق الشرط.
فدعوى
المواقف (8) ضرورة الفرق غير مسموعة ، والمفروض أنّه لا دخل للإتقان في هذا الدليل
، فقول شارح المواقف (9) في توجيه كلام المصنّف ـ من أنّها يجوز صدور قليل من
المتقن من قادر غير عالم ، ولا يجوز صدور كثير عنه ـ مبنيّ على الخلط ، كما لا
يخفى.
وقال شارح
المقاصد : إنّ المحقّقين من المتكلّمين على أنّ طريق القدرة والاختيار أوكد وأوثق
من طريقة الإحكام والإتقان ؛ لأنّ عليها سؤالا صعبا ، وهو أنّه لم لا يجوز أن يوجب
البارئ تعالى موجودا تسند إليه تلك الأفعال المتقنة المحكمة ، ويكون له العلم
والقدرة؟
ودفعه
بأنّ إيجاد مثل ذلك الموجود ، وإيجاد العلم والقدرة فيه يكون أيضا فعلا محكما ، بل
أحكم، فيكون فاعله عالما لا يتمّ إلاّ ببيان أنّه قادر مختار ؛ إذ الإيجاب بالذات
من غير قصد لا يدلّ على العلم ، فيرجع طريق الإتقان إلى طريق القدرة ، مع أنّه كاف
في إثبات المطلوب (10).
وفيه نظر.
___________________
(1) « المبدأ والمعاد » لابن سينا : 88 ـ 90.
(2) « الشفاء » الطبيعيات 2 : 162 ـ 163 ، الفصل الثالث من المقالة الرابعة
من الظنّ السادس.
(3) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 143.
(4) نفس المصدر : 154 ـ 164.
(5) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 2 : 382 ـ 383.
(6) نفس المصدر السابق.
(7) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » 2 : 383.
(8) « شرح المواقف » 8 : 67.
(9) نفس المصدر السابق.
(10) « شرح المقاصد » 4 : 112.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|