أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
549
التاريخ: 1-07-2015
631
التاريخ: 11-08-2015
1335
التاريخ: 11-08-2015
622
|
[قال] :( والتوبة ) وهي الندم على المعصية في الحال والعزم على تركها في الاستقبال. والتحقيق : أنّ ذكر العزم إنّما هو للتقرير والبيان لا للتقييد والاحتراز ؛ إذ النادم على المعصية لقبحها لا يخلو عن ذلك العزم البتّة على تقدير الخطور والاقتدار ( واجبة لدفعها الضرر ) الذي هو العقاب أو الخوف منه ودفع الضرر واجب ، فما يدفع به الضرر أيضا يكون واجبا ( ولوجوب الندم على كلّ قبيح أو إخلال بواجب ). هذا عند المعتزلة القائلين بالحسن والقبح العقليّين. وأمّا عند الأشاعرة فوجوبها بالسمع ؛ لقوله تعالى : {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } [التحريم: 8]، {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا } [النور: 31]. ونحو ذلك.
ويندم على القبيح لقبحه وإلاّ
( لانتفت التوبة ) ؛ فإنّ من ندم على المعصية لإضرارها ببدنه أو إخلالها بعرضه أو
ماله أو الغرض آخر لا يكون تائبا ( وخوف النار إن كان الغاية فكذلك ) يعني إن كان
الندم على المعصية لخوف النار لا يكون ذلك توبة كما إذا ندم عليها لإضرارها بالبدن
؛ لما ذكرنا أنّ المعتبر هو الندم لقبح المعصية لا لغرض آخر. ( وكذلك الإخلال
بالواجب) ؛ لأنّ الندم عليه إنّما يكون توبة إذا كان ؛ لأنّه إخلال بالواجب.
وأمّا إذا كان الندم لخوف
المرض أو النقصان بماله أو عرضه أو لخوف النار لم يكن توبة. (فلا تصحّ من البعض ).
أي إذا ثبت أنّ الندم على فعل القبيح أو الإخلال بالواجب إنّما يكون توبة إذا كان
الندم ؛ لأنّه قبيح أو إخلال ، يلزم أن لا تصحّ التوبة من بعض القبائح دون بعض ؛
لأنّه إذا ندم من فعل قبيح دون قبيح يظهر أنّه لم يندم على القبيح لقبحه بل لأمر
آخر يوجد في بعض دون بعض. وهذا مذهب أبي هاشم (1).
وذهب أبو عليّ إلى أنّه تصحّ
التوبة من قبيح دون قبيح.
واحتجّ عليه بأنّ الندم على
قبيح دون قبيح يصحّ كما أنّ الإتيان بواجب دون واجب يصحّ (2) ؛ وذلك لأنّه كما يجب
عليه ترك القبيح لقبحه كذلك يجب عليه فعل الواجب لوجوبه. ولو لزم من اشتراك
القبائح في القبح عدم صحّة الندم على قبيح دون قبيح لزم من اشتراك الواجبات في
الوجوب عدم صحّة الإتيان بواجب دون واجب.
وردّه المصنّف بقوله : ( ولا
يتمّ القياس على الواجب ) للفرق بين المقيس والمقيس عليه ؛ فإنّ ترك القبيح لكونه
نفيا لا يحصل إلاّ بترك جميع القبائح ، بخلاف الإتيان بالواجب لكونه إثباتا يحصل
بإتيان واجب دون واجب.
أقول : فيه نظر ؛ لأنّ الكلام
في الواجبات التي صدر من الشارع الأمر بكلّ واحد منها على حدة كالصلاة والصوم
والزكاة مثلا لا في أفراد واجب أمر الشارع بالإتيان بواحد منها لا على التعيين
كإعتاق رقبة أيّ رقبة كانت. وظاهر أنّ الامتثال لا يحصل بإتيان واحد منها ، بل
بإتيان الجميع كما في ترك القبيح من غير فرق.
( ولو اعتقد فيه الحسن لصحّت
التوبة ) أي لو اعتقد التائب في بعض القبائح الحسن صحّت توبته عن قبيح اعتقد قبحه
دون قبيح اعتقد حسنه ؛ لحصول شرط التوبة وهو الندم على القبيح لقبحه ( وكذا
المستحقر ) أي إذا استحقر التائب أحد الفعلين واستعظم الآخر من حيث القبح حتّى
اعتقد بالحقير أنّ وجوده بالنسبة إلى العظيم كالعدم وتاب عن العظيم دون الحقير
تصحّ توبته ؛ لأنّه تاب عنه لقبحه ، كمن قتل ولد الغير وكسر قلما له فتاب عن قتل
الولد دون كسر القلم صحّت توبته.
( والتحقيق : أنّ ترجيح
الداعي إلى الندم عن البعض يبعث عليه ) أي على الندم عن هذا البعض ( خاصّة ) دون
البعض الآخر ؛ لانتفاء الترجيح الداعي بالنسبة إليه.
( وأنّ اشتراك الدواعي في
الندم على القبيح لقبحه ).
ولا يلزم من ذلك أن يكون
الندم على البعض الذي تحقّق معه الترجيح لا لقبحه ؛ إذا لا يخرج الداعي بهذا
الترجيح عن الاشتراك في كونه داعيا إلى الندم على القبيح لقبحه ، وهذا ( كما في
الدواعي إلى الفعل ) فإنّ الأفعال تقع بحسب الدواعي ، فإذا كان داعية بعض الأفعال
راجحة على داعية بعض آخر ، اختصّ الفعل الذي يكون داعيه راجحة بالوقوع وإن اشترك
مع غيره في الدواعي.
أقول : لا يخفى على المتأمّل
أنّ محصّل ما ذكره من التحقيق عدم التفرقة بين ترك القبيح والإتيان بالواجب كما
ذكره أبو عليّ ، فآخر كلامه يخالف أوّله.
( ولو اشترك الترجيح اشترك
وقوع الندم ) فلا يصحّ الندم عن بعض دون بعض ( وبه يتأوّل كلام أمير المؤمنين عليّ
وأولاده : ) (3). وهو أنّ التوبة لا تصحّ عن بعض دون بعض ( وإلاّ لزم الحكم ببقاء
الكفر على التائب عنه المقيم على صغيرة ، والذنب وإن كان في حقّه تعالى من فعل
قبيح كفى فيه الندم والعزم ) كما في ارتكاب الفرار من الزحف ، وقد يفتقر إلى أمر
زائد كتسليم النفس للحدّ في الشراب.
( وفي الإخلال بالواجب اختلف
حكمه في بقائه وقضائه وعدمهما ) يعني منه ما يبقى ويحتاج إلى الأداء كالزكاة ،
فإنّه إذا أخلّ في إخراجها فالذنب يبقى إلى أن يؤدّي. ومنه ما يجب قضاؤه، فإذا قضي
سقط كالصلاة والصوم. ومنه ما لا يبقى ولا يقضى بل يسقط عنه بمجرّد الندم والعزم،
كما إذا ترك صلاة العيد أو صلاة الجنازة.
( وإن كان ) الذنب ( في حقّ
آدمي استتبع إيصاله ) إلى صاحب الحقّ ( إن كان ظلما ) وأمكن الإيصال ؛ لبقاء صاحب
الحقّ أو وارثه ، والإيصال إنّما يكون بردّ المال وتسليم البدن أو العضو إلى وليّ
الجناية للاقتصاص ( أو العزم عليه مع التعذّر ) أي تعذّر الإيصال ، بأن لا يبقى
صاحب الحقّ ولا وارثه ( أو ) استتبع ( الإرشاد إن كان ) الذنب ( إضلالا وليس ذلك )
أي الذي ذكرنا من تسليم النفس وأداء الواجب أو قضائه أو إيصال الحقّ إلى صاحبه أو
العزم عليه وغير ذلك ( جزء ) من التوبة ، بل واجب آخر خارج عن التوبة ، فتركه لا
يمنع سقوط العقاب بالتوبة.
قال إمام الحرمين ... إنّ
القاتل إن ندم من غير تسليم نفسه للقصاص صحّت توبته في حقّ الله تعالى ، وكان منعه
القصاص من مستحقّه معصية مجدّدة تستدعي توبة أخرى ، ولا يقدح في التوبة عن القتل
(4).
( ويجب الاعتذار على المغتاب
مع بلوغه ) أي إذا كان الذنب الذي يتعلّق بحقّ الآدمي هو الاغتياب ، وجب على
المغتاب الاعتذار ممّن اغتابه إن بلغ الاغتياب إليه ؛ لأنّه أوصل إليه ضربا من
الغمّ بسبب الاغتياب ، فوجب عليه الاعتذار عنه ، ولا يجب تفصيل ما اغتابه إلاّ إذا
بلغه على وجه أفحش. فإن لم يبلغ إليه لا يلزمه الاعتذار عنه ؛ لأنّه لم يوصل إليه
بسبب الاغتياب غمّا ، لكن يجب في كلا القسمين التوبة ؛ لأنّه خالف نهيه تعالى ؛
حيث قال : {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12]
( وفي إيجاب التفصيل مع الذكر
إشكال ) ذهب بعض المعتزلة إلى أنّه يجب على التائب الندم على التفصيل إن كان يعلم
القبائح مفصّلا ، وإن علم بعضها مفصّلا وبعضها مجملا وجب التفصيل فيما علم تفصيلا
(5).
وقال المصنّف : فيه إشكال ؛
لأنّ الإجزاء يحصل بالندم على كلّ قبيح صدر منه وإن لم يذكره مفصّلا.
( وفي وجوب التجديد إشكال )
قال بعض المعتزلة : إذا تاب المكلّف عن المعصية ثمّ ذكرها وجب عليه تجديد التوبة ؛
لأنّه إذا ذكر المعصية ولم يندم عليها كان مشتهيا لها فرحا بها وذلك إبطال للندم
ورجوع إلى الإصرار (6).
وقال المصنّف : فيه إشكال ؛
لأنّا لا نسلّم أنّه لو لم يندم عليها إذا ذكرها لكان مشتهيا لها ؛ إذ ربما يضرب
عنها صفحا من غير ندم عليها ولا اشتهاء لها ولا ابتهاج بها.
وكذا المعلول مع العلّة ـ أي
فيه أيضا إشكال ـ فإنّه إذا صدرت العلّة عن المكلّف وجب الندم على العلّة مع
المعلول ، كما إذا رمى فأصاب ، فإنّ الرمي علّة والإصابة معلولة له يجب الندم على
الرمي والإصابة جميعا. وفيه إشكال ؛ لأنّ الإجزاء يحصل بالندم على الرمي.
( وكذا وجوب سقوط العقاب بها
) فيه أيضا إشكال. ذهب بعض المعتزلة إلى أنّه يجب على الله تعالى أن يسقط العقاب
بالتوبة ، حتّى قالوا : إنّ العقاب بعد التوبة ظلم. واحتجّوا بأنّ العاصي قد بذل
وسعه في التلافي والتدارك فيسقط عقابه ، كمن بالغ في الاعتذار إلى من أساء إليه
يسقط ذنبه بالضرورة (7).
واعترض بأنّ من أساء إلى غيره
وهتك حرمته ثمّ جاء معتذرا لا يجب ـ بحكم العقل ـ قبول اعتذاره ، بل الخيرة إلى
ذلك الغير إن شاء صفح وإن شاء جازاه.
( والعقاب يسقط بها لا بكثرة
ثوابها ) اختلفوا في سقوط العقوبة ، فعند بعض المعتزلة بكثرة ثواب التوبة. وعند
أكثرهم بنفس التوبة (8). واختاره المصنّف. واحتجّ عليه بأنّه لو كان بكثرة الثواب
لما وقعت محبطة بدون الثواب لكنّها قد تقع.
وإلى هذا أشار بقوله : (
لأنّها تقع محبطة ) ولما بقي فرق بين التوبة المتقدّمة على المعصية والتوبة
المتأخّرة عنها في إسقاط عقابها كسائر الطاعات التي تسقط العقوبات بكثرة ثوابها ،
واللازم باطل ؛ للقطع بأنّ من تاب عن المعاصي كلّها ثمّ شرب الخمر لا يسقط عنه
عقاب الشرب. وإلى هذا أشار بقوله : ( ولولاه لانتفى الفرق بين التقديم والتأخير )
ولما اختصّت التوبة عن معصية معيّنة بسقوط عقابها دون أخرى ؛ لأنّ نسبة كثرة
الثواب إلى الكلّ على السويّة ، وإلى هذا أشار بقوله : « ولا اختصاص » أي لولاه
لانتفى الاختصاص. واحتجّ الآخرون ، بأنّه لو كان بنفس التوبة لسقط بتوبة العاصي
عند معاينة النار.
وأشار المصنّف إلى جوابه
بقوله : ( ولا تقبل في الآخرة ؛ لانتفاء الشرط ) فإنّ ندم العاصي عند المعاينة ليس
لقبحها.
__________________
(1) حكاه عنه العلاّمة في «
كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 419 ؛ و « مناهج اليقين » : 362 ؛
والتفتازاني في « شرح المقاصد » 5 : 169 ـ 170.
(2) حكاه عنه العلاّمة في «
كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد » : 419 ؛ و « مناهج اليقين » : 362.
(3) انظر « كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد
» : 420 ؛ و « مناهج اليقين » : 362.
(4) حكاه عنه التفتازاني في « شرح المقاصد »
5 : 171.
(5) حكاه التفتازاني عن بعض المعتزلة في « شرح
المقاصد » 5 : 171 ؛ وحكاه العلاّمة عن قاضي القضاة في « كشف المراد في شرح تجريد
الاعتقاد » : 422.
(6) حكاه التفتازاني عن القاضي والجبائي في «
شرح المقاصد » 5 : 169.
(7) حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : 363
ـ 364 ؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد» : 5 : 165 ـ 166.
(8) حكاه عنهم العلاّمة في « مناهج اليقين » : 364
؛ والتفتازاني في « شرح المقاصد » : 5 : 167.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|