أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-08-2015
1092
التاريخ: 12-4-2017
1043
التاريخ: 9-08-2015
1268
التاريخ: 12-4-2017
920
|
اعلم انه قد اختلف في معنى الروح على أقوال شتى و آراء مختلفة أنهاها بعضهم إلى أربعين قولا، والذي عليه أكثر المحققين أن الإنسان مركب من روح و بدن، وهما جوهران حقيقتهما مختلفتان و بينهما علاقة تامة مع نهاية البعد، فإن الروح مخلوقة مما خلق منه الملائكة من العالم العلوي، والبدن مخلوق من التراب و العالم السفلي، ولكل منهما عمل وأثر ليس للآخر، فأفعال البدن الرؤية و السماع و الرائحة و القول و النوم و اللمس و نحوها مما يدرك بالحواس الظاهرة و القوى و الأعضاء، وآثار الروح اللذة و الألم و الصفات والملكات و الفهم و العلم و الاعتقادات، ولذا لا يوصف البدن بالشجاعة و الكرم و العلم والإيمان و نحوها، بل الأفعال الجزئية الحسية من الرؤية و السماع و نحوهما أفعال الروح أيضا، وإنما تصدر عنها بواسطة الأعضاء والجوارح التي هي كالآلة للروح، ولذا تقول رأيت بعيني و سمعت بأذني و قلت بلساني، فتخبر عن روحك بأن هذه الأفعال صدرت منها بواسطة هذه الأعضاء، كما تقول كتبت بالقلم في كون القلم آلة للكتابة، وربما قيل ان هذه الأفعال تصدر من الروح بدون واسطة الأعضاء و الجوارح، كما يدرك النائم و يرى و يسمع و يضرب و يأكل و يشرب بدون هذه الأعضاء الظاهرة، فيه كلام ليس هذا محله. وبالجملة فالإنسان في الحقيقة عبارة عن الروح، و البدن بمنزلة الآلة بل هو هي، وقيل ان الروح في البدن كالسراج في الفانوس، فإن النور كله من السراج و الفانوس حائل ظلماني، ولو شوهدت السراج بدونه لظهر جمالها و ضوؤها أكثر، وكذا الروح من دون حيلولة البدن شعاعها و جمالها أكثر، وكما ان الفانوس نقص في ضياء السراج فكذا البدن نقص في جمال الروح، وإنما احتيج إلى الفانوس لحفظ السراج من الرياح، و لذا لم تحتج الشمس و المشعل إلى فانوس، وكذا الإنسان إذا كان مريضا يضره الهواء و البرد احتاج إلى اللحاف زيادة على البدن، وإذا كان صحيحا لم يحتج إلى ذلك.
وروي عن الصادق عليه السّلام: ان روح
المؤمن و بدنه كالجوهرة في الصندوق، فإذا رفعت
الجوهرة من الصندوق رمي بالصندوق و لم يعتن به.
وحاصل الخلاف في الروح يرجع إلى انه هل
هي جسم أو جسماني، أو ليست بجسم و لا جسماني بل مجردة، وعمدة من
قال بجسميتها من المتكلمين ذهبوا إلى قولين:
أولهما:
انها عبارة عن هذا الهيكل المحسوس.
ثانيهما:
ان في بدن الإنسان أجزاء أصلية مخلوقة
من المني، وتلك الأجزاء باقية في مدة حياة الشخص و بعد موته، وتفرق أجزائه لا
تتغير و لا تتبدل و لا تزيد و لا تنقص. والإنسان المشار إليه بهذا و أنا، عبارة عن
تلك الأجزاء الأصلية، و مدار الحشر و الثواب و
العقاب على تلك الأجزاء.
وهذا القول ذهب إليه بعض متكلمي
الإمامية وربما يومي إليه بعض الأخبار و هو ما رواه
ثقة الإسلام والصدوق في الكافي و الفقيه عن عمّار عن الصادق عليه السّلام قال: سئل
عن الميت يبلى جسده ، قال نعم حتى لا يبقى لحم و لا عظم إلا طينته التي خلق منها، فإنها
لا تبلى بل تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة، إلا ان غاية ما
في الخبر ان تشخص الإنسان إنما هو بالأجزاء الأصلية، ولا مدخل لسائر الأجزاء
والعوارض فيه، وليس فيه ان الروح عبارة عن ذلك و من ذهب إلى ان الروح ليست بجسم
بل عرض جسماني فلهم شبهات سخيفة لا تستحق أن تذكر، وأكثر الفلاسفة و الحكماء على
تجردها، وعليه بعض قدماء المعتزلة و الغزالي و الراغب الأصفهاني و الشيخ المفيد
منا، والشيخ البهائي، و ادعى بعض المتأخرين انه يستفاد التجرد من كثير من الأخبار.
و قال العلامة المجلسي رحمه اللّه إني
لم أقف على حديث صريح في ذلك و إن كان في بعض
الأخبار النادرة إشعار و إيهام لذلك فلا ينبغي الجزم بالتجرد بمجردها، و ما أقيم
من الأدلة على نفي تجردها، وإن لم يتم إلا أن الأخبار الكثيرة الواردة في تنزيه الحق
تعالى تدل بظاهرها، على ان التجرد من الصفات المختصة به تعالى و الأحاديث الواردة
في قبض الروح، وانها تكون مع الميت و ان روح الميت تأتي إلى أهله و تزورهم و تنظر
إليهم، وتنتقل إلى وادي السلام و نحو ذلك تدل على تجسّمها اللهم إلا أن تؤول هذه
الأخبار بالجسد المثالي، وكذا الأخبار الدالة على خلق الأرواح قبل الأجساد و أنها
كانت حول العرش و نحو ذلك، إلا أن تؤول بتأويلات بعيدة عن طريقة أرباب الشريعة، فالحكم
بالتجرد أو عدمه مشكل، وقد حمل بعضهم حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه على أنه كما
أن اللّه تعالى لا يمكن معرفته فكذا النفس لا يمكن معرفتها، وقال النبي صلّى اللّه
عليه و آله و سلّم اسكتوا عما سكت اللّه عنه.
وعن الصادق عليه السّلام: لا يسعكم
فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت و الرد إلى أئمة الهدى.
وعنه عليه السّلام في الصحيح حق اللّه
تعالى على العباد أن يقولوا ما يعلمون، ويكفوا عما لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد
أدوا إلى اللّه حقه. والأخبار في ذلك متواترة، فينبغي التوقف في ذلك و ما قاله
الأكثر من أن القول ببقاء الروح بعد مفارقة البدن و معادها موقوف على القول
بالتجرد لا وجه له، إذ يمكن أن يكون ذلك مبنيا على ما ذهب إليه جماعة من المحققين
من أن النفس جسم نوراني من العالم السماوي، وتعلقها بهذا البدن مثل السراج في
البيت يصل نورها و ينفذ في جميع أجزاء البدن، والموت عبارة عن خروجها عن هذا البدن
و مفارقتها إياه، و جسمها في نهاية اللطافة و الشفافية كأجسام الملائكة و سائر
الأجسام السماوية تبقى محفوظة بقدرة اللّه تعالى.
روى الطبرسي في الاحتجاج عن الصادق
عليه السّلام في جملة سؤالات الزنديق عنه عليه السّلام و فيه قال الزنديق أخبرني
عن السراج إذا انطفئ أين يذهب نوره. قال عليه السّلام يذهب فلا يعود قال فما أنكرت
ان الإنسان مثل ذلك إذا مات و فارق الروح البدن لم ترجع إليه أبدا، كما لا يرجع
ضوء السراج إليه أبدا، إذا انطفئ.
قال عليه السّلام لم تصب القياس إن النار
في الأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد، فإذا ضرب أحدهما الآخر سطعت من بينهما
نار تقتبس منها سراج له الضوء، فالنار ثابتة في أجسامها و الضوء ذاهب، ان الروح جسم
رقيق قد ألبس قالبا كثيفا و ليس بمنزلة السراج الذي ذكرت، ان الذي خلق في الرحم جنينا
من ماء صاف و ركب فيه ضروبا مختلفة من عروق و عصب و أسنان و شعر و عظام و غير ذلك
هو يحييها بعد موتها و يعيده بعد فنائه. قال فأين الروح. قال عليه السّلام في بطن
الأرض حيث صرع البدن إلى وقت المبعث. قال فمن صلب فأين روحه. قال عليه السّلام في
كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض. قال فأخبرني عن الروح أغير الدم. قال عليه
السّلام نعم الروح على ما وصفت لك مادتها من الدم و من الدم رطوبة الجسم و صفاء
اللون و حسن الصوت و كثرة الضحك، وإذا جمد الدم فارق الروح البدن. ثم قال الزنديق
أتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق. قال عليه السّلام بل هو باق إلى وقت
ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء و تفنى فلا حس و لا محسوس ، ثم أعيدت الأشياء
كما بدأها مدبرها، وذلك أربعمائة سنة تسبت فيها الخلق و ذلك بين النفختين الحديث.
وقد دلت الآيات المتكاثرة و الأخبار
المتواترة على تجسم الملائكة، بل لعله من ضروريات
الدين لم يخالف فيه أحد من المسلمين، فلعل الروح من هذا القبيل و على تقدير كونها
في السماء كما دلت عليه بعض الأخبار يمكن أن يكون تعلقها بالروح الحيوانية المنبعثة
من القلب السارية في البدن، وبخروج الروح الحيوانية من البدن ينعدم تعلقها بالبدن،
وبعود البدن يرجع تعلقها.
وحيث دلت الأخبار الكثيرة على الجسد
المثالي فيمكن من حيث الروح ان تحتاج إلى آلة في الأعمال ان تتعلق بذلك الجسد
المثالي بعد مفارقتها البدن، والثواب و العقاب و الذهاب و الرجوع في العالم
البرزخي في ذلك البدن. بل ذهب جملة من المحققين إلى ان الجسد المثالي موجود في
هذا العالم أيضا، وهو مماثل لهذا البدن في المقدار فيه، أو خارج عنه.
ولما كانت النفوس ضعيفة لا تقدر على
التصرف التام في كلا البدنين، كان تعلقها في الحياة و اليقظة بهذا البدن أكثر، وفي
النوم بالمثالي أكثرو به تعرج الروح إلى العالم العلوي و تطلع على الألواح
السماوية و تسير إلى المشرق والمغرب و تجتمع مع النفوس المقدسة العلوية و تلهم من
علومهم، وإن كانت شريرة اجتمعت مع الشياطين و رسخ فيها تسويلاتهم ، كما قال تعالى:
{إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ } [الأنعام: 121] بل لعل
النفوس القوية كنفوس الأنبياء و الأوصياء تتصرف في الأجساد المثالية في حال الحياة
أيضا، كما دلت الأخبار الكثيرة على انهم عليهم السّلام يحضرون عند كل ميت في شرق
الأرض و غربها، ولو مات ألوف في آن واحد، وبذلك يجمع بين الأخبار في هذا المضمار، وعلى
القول بتجرد الروح فالاحتياج إلى القول بالجسد المثالي أشد، وبدونه يشكل فهم
الآيات و الأخبار الواردة في ثواب القبر و عذابه و اتساعه و ضيقه، وحركة الروح وطيرانه
في الهواء، وزيارته لأهله و رؤية الأئمة بأشكالهم، و مشاهدة أعدائهم معذبين، وسائر
ما ورد في أمثال ذلك فالمراد بالقبر حينئذ في أكثر الأخبار ما يكون الروح فيه في عالم
البرزخ، وهو ينم على القول بتجسد الروح و تجردها مع ورود الأجساد المثالية في الأخبار
المعتبرة، وليس هذا من التناسخ الباطل في شيء كما توهم إذ العمدة في نفي التناسخ
ضرورة الدين و إجماع المسلمين، وقد قال بالأبدان المثالية كثير من المسلمين من المتكلمين
و المحدثين، ودلت عليه أخبار الأئمة الطاهرين، والتناسخية إنما كفروا بإنكارهم
المعاد و الثواب و العقاب و قولهم بقدم النفوس و ترددها في أجسام هذا العالم و
إنكارهم النشأة الأخرى، وإنكارهم الصانع و الأنبياء و سقوط التكاليف و نحو ذلك من
أقوالهم السخيفة.
وروى ثقة الإسلام في الكافي بسند معتبر
عن حبة العرني قال: خرجت مع أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الظهر فوقف
بوادي السلام كأنه مخاطب لأقوام، فقمت بقيامه حتى أعييت ثم جلست حتى مللت، ثم قمت
حتى نالني ما نالني أولا، ثم جلست حتى مللت، ثم قمت و جمعت ردائي فقلت يا أمير
المؤمنين إني قد اشفقت عليك من طول القيام فراحة ساعة، ثم طرحت الرداء ليجلس عليه
فقال يا حبة إن هو إلا محادثة مؤمن أو مؤانسته، قال قلت يا أمير المؤمنين وانهم
لكذلك، قال نعم و لو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين يتحادثون، فقلت أجسام أو
أرواح، فقال أرواح و ما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الأرض إلا قيل لروحه الحقي
بوادي السلام، و إنها لبقعة من جنة عدن. وعن أبي ولاد الحناط عن الصادق عليه
السّلام قال: قلت له جعلت فداك يروون ان أرواح
المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش، فقال لا المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل
روحه في حوصلة طير، لكن في أبدان كأبدانهم.
وعن أبي بصير عن الصادق عليه السّلام
قال: ان الأرواح في صفة الأجساد في شجر في الجنة
تعارف و تسأل، فإذا قدمت الروح على الأرواح يقول دعوها فإنها قد أقبلت من هول عظيم.
وعن حماد بن عثمان عن الصادق عليه
السّلام قال: ذكر الأرواح أرواح المؤمنين فقال يلتقون،
قلت يلتقون، قال نعم و يتساءلون و يتعارفون حتى إذا رأيته قلت فلان.
وفي بعض الأخبار هي في روضة كهيئة
الأجساد في الجنة و الأخبار في ذلك كثيرة، هذا ما يتعلق بالروح.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|