أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-10-2018
2172
التاريخ: 14-4-2016
6237
التاريخ: 2023-08-30
1389
التاريخ: 2023-06-01
1076
|
لقد مهد الإسلام الطريق لإقامة مجتمع عالمي موحد من عدة جهات لأنه :
أولاً: مع أن الإسلام قد ولد في مجتمع طائفي يعير الأولوية للطائفة والقبيلة قبل كل شيء، وتتحكم العنصرية بجميع مقدراته باقتدار تام، وحتى مدنه لم تكن مدناً بمعنى الكلمة، بل كانت أجزاء مبعثرة ومنفصلة عن بعضها بسبب الاختلافات القبلية والطائفية، لكنه (أي الإسلام) حذف المسائل العنصرية من قائمة المسائل الاجتماعية بصورة كلية وألغى أهميتها تماماً.
ولقد حارب الإسلام مبادئ المجتمع القبلي (كوحدة الدم، ووحدة الجد الأصلي للقبيلة)، ولفت الأنظار إلى مبادئ أسمى وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات: 13].
ووضع الأخوة الإنسانية مكان الأخوة القبلية والدم الإنساني بدل الدم القبلي، وأحياناً أفهمهم بأسلوب آخر أنه على الرغم من لزوم حفظ النوع والتناسب مع أشرف الطوائف والقبائل والآباء، لكنه ينبغي أن لا يكون ذلك بدافع التفاخر بالأنساب، بل للتعارف عن طريق هذه الحلقة الاجتماعية الخاصة.
ومع أن حفظ حقوق أفراد المجتمعات يستلزم تعارفهم، ولا سبيل إليه أفضل وأصح من انتسابهم إلى أشرف الشعوب والقبائل، لكنه ينبغي أن يكون للتعارف لا للتفاخر: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13].
وأفهمهم أيضاً أن كرامة وقيمة الفرد نابعة من سجاياه الروحية وملكاته النفسانية (التقوى والعمل الصالح) وهي لا تنتقل بالوراثة، بعكس الصفات الوراثية كالجمال، فالجميل قد اجتمعت فيه صفات الجمال بصورة لا إرادية لذا لا يمكن أن تكون مقياساً لشخصيته وكرامته: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
وهكذا وجه الإسلام ضربة ماحقة لأسس التمييز العنصري.
ثانياً: أوضح الإسلام تفاهة الحدود الجغرافية (الطبيعية والمصطنعة)، عن طريق عدم الاهتمام بها وتصدير الدعوة الإسلامية إلى كافة دول العالم.
ويمكن استنباط هذا المنطق الإسلامي من خلال التعبيرات الكثيرة التي وردت في القرآن الكريم، ومنها:
أ - النداءات القرآنية (عدا ما يخص المؤمنين) وردت بصيغة التعميم لتشمل جميع الأمم العالمية كقوله تعالى: {يا أيها الناس} و: {يا عبادي} و: {يا بني آدم} و: {يا أيها الإنسان}.
فجميع هذه النداءات شمولية تشمل جميع العالم من أي قوم أو أمة أو دولة، وليس هناك أدنن أثر للتمييز فيها.
ب - اعتبر القرآن كل ما على الأرض دولة الله الواسعة، إذ قال تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56] وأوصى في الآية التالية بالتفكر: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل: 36] ، ودعاهم إلى الصلاح والابتعاد عن الفساد: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]. وفي مكان آخر وصف ما على الأرض بأنه ميراث للصالحين: {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].
ج - أوصى القرآن الكريم المسلمين بعدم التقيد بمكان معين في أداء فرائضهم الإلهية، وحثهم على الهجرة في حالة عدم تمكنهم من أدائها في ذلك المكان، ووبخ المتقاعسين عن الهجرة، إذ قال: {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97].
د- لم يدع القرآن الكريم في جميع الآيات المتعلقة بالأحكام والمعارف والأخلاق الاجتماعية، إلى الوحدات الاجتماعية المنفصلة عن بعضها أبداً، مما يدل على تبنيه مشروع المجتمع العالمي الموحد. وفي الحقيقة لا يمكن أن يكون المسلك القائم على أساس المبادئ الإنسانية والحقوق البشرية خلاف ذلك.
يحتوي الفقه الإسلامي باباً خاصاً في الجهاد تحت عنوان المرابطة (أي التهيؤ لحفظ وحراسة الحدود الإسلامية من الهجوم الاحتمالي للعدد وقد وضعت أحكام خاصة في هذا الباب)(١).
وقد يتصور البعض أن هذا الموضوع يشير إلى ميل الإسلام إلى الحدود الجغرافية، لكن الواضح بصورة جلية ان هذا ضروري في حالة تعرض الإسلام لتهديد خارجي فقط، وسينتفي تلقائيا في حالة انتشار الدعوة الإسلامية في العالم - أو انتصار النهج الإسلامي في دعوته -، وعلاوة على ذلك فإن حدود الدولة الإسلامية عقدية فكرية لا جغرافية مصطنعة، وبتعبير آخر: إن الدولة الإسلامية خالية من كل أنواع الحدود أو التقسيمات الجغرافية ولا يفصلها عن غيرها من الخارج سوى الحدود الفكرية والعقدية.
ثالثاً: حاول الإسلام، من خلال معارفه وأحكامه، إيجاد نقطة الوحدة الفكرية بين جميع بني البشر.
ويجب الالتفات إلى أن الوحدة الفكرية والعقدية التي أسسها الإسلام، على خلاف العلاقات الفكرية الموجودة في الأحزاب السياسية وأمثالها التي ظهرت في العالم مؤخراً، لا تختص بطبقة أو فئة أو شعب معين، بل هي للناس كافة.
وهذا يُعدّ امتيازاً عظيماً للفكر الإسلامي يعبر عن خلوّه التام من كل الصبغات الجغرافية والطائفية.
لكن جميع الأحزاب والمنظمات السياسية العالمية والمذاهب الفلسفية التابعة لها، على الرغم من تظاهرها بتأسيس أعمالها على أساس الوحدة الفكرية، تشترك في هذا العيب الكبير الذي يفصح عن خلوها من النظرة الشمولية والعالمية منذ البداية أو فقدانها لها فيما بعد.
فمثلاً نلاحظ أن «الحركة النازية» أو «الحركة الصهيونية العالمية» الشريرة مع تظاهرها بالجانب الفكري، لكنها في الواقع لم تأت إلا لحفظ مصالح فئة أو جماعة خاصة من الناس.
فالعنصر الألماني في الحزب النازي، والعنصر اليهودي في الحركة الصهيونية ومصالحهم الخاصة مشكل أساس الحركتين المذكورتين أعلاه. والأحزاب الشيوعية العالمية مع أنها تنادي بالمجتمع العالمي الموحد، لكنها لا تكتم صبغها العنصرية ودفاعها عن مصالح شعب معين، لذا نرى أن الصهيونية قد ظهرت في كل دولة بصبغة معينة.
وعليه فمن الطبيعي أن تنحصر هذه الحركات بفئه معينة من الناس، رغم أنهم ينادون جميعاً بلزوم رفع الطبقية والحدود من المجتمع وإيجاد مجتمع عالمي مجرد من الطبقات.
ولكن الوحدة الفكرية والعقائدية التي خطط لها الإسلام فهي خالية من أية صبغة خصوصية، حتى أنها لا تخص المسلمين، بل تمتد لتشمل معتنقي المذاهب الأخرى أيضاً، لذلك فقد وضع الإسلام نهجاً متكاملاً لحفظ حقوق الأقليات الدينية التي تعيش في الدول الإسلامية والدفاع عن حقوقها، ويتضح أفقه الوسيع بالمطالعة الكافية في المصادر الإسلامية.
___________________________________
(١) راجع كتاب جواهر الكلام، أوائل كتاب الجهاد.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|