شمس اليقين، تضيء أحبّاء الله وتمنحهم السكينة
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 122 ــ 124
2025-12-16
27
(فَهُوَ مِنَ الْيَقِينَ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ فِي أَرْفَعِ الْأُمُورِ مِنْ إِصْدَارٍ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ وَتَصْيير كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ).
إن الدراسة واكتساب المعرفة تنميان عقل الإنسان وتزيدان من ثروته، لكنها لا توصله إلى ساحة اليقين، ولا تزيل الحيرة والشك من القلب، إن الحيرة والشبهات إنما تزول من روح المؤمن وقلبه عندما يفاض نور اليقين والمدد الإلهي مثلما أنه عندما يسطع نور الشمس على جميع الأرجاء، لا تبقى بقعة مظلمة واحدة على الأرض. كذلك شمس اليقين تصل إلى قلب المؤمن بمعرفة الله، فتحرره من الحيرة والغموض والظلمات التي تمنع الآخرين من الحركة، وتوجد في أعماق قلبه الطمأنينة والثقة بالمسير الذي يبدو أمامه ولا تصل الوساوس والشكوك إلى تجويف قلبه النوراني وتكشف له شمس البصيرة الإلهية جميع الحقائق، وتظهر له طريق الحق والسعادة واضحا وجليا، هناك بعض الأحداث الكبرى التي تسلب الناس راحتهم وتقلق راحتهم، إلا أن سالكي طريق الله الذين تنورت قلوبهم بنور اليقين، يتمتعون بسكينة وهدوء تامين في ظل هذا النوع من الحوادث، ولا يقومون بأي ردة فعل خاصة تجاهها، وقد يظن البعض أنهم لا يدركون تلك الحوادث التي تقع حولهم. ولذا فهم لا يهتمون بها ولكن الأمر ليس كذلك، فالطمأنينة والهدوء ناشئان من إدراكهم لسير الأحداث وعاقبة الأعمال إن القلق والاضطراب الذي ينشأ لدى الآخرين هو أنهم لا يعرفون ماذا سيحدث وماذا ستكون النتيجة، أما الشخص الذي يعرف حقيقة نفسه ويدرك تماما سلسلة الأحداث والنتائج ولديه يقين تام، فلا يوجد سبب منطقي عنده لأن يقلق أو يضطرب.
ومن بين الشخصيات العظيمة التي صادفتها في حياتي والذي كان يتمتع بهذه الصفة بشكل تام المرحوم آية الله بهاء الديني (رضوان الله عليه)، إذ لم يكن سماحته يواجه الحوادث التي تقع بالانزعاج، بل كان يواجهها مع كامل الطمأنينة والهدوء، كذلك سماحة السيد الإمام الخميني (رحمه الله) الذي كان كالجبل الراسخ ولو في أصعب المواقف التي مرت على الشعب الإيراني ومن ضمنها واقعة (15خرداد) (1)، حيث إن تلك الحوادث لم تؤثر عليه ولو بمقدار ذرة، ولم يظهر عليه أي اضطراب بل كان يتعامل مع العديد من الأحداث التي حصلت بإيمانه الصلب ومع سكينة الخاطر، فبعد فاجعة (15 خرداد) والمجزرة التي قام بها جهاز السافاك البهلوي في قم وطهران وباقي المناطق، داهم عساكر النظام منزل السيد الإمام وألقوا القبض عليه، وبعد ذلك قال السيد الإمام: إنني لم أخف لحظة واحدة في تلك الحادثة، بل إن ضباط النظام وعساكره الذين أخذوني إلى طهران، كانوا يرجفون من الخوف، أما أنا فلم أكن قلقًا أو خائفًا من نتيجة عملي أبدا.
إن الشخص المطلع على صعوبات طريق الله ومشقاته، ومن أنار الله قلبه بنور اليقين، وحرره من شراك الشيطان ووساوسه، يمكنه أن يكون مشعلا منيرا لهداية الآخرين، وأن يكون مرشدا للآخرين في مسير الكمال ونيل السعادة، كما يستطيع أن يُجيب عن الشبهات والأسئلة التي تطرح عليه في ظل الحقائق التي انكشفت له، وأن يرفع الحاجات المعرفية والعلمية للآخرين. إن عدم تدقيق الناس في اختيار المرشد، كثيرا ما تكون نتيجته الوقوع في شراك الشياطين وأصحاب الشبه فيوردونهم موارد الضلال والهلكة بدلا من أن يدلوهم على طريق الهداية، فيحرقون قلعة إيمانهم وعقائدهم الصحيحة فلا بد من السعي عند تحديد الأشخاص الذين يتمتعون بالمعرفة بالحياة الإنسانية، ويعرفون سبيل الهداية من خلال المعايير الصحيحة وفي ظل نور اليقين، وأن ينتبه من الضالين الذين يقفون في وجه طريق السعادة لأنهم يجيبون على أسئلة الآخرين من خلال الاعتماد على قدراتهم المعرفية مع كامل الطمأنينة، ويصيغونها من خلال الخطورات والإلهامات الإلهية التي سطعت على قلوبهم، ومن خلال معرفتهم لأصول الدين وقواعده الكلية يستنبطون الفروع والأحكام والمسائل الجزئية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ تمثل مظاهرات 15 خرداد (الموافقة لـ 5 و6 يوليو 1963م) نقطة انعطاف في تاريخ إيران، حيث انطلقت شرارة الثورة الإسلامية المباركة، وذلك بعد إلقاء السيد الخميني (رضوان الله عليه) خطابا غاضبا يهاجم فيه الشاه محمد رضا بهلوي، وإسرائيل والولايات المتحدة، ثم إلقاء القبض عليه من قبل جهاز السافاك، ثم انطلاق المظاهرات الضخمة احتجاجا على إلقاء القبض على سماحته، وما تلاه من أحداث. (المترجم)
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة