أولياء الله والتوجه التام نحو المعبود
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 91 ــ 93
2025-11-25
29
لا ينبغي للإنسان أن ينخدع بالدنيا ويجعل كل همه وغمه في الوصول إلى ملذاتها، ومما لا شك فيه أن التعلق بالدنيا والاهتمام المفرط بشهواتها وملذاتها يجعل الإنسان حقيرا ومهينا، وأكثر من كل ذلك يبعد الإنسان عن الله لأنه كلما زاد التذاذ الإنسان واهتمامه بالشهوات، قل ارتباطه بالله واهتمامه بالآخرة. وبناء على التجربة التي حظينا بها في حياتنا، لو زادت رغبتنا في الشهوات والملذات بأي مقدار ولو كان صغيرا، نجد أن نشاطنا نحو الصلاة والأنس بالله وبمناجاته قد تناقصت، ومن هنا نجد أن الإمام يرى أن التخلي عن هموم الدنيا وملذاتها والاهتمام بالتعلق بالله والآخرة تمثل سمات أحبّاء الله وخصائصهم، حيث قال امير المؤمنين (عليه السلام): (وَتَخَلَّي مِنَ الْهُمُومِ إِلَّا هَمَّا وَاحِدًا انْفَرَدَ بِهِ).
بناءً على تعاليم القرآن، فإن الهدف والغرض النهائي للإنسان هو الله، وهو يهدي الإنسان إليه، وفي مجال التصرف الاختياري والتشريعي طوال حياته هناك مسار تكويني ومسار تشريعي باتجاه الله، وإذا كان هناك أشخاص مطلعون على هذه الحركة وعلى مقصدها، فليس من الممكن ألا يكون لديهم اهتمام أو قلق فيما يتعلق بالوصول إلى المقصد، إذ دون الاهتمام بالوصول إلى المقصد والهدف ودون القلق سوف يتوقف الإنسان عن الحركة وسوف يضل الطريق.
إن الكسل والسعي إلى الراحة وعدم السعي لتأمين الزاد ومستلزمات السفر يمنع الإنسان من التحرك إلى وجهته النهائية التي هي نفس لقاء الله.
وعلى هذا الأساس، عباد الله المحبوبون الذين يتملكهم الشوق للوصول إلى المحبوب، يقتصر قلقهم وهمهم على الغاية النهائية وهو الوصول إلى لقاء الله، ويعتقدون أنه حياتهم بأكملها عبارة عن جهاد وكدح في سبيل الوصول إليه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6].
وقد قال الله تعالى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في ليلة المعراج: (يا أحمد، اجْعَلْ هَمكَ هَمَّا وَاحِدًا فَاجْعَلْ لِسَانَكَ لِسَانًا وَاحِدًا وَاجْعَلْ بَدَنَكَ حَيًّا لَا تَغْفُلْ أَبَدًا، مَنْ يَغْفُلُ عَنِّي لَا أَبَالِي بِأَيْ وَادٍ هَلَكَ) (1).
إن الشخص الذي يفكر فقط في الوجهة النهائية، لا يهتم بغير الله ويصبح هم الدنيا وغمها كله بلا قيمة عنده، لقد أخلى قلبه من هذه الأمور لأنها تمنعه من الوصول إلى مقصده النهائي، إنه قلق من أن يمنعه تقصيره من الوصول غايته، أو على الأقل، من أن يؤخره في الوصول إلى هدفه، ولكن عندما يصل أخيرا إلى وجهته النهائية بالسلامة ويجد نفسه على عتبة رضوان الحق، تخرج كل مخاوفه من قلبه، فيدخل إلى جنة الله خفيف الحمل مليئا بالبهجة والسرور، ويحقق جزاء التحمل والثبات في سبيل الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت: 30، 31].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج 24، الباب 2، ص 29، ح 6.
الاكثر قراءة في التربية الروحية والدينية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة