المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



ادعاء النبي النبوة والتحدي بالقران  
  
894   10:30 صباحاً   التاريخ: 3-08-2015
المؤلف : الشيخ الطوسي
الكتاب أو المصدر : الاقتصاد
الجزء والصفحة : ص 167
القسم : العقائد الاسلامية / النبوة / النبي محمد (صلى الله عليه وآله) /

[إن] ظهوره ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﺑﻤﻜﺔ ﻭﺍﺩﻋﺎﺅﻩ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ - ﻓﻤﻌﻠﻮﻡ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻻ ﻳﻨﻜﺮﻩ ﻋﺎﻗﻞ ﺳﻤﻊ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ. ﻭﻇﻬﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻩ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ ﺿﺮﻭﺭﺓ، ﻓﺎﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻛﺎﻟﺸﻚ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮ. ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺗﺤﺪﻯ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻬﻮ ﺃﻥ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺃﻧﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻛﺎﻥ ﻳﺪﻋﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﺼﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺁﻳﺎﺗﻪ ﻭﺃﻥ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﻬﺒﻂ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻴﻪ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﺣﺪ ﺩﻓﻌﻪ. ﻭﻫﺬﺍ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻭﺍﻟﺒﻌﺚ ﻋﻠﻰ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺪﻭﺭﺍ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻧﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﺩﻋﻰ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺩﻋﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻗﺮﺍﺭ ﺑﻨﺒﻮﺗﻪ ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺸﺮﻋﻪ، ﻭﻣﻦ ﺍﺩﻋﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺞ ﺑﺄﻣﺮ ﻳﺠﻌﻠﻪ ﺣﺠﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﻋﻮﺍﻩ ﺻﺤﻴﺤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﻓﺎﺳﺪﺍ، ﻷﻧﻪ ﻟﻮ ﻋﺮﻱ ﺩﻋﻮﺍﻩ ﻣﻦ ﺣﺠﺔ ﺃﻭ ﺷﺒﻬﺔ ﻟﺴﺎﺭﻉ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺗﻜﺬﻳﺒﻪ ﻭﻃﺎﻟﺒﻮﻩ ﺑﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻕ ﻗﻮﻟﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﻬﻢ ﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﺍﺣﺘﺞ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻭ ﺑﻤﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺃﻇﻬﺮ ﻣﻨﻪ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﺂﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻇﺎﻫﺮﺓ، ﻧﺤﻮ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود: 13] ﻭﻗﻮﻟﻪ {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23] ﻭﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺁﺧﺮ {بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38] ﻭﻗﻮﻟﻪ {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] ﻭﻫﺬﺍ ﺻﺮﻳﺢ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻱ.

ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﻠﻢ ﺑﻪ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﺭﺽ ﻓﻬﻮ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻋﻮﺭﺽ ﻟﻮﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻞ، ﻭﻟﻮ ﻧﻘﻞ ﻟﻌﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﻋﻠﻢ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻠﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﻛﻞ ﺃﻣﺮ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻟﻮﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻞ ﻓﺈﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻞ ﻗﻄﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ. ﻭﺑﻬﺬﺍ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻴﻦ ﺑﻐﺪﺍﺩ ﻭﺍﻟﺒﺼﺮﺓ ﺑﻠﺪ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻭﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺻﻼﺓ ﺳﺎﺩﺳﺔ ﻭﻻ ﺣﺞ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﺑﺨﺮﺍﺳﺎﻥ، ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻮﺟﺐ ﻧﻘﻠﻬﺎ ﻣﻊ ﺳﻼﻣﺔ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻗﻠﻨﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻷﻥ ﺍﻟﺪﻭﺍﻋﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻠﻬﺎ، ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻜﻮﻥ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻧﻘﻞ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ. ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺩﻋﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺩﺍﻉ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻠﻬﺎ ﻭﺇﻇﻬﺎﺭﻫﺎ، ﻭﺍﻟﺪﺍﻋﻲ ﻟﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺘﺨﻠﻴﺺ ﻣﻤﺎ ﺃﻟﺰﻣﻮﻩ ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺃﺩﻳﺎﻧﻬﻢ ﻭﻣﻔﺎﺭﻗﺔ ﻋﺎﺩﺍﺗﻬﻢ ﻭﺑﻄﻼﻥ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﻔﻮﻫﺎ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻧﻘﻠﻮﺍ ﻛﻼﻡ ﻣﺴﻴﻠﻤﺔ ﻭﺍﻷﺳﻮﺩ ﺍﻟﻌﻨﺴﻲ ﻭﻃﻠﻴﺤﺔ ﻣﻊ ﺭﻛﺎﻛﺘﻪ ﻭﺳﺨﺎﻓﺘﻪ ﻭﺑﻌﺪﻩ ﻋﻦ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﻓﻴﻪ، ﻭﻛﻴﻒ ﻟﻢ ﻳﻨﻘﻞ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﺠﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺇﺫ ﻓﻴﻪ ﺷﺒﻬﺔ ﻗﻮﻳﺔ. ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻰ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺃﻧﺼﺎﺭﻩ ﻭﺃﺗﺒﺎﻋﻪ ﻓﻤﻨﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ، ﻷﻥ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻻ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺍﻧﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﻨﻘﻞ ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮﺓ ﺑﻪ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺮﺓ، ﻓﻜﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﻘﻞ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻻﺳﺘﺴﺮﺍﺭ ﻛﻤﺎ ﻧﻘﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺺ ﺍﻟﺠﻠﻲ ﻭﻏﻴﺮﻩ. ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺃﻧﺼﺎﺭﻩ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ، ﻓﻬﻼ ﻋﺎﺭﺿﻮﻩ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻤﻜﺔ. ﺛﻢ ﻟﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﻩ ﻭﻳﻈﻬﺮﻭﻩ ﻓﻲ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻛﺎﻟﺮﻭﻡ ﻭﺑﻼﺩ ﺍﻟﻔﺮﺱ ﻭﺍﻟﻬﻨﺪ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻜﻔﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬﺍ، ﻭﻛﻴﻒ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﻧﻘﻞ ﻫﺠﺎﺋﻪ ﻭﺳﺒﻪ ﻭﻣﻨﻊ ﻧﻘﻞ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ، ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﺳﺘﻮﻓﻴﻨﺎﻩ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺠﻤﻞ. ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻰ ﻭﻗﻮﻉ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻣﻦ ﻭﺍﺣﺪ ﺃﻭ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻭﺃﻧﻪ ﻗﻴﻞ ﻓﻠﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻣﺘﻌﺬﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺼﺤﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﺨﻄﺒﺎﺀ ﺍﻟﻤﺒﺮﺯﻳﻦ ﻛﻔﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺧﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻭﺛﺒﻮﺕ ﻛﻮﻧﻪ ﻣﻌﺠﺰﺍ، ﺇﻣﺎ ﺑﺄﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻣﺼﺮﻭﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﻫﺐ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﺎﻟﺼﺮﻓﺔ ﺃﻭ ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻘﻂ ﻓﺼﺎﺣﺘﻪ ﺧﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ. ﻭﺃﻳﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻭﺟﺐ ﺗﺴﺎﻭﻱ ﺍﻟﻜﻞ ﻓﻴﻪ ﻭﺃﻥ ﺃﺣﺪﺍ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺠﻮﻳﺰ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺄﻟﻮﺍ ﻋﻨﻪ. ﻭﺇﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﻩ [ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﻩ]  ﻟﻠﻌﺠﺰ - ﻷﻥ ﻛﻞ ﻓﻌﻞ ﻟﻢ ﻳﻘﻊ ﻣﻊ ﺗﻮﻓﺮ ﺍﻟﺪﻭﺍﻋﻲ ﻟﻔﺎﻋﻠﻪ ﻭﺷﺪﺓ ﺗﺪﺍﻋﻴﻪ ﻋﻠﻴﻪ - ﻗﻄﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﻟﻠﺘﻌﺬﺭ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﻄﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻭﺍﻷﻟﻮﺍﻥ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻭﺭﻧﺎ ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺑﺘﻮﻓﺮ ﺍﻟﺪﻭﺍﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﻓﻌﻠﻬﺎ ﻭﺍﻧﺘﻔﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﺍﻧﻊ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻟﺔ، ﻓﻴﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻧﻘﻄﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺟﻬﺔ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺫﻟﻚ ﻟﻠﺘﻌﺬﺭ ﻻ ﻏﻴﺮ. [ﻷﻧﺎ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺗﺤﺪﻭﺍ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺗﻮﻓﺮﺕ ﺩﻭﺍﻋﻴﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺎﻧﻊ ﻓﻮﺟﺐ ﺍﻟﻘﻄﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻠﺘﻌﺬﺭ ﻻ ﻏﻴﺮ] . ﻭﻛﻴﻒ ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻤﻨﺎﻫﻢ ﺗﻜﻠﻔﻮﺍ ﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﻣﻦ ﺑﺬﻝ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻓﻨﺘﻬﻢ ﻃﻠﺒﺎ ﻹﺑﻄﺎﻝ ﺃﻣﺮﻩ، ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻣﺒﺎﻳﻨﺔ ﻟﻤﺎ ﺗﻜﻠﻔﻮﺍ ﺫﻟﻚ ﻷﻥ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ ﻻ ﻳﺘﺮﻙ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﻠﻎ ﺑﻪ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﻭﻳﻔﻌﻞ ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺸﺎﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺒﻠﻎ ﻣﻊ ﺍﻟﻐﺮﺽ، ﻭﻣﺘﻰ ﻓﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﺨﺘﻞ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﺳﻔﻴﻪ ﺍﻟﺮﺃﻱ، ﻭﺍﻟﻘﻮﻡ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺔ. ﻭﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻧﻬﻢ ﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻧﺠﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻋﺪﻟﻮﺍ ﺇﻟﻴﻬﺎ. ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻟﻢ ﻳﺪﻉ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻓﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﻐﻠﺒﺔ ﻭﺍﻟﻘﻬﺮ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﺩﻋﻰ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺗﺘﻌﺬﺭ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﺃﻧﻪ ﺍﻟﻤﺨﺘﺺ ﺑﺬﻟﻚ ﻭﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻟﻮ ﻏﻠﺒﻮﺍ ﻓﻜﻴﻒ ﻭﻫﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ﻣﻐﻠﻮﺑﻴﻦ ﻣﻘﺘﻮﻟﻴﻦ ﻣﻐﻠﻮﺑﻴﻦ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﻳﻘﺪﻣﻮﺍ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻓﺈﻥ ﺃﻧﺠﻌﺖ ﻭﺇﻻ ﻋﺪﻟﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺃﻭ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺠﻤﻊ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺃﺑﻠﻎ ﻭﺃﻧﺠﻊ، ﻭﻓﻲ ﻋﺪﻭﻟﻬﻢ ﻋﻨﻬﺎ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻋﺎﺟﺰﻳﻦ. ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺃﻳﻀﺎ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺍﻟﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻓﻠﻢ ﻳﻌﺮﻓﻮﺍ ﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺑﺎﻟﻤﺜﻠﻴﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻻﺳﺘﻔﻬﻤﻮﻩ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺮﻳﺪ ﺑﺬﻟﻚ، ﻓﻜﻴﻒ ﻭﻫﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻋﺎﺭﻓﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻱ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﺨﻄﺐ ﻭﻛﻴﻒ ﺍﻟﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻬﻨﺎ.

ﻓﺈﻥ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺧﺎﻓﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﻠﺘﺒﺲ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻴﻈﻦ ﻗﻮﻡ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺜﻠﻪ. ﻗﻴﻞ: ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻟﻦ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻌﻘﻼﺀ ﻓﻴﻪ ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺇﻧﻪ ﻣﺜﻠﻪ ﻭﻃﺎﺋﻔﺔ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺇﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﺜﻠﻪ، ﻓﻴﺤﺼﻞ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﻭﺗﻘﻊ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻯ ﻣﻌﻬﺎ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ. ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻟﻮﺍ: ﺇﻧﻪ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﺩﻭﺍﻋﻴﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ. ﻭﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻃﻞ، ﻭﻛﻴﻒ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﺩﻭﺍﻋﻴﻬﻢ ﻭﻫﻢ ﺗﻜﻠﻔﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻕ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﻭﺇﻧﻔﺎﻕ ﺍﻷﻣﻮﺍﻝ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﺮﻭﻑ، ﻭﺍﻟﻌﺎﻗﻞ ﻻ ﻳﺘﻜﻠﻒ ﺫﻟﻚ ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﺩﻭﺍﻋﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﺑﻄﺎﻟﻪ. ﻓﺈﻥ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺇﻧﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﻩ ﻷﻥ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﺜﻠﻪ ﺃﻭ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ. ﻗﻠﻨﺎ: ﻫﺬﺍ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻠﻢ، ﻭﻟﻮ ﺳﻠﻢ ﻟﻤﺎ ﻳﻘﻊ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺇﻧﻤﺎ ﻭﻗﻊ ﻟﻌﺠﺰﻫﻢ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻻ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﻣﺜﻠﻪ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﻣﺜﻠﻪ ﻟﻜﺎﻥ ﺗﺮﻙ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺃﺑﻠﻎ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﻌﺠﺰ. ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ: ﻭﺍﻃﺄﻩ ﻗﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺼﺤﺎﺀ. ﻗﻴﻞ: ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻃﻞ، ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﺭﺿﻪ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻮﺍﻃﺌﻪ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﺩﻭﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻘﺪﺭﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺑﻪ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﻔﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﺼﺤﺎﺀ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻳﺨﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ. ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻔﺼﺤﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﻴﻦ ﻭﺍﻟﺒﻠﻐﺎﺀ ﺍﻟﻤﺸﺘﻬﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﻭﻗﺘﻪ ﻛﻠﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﻨﺤﺮﻓﻴﻦ ﻋﻨﻪ، ﻛﺎﻷﻋﺸﻰ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﻣﻦ ﺃﺷﺒﻬﻪ ﻣﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮﻩ، ﻭﻛﻌﺐ ﺑﻦ ﺯﻫﻴﺮ ﺃﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﺪﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻭﻟﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻨﺎﺑﻐﺔ ﺍﻟﺠﻌﺪﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﺃﺳﻠﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺯﻣﺎﻥ ﻃﻮﻳﻞ، ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﺤﻈﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﻼﻡ ﺑﻄﺎﺋﻞ. ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻮﺍﻓﻘﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻭﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻟﻪ ﺍﻟﻔﺼﺤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺒﺮﺯﻭﻥ ﻭﺍﻃﺄﻭﻙ ﻭﻭﺍﻓﻘﻮﻙ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﺼﺤﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﻗﺖ ﻻ ﻳﺨﻔﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﺔ. ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ: ﻟﻢ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺃﻓﺼﺢ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﺗﺄﺗﻰ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺗﻌﺬﺭ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻩ، ﺃﻭ ﺗﻌﻤﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻃﻮﻳﻞ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻤﻜﻨﻮﺍ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻗﺼﻴﺮ. ﻗﻴﻞ: ﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﺘﻮﺟﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﺎﻟﺼﺮﻓﺔ، ﻷﻥ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﻭﺧﻄﺒﻬﻢ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺻﺮﻓﻮﺍ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، ﻓﻼ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺃﻓﺼﺢ. ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺟﻬﺔ ﺍﻻﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻳﻘﻮﻝ ﻛﻮﻧﻪ ﺃﻓﺼﺢ ﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﺭﻧﻮﻩ ﺃﻭ ﻳﺪﺍﻧﻮﻩ، ﻭﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﺍﻟﻤﻌﺘﺎﺩ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ، ﻓﺈﻥ ﺟﻌﻠﻮﻩ ﺃﻓﺼﺢ ﻭﺇﻧﻪ ﺧﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺑﻔﺼﺎﺣﺘﻪ ﻛﻔﻰ ﺫﻟﻚ ﻷﻫﻞ ﺍﻻﻋﺠﺎﺯ. ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻛﻮﻧﻪ ﺃﻓﺼﺢ ﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﻣﺴﺎﻭﺍﺗﻪ ﻭﻣﻘﺎﺭﻧﺘﻪ ﻓﻲ ﻗﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﺑﻪ ﺳﻮﺭﺓ ﻗﺼﻴﺮﺓ ﺑﺬﻟﻚ ﺧﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ. ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻓﺼﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﺄﺧﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﻤﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﻘﻊ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﺍﻟﺒﻴﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻓﺼﺎﺣﺔ ﺃﻭﻟﺌﻚ. ﺛﻢ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮﻩ ﻟﻮﺍﻓﻘﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ ﺃﻧﺖ ﺃﻓﺼﺤﻨﺎ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﺗﺄﺗﻰ ﻣﻨﻚ ﻣﺎ ﺗﻌﺬﺭ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺇﺑﻄﺎﻝ ﺃﻣﺮﻩ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻪ ﺍﻋﺘﺮﺍﻑ ﻟﻪ ﺑﻔﻀﻞ ﻻ ﻳﻀﺮﻫﻢ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻀﺮﻫﻢ ﺍﻟﺴﻜﻮﺕ ﻋﻨﻪ.

ﻭﻗﻮﻟﻬﻢ: ﺇﻧﻪ ﺗﻌﻤﻞ. ﺑﺎﻃﻞ، ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﻤﻠﻮﺍ ﻣﺜﻠﻪ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﻘﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻭﻋﺸﺮﻳﻦ ﺳﻨﺔ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻳﺘﺤﺪﺍﻫﻢ ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺗﻜﺜﻴﺮ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻌﻤﻞ. ﻭﺇﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻌﺠﺰ ﻟﻢ ﻳﻀﺮﻧﺎ ﺃﻥ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺠﺰﺍ، ﻷﻧﺎ ﺇﺫﺍ ﻋﻠﻤﻨﺎﻩ ﻣﻌﺠﺰﺍ ﺧﺎﺭﻗﺎ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﻋﻠﻤﻨﺎ ﺛﺒﻮﺗﻪ ﻭﻟﻮ ﺷﻜﻜﻨﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﺔ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ ﻟﻢ ﻳﻀﺮﻧﺎ ﺫﻟﻚ، ﻏﻴﺮ ﺃﻧﺎ ﻧﻮﻣﻲ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻴﻪ: ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺮﺗﻀﻰ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﺴﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻱ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺨﺘﺎﺭ ﺃﻥ ﺟﻬﺔ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ ﺍﻟﺼﺮﻓﺔ، ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺳﻠﺐ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺄﺗﻰ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﺘﻰ ﺭﺍﻣﻮﺍ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ، ﻭﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺴﻠﺒﻬﻢ ﺫﻟﻚ ﻟﻜﺎﻥ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻣﻨﻬﻢ. ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺃﺑﻮ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺍﻟﻨﺼﻴﺒﻲ ﺃﺧﻴﺮﺍ. ﻭﻗﺎﻝ ﻗﻮﻡ: ﺟﻬﺔ ﺍﻻﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﻤﻔﺮﻃﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺧﺮﻗﺖ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﻨﻈﻢ. ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻭﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ، ﻭﻫﻮ ﺍﻷﻗﻮﻯ. ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻔﺮﻳﻘﺎﻥ: ﺇﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺃﻧﻪ ﺧﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﺑﻔﺼﺎﺣﺘﻪ ﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻮﺗﻪ، ﻷﻧﻪ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻬﻮ ﺩﺍﻝ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻮﺗﻪ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺑﻌﻠﻮﻡ ﻓﻴﻪ ﺧﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻮﺗﻪ، ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺩﻭﻥ ﻓﻌﻠﻲ ﻗﻄﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﺜﺒﻮﺕ ﺻﺪﻗﻪ. ﻭﻗﺎﻝ ﻗﻮﻡ: ﻫﻮ ﻣﻌﺠﺰ ﻻﺧﺘﺼﺎﺻﻪ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﻣﺨﺼﻮﺹ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺷﺊ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ. ﻭﻗﺎﻝ ﻗﻮﻡ: ﺗﺄﻟﻴﻒ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻧﻈﻤﻪ ﻣﺴﺘﺤﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ ﻛﺎﺳﺘﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻭﺍﻷﻟﻮﺍﻥ. ﻭﻗﺎﻝ ﻗﻮﻡ: ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺠﺰﺍ ﻟﻤﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻐﺎﺋﺒﺎﺕ. ﻭﻗﺎﻝ ﺁﺧﺮﻭﻥ: ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺠﺰﺍ ﻻﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﺨﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻛﻼﻡ ﻃﻮﻳﻞ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ.

ﻭﺃﻗﻮﻯ ﺍﻷﻗﻮﺍﻝ ﻋﻨﺪﻱ ﻗﻮﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺠﺰﺍ ﺧﺎﺭﻗﺎ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﻻﺧﺘﺼﺎﺻﻪ ﺑﺎﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﻤﻔﺮﻃﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﻤﺨﺼﻮﺹ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺑﺎﻧﻔﺮﺍﺩﻫﺎ ﻭﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺑﺎﻧﻔﺮﺍﺩﻩ ﻭﺩﻭﻥ ﺍﻟﺼﺮﻓﺔ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻧﺼﺮﺕ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺎﻟﺼﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﺮﺗﻀﻰ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺷﺮﺣﺖ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻓﻠﻢ ﻳﺤﺴﻦ ﺧﻼﻑ ﻣﺬﻫﺒﻪ. ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﻠﻨﺎﻩ ﻭﺍﺧﺘﺮﻧﺎﻩ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻌﻀﺎ ﻭﻳﻌﺘﺒﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺑﻤﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﻧﻈﻤﻪ ﻭﻭﺻﻔﻪ ﻷﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﻥ ﺍﻟﺨﻄﺐ ﺑﺎﻟﺸﻌﺮ ﻭﻻ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺨﻄﺐ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﻻ ﻳﻌﺎﺭﺿﻪ ﺃﻳﻀﺎ ﺇﻻ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻮﺍﻓﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺯﻥ ﻭﺍﻟﺮﻭﻱ ﻭﺍﻟﻘﺎﻓﻴﺔ ﻓﻼ ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﻥ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺑﺎﻟﺮﺟﺰ ﻭﻻ ﺍﻟﺮﺟﺰ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻭﻻ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﺑﺎﻟﻤﺘﻘﺎﺭﺏ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﻭﺻﺎﻓﻪ. ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺟﻤﻊ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﻤﻔﺮﻃﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﺜﻠﻪ، ﻓﺈﺫﺍ ﻋﺠﺰﻭﺍ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﺑﻬﻤﺎ. ﻓﺄﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﺼﺎﺻﻬﺎ ﺑﺎﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﻤﻔﺮﻃﺔ ﻓﻬﻮ ﺃﻥ ﻛﻞ ﻋﺎﻗﻞ ﻋﺮﻑ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻳﻌﻠﻢ ﺫﻟﻚ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻓﺼﻴﺢ ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻭﻗﺪ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﺔ ﻗﺪ ﺷﻬﺪﻭﺍ ﺑﺬﻟﻚ ﻭﻃﺮﺑﻮﺍ ﻟﻪ ﻛﺎﻟﻮﻟﻴﺪ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻤﻐﻴﺮﺓ ﻭﺍﻷﻋﺸﻰ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻭﻛﻌﺐ ﺑﻦ ﺯﻫﻴﺮ ﻭﻟﺒﻴﺪ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻌﻪ ﻭﺍﻟﻨﺎﺑﻐﺔ ﺍﻟﺠﻌﺪﻱ، ﻭﺩﺧﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﻼﻡ ﻛﻜﻌﺐ ﻭﺍﻟﻨﺎﺑﻐﺔ ﻭﻟﺒﻴﺪ، ﻭﻫﻢ ﺍﻷﻋﺸﻰ ﺑﺎﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﻼﻡ ﻓﻤﻨﻌﻪ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﻭﻓﺰﻋﻪ ﻭﻗﺎﻝ ﺇﻧﻪ ﻳﺤﺮﻡ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻷﻃﻴﺒﻴﻦ ﺍﻟﺰﻧﺎ ﻭﺍﻟﺨﻤﺮ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺰﻧﺎ ﻓﻼ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻲ ﻓﻴﻪ ﻷﻧﻲ ﻛﺒﺮﺕ ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻓﻼ ﺻﺒﺮ ﻟﻲ ﻋﻨﻪ ﻭﺃﻧﻈﺮ، ﻓﺄﺗﺘﻪ ﺍﻟﻤﻨﻴﺔ ﻭﺍﺧﺘﺮﻡ ﺩﻭﻥ ﺍﻻﺳﻼﻡ. ﻭﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻤﻐﻴﺮﺓ ﺗﺤﻴﺮ ﺣﻴﻦ ﺳﻤﻌﻪ ﻓﻘﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﺮﺟﺰ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺮﺟﺰ ﻭﺍﻟﺨﻄﺐ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺨﻄﺐ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺍﺧﺘﻼﺝ ﺍﻟﻜﻬﻨﺔ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ: ﺃﻧﺖ ﺷﻴﺨﻨﺎ ﻓﺈﺫﺍ ﻗﻠﺖ ﻫﺬﺍ ﺿﻌﻒ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ، ﻓﻔﻜﺮ ﻭﻗﺎﻝ ﻗﻮﻟﻮﺍ ﻫﻮ ﺳﺤﺮ ﻣﻌﺎﻧﺪﺓ ﻭﺣﺴﺪﺍ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﺄﻧﺰﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} [المدثر: 18، 19] ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: 24]. ﻓﻤﻦ ﺩﻓﻊ ﻓﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺣﻴﺰ ﻣﻦ ﻳﻜﻠﻢ. ﻭﺃﻣﺎ ﺍﺧﺘﺼﺎﺻﻪ ﺑﺎﻟﻨﻈﻢ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻷﻧﻪ ﻣﺪﺭﻙ ﻣﺴﻤﻮﻉ ﻭﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺷﺊ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﻧﻈﻤﻪ ﻣﻦ ﺧﻄﺐ ﻭﻻ ﺷﻌﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺃﻧﻮﺍﻋﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ، ﻓﺎﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ ﻣﻨﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺩﻓﻌﻬﻤﺎ. ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ: ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺧﺎﺭﻗﺎ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﺑﻔﺼﺎﺣﺘﻪ ﻟﻮﺟﺪﻧﺎ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻛﻼﻡ ﺃﻓﺼﺢ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻛﻼﻡ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﻭﺑﻴﻦ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﺤﺪﺛﻴﻦ ﺍﻟﺮﻛﻴﻚ ﻭﻫﻤﺎ ﻣﻌﺘﺎﺩﺍﻥ ﻭﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺃﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻌﺘﺎﺩﺍ ﻭﺍﻵﺧﺮ ﺧﺎﺭﻗﺎ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ. ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻧﺠﺪ ﺫﻟﻚ ﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﺨﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﺑﻔﺼﺎﺣﺘﻪ. ﻗﻠﻨﺎ: ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻦ ﺍﺩﻋﻰ ﺧﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺑﻔﺼﺎﺣﺘﻪ ﻓﻘﻂ ﺩﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻭﺍﻟﻨﻈﻢ ﻭﻟﻴﺲ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺷﺊ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻓﻴﻌﻠﻢ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻭﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ. ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ: ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻣﻘﺪﻭﺭ ﻟﻜﻞ ﺃﺣﺪ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﻌﺘﺒﺮﺓ. ﻗﻠﻨﺎ: ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻧﻘﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺃﻳﻀﺎ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﻣﺨﺼﻮﺹ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﻓﻴﻪ، ﻓﻴﺘﺄﺗﻰ ﻣﻦ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺍﻟﺨﻄﺐ ﻭﻻ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻵﺧﺮﻭﻥ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﻻ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻣﻨﻬﻢ ﺍﻟﺨﻄﺐ، ﻭﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻭﻟﻢ ﻧﺠﺪﻫﻢ ﻧﻈﻤﻮﺍ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻤﻦ ﺃﻳﻦ ﻟﻨﺎ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻣﻨﻬﻢ. ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻣﻘﺪﻭﺭﺍ ﻟﻢ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻣﺘﻰ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﻤﻔﺮﻃﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻟﻢ ﻳﺘﺄﺕ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺇﻥ ﺗﺄﺗﺖ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﺨﻄﺐ. ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺧﻄﺐ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺃﺑﻠﻐﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﺈﺫﺍ ﻧﻈﻢ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻛﺎﻥ ﺭﻛﻴﻜﺎ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺒﻠﻴﻎ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻻ ﻳﺤﺴﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﻓﺈﺫﺍ ﺗﻜﻠﻔﻪ ﺭﻙ ﻛﻼﻣﻪ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺗﻔﺎﺿﻞ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻓﻲ ﺃﻭﺯﺍﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ: ﻓﻤﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﺮﺟﺰ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺘﺄﺗﻰ ﻣﻨﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺮﺟﺰ ﻭﻟﻮ ﺗﻜﻠﻒ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﻟﺮﻙ ﻛﻼﻣﻪ. ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﻤﻔﺮﻃﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻣﻌﺮﻭﻓﻮﻥ ﻛﺎﻟﻌﺠﺎﺝ ﻭﺭﺅﺑﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﻤﺎ ﻗﺼﻴﺪ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻠﻢ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺮﺟﺰ ﻭﻻ ﻗﺎﺭﺑﻪ. ﻭﺇﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺫﻟﻚ ﻓﻠﻴﺲ ﻓﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻮ ﺗﻜﻠﻔﻮﻩ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻟﻜﺎﻥ ﻣﺜﻠﻪ، ﻟﻤﺎ ﻋﺪﻟﻮﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻭﺗﻌﺬﺭﺕ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺇﻣﺎ ﻟﻔﻘﺪ ﻋﻠﻤﻬﻢ ﺑﺎﻟﻨﻈﻢ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﺼﻴﺤﺎ ﺃﻭ ﻟﻌﻠﻤﻬﻢ ﺑﺄﻧﻬﻢ ﻟﻮ ﺗﻜﻠﻔﻮﺍ ﺫﻟﻚ ﻟﻮﻗﻌﻮﺍ ﺩﻭﻧﻪ ﺩﻝ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺧﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﺑﻤﺠﻤﻮﻉ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ. ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﺷﺘﺒﺎﻩ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺼﺤﺎﺀ ﻻ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﺜﻠﻪ، ﻷﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﺸﺘﺒﻪ ﺍﻟﺸﻴﺌﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺼﻨﺎﺋﻊ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺑﻮﻥ ﺑﻌﻴﺪ، ﻛﺎﻟﻠﺆﻟﺌﻴﻦ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﻭﺍﻟﻤﺸﺘﺒﻬﻴﻦ ﺍﻟﻤﻨﻬﺮﺟﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﺸﺒﻪ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻭﻳﺘﻢ ﺍﻷﻏﻼﻁ ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﺸﺘﺒﻪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻟﺆﻟﺆﺓ ﺣﻘﻴﺮﺓ ﻣﻊ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ. ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﻤﻄﺒﻮﻋﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻫﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻓﺼﻴﺢ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﺑﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻭﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﺠﺮﻱ ﻣﺠﺮﺍﻫﻢ ﻓﻬﻮ ﻣﺜﻠﻬﻢ. ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺒﻠﻎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﺔ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻓﺮﺑﻤﺎ ﻗﻠﺪ ﻭﺃﺣﺴﻦ ﺍﻟﻈﻦ ﺃﻭ ﺍﻋﺘﻘﺪ ﺍﻋﺘﻘﺎﺩﺍ ﻟﻴﺲ ﺑﻌﻠﻢ، ﻓﻼ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻭﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻭﺟﻪ ﺍﻻﻋﺠﺎﺯ ﺳﻠﺐ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻟﻜﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺇﺫﺍ ﺳﻠﺒﻮﺍ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺧﺮﺟﻮﺍ ﻋﻦ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ. ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺃﺟﺒﻨﺎ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﻟﻢ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺗﺄﺗﻰ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﻤﺤﻜﻢ ﻣﻌﺘﻘﺪﺍ ﺃﻭ ﻇﺎﻧﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺎﻟﻤﺎ. ﺑﺄﻥ ﻗﻠﻨﺎ: ﻣﺎ ﻷﺟﻠﻪ ﺗﺄﺗﻰ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﻤﺤﻜﻢ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻊ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻓﻼ ﻳﺨﺮﺝ ﻋﻨﻪ ﺇﻻ ﺑﺎﺧﺘﻼﻝ ﻋﻘﻠﻪ. ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ، ﻓﻠﻮ ﺳﻠﺒﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻟﻜﺎﻧﻮﺍ ﺧﺮﺟﻮﺍ ﻣﻦ ﻛﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻛﺬﻟﻚ ﻟﻈﻬﺮ ﻭﺍﺷﺘﻬﺮ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺑﻠﻎ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺍﻻﻋﺠﺎﺯ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻩ. ﻭﻟﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻛﺬﻟﻚ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻟﻢ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﺣﺎﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺩﻝ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺴﻠﺒﻮﺍ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ، ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺴﻠﺒﻮﻫﺎ ﻭﻫﻢ ﻣﺘﻤﻜﻨﻮﻥ ﻣﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﺭﺿﻮﺍ، ﻭﻗﺪ ﺑﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﻣﺘﻌﺬﺭﺍ ﻣﻨﻬﻢ، ﻓﺒﻄﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ. ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ: ﻫﻞ ﻻ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺸﺘﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ ﻣﻤﻦ ﺳﻤﻊ. ﻗﻠﻨﺎ: ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻣﻌﺘﺒﺮﺓ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻭﻟﻮ ﻟﺰﻡ ﺫﻟﻚ ﻟﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ ﺍﻟﻤﻌﺘﺒﺮ ﻫﻮ ﺍﻟﺼﺮﻑ ﻟﻢ ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﺃﺭﻙ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺃﻗﻠﻪ ﻓﺼﺎﺣﺔ ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺑﻠﻎ ﻓﻲ ﺑﺎﺏ ﺍﻻﻋﺠﺎﺯ. ﻭﻟﻴﺲ ﻳﻠﺰﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﺃﻥ ﻳﺒﻠﻎ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ. ﺃﻻ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻢ ﻳﺠﺐ ﻗﺮﻳﺸﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﺼﻔﺎ ﺫﻫﺒﺎ ﻭﺍﻟﻰ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻄﻠﺐ ﻭﻧﻘﻞ ﺟﺒﺎﻝ ﺗﻬﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺿﻌﻬﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺗﻔﺠﻴﺮ ﺍﻷﺭﺽ ﻟﻬﻢ ﻳﻨﺒﻮﻋﺎ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﻣﻌﺘﺒﺮﺓ ﻣﻊ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺧﺎﺭﻗﺔ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﻭﻟﻴﺲ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺍﻷﻣﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ. ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ: ﻟﻢ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻦ ﺃﻟﻘﻮﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻟﻴﻀﻞ ﺑﻪ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻮﺍ ﺃﻥ ﻓﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﺠﻦ ﻟﻴﺲ ﻓﺼﺎﺣﺔ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻭﻻ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﻢ ﻋﻠﻢ ﺑﻜﻴﻔﻴﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﻤﺨﺼﻮﺹ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻃﺮﻳﻖ ﻟﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺑﻞ ﻳﻜﻔﻲ ﺍﻟﺘﺠﻮﻳﺰ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺎﺏ، ﻷﻥ ﻣﻌﻪ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻄﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻳﺪﻋﻲ ﺃﻥ ﻣﻠﻜﺎ ﻧﺰﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻠﻢ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻛﺎﺫﺑﺎ ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﻢ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﻋﺼﻤﺔ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ، ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻌﻠﻮﻡ ﺑﺎﻟﺴﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﺑﻌﺪ ﺻﺤﺘﻪ، ﻭﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺃﻳﻀﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ. ﻗﻠﻨﺎ: ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ:

ﺃﺣﺪﻫﺎ - ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻃﻌﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻓﻲ ﺇﻋﺠﺎﺯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻄﻌﻦ ﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻭﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻨﺎ ﻃﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺑﺼﺪﻕ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ، ﻷﻧﺎ ﻣﺘﻰ ﻗﻠﻨﺎ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺘﻰ ﻓﻌﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻳﺨﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻳﻜﻮﻥ ﺩﺍﻻ ﻭﻛﺎﻥ ﻟﻘﺎﺋﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﻟﻢ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﻦ ﺇﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻗﺮﺏ ﺟﺴﻢ ﻣﻦ ﺟﺴﻢ ﻣﻴﺖ ﻋﺎﺵ، ﻛﻤﺎ ﺃﺟﺮﻱ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺲ ﺇﺫﺍ ﻗﺮﺑﻨﺎ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍﻟﻤﻐﻨﺎﻃﻴﺲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺪﻳﺪ ﺟﺬﺑﻪ، ﻭﻣﺘﻰ ﺟﻮﺯﻧﺎ ﺫﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻋﻲ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺻﺪﻗﻪ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﺄﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻦ ﻧﻘﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺇﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﻟﻤﻜﺎﻥ ﻋﺎﺩﺗﻬﻢ. ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ: ﺇﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻋﻨﺪ ﺗﻘﺮﻳﺐ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﻓﻲ ﻋﺎﺩﺗﻨﺎ ﺧﺮﻕ ﻣﻨﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻌﺎﺩﺗﻨﺎ، ﻓﺠﺮﻯ ﻣﺠﺮﻯ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﺍﻟﻜﺬﺍﺏ، ﻭﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻟﻴﺲ ﺇﺫﺍ ﺟﺎﺯ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﻦ ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻧﻌﻠﻤﻪ ﺟﺎﺯ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﺩﺗﻨﺎ، ﻷﻥ ﻓﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﺩﺗﻬﻢ ﻻ ﻭﺟﻪ ﻟﻘﺒﺤﻪ ﻭﻓﻌﻠﻪ ﻓﻲ ﻋﺎﺩﺗﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻭﺟﻪ ﻗﺒﺢ ﻷﻧﻪ ﺍﺳﺘﻔﺴﺎﺩ. ﻭﻟﻴﺲ ﻛﺬﻟﻚ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻷﻥ ﺍﻟﺠﻨﻲ ﺇﺫﺍ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﺗﺠﺮ ﻋﺎﺩﺗﻨﺎ ﺑﻤﺜﻞ ﻓﺼﺎﺣﺘﻪ ﻓﻨﻔﺲ ﻧﻘﻠﻪ ﺧﺮﻕ ﻋﺎﺩﺗﻨﺎ ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺻﻨﻊ، ﻭﺇﺫﺍ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﻤﺸﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻨﻔﺲ ﻧﻘﻠﻪ ﻟﻠﺠﺴﻢ ﻟﻢ ﻳﺨﺮﻕ ﻋﺎﺩﺗﻨﺎ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﻟﻬﺎ ﺇﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻋﻨﺪ ﺗﻘﺮﻳﺐ ﺍﻟﺠﺴﻢ، ﻓﺎﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮﻳﻦ ﻭﺍﺿﺢ. ﻗﻴﻞ: ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻻ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﻴﻦ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻻﻧﻔﺼﺎﻝ ﻟﻴﺲ ﺑﺼﺤﻴﺢ:

ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ - ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻨﻲ ﺇﺫﺍ ﺃﺣﻀﺮ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺟﺮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺎﺩﺗﻬﻢ ﺑﺈﺣﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﻼ ﻳﺨﻠﻮ ﺃﻥ ﻳﺤﻴﻲ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻋﻨﺪﻩ ﺃﻭ ﻻ ﻳﺤﻴﻴﻪ، ﻓﺈﻥ ﺃﺣﻴﺎﻩ ﻓﻬﺬﺍ ﺗﺠﻮﻳﺰ ﻛﻮﻧﻪ ﻛﺎﺫﺑﺎ ﻭﺃﻧﻪ ﺇﻧﻤﺎ ﺃﺣﻴﺎﻩ ﻟﻤﻜﺎﻥ ﻋﺎﺩﺗﻬﻢ، ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﺤﻴﻪ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺧﺮﻕ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺠﻦ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﺧﺮﻕ ﻋﺎﺩﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺭﻓﻊ ﺍﻹﺣﻴﺎﺀ ﻋﻨﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻴﻴﻪ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺑﻤﺠﺮﻯ ﻋﺎﺩﺗﻬﻢ، ﻭﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺗﺼﺪﻳﻖ ﺍﻟﻜﺬﺍﺏ. ﻭﻻ ﺟﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺑﺄﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﺇﻧﻪ ﺍﺳﺘﻔﺴﺎﺩ ﻳﺠﺐ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻣﻨﻪ ﻛﻤﺎ ﻧﻘﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻵﺧﺮ.

ﻭﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ - ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺧﺎﺭﻗﺎ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ ﺑﻔﺼﺎﺣﺘﻪ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﺗﺄﺗﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﻲ ﺫﻟﻚ ﺑﺄﻥ ﻳﺠﺪﺩ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻟﻪ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺑﺎﻟﻔﺼﺎﺣﺔ ﺣﺎﻻ ﺑﻌﺪ ﺣﺎﻝ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻻ ﺗﺒﻘﻰ، ﻓﻴﺼﻴﺮ ﺧﻠﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ، ﻭﺟﺮﻯ ﺫﻟﻚ ﻣﺠﺮﻯ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺼﺮﻓﺔ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺿﻊ ﺃﻥ ﺛﺒﺖ ﻟﻮ ﺍﺩﻋﻰ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﻭﺟﻌﻞ ﻣﻌﺠﺰﻩ ﻧﻘﻞ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺃﻭ ﻃﻔﺮ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭ ﻟﻜﺎﻥ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ ﻻ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻨﻘﻞ، ﻷﻥ ﻓﻌﻠﻨﺎ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻨﺪﻩ ﺩﻟﻴﻼ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺼﺪﻳﻖ ﻣﺎ ﻳﺨﺘﺺ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻴﻪ. ﻭﻣﺘﻰ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻗﺎﻝ: ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻢ ﻳﺨﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺑﻔﺼﺎﺣﺘﻪ. ﺳﻘﻄﺖ ﻣﻌﺎﺭﺿﺘﻪ ﺑﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺠﻦ ﻭﺻﺎﺭ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﻫﻞ ﻫﻮ ﺧﺮﻕ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﻟﻴﺲ ﺑﺨﺎﺭﻕ ﻟﻬﺎ، ﻭﻗﺪ ﻣﻀﻰ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺔ ﺫﻟﻚ.

ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﺠﻦ ﺃﻧﻪ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﺠﻦ ﻟﻤﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻨﻪ، ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻔﺴﺪﺓ ﻭﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ: ﺇﻧﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﻧﻔﺲ ﺍﻻﺳﺘﻔﺴﺎﺩ، ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻔﺴﺎﺩ ﻓﻼ ﻳﺠﺐ، ﻭﻟﻮ ﻭﺟﺐ ﺫﻟﻚ ﻟﻮﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﻊ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻛﻞ ﺷﺒﻬﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﺨﺮﻗﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺸﻌﺒﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺸﺒﻬﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﻓﺎﻟﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻭﻓﻌﻞ ﺍﻟﻘﺒﺎﺋﺢ ﻣﻊ ﺍﻟﺘﻜﻠﻴﻒ ﻻ ﻳﺠﺐ، ﻭﻟﻴﺲ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺠﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻻﺳﺘﻔﺴﺎﺩ ﻟﻢ ﻳﺠﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻣﻨﻪ، [ ﻛﻤﺎ ﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺠﺰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻘﺒﻴﺢ ﻟﻢ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻣﻨﻪ ] ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻠﺰﻡ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺯﺭﺩﺍﺷﺖ ﻭﻣﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺤﻼﺝ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﺨﺮﻗﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻓﺴﺪ ﺑﻬﻢ ﺧﻠﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﻟﻮﻻﻫﻢ ﻟﻤﺎ ﻓﺴﺪﻭﺍ ﺇﻥ ﻭﺟﺐ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻔﺴﺎﺩ.

ﻗﻠﻨﺎ: ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻭﺟﻬﻴﻦ:

ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: ﺃﻥ ﺗﻤﻜﻴﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﻳﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﺳﺘﻔﺴﺎﺩ ﻷﻧﻪ ﺗﻤﻜﻴﻦ ﻭﺗﻌﺮﻳﺾ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺮﺿﻮﺍ ﻟﻪ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﻫﺆﻻﺀ، ﻓﺼﺎﺭ ﺧﻠﻖ ﻫﺆﻻﺀ ﻭﺗﻤﻜﻴﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻣﻦ ﺗﻜﻠﻴﻒ ﺃﺷﻖ ﻭﺗﻌﺮﻳﻀﺎ ﻟﺜﻮﺍﺏ ﺃﻋﻈﻢ، ﻓﺨﺮﺝ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻔﺴﺎﺩ، ﻷﻥ ﺣﺪ ﺍﻻﺳﺘﻔﺴﺎﺩ ﻣﺎ ﻳﻘﻊ ﻋﻨﺪﻩ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻭﻟﻮﻻﻩ ﻟﻢ ﻳﻘﻊ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻤﻜﻴﻨﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﺗﻤﻜﻴﻦ ﻓﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻔﺴﺎﺩ. ﻭﻟﻴﺲ ﻷﺣﺪ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺗﻤﻜﻴﻦ ﺍﻟﺠﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺇﻟﻴﻨﺎ ﺗﻤﻜﻴﻦ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﺎﺳﺘﻔﺴﺎﺩ. ﻷﻧﺎ ﺑﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﺴﺪ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﻤﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﻭﺍﻟﻜﺎﺫﺏ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﻃﻞ ﺑﺎﻻﺗﻔﺎﻕ.

ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻥ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﺴﺪ ﺑﺪﻋﺎﺀ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻭﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤﻤﺨﺮﻗﻴﻦ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺴﺪ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ، ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﺳﺘﻔﺴﺎﺩ، ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻴﻤﻦ ﺑﻄﻞ ﻋﻨﺪ ﻣﺘﺸﺎﺑﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺧﻠﻖ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻭﻏﻴﺮﻩ. ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﻪ ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻠﻮﻡ، ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﺠﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ...[و] ﺃﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺳﺪ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ ﻭﺍﻟﻜﺎﺫﺏ. ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻛﺎﻑ ﻫﻬﻨﺎ، ﻓﺈﻥ ﺍﺳﺘﻴﻔﺎﺀﻩ ﻳﻄﻮﻝ ﺑﻪ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻭﻗﺪ ﺃﺟﺒﺖ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﺠﻦ ﺑﺄﻥ ﻗﻠﺖ: ﺑﺄﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻭﻃﻠﻮﻉ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻣﻦ ﻣﻐﺮﺑﻬﺎ ﻭﻗﻠﻊ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﻣﺎﻛﻨﻬﺎ ﻭﻃﻔﺮ ﺍﻟﺒﺤﺎﺭ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻭﻓﻠﻖ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﺊ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻌﺠﺰﺍ، ﻷﻥ ﺟﻨﺴﻪ ﺩﺍﺧﻞ ﺗﺤﺖ ﻣﻘﺪﻭﺭ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﻭﻻ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻦ. ﻭﻣﻦ ﺍﺭﺗﻜﺐ ﻓﻘﺎﻝ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ، ﻛﻔﺎﻩ ﻣﺎ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻨﺎﻋﺔ. ﻭﻣﺘﻰ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺣﻤﻞ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ ﻭﻗﻠﻊ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺣﻤﻞ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﻴﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﺗﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ، ﻷﻥ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﺨﻠﺔ ﻻ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻔﻴﻞ ﻭﻻ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟﻨﻤﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻞ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ، ﻭﻟﻮ ﺣﺼﻞ ﻣﻦ ﻟﻪ ﺑﻨﻴﺔ ﻛﺜﻴﻔﺔ ﻟﻮﺟﺐ ﺃﻥ ﻳﺮﻯ ﻭﻟﻮ ﺭﺃﻱ ﻟﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ [ﻓﻴﻪ] ﺩﻻﻟﺔ.

ﻗﻴﻞ: ﻫﺬﺍ ﺃﺻﻞ ﻓﻴﻪ ﻧﺰﺍﻉ، ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﻳﻜﻔﻲ ﻓﻲ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺤﻞ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻓﻘﻂ، ﻭﻣﺘﻰ ﺣﺼﻠﺖ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺟﺎﺯ ﺃﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، ﻭﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﺑﺄﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺟﻮﺍﺯ ﺣﻠﻮﻝ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩﺍﺕ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﻮﺍﺯﻯ ﺑﻪ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺭﺓ، ﻓﺈﻥ ﺍﺳﺘﺒﻌﺎﺩ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻛﺎﺳﺘﺒﻌﺎﺩ ﺍﻵﺧﺮ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺗﻘﻠﻊ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﻣﻊ ﺗﺨﻠﺨﻠﻬﺎ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺜﻘﺎﻝ ﻭﺗﻘﺼﻢ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﺼﻠﺒﺔ، ﻭﻗﺪ ﺃﻫﻠﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻷﻣﻢ ﺑﺎﻟﺮﻳﺢ. ﻓﺈﺫﺍ ﺟﺎﺯ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻟﻢ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﻣﺜﻠﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺟﺎﺋﺰﺍ ﻓﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺠﻦ ﻣﺘﻮﺟﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ، ﻭﻻ ﻣﺨﻠﺺ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺑﺄﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﺇﻥ ﺫﻟﻚ ﺍﺳﺘﻔﺴﺎﺩ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻨﻪ. ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺟﻨﺴﻪ ﻟﻴﺲ ﺑﻤﻘﺪﻭﺭ ﻛﺎﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻭﺍﻷﻟﻮﺍﻥ. ﻓﻘﻮﻟﻪ ﺑﺎﻃﻞ، ﻷﻥ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﻭﺍﻷﺻﻮﺍﺕ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻘﺪﻭﺭﻧﺎ، ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻳﻜﻮﻥ ﻛﻼﻣﺎ ﺑﺄﻥ ﻳﻮﺟﺪ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﺛﺮ ﺑﻌﺾ، ﻓﺎﻟﺠﻨﺲ ﻣﻘﺪﻭﺭ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺘﻌﺬﺭ ﻟﻔﻘﺪ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻊ. ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﻣﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰ. ﻓﻘﻮﻟﻪ ﺑﺎﻃﻞ، ﻷﻧﺎ ﻟﻮ ﻓﺮﺿﻨﺎ ﻭﻗﻮﻉ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ - ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻏﺎﻳﺔ ﺍﻟﺴﺨﻒ ﻭﺍﻟﺮﻛﺎﻛﺔ - ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻌﺎﺭﺿﺔ ﻋﻨﺪ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻼﺀ. ﻭﺍﻟﺴﺒﻖ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﺃﻳﻀﺎ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻌﺠﺰﺍ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﺒﻖ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﻢ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﻗﻮﻝ ﺍﻟﺨﻄﺐ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﻌﺠﺰﺍ. ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﺟﻬﺔ ﺇﻋﺠﺎﺯﻩ ﻣﺎ ﺗﻀﻤﻨﻪ ﻣﻦ ﺍﻹﺧﺒﺎﺭ ﺑﺎﻟﻐﺎﻳﺒﺎﺕ. ﻟﻴﺲ ﺑﺼﺤﻴﺢ، ﻷﻥ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻭﻗﻊ ﺑﺴﻮﺭﺓ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻭﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﻭﺧﺎﺻﺔ ﺍﻟﻘﺼﺎﺭ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﺑﺎﻟﻐﺎﻳﺒﺎﺕ، ﻓﻠﻮ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﺮﺍﻋﻰ ﻟﻌﺎﺭﺿﻮﺍ ﺑﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﻌﺎﺭﺿﻴﻦ ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﻃﻞ. ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﺟﻬﺔ ﺍﻻﻋﺠﺎﺯ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﻗﺾ. ﻓﺒﻌﻴﺪ، ﻷﻥ ﻟﻘﺎﺋﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ: ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ ﺇﺫﺍ ﺗﺤﻔﻆ ﻭﺗﻴﻘﻆ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻘﻊ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻪ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻟﻢ ﻳﻘﻊ، ﻓﻤﻦ ﺃﻳﻦ ﺃﻧﻪ ﺧﺎﺭﻕ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ. ﻭﻟﻮ ﺟﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻓﻀﺎﺋﻞ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﻣﺮﺍﺗﺒﻪ ﻟﻜﺎﻥ ﺟﻴﺪﺍ. ﻓﺄﻣﺎ ﻣﻌﺠﺰﺍﺗﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ (1) ﻛﻤﺠﺊ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺃﻗﺒﻠﻲ ﻓﺄﻗﺒﻠﺖ ﺗﺨﺪ ﺍﻷﺭﺽ ﺧﺪﺍ (2) ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﺎ ﺍﺭﺟﻌﻲ ﻓﺮﺟﻌﺖ، ﻭﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﻴﻀﺎﺓ ﻭﺃﻧﻪ ﻭﺿﻊ ﻳﺪﻩ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺎﺀ ﻓﻐﺎﺭ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﺻﺎﺑﻌﻪ ﺣﺘﻰ ﺷﺮﺑﻮﺍ ﻭﺭﻭﻭﺍ، ﻭﻣﺜﻞ ﺇﻃﻌﺎﻡ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺍﻟﻴﺴﻴﺮ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺣﻨﻴﻦ ﺍﻟﺠﺬﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﺫﺍ ﺧﻄﺐ ﻟﻤﺎ ﺗﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻨﺒﺮ ﻓﻠﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺍﻟﺘﺰﻣﻪ ﺳﻜﻦ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺗﺴﺒﻴﺢ ﺍﻟﺤﺼﻰ ﻓﻲ ﻛﻔﻪ ﻭﻛﻼﻡ ﺍﻟﺬﺭﺍﻉ ﻭﻗﻮﻟﻬﺎ ﻟﻪ ﻻ ﺗﺄﻛﻠﻨﻲ ﻓﺈﻧﻲ ﻣﺴﻤﻮﻣﺔ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺃﻧﻪ ﻟﻤﺎ ﺍﺳﺘﺴﻘﻰ ﻓﺠﺎﺀ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﻓﺸﻜﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ ﺗﻬﺪﻡ ﺍﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﻓﻘﺎﻝ ﺣﻮﺍﻟﻴﻨﺎ ﻭﻻ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﺤﺎﺏ ﻓﺼﺎﺭ ﻛﺎﻹﻛﻠﻴﻞ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻭﺍﻟﺸﻤﺲ ﻃﺎﻟﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، [ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺍﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻭﻗﺪ ﻧﻄﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺑﻪ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺷﻜﻮﻯ ﺍﻟﺒﻌﻴﺮ] ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ ﻷﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ " ﺗﻘﺎﺗﻞ ﺑﻌﺪﻱ ﺍﻟﻨﺎﻛﺜﻴﻦ ﻭﺍﻟﻘﺎﺳﻄﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺎﺭﻗﻴﻦ " ﻭﻗﻮﻟﻪ ﻟﻪ " ﺇﻧﻚ ﺗﻘﺘﻞ ﺫﺍ ﺍﻟﺜﺪﻳﺔ " ﻭﻗﻮﻟﻪ ﻟﻌﻤﺎﺭ " ﺗﻘﺘﻠﻚ ﺍﻟﻔﺌﺔ ﺍﻟﺒﺎﻏﻴﺔ ". ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻭﻓﺔ ﻣﺬﻛﻮﺭﺓ. ﻭﻟﻴﺲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻘﺎﻝ: ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺁﺣﺎﺩ ﻻ ﻳﻌﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻠﻬﺎ. ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺗﻮﺍﺗﺮﻭﻫﺎ ﻭﺃﺟﻤﻌﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺻﺤﺘﻬﺎ، ﻭﻧﺤﻦ ﻭﺇﻥ ﻗﻠﻨﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﻓﻬﻲ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺑﺎﻻﺳﺘﺪﻻﻝ ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺗﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ. ﻭﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻳﻀﺎ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﺍﻟﺤﻴﻞ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ، ﻷﻥ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﻨﻬﺎ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻴﻪ، ﻛﺎﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻭﺍﻻﺳﺘﺴﻘﺎﺀ ﻭﺇﻃﻌﺎﻡ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ ﺍﻟﻴﺴﻴﺮ ﻭﺧﺮﻭﺝ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺃﺻﺎﺑﻌﻪ ﻭﺇﺧﺒﺎﺭﻩ ﺑﺎﻟﻐﺎﺋﺒﺎﺕ ﻭﻣﺠﺊ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﺭﺟﻮﻋﻬﺎ ﻋﻨﻪ، ﻷﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺫﻟﻚ ﻻ ﺗﺘﻢ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺤﻴﻠﺔ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺤﻴﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ ﺍﻟﺨﻔﻴﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺙ ﺑﺎﻟﻨﺎﻗﻞ ﻭﻻ ﺗﺘﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، ﻭﺣﻨﻴﻦ ﺍﻟﺠﺬﻉ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺪﻋﻰ ﻛﺎﻥ ﻟﺘﺠﻮﻳﻒ ﻓﻴﻪ ﺩﺧﻠﻪ ﺍﻟﺮﻳﺢ، ﻷﻥ ﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ ﻻ ﻳﺨﻔﻰ ﻭﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﺴﺘﻜﻦ ﺑﻤﺠﺊ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻳﺤﻦ ﺇﺫﺍ ﻓﺎﺭﻗﻪ ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﺮﻳﺢ. ﻓﺄﻣﺎ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺬﺭﺍﻉ ﻗﻴﻞ ﻓﻴﻪ ﻭﺟﻬﺎﻥ: ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻧﺒﺄﻫﺎ ﺗﻨﺒﻴﻪ ﺍﻟﺤﻲ ﻭﺟﻌﻞ ﻟﻪ ﺁﻟﺔ ﺍﻟﻨﻄﻖ ﻓﺘﻜﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﺳﻤﻊ ﻭﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﺧﺎﺭﻗﺎ ﻟﻠﻌﺎﺩﺓ، ﻭﺍﻵﺧﺮ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺃﺿﺎﻓﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺬﺭﺍﻉ ﻣﺠﺎﺯﺍ. ﻭﻣﻦ ﻗﺎﻝ: ﻟﻮ ﺍﻧﺸﻖ ﺍﻟﻘﻤﺮ ﻟﺮﺁﻩ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺨﻠﻖ. ﻟﻴﺲ ﺑﺼﺤﻴﺢ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻣﺸﺎﻏﻴﻞ ﺑﺎﻟﻨﻮﻡ ﻭﻏﻴﺮﻩ، ﻓﺈﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ ﻓﻠﻢ ﻳﺘﻔﻖ ﻟﻬﻢ ﻣﺮﺍﻋﺎﺗﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻘﻲ ﺳﺎﻋﺔ ﺛﻢ ﺍﻟﺘﺄﻡ. ﻭﺃﻳﻀﺎ ﻓﻼ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻏﻴﻢ ﺣﺎﻝ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺮﻩ ﻭﻻ ﺷﺎﻫﺪﻩ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻟﻢ ﻳﺮﻩ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ.

 _______________

(1) ﺍﻧﻈﺮ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺠﺰﺍﺕ ﻓﻲ ﺑﺤﺎﺭ ﺍﻷﻧﻮﺍﺭ.

(2) ﺗﺨﺪ ﺍﻷﺭﺽ: ﺗﺸﻘﻬﺎ.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.