المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8091 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31

كفّارة قضاء رمضان والنذر المعيّن.
18-1-2016
عدم اشتراط الكثرة في المصلي على الجنازة
20-12-2015
ما هي الفيزياء ؟
5-7-2016
الأدب الكبير والأدب الصغير
25-4-2021
كلام الامام عن الصديق
7-4-2016
Primitive Prime Factor
16-9-2020


قاعدة « القرعة والاستخارة‌ »  
  
3232   07:18 صباحاً   التاريخ: 5-4-2022
المؤلف : الشيخ محمد باقر الإيرواني
الكتاب أو المصدر : دروس تمهيدية في القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2، ص 11
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / القرعة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-03 368
التاريخ: 26-3-2022 1979
التاريخ: 26-3-2022 2917
التاريخ: 2024-08-03 387

من القواعد التي تعرّض لها الأعلام في الاصول تارة والفقه اخرى قاعدة القرعة، فالشيخ النراقي في كتابه عوائد الأيّام [١] تعرّض للقاعدة المذكورة ضمن نقاط وبحث مسهب. وجاء بعده تلميذه الشيخ الأعظم في الرسائل [٢] فتعرّض لها في أواخر مبحث الاستصحاب بشكل مختصر وضمن ثلاثة أسطر تحت عنوان ان الاستصحاب إذا اجتمع مع القرعة فأيّهما المقدّم. وتبعه على ذلك بقية الاصوليين فتعرّضوا لها من الزاوية المذكورة وبشكل مختصر في الموضع المذكور.

 

هذا في الاصول.

وأمّا في الفقه فتعرّضوا لها في مناسبات مختلفة وبشكل عابر من قبيل ان العبد الذي يجوز له الزواج بأربع اماء بالعقد الدائم لو كان‌ عنده أربع اماء وصار حرّا فعليه طلاق ثنتين اما بتعيين ذلك من خلال اختياره ـ على احتمال ـ أو من خلال القرعة على احتمال آخر. وحينما ابرز احتمال مرجعية القرعة أخذوا بالبحث العابر عنها ومن الزاوية التي يهمهم التعرّض لها في المسألة المذكورة. امّا البحث بشكل متكامل أو شبه متكامل فلم نعثر عليه في الكتب الفقهية والاصولية.

وروايات القرعة تذكر في كتب الحديث في أبواب متعدّدة وبمناسبات مختلفة. وحاول الحر العاملي ان يجمع شطرا كبيرا منها في كتاب القضاء في الباب -١٢- من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى. هذا بالنسبة الى القرعة.

وامّا بالنسبة الى الاستخارة فهي ـ كما سنوضّح ـ مصداق من مصاديق القرعة أو قريبة من ذلك. وليس لها تعرض في الكتب الاصولية وانّما تذكر في الكتب الفقهية في كتاب الصلاة عند البحث عن أقسام الصلاة المستحبة التي منها صلاة الاستخارة.

وقد ذكر الحر العاملي الأحاديث المرتبطة بذلك في كتاب الصلاة في المورد المذكور.

وعلى أي حال يقع البحث عن القاعدة المذكورة ضمن النقاط التالية : ـ

١ ـ مضمون القاعدة.

٢ ـ مدرك القاعدة.

٣ ـ عموم القاعدة لما لا تعين له واقعا.

٤ ـ عموم القاعدة لغير باب التنازع والقضاء.

٥ ـ القرعة أصل أو أمارة.

٦ ـ اختصاص القرعة بالامام.

٧ ـ القرعة رخصة أو عزيمة.

٨ ـ مورد القرعة.

٩ ـ كيفية القرعة.

١٠ ـ الاستخارة بين نصوص أهل البيت عليهم‌السلام والمتشرّعة.

١١ ـ تطبيقات لقاعدة القرعة.

 

١ ـ مضمون القاعدة‌ :

لعل مضمون القاعدة واضح ، وهو ان الواقع إذا أشكل في مورد ولم يمكن تشخيصه من خلال أمارة أو أصل فيمكن المصير في تعيينه إلى الاقتراع وذلك بكتابة قطع متعددة وسحب واحدة منها.

 

٢ ـ مدرك القاعدة‌ :

قد يستدل على حجية القرعة بالكتاب العزيز تارة وبالسنّة الشريفة ثانية وبسيرة العقلاء ثالثة.

اما الاجماع فهو وان ادعي إلاّ ان ثبوته بنحو يكشف عن موافقة المعصوم عليه ‌السلام قابل للتأمّل بعد احتمال الاستناد إلى المدارك الثلاثة المتقدّمة.

وعليه فالمهمّ هو المدارك الثلاثة المتقدّمة.

امّا الكتاب الكريم فقد استدل منه بآيتين :

الاولى : قوله تعالى : {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 139 - 141] .

وقد ورد ان يونس لما لم يجبه قومه إلاّ بالتكذيب والرد دعا عليهم بالعذاب وأوعدهم بنزوله عليهم وخرج من بينهم الى ساحل البحر وإذا بسفينة مشحونة فركب فيها ولم تتمكن السفينة من مواصلة سيرها اما لاعتراض الحوت لها وعدم اندفاعه الا بالقاء واحد لها لتلتقمه أو لزيادة وزنها الذي تحتاج معه الى القاء أحد الركّاب منها. ثمّ تمّ الاتفاق على الاقتراع وخرجت القرعة باسم يونس وكان بذلك من المدحضين ، أي المغلوبين. وذلك ممّا يدلّل على حجيّة القرعة.

وقد يعترض على الاستدلال المذكور بالاعتراضين التاليين :

أ ـ ان الآية الكريمة تنقل قصّة وقعت في زمن غابر اشتملت على الاقتراع ، وذلك لا يدلّ على امضاء ما وقع فيها من أحداث حتى في تلك الشريعة فضلا عن شريعتنا.

وفيه : ان الآية الكريمة صريحة في اشتراك يونس ـ الذي هو نبي معصوم ـ في عملية المساهمة. مضافا الى ان السكوت عن تأنيب الفعل يستفاد منه الامضاء.

ب ـ ان الحكم المذكور لعلّه خاص بالشريعة السابقة ولا دليل على امضائه في شريعتنا.

وفيه : مضافا الى دلالة السكوت المتقدّمة يمكن التمسّك باستصحاب حكم الشريعة السابقة وعدم نسخه.

اذن الاعتراضان المذكوران غير تامّين.

الثانية : قوله تعالى : {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44] فانّه ورد في الأخبار ان «حنة» و «اشياع» كانتا اختين تزوجت الاولى بعمران أحد زعماء بني اسرائيل ولم تنجب أولادا فدعت الله سبحانه ان يرزقها مولودا فاستجاب دعاءها وأوحى سبحانه إلى عمران انّه سيهبه ولدا يشفي المرضى الذين لا يمكن علاجهم ويحيي الموتى بإذن الله. وحينما حملت حنة ظنّت انّه ذلك المولود فنذرته محرّرا لخدمة بيت المقدس. وحينما وضعته انثى {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ... وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} [آل عمران: 36] وحينما حملتها إلى بيت المقدس أخذ علماء بني إسرائيل بالتنافس في الفوز بتربيتها لكونها من اسرة آل عمران المعروفة واتفقوا على الاقتراع وألقوا أقلامهم ـ أي السهام أو الأقلام التي كانوا يكتبون بها الكتاب المقدّس ـ في النهر وغطس جميعها الا قلم زكريا فإنّه طفا ، وذلك ممّا يدل على حجيّة القرعة.

والاعتراضان السابقان يردان هنا أيضا. والجواب هو الجواب.

والصحيح في الاعتراض على الآيتين الكريمتين ان يقال : انهما لا تدلاّن على حجيّة القرعة بمعنى كونها المرجع المتعين من قبل الشرع المقدّس بحيث لا يمكن الحياد عنه إلى غيره عند تمشكل الأمر بل لعل ذلك من باب تسالم الخصوم على الرجوع لها والأخذ بمضمونها نظير ما إذا تمّ الاتفاق على الأخذ بحكم شريف العشيرة أو ما يشبه ذلك. ان هذا محتمل في الآيتين ، ومعه لا يمكن التمسّك بهما لإثبات حجية القرعة‌ وكونها المرجع الشرعي المتعيّن عند تمشكل الأمر.

وممّا يؤكد ما أشرنا إليه من الاعتراض ان الآية الكريمة عبّرت بالادحاض حيث قالت (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) ، ومثل هذا التعبير لا يتناسب والأخذ بوظيفة شرعية عينت من قبل الشرع للسير على طبقها عند تمشكل الأمر بخلاف ما إذا فرضنا ان الأخذ بها كان من باب تباني الخصوم عليها فان مثله لا حزازة فيه.

هذا مضافا الى انها حتى لو دلّت على حجّية القرعة وتعينها من قبل الشارع كمرجع عند تمشكل الأمر فهي خاصة بموردها وليس لها اطلاق تدل بواسطته على مرجعية القرعة في غير موردها.

وعليه فالاستدلال بالآيتين الكريمتين على المطلوب غير ممكن.

واما السنّة الشريفة فيمكن ان يدعى بلا مبالغة تواتر الأخبار الدالّة على حجيّة القرعة، بيد ان تواترها معنوي لا لفظي.

ويمكن تصنيفها إلى أخبار عامّة وأخبار خاصّة.

اما الأخبار العامّة فيمكن ان نمثّل لها بصحيحة محمّد بن حكيم : «سألت أبا الحسن عليه ‌السلام عن شي‌ء فقال لي : كلّ مجهول ففيه القرعة. قلت له : ان القرعة تخطئ وتصيب. قال : كل ما حكم الله به فليس بمخطئ» [3].

ودلالتها على العموم واضحة فانه وان لم يحدّد فيها المقصود من كلمة «شي‌ء» ومن المحتمل اختصاصه بمورد معين الا ان ذلك لا يمنع من استفادة العموم منها فان العبرة بعموم الجواب ولا يضر بذلك اختصاص السؤال بمورد معين.

واما ما ورد على لسان الفقهاء من ان القرعة لكل أمر مشكل أو مشتبه فليس عليه رواية صحيحة. أجل في دعائم الإسلام قال : عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم ‌السلام : انّهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما اشكل [4].

ولكن الرواية المذكورة ضعيفة السند ولا أقل من جهة الإرسال.

واما صحيحة محمّد بن حكيم فقد عبّر عنها في كلمات الاعلام بالرواية الذي هو مصطلح عادة للرواية الضعيفة ، إلاّ انّه يمكن تصحيحها ، فانّها بطريق الشيخ الطوسي وان كانت ضعيفة ب «علي بن عثمان» لعدم ورود توثيق في حقّه إلاّ انّها بطريق الشيخ الصدوق صحيحة.

أجل يمكن التأمّل في محمّد بن حكيم نفسه باعتبار ان الشيخ والنجاشي وان ذكراه ولكنّهما لم يوثقاه.

الا انّه يمكن توثيقه من خلال ما نقله الكشي بطريق صحيح عن حماد : «كان أبو الحسن عليه ‌السلام يأمر محمّد بن حكيم ان يجالس أهل المدينة في مسجد رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم وان يكلّمهم ويخاصمهم حتى كلّمهم في صاحب القبر فكان إذا انصرف إليه قال له : ما قلت لهم وما قالوا لك ويرضى بذلك منه» [5] فإنّه ليس من المناسب للإمام عليه ‌السلام ان يأمر شخصا بتمثيل المذهب الجعفري والتحدّث عن لسانه الا إذا كان له وثوق كامل به.

واما الأخبار الخاصة فهي كثيرة تذكر كمثال لذلك صحيحة ابراهيم‌ بن عمر عن أبي عبد الله عليه ‌السلام «رجل قال : أوّل مملوك أملكه فهو حر فورث ثلاثة قال: يقرع بينهم فمن أصابه القرعة اعتق. قال : والقرعة سنّة» [6].

هذا وبالامكان عدّها من الاخبار العامة بقرينة التعبير في الذيل : «والقرعة سنة».

واما السيرة العقلائية فلا اشكال في انعقادها على العمل بالقرعة في الامور المشكلة والأمثلة في حياتنا الاجتماعية اليوم كثيرة فيقرع بين الطلاب في المدارس إذا زاد عددهم عن الحدّ المقرّر للقبول وبين من تقدّم بطلب الحج إذا زاد العدد ، وهكذا في أمثلة اخرى.

وهذه السيرة حيث لا نحتمل حدوثها جديدا ولم يرد عنها ردع بل ورد ما يدل على الامضاء ـ من قبيل جملة «والقرعة سنة» في الصحيحة السابقة ـ فتكون حجّة.

 

٣ ـ عموم القاعدة لما لا تعين له واقعا‌ :

الشي‌ء المجهول تارة يكون متعيّنا واقعا ومبهما ظاهرا ، واخرى لا يكون له تعين حتى واقعا.

فمن اعتق عبدا معيّنا من عبيده ثم اشتبه عليه بعد ذلك فهو من النحو الأول بينما لو اعتق من البداية عبدا غير معيّن من عبيده فهو من النحو الثاني.

والقدر المتيقن من أدلّة حجية القرعة ما إذا كان الشي‌ء متعينا واقعا وطرأ عليه الابهام ظاهرا.

اما إذا كان الشي‌ء مبهما واقعا أيضا فقد وقع الخلاف بين الاعلام في شمول عموم أدلّة حجية القرعة له. فالشيخ العراقي مثلا في نهاية الأفكار [7] استدل على عدم الشمول بالقصور في المقتضي بتقريب ان عنوان «المجهول» الوارد في أدلّة حجية القرعة لا يصدق عرفا إلاّ على ما هو متعيّن واقعا واشتبه وخفي ظاهرا واثباتا.

وزاد في المستمسك ان بعض الأحاديث الشريفة وان ورد فيما لا تعين له واقعا الا انّه خاص بمورده ولا عموم له ، فصحيحة ابراهيم السابقة مثلا وان كان موردها ذلك الا انّها خاصة بموردها وهو حرية أول مملوك ولا يمكن استفادة التعميم منها [8].

ومن الغريب انّهم في الموارد الاخرى يستعينون بضم مقدّمة خارجية وهي عدم القول بالفصل بينما في المقام لم يجروا على سيرتهم المذكورة.

والمناسب الحكم بالتعميم ، فان السيرة العقلائية لها عموم من هذه الناحية ، والأمثلة المتقدّمة التي ذكرناها للسيرة العقلائية هي ذات واقع غير متعيّن في نفسه ، بل ان في نصوص أهل البيت عليهم ‌السلام ما يدل على التعميم ، فصحيحة ابراهيم المتقدّمة مثلا وان كانت واردة في عتق أوّل مملوك وتختص بذلك الا ان ذيلها المعبر فيه «والقرعة سنّة» يفهم منه التعميم وعدم الخصوصية لموردها.

ومن الملفت للنظر اختلاف رأي السيد الخوئي قدس ‌سره فبينما اختار في‌ مصباح الاصول الاختصاص اختار في مباني العروة الوثقى التعميم فلاحظ [9].

 

٤ ـ عموم القاعدة لغير باب التنازع والقضاء‌ :

المورد المشكل الذي يراد فيه الرجوع الى القرعة تارة يكون مشتملا على التنازع ويحتاج في رفعه إلى القضاء الشرعي واخرى لا يكون كذلك.

فمثلا إذا اختلف شخصان في طفل كلّ منهما يدّعي انّه ولده وأقام البيّنة على ذلك أو اختلفا في دار كل منهما يدّعيها ولا يدله عليها رجعنا إلى القرعة لرفع الخصومة والنزاع وكان ذلك مثالا للأول. اما إذا فرض في مثال الطفل ان كل واحد من الشخصين لا يقول هو ولدي بل يقول لا أدري هو ولدي أو لا مع علمهما بأنّه لا يعدوهما وهو ابن احدهما جزما كان ذلك مثالا للثاني.

والقدر المتقين من دليل حجية القرعة هو المورد الأوّل الذي فيه نزاع وخصومة وانما الكلام في عمومه للمورد الثاني.

وقد يفهم من تمسك الفقهاء في موارد مختلفة من باب القضاء بالقرعة اختصاصها بذلك وعدم حجيتها في غيره.

والصحيح هو التعميم فان بناء العقلاء لا يختص بذلك وهكذا صحيح محمد بن حكيم المتقدّم الذي ورد فيه : «كل مجهول ففيه القرعة» مطلق من هذه الناحية. بل ان صحيح ابراهيم بن عمر المتقدّم‌ الوارد في حرية أوّل مملوك يملكه يختص بحالة عدم النزاع والخصومة وناظر للمورد المذكور،وتعبير الامام عليه‌السلام في الذيل «القرعة سنة» يدل على حجية القرعة فيما شابه المورد المذكور من الموارد التي ليس فيها نزاع ولا يختص به.

 

٥ ـ القرعة أصل أو أمارة‌ :

نحن نعرف الفارق بين الأمارة والأصل فان ما جعله الشارع حجّة من جهة قوّة كاشفيته هو امارة والا فهو أصل. وقد وقع الخلاف في القرعة وانها أمارة أو أصل. وكأن بعض الأخبار يوحي بكونها أمارة ففي صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌ السلام عن النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم : «... ليس من قوم تقارعوا ثمّ فوّضوا أمرهم الى الله إلاّ خرج سهم المق» [10] فانّه قد يستفاد منها كاشفيتها الظنّية بل القطعية عن الواقع.

وهذا البحث لا نرى له ثمرة مهمّة فان القرعة حتى لو كانت امارة لا تتقدّم على غيرها امارة كان أو أصلا بل جميع القواعد الاخرى من امارات واصول تتقدّم على القرعة باعتبار ان موضوع حجية القرعة هو الأمر المجهول ومع وجود قاعدة شرعية تحدّد الموقف الشرعي لا تبقى جهالة في المورد ليرجع الى القرعة.

أجل يمكن ظهور الثمرة بناء على حجيّة الامارة في لوازمها غير الشرعية ـ كما هو رأي المشهور من أعلام الاصوليين ـ فان القرعة لو كانت امارة ودلّت على شي‌ء كانت حجّة في لوازمها غير الشرعية‌ بخلاف ما لو كانت أصلا.

والمناسب كون القرعة أصلا فان السيرة لو لاحظناها وجدنا ان العقلاء يأخذون بالقرعة لا من باب كاشفيتها بل من باب انّها الموقف العملي الأخير لحلّ المشكلة حيث لا حلّ غيره.

واما الصحيحة السابقة فلا دلالة لها على الأمارية إذ هي لا تدلّ على ان جعل الشارع الحجية لها ناشئ من كاشفيتها بل لعل المقصود انّها أصل ولم تعتبر الحجية لها من جهة الكشف غايته ان المتقارعين إذا أجروا القرعة وتوكلوا على الله سبحانه فهو من جهة انّهم أوكلوا أمرهم إليه يقرّر لها اصابة الواقع نظير من يدخل في عملية اصلاح بين طرفين طالبا بذلك رضا الله عزّ وجلّ فإنّه يسدّده ويجعل كلامه مؤثّرا ومواقفه مصيبة للواقع.

والصحيحة نفسها تدلّ على ان تقدير اصابة الواقع لها مختص بحالة تفويض الأمر الى الله سبحانه ، وهل يحتمل التفصيل وان القرعة امارة في حالة تفويض الأمر الى الله عزّ وجلّ وأصل في غير الحالة المذكورة!

 

٦ ـ اختصاص القرعة بالامام‌ :

هناك كلام في ان القرعة هل هي من الوظائف الخاصة بالإمام عليه‌ السلام بحيث لا تحق لغيره أو تعمّ نوّابه المجتهدين أو تعمّ غيرهما أيضا؟ اختار الشيخ النراقي في عوائده [١1] كونها‌ وظيفة للإمام عليه ‌السلام ونوّابه.

والمناسب التفصيل بين ما اذا كان هناك نزاع يحتاج حلّه الى قضاء الحاكم الشرعي وبين ما اذا لم يكن ذلك ، ففي الأوّل تكون وظيفة للحاكم كسائر ما يستعين به الحاكم في باب القضاء من البيّنة والقسم وفي الثاني لا يكون وظيفة له.

والوجه فيما ذكرناه : ان حلّ الخصومة بما انّه مطلوب شرعا ولا يحتمل اختصاص مطلوبيته بزمان حضور الامام عليه ‌السلام فلا معنى معه لاحتمال كونها وظيفة خاصة بالإمام عليه ‌السلام بل ينبغي ثبوت ذلك لحكام الشرع أيضا كسائر ما يستعان به لحلّ النزاع.

واما إذا لم يكن هناك نزاع فلا موجب للاختصاص بالإمام عليه ‌السلام ولا بنوّابه وتكفينا عمومات حجية القرعة من بناء العقلاء واطلاق القرعة سنة وانّها لكل أمر مجهول.

أجل ورد في مرسلة حمّاد عمّن ذكره عن أحدهما عليهما السّلام : «القرعة لا تكون إلاّ للإمام» [12] وفي رواية يونس : «رجل كان له عدّة مماليك فقال : أيّكم علّمني آية من كتاب الله فهو حرّ فعلّمه واحد منهم ثم مات المولى ولم يدر أيّهم الذي علّمه انّه قال: يستخرج بالقرعة. قال : ولا يستخرجه إلاّ الامام لأنّ له على القرعة كلاما ودعاء لا يعلمه غيره» [13].

الا ان المرسلة مضافا الى ضعف سندها بالارسال يمكن ان تكون ناظرة الى باب النزاع والخصومة وانّه مع وجوده تكون عملية‌ الاقتراع خاصة به ، انّها ناظرة الى ذلك والا فهل يحتمل عدم حجية القرعة في مثل زماننا وابقاء الخصومة والنزاع على ما هما عليه؟!

واما رواية يونس فمضافا الى ضعف سندها باسماعيل بن مرار الذي لم يرد في حقّه توثيق الا بناء على وثاقة جميع رجال كامل الزيارات ، ومضافا الى كون الرواية مقطوعة بمعنى ان المسؤول هو يونس دون الامام عليه ‌السلام يمكن ان يقال بظهورها في الاستحباب بقرينة التعليل المذكور فيها فان الدعاء ليس لازما عند الاقتراع جزما ، ولو كان لازما يلزم اختصاص القرعة بزمان حضور الامام عليه ‌السلام وهو أمر غير محتمل كما تقدّم.

 

٧ ـ القرعة رخصة أو عزيمة‌ :

وقع البحث في ان عملية الاقتراع في موارد تمشكل الأمر لازمة بحيث ليس للمكلف الحياد عنها أو جائزة يمكنه تركها. وبكلمة اخرى :هل عملية الاقتراع رخصة أو عزيمة؟

ولعل السبب الباعث على ذلك ان أدلّة مشروعية القرعة لا يفهم منها الالزام والحتمية فقولهم عليهم‌ السلام : «القرعة سنّة» أو «ليس من قوم تقارعوا ثم فوّضوا أمرهم الى الله إلاّ خرج سهم المحق» لا يستفاد منه إلاّ الرجحان والمشروعية لا أكثر.

والتساؤل السابق يأتي نفسه في نتيجة القرعة ، فلو تقارع الطرفان وعينت القرعة إحدى النتيجتين فهل يتحتم الأخذ بذلك؟

والمناسب في الجواب عن كلا التساؤلين ان يفصّل بين ما إذا كان اتخاذ القرار على طبق القرعة لازما ـ كما إذا تنازع شخصان في طفل‌ كل منهما يدّعي أنّه ولده أو كالمولود الذي ليس له فرج الذكور ولا فرج الاناث ـ فيكون الأخذ بها وبنتيجتها لازما وإلاّ فلا. هذا هو المناسب.

وليس من المناسب التفصيل بين وجود واقع مجهول يراد تعيينه ـ كمثال الطفل المتنازع فيه ـ فيكون الأخذ بالقرعة وبنتيجتها لازما وبين ما إذا لم يكن واقع مجهول ـ كمن قال أوّل عبد أملكه حر ـ فلا لزوم.

والوجه في وهن ما ذكر : ان الواقع قد يكون له تعين مجهول وبالرغم من ذلك لا يكون الأخذ بالقرعة لازما كالدار التي اختلف في ملكيتها شخصان وتصالحا على تقسيمها نصفين أو تنازل أحدهما للآخر عنها.

وقد لا يكون تعين للواقع وبالرغم من ذلك يلزم الأخذ بالقرعة ، كما لو نذر المكلّف اكرام أوّل داخل عليه فدخل عليه ثلاثة وهو لا يستطيع اكرام أكثر من واحد فان الأخذ بالقرعة لازم عليه بالرغم من عدم تعين الواقع.

 

٨ ـ مورد القرعة‌ :

والمورد الذي تجري فيه القرعة هو كل موضوع فقد القواعد الشرعية القابلة لتعيين الحال فيه ، فانّا لو أخذنا سيرة العقلاء بنظر الاعتبار وجدنا ان العقلاء انّما يتمسكون بالقرعة في خصوص المورد المذكور ، ولا أقل هي دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو ما ذكرناه. ولو أخذنا النصوص بنظر الاعتبار وجدناها تحدّد موضوع‌ القرعة بالمجهول وهو لا يصدق مع امكان تعيين الحال من خلال قاعدة شرعية.

وبهذا يتّضح ان الشبهات الحكمية لا يمكن تطبيق القرعة فيها ، فلو شككنا في حرمة التدخين أو نحو ذلك فلا يمكن الرجوع إليها لأنّه في مورد الشبهات الحكمية لا بدّ من وجود قاعدة تحدّد الموقف امّا بالبراءة فيما إذا كان الشك في أصل التكليف أو بالاحتياط فيما إذا كان الشك في المكلّف به أو بالتخيير فيما إذا كان الدوران بين المحذورين أو بالاستصحاب فيما إذا كان الشك في بقاء الحالة السابقة.

وهكذا لا تجري القرعة في الشبهة الموضوعية التي يمكن تحديد الحال فيها من خلال قاعدة شرعية ، كما لو شككنا في ان الدار المتنازع فيها هي لزيد أو لعمرو وكان أحدهما صاحب يد أو بيّنة.

وعليه فينحصر مورد القرعة بالشبهات الموضوعية الفاقدة للقاعدة التي يمكن تحديد الموقف من خلالها ، كما لو اختلف شخصان في دار ولكل منهما بيّنة بلا يد.

وبهذا تتضح عدّة امور :

أ ـ التأمّل في صحّة ما ذكره الشيخ العراقي في نهاية الأفكار [14] من ان القرعة انّما لا تجري في الشبهات الحكمية من جهة ظهور عنوان المجهول والمشتبه في كونه وصفا لذات الشي‌ء المردّد بين الأشياء وليس وصفا لحكمه ، ومن الواضح ان الاشتباه في موارد الشبهات الحكمية ليس في ذات الشي‌ء بل في حكمه ، فنحن نعلم مثلا ان هذا لحم‌ الأرنب وانّما نشك في حكمه وانّه يحرم أكله أو يحل.

ووجه التأمّل : ان تحديد الاشتباه بخصوص ما ذكر أوّل الكلام وعهدته عليه.

وكان بامكانه التمسك لإخراج الشبهات الحكمية عن دليل القرعة بما ذكرناه من عدم صدق عنوان المجهول بعد امكان الاستعانة بقاعدة من القواعد الشرعية.

ب ـ ان الاستصحاب وغيره من القواعد والاصول متقدّم على القرعة بالورود ، بمعنى انّها بجريانها ترفع عنوان المجهول الذي هو موضوع حجيّة القرعة.

ج ـ ورد في كلمات غير واحد من الاصوليين ان دليل القرعة لا يمكن التمسّك بعمومه في مورد إلاّ بعد الانجبار بعمل الأصحاب وذلك من جهة كثرة التخصيصات الطارئة عليه ، وحيث ان كثرة التخصيص أمر مستهجن فيكشف ذلك عن كون الموضوع لحجية القرعة معنى خاصا لا يلزم منه كثرة التخصيص ، وبما ان ذلك المعنى الخاص مجهول لنا فنبقى غير قادرين على التمسّك بعموم دليل القرعة.

قال الشيخ الأعظم في الرسائل : «ذكر في محله ان أدلّة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الأصحاب أو جماعة منهم» [15].

ووجه النظر : ان محذور التخصيص الكثير غير وارد بعد اختصاص موضوع القرعة بالمجهول الذي لا يصدق مع امكان تطبيق أي قاعدة من القواعد الشرعية فان المورد المذكور نادر وقليل ولا يلزم‌ من التزام القرعة فيه أي محذور.

 

٩ ـ كيفية القرعة‌ :

ورد في بعض الروايات كيفيات خاصّة للقرعة وقراءة دعاء خاص عندها ، ففي صحيحة الفضيل بن يسار : «سألت أبا عبد الله عليه ‌السلام عن مولود ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء. قال : يقرع عليه الامام أو المقرع يكتب على سهم عبد الله وعلى سهم أمة الله ثم يقول الامام أو المقرع : اللهمّ أنت الله لا إله إلاّ أنت عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. بيّن لنا أمر هذا المولود حتى يورث ما فرضت له في الكتاب. ثم يطرح السهمان في سهام مبهمة ثم تجال السهام على ما خرج ورث عليه» [16].

الا ان الذي يقرأ النصوص يفهم ان الغرض لا يتعلّق بكيفية خاصة كما وان الدعاء ليس أمرا لازما. أجل الدعاء وسيلة مهمّة للتسديد والوصول الى الهدف في حياة المؤمن خصوصا في هذا المجال وبه يتحقق استمداد العاجز من القادر على كلّ شي‌ء ف «ليس من قوم تقارعوا ثم فوّضوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج سهم المحق».

 

١٠ ـ الاستخارة بين نصوص أهل البيت والمتشرّعة :

من الجدير في البداية تعرّف معنى الاستخارة في اللغة ثم في نصوص أهل البيت عليهم ‌السلام. الاستخارة لغة تعني طلب الخيرة [17].

واستخير الله أي : أطلب من الله الخير [18].

واما النصوص فقد وردت الاستخارة فيها في معنيين :

الأوّل : المعنى اللغوي المتقدّم نفسه. وقد دلّت على ذلك عدّة روايات. وبعضها دل على رجحان ان يكون ذلك بعد صلاة ركعتين ، ففي صحيحة عمرو بن حريث : «قال أبو عبد الله عليه ‌السلام : صلّ ركعتين واستغفر الله فو الله ما استخار الله مسلم إلاّ خار له البتة» [19].

وهذه نكتة مهمة في باب الآداب الاسلامية ، فالمؤمن متى ما أقدم على عمل كدرس أو تدريس أو زواج أو شراء دار أو ما شاكل ذلك طلب من الله سبحانه ان يقدّر له الخير والصلاح فيه ليكون بذلك لائقا ومعدا لمدّ يد المعونة إليه.

وفي حديث الصدوق باسناده عن هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه‌ السلام : «إذا أراد أحدكم أمرا فلا يشاور فيه أحدا من الناس حتى يبدأ فيشاور الله تبارك وتعالى. قال: قلت : جعلت فداك وما مشاورة الله؟ قال : تبتدأ فتستخير الله فيه أوّلا ثم تشاور فيه فانّه إذا بدأ بالله أجرى له الخيرة على لسان من يشاء من الخلق» [20].

ومن الراجح للمؤمن ان يكرّر الاستخارة ـ بمعنى طلب الخيرة ـ وسند الشيخ الصدوق الى هارون وان كان ضعيفا ب «محمّد بن علي الكوفي» المعروف بالصيرفي وبأبي سمينة لكنها صحيحة بطريق البرقي.

خصوصا في الامور المهمّة ، ففي حديث ناجية عن أبي عبد الله عليه‌ السلام : «كان إذا أراد شراء العبد أو الدابة أو الحاجة الخفيفة أو الشي‌ء اليسير استخار الله فيه سبع مرّات فاذا كان أمرا جسيما استخار الله مائة مرّة» [21].

الثاني : الاستخارة بمعنى طلب المشورة من الله سبحانه ، فالمؤمن إذا أقدم على عمل معين وهو لا يعرف ان فيه مصلحة أو لا يستشير الله عزّ وجلّ ليتعرّف من خلال ذلك وجود المصلحة وعدمها.

اما كيف تتحقق الاستشارة من الله سبحانه؟ ذلك اما من خلال الرقاع أو المصحف الشريف أو بالقبض على مقدار من خرز المسبحة وما شاكل ذلك.

 

وقد ورد في غالب الطرق المذكورة روايات تتسم بشكل عام بضعف السند. ويمكن مراجعة تلك الروايات في كتاب وسائل الشيعة [22].

وقد قام صاحب الجواهر والحدائق [23] باستعراض مجموعة من تلك الطرق بل وألّف السيّد رضي الدين بن طاوس رسالة خاصّة في هذا المجال سمّاها برسالة الاستخارات.

ونلفت النظر الى ان مسألة الاستخارة لم تختص بها معاجم الحديث الشيعية بل وردت في معاجم حديث العامة أيضا ، ففي كنز‌ العمّال عن النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم : «إذا هممت بأمر فاستخر ربّك فيه سبع مرّات ثم انظر الى الذي يسبق إلى قلبك فان الخير فيه» [24].

وفي مستدرك الحاكم عن رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم : «من سعادة ابن آدم استخارته الى الله، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله» [25].

الا انها كما ترى ناظرة الى الاستخارة بالمعنى الأوّل.

وبعد هذه اللمحة الموجزة عن الاستخارة نطرح تساؤلات ثلاثة :

التساؤل الأوّل‌ :

كيف نثبت اعتبار الاستخارة بشكلها المتداول اليوم بين المؤمنين؟

يمكن الاستعانة بالطريقين التاليين :

١ ـ التمسك بروايات القرعة ، ففي صحيحة محمد بن حكيم : «كل مجهول ففيه القرعة» [26] ، فانّها باطلاقها تشمل كل مجهول بما فيه المورد الذي يقدم عليه المؤمن ويشك في وجود المصلحة وعدمها.

وقد تقدّم ان القرعة لا تنحصر بكيفية معينة بل يمكن ان تتحقق من خلال المسبحة وغيرها.

بل ان روايات القرعة الاخرى الناظرة الى حالة وجود التنازع من قبيل صحيحة أبي بصير : «... ليس من قوم تقارعوا ثم فوّضوا أمرهم الى الله إلاّ خرج سهم المحق» [27] يمكن التمسك بها بعد الغاء خصوصية‌ النزاع ، فانّه يمكن ان يفهم منها ان تمام النكتة تمكن في وجود حق مجهول يراد تعرّفه ، وبتفويض الأمر الى الله سبحانه يمكن الوصول الى ذلك الحق المجهول ـ وهو وجود المصلحة وعدمها في المقام ـ من خلال الاقتراع الذي له أنحاء متعددة من جملتها الاستعانة بالمسبحة.

٢ ـ نحن لسنا بحاجة في اثبات مشروعية الاستخارة بأشكالها المتداولة اليوم إلى قيام دليل خاص بل تكفينا أدلّة الحث الشديد على الدعاء والتي تجعل منه عبادة بأسمى معانيها { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]اذ من الواضح ان الذي يقبض المسبحة ونحوها من وسائل الاستخارة يأخذ بالدعاء والالحاح على الله سبحانه في تشخيص واقع الأمر المجهول عليه ، وأي محذور في ان يطلب المؤمن أثناء دعائه تشخيص الواقع المجهول له من خلال المسبحة وغيرها؟

ان المسألة ما دامت مسألة دعاء فهي لا تحتاج بعد ذلك الى دليل خاص يدل على المشروعية وتكفي أدلّة مشروعية الدعاء ورجحانه.

كما ان المسألة بعد هذا لا تبقى منحصرة بالمسبحة وبطريقة خاصة بل من حق المؤمن الاستعانة بأي وسيلة شاء ـ سواء كانت هي المسبحة أو القرآن الكريم أو الرقاع الخاصة أو أي وسيلة اخرى ـ ما دام هو يدعو الله سبحانه ويطلب منه من خلال تلك الوسيلة الخاصة تشخيص الواقع المجهول له.

وأيضا ما دامت القضية ترجع الى كونها مصداقا من مصاديق‌ الدعاء فمن الراجح اختيار الوقت المناسب والمكان المناسب والالحاح عليه سبحانه في اراءة الطريق من خلال المسبحة أو غيرها من الوسائل.

والأجدر بالمؤمن ان يجمع بين كلا معنيي الاستخارة ، فاذا أراد الاقدام على قضية معينة وكان شاكّا في سلامة نتائجها استخار بالمعنى الثاني من خلال المسبحة أو غيرها فاذا تشخص له الموقف الذي يلزمه اتخاذه استخار الله سبحانه بالمعنى الأوّل بمعنى طلب تقدير الخير والموفقية في الموقف الذي صمم على اتخاذه.

وينبغي الالتفات الى ان من أحسن وسائل الاستخارة بالمعنى الثاني وأقواها ان يدعو الله عزّ وجلّ أوّلا بتقدير الموفقية والخير فيما سوف يتخذه من موقف ويدعو منضما الى ذلك بأن يلهم سبحانه قلبه بما هو سداد فيفكر ويهتدي في تفكيره الى ذلك أو يسترشد بعض اخوانه فيوفقون في ارشاده الى ذلك.

ان هذا الطريق كما هو عقلائي في نفسه ويدخل تحت مصداقية الدعاء قد دلّت عليه بعض الروايات ، ففي رواية هارون السابقة :«... تبتدأ فتستخير الله فيه أوّلا ثم تشاور فيه فانه إذا بدأ بالله أجرى له الخيرة على لسان من يشاء من الخلق» [28].

وفي حديث الامام الصادق عليه ‌السلام : «إذا عرضت لأحدكم حاجة فليستشر الله ربّه فان أشار عليه اتبع وان لم يشر عليه توقف. قال : قلت : يا سيدي كيف أعلم ذلك؟ قال: يسجد عقيب المكتوبة ويقول : اللهمّ‌ خر لي مائة مرّة ثم يتوسّل بنا ويصلّي علينا ويستشفع بنا ثم تنظر ما يلهمك تفعله فهو الذي أشار عليك به» [29].

وينبغي ان لا يغيب علينا ان الاستخارة بالمعنى الثاني بعد دخولها في مصداقية الدعاء فمن المناسب الاقتصار فيها على الحدود العقلائية للدعاء ، فكما لا يليق للعاقل ان يدعو بنزول مائدة عليه من السماء بل اللائق ان يدعو بالموفقية في سعيه وطلبه للرزق كذلك من المناسب اقتصاره في الاستخارة بالمعنى الثاني على مثل ذلك فيستخير عند تحيره وعدم معرفته بالمصلحة وعدم وجود من يمكنه الاستعانة به في مقام الاستشارة.

وإذا قيل : بناء على ادخال الاستخارة بالمعنى الثاني في مصداقية الدعاء ينبغي الحكم باستحبابها كما يحكم باستحباب الدعاء.

كان الجواب : ان الطلب من الله سبحانه بأن يرزق عبده أموالا وأولادا دعاء جزما فاذا حكم باستحباب مثله فليحكم باستحباب الاستخارة بالمعنى الثاني أيضا واذا لم يحكم باستحباب مثل ذاك لم يحكم باستحباب الاستخارة أيضا.

التساؤل الثاني‌ :

هل من الصحيح ايكال أمر الاستخارة الى شخص ثان وعدم تصدي صاحب القضية نفسه لها كما هو المتداول بين المتشرعة من المؤمنين يومنا هذا؟ أجاب صاحب الجواهر عن ذلك بأولوية استخارة المؤمن نفسه لنفسه لخلو النصوص من الاشارة الى فكرة النيابة بل‌ لعل الأصل يقتضي عدم مشروعية ذلك لأنّها من المستحبات المشتملة على التضرّع والدعاء ممّا لا يجري الاستنابة فيه وان تعارف في زماننا هذا بل وما تقدّمه بين العلماء فضلا عن العوام الاستنابة في ذلك [30].

هذا والمناسب الجزم بجواز ذلك لأنّ القضية ما دامت ترجع الى مصداقية الدعاء فما أجدر ان يكون الدعاء للمؤمن بلسان لم يرتكب به ذنبا فيدعو المؤمن لأخيه المؤمن من خلال المسبحة أو غيرها بارشاده الى طريق الصواب والموفقية.

بل لعل الأجدر من زاوية هو النيابة حيث توحي بأن الشخص لا يرى لنفسه اللياقة في التحدث وطلب الحاجة من الله سبحانه. وقد جرت العادة في ان طالب الحاجة من السلطان العظيم لا يتقدّم إليه بنفسه بل بواسطة شفيع. وهو سبحانه وان كان كما ورد في الدعاء : «الحمد لله الذي اناديه كلّما شئت لحاجتي وأخلو به حيث شئت لسري بغير شفيع فيقضي لي حاجتي» الا ان تقديم الشفيع أكثر تأدّبا واحتراما.

وبعد هذا البيان لإثبات جواز الاستنابة في الاستخارة لا نبقى بحاجة الى ما ذكره البعض من التمسك بأدلّة رجحان قضاء حاجة المؤمن بتقريب ان المؤمن إذا طلب من أخيه الاستخارة له فمن باب رجحان اجابة دعوته تشرع الاستخارة له.

التساؤل الثالث‌ :

قد يعترض على مشروعية الاستخارة بالنهي عن الاستقسام‌ بالأزلام في قوله تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3] حيث قيل ان المراد به النهي عمّا كان متداولا زمن الجاهلية من الضرب بالسهام لاستعلام الخير والشر في الأفعال وتمييز النافع من الضار، فمن يريد سفرا أو زواجا أو ما شاكل ذلك يضرب بالسهام لتشخيص ما فيه الخير فيعمل به، والاستخارة المتداولة يومنا هذا من خلال الرقاع أو غيرها لتمييز ما فيه المصلحة عمّا ليس فيه ليست إلاّ كالاستقسام بالأزلام المنهي عنه.

ومن الغريب تسليم المحقّق الأردبيلي في كتابه زبدة البيان بهذا الاعتراض وحكمه بحرمة بعض أقسام الاستخارة المشابهة للاستقسام بالأزلام [31].

وهكذا قد يعترض على مشروعية الاستخارة بالنهي عن التفؤل بالقرآن الكريم الوارد في رواية الشيخ الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمّد بن عيسى عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه ‌السلام : «لا تتفأل بالقرآن» [32].

هكذا قد يعترض على الاستخارة.

ويمكن مناقشة الاعتراض الأوّل بأن المقصود بالاستقسام بالأزلام هو الميسر الذي قيل عنه بأنّه عبارة عن شراء جزور‌ وتقسيمها الى عشرة أقسام سبعة ذات نصيب وثلاثة بلا نصيب ويكتب ذلك على سهام عشرة ، ومن خرج له أحد السهام السبعة دفعت له حصّة من الجزور بلا ثمن مقابل ، ومن خرج له أحد السهام الثلاثة تكفّل بدفع ثلث قيمة الجزور من دون ان يحصل على شي‌ء من اللحم.

ان المقصود من الاستقسام بالأزلام هو ما ذكر دون التفسير المتقدّم بقرينة سياق الآية فان جميع ما ذكر فيها هو من أقسام اللحوم المحرّمة.

هذا مضافا الى ان انطباق جملة «وان تستقسموا بالأزلام» على المعنى الثاني الذي ذكرناه واضح وليس فيه أي عناية لأنّه تطلب قسمة الجزور من خلال الأزلام وبواسطتها ، وهذا بخلافه على المعنى الأوّل فانه وان كانت فيه استعانة بالأزلام ولكن ليس فيه استقسام ولا قسمة ولا طلب للأقسام.

ثم انّه لو تنزلنا عن كلتا هاتين القرينتين فيكفينا الشك واحتمال ارادة المعنى الثاني لأننا أثبتنا فيما سبق مشروعية الاستخارة بواسطة أدلّة مشروعية القرعة وأدلّة مشروعية الدعاء ، وبعد ثبوت المقتضي للمشروعية يشك في وجود المانع والمعارض ، وحيث انّه مجمل وذو احتمالين فلا يمكن التمسّك به وتبقى أدلّة المشروعية بلا معارض.

كما ويمكن مناقشة الاعتراض الثاني بأن الرواية الناهية عن التفؤل بالقرآن الكريم مضافا الى ضعف سندها بالارسال لا بدّ من حملها على النهي عن التفؤل بمعنى محاولة تعرّف الحوادث المستقبلية من سرور وخيرات من دون تعميم للاستخارة بمعنى محاولة تعرّف‌ وجود مصلحة أو مفسدة في ايقاع فعل معين بقرينة رواية اليسع القمي التي تحث على الاستخارة بالقرآن الكريم بلسان : «وافتتح المصحف فانظر الى أوّل ما ترى فيه فخذ به إن شاء الله» [33].

مناقشة ابن إدريس‌ :

رفض ابن إدريس بعض أقسام الاستخارة واقتصر على الاستخارة ذات الصلاة والدعاء بعدها. واستند في ذلك الى ان رواة بقيّة الأقسام فطحية لا يعتمد على روايتهم [34].

ووافقه على ذلك المحقق الحلّي قائلا : «اما الرقاع فيتضمن افعل ولا تفعل وفي خبره الشذوذ فلا عبرة بها» [35].

وقد اتضح لنا من خلال ما تقدّم اننا في غنى عن خبر صحيح لإثبات كل نوع من أنواع الاستخارة بعد كونها جميعا من مصاديق الدعاء والتوجه الى الله سبحانه في جعل الرقاع ونحوها وسيلة لتعرّف وجدان الفعل الذي يراد الاقدام عليه للمصلحة أو المفسدة.

 

١١ ـ تطبيقات لقاعدة القرعة‌ :

١ ـ إذا اختلط مال شخص بمال آخر فما هو الحكم؟

٢ ـ شخص عقد على امرأة معينة ثم حصل له التردّد فيها بين ثنتين فما هو الحكم؟

٣ ـ الامارة مقدّمة على الأصل إلاّ في مورد واحد. ولما ذا؟

٤ ـ قطيع من الغنم تحقق وطء واحد منها من دون امكان تشخيصه فما هو حكمه؟

٥ ـ لو علم المكلف بأنّه نذر شيئا ولا يدري ما هو فما هو حكمه؟

٦ ـ إذا علم بنجاسة أحد انائين فلما ذا لا يستعان بالقرعة لتشخيصه؟

٧ ـ إذا وجد شخص مقتول وادّعى اثنان ان كل واحد منهما هو القاتل وهكذا لو تحقّقت سرقة وادّعاها اثنان فما هو الحكم؟

٨ ـ إذا كان لدينا اناءان احدهما نجس والآخر طاهر وعلمنا بوقوع نجاسة في أحدهما فهل يمكن تطبيق قاعدة القرعة؟ ولما ذا؟

____________________

[١] عوائد الأيام : ٢٢٢.

[٢] الرسائل : ٤٢٢ الطبع القديم.

[3] وسائل الشيعة باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم حديث ١١.

[4] مستدرك الوسائل باب ١١ من أبواب كيفية الحكم حديث ١.

[5] رجال الكشي رقم ٣١٥.

[6] وسائل الشيعة باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم حديث ٢.

[7] نهاية الأفكار ٤ : ١٠٤.

[8] مستمسك العروة الوثقى ١٤ : ١٠٤.

[9] مصباح الاصول ٣ : ٣٤٣ ، مباني العروة الوثقى ١ : ١٨٩.

[10] وسائل الشيعة باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم حديث ٦.

[١1] عوائد الأيّام : ٢٢٨.

[12] وسائل الشيعة باب ١٣ من أبواب كيفية الدعوى حديث ٩.

[13] وسائل الشيعة باب ٢٤ من أبواب العتق حديث ١.

[14] نهاية الأفكار ٤ : ١٠٥.

[15] الرسائل الطبع القديم : ٤٢٣.

[16] وسائل الشيعة باب ٤ من أبواب ميراث الخنثى حديث ٢.

[17] الخيرة على وزن عنبة.

[18] لسان العرب ٤ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

[19] وسائل الشيعة باب ١ من أبواب صلاة الاستخارة حديث ١.

[20] المصدر السابق باب ٥ حديث ٢.

[21] وسائل الشيعة باب ٥ من أبواب صلاة الاستخارة حديث ١.

والرواية ضعيفة بناجية نفسه لعدم ثبوت وثاقته.

[22] وسائل الشيعة. كتاب الصلاة. أبواب صلاة الاستخارة وما يناسبها.

[23] جواهر الكلام ١٢ : ١٥٥ ـ ١٧٦. الحدائق الناضرة ١٠ : ٥٢٤ ـ ٥٣٣.

[24] كنز العمال ٧ : ٨١٣.

[25] مستدرك الحاكم ١ : ٥١٨.

[26] وسائل الشيعة باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم حديث ١١.

[27] المصدر السابق حديث ٦.

[28] وسائل الشيعة باب ٥ من أبواب صلاة الاستخارة حديث ٢.

[29] المصدر السابق باب ٤ حديث ٣.

[30] جواهر الكلام ١٢ : ١٧٥.

[31] زبدة البيان في أحكام القرآن : ٦٢٦.

[32] وسائل الشيعة باب ٣٨ من أبواب قراءة القرآن حديث ٢.

[33] وسائل الشيعة باب ٦ من أبواب صلاة الاستخارة حديث ٦.

[34] السرائر ١ : ٣١٤.

[35] المعتبر ٢ : ٣٧٦.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.