أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-12-2015
1930
التاريخ: 9-10-2014
2396
التاريخ: 8-10-2014
2350
التاريخ: 24-11-2015
2117
|
بيّنت هذه الآيات {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [يونس : 62 - 64] حال المؤمنين المخلصين المجاهدين المتقين الذين يقعون في الطرف المقابل لأُولئكَ تماماً ، حتى يعرف النور من الظلمة ، والسعادة من الشقاء من خلال المقارنة بينهم كما هو شأن القرآن وطريقته دائماً.
تقول الآية أوّلا : {ألا إِنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} ومن أجل فهم دقيق لمحتوى هذا الكلام لابدّ أن نعرف معنى الأولياء جيداً.
«الأولياء» جمع ولي ، وقد أخذت في الأصل من مادة : ولي ، يلي ، بمعنى عدم وجود واسطة بين شيئين ، وتقاربهما وتتابعهما ، ولهذا يطلق على كل شيء له نسبة القرابة والقرب من شيء آخر سواء كان من جهة المكان أو الزمان أو النسب أو المقام ، بأنّه ولي ، ومن هنا استعملت هذه الكلمة بمعنى الرئيس والصديق وأمثال ذلك.
بناءً على هذا ، فإِنّ أولياء الله هم الذين لا يوجد حاجب وحائل بينهم وبين الله ، فقد زالت الحجب عن قلوبهم ويتقلبون في نور المعرفة والإِيمان والعمل الخالص ، و يرون الله بعيون قلوبهم بحيث لا يجد الشك أي طريق إِلى تلك القلوب الوالهة ، وبالنظر لهذه المعرفة بالله الأزلي والقدرة اللامحدودة والكمال المطلق ، فإِنّ كل شيء سوى الله حقير في نظرهم ولا قيمة له ، وفان لا أهمية له.
إِنّ من يرى المحيط يزهد في القطرة ، ومن ينظر الى نور الشمس لا يهتم بنور الشمعة.
ومن هنا يتّضح أنّ هؤلاء لماذا لا يخافون ، لأنّ الخوف ينشأ عادة من احتمال فقدان النعم التي يمتلكها الإِنسان ، أو من الأخطار التي يمكن أن تهدده في المستقبل ، كما إِنّ الغم والهم يرتبط عادة بما يتعلق بالماضي ، ويستولي على الإِنسان نتيجة فقدانه لإِمكانيات وثروات كانت تحت يده.
إِنّ أولياء وأحباء الله الحقيقيين متحررون من كل أشكال الإِرتباط والتعلق بعالم المادة ، ويحكم «الزهد» بمعناه الحقيقي وجودهم ، فهم لا يجزعون من فقدان الممتلكات المادية ولا يخافون من المستقبل ، ولا يشغلون أفكارهم بمثل هذه المسائل. وبناءً على ذلك فإِن الغموم والأخاويف التي ترتبط بالماضي والمستقبل ، والتي تجعل الآخرين في حال اضطراب وقلق دائم ، لا سبيل لها إِلى وجود هؤلاء.
إِنّ الماء في الإناء الصغير قد يهتز من نفخة إِنسان ، لكن المحيط الكبير لا يتأثر حتى بالعاصفة ، ولذلك سمّوه المحيط الهادي : {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد : 23]. فلم يكن لهم تعلّق بما كان في ايديهم سابقاً ، ولا يصيبهم الغم والحزن في اليوم الذي سيفارقونه ، فإِنّ روحهم أكبر ، وفكرهم أسمى من أن تؤثر فيهم مثل هذه الحوادث في الماضي والمستقبل.
على هذا الأساس فإِنّ الأمن والطمأنينة الواقعية هي الحاكمة على وجودهم ، وعلى حدّ قول القرآن : {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} [الأنعام : 82] ، وبتعبير آخر : {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد : 28].
والخلاصة هي أنّ الحزن والخوف عند البشر يتولّدان عادة من حبّ الدنيا ، فمن الطبيعي أن لا يصيب هؤلاء الذين نفضوا ايديهم وقلوبهم من حبها خوف ، أو حزن.
كان هذا هو البيان الإِستدلالي للمسألة ، وقد يعرض هذا الموضوع أحياناً ببيان آخر يتحذ شكلا عرفانياً بهذه الصورة :
إِنّ أولياء الله غارقون في صفات جماله وجلاله ، وذائبون في مشاهدة ذاته المقدسة إِلى الحد نسوا كل شيء غيره ، ومعلوم أنّ الغم والحزن والخوف والوحشة تحتاج حتماً إِلى تصور فقدان وخسارة شيء ما ، أو مواجهة عدو أو موجود خطر ، فمن لم يجعل لغير الله مكاناً في قلبه ولا طريقاً الى فكره ، ولا يقبل في روحه إِله غيره ، كيف يمكن أن يغتم ويخاف ويستوحش؟
لقد اتّضحت ممّا قلناه هذه الحقيقة أيضاً ، وهي أنّ المقصود من الغموم هي الغموم المادية والأخاويف الدنيوية ، وإِلاّ فإِنّ وجود أولياء الله مملوء بالخوف والخشية .. الخوف من عدم أداء الواجبات والمسؤولية. والأسف والحسرة على أن يكون قد فاتهم شيء من الموفقية ، ولهذا الخوف والحسرة صفة معنوية ، فهما أساس تكامل وجود الإِنسان ورقيّه ، بعكس الخوف والحزن الدنيويين فهما أساس الإِنحطاط والتسافل. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته المعروفة مع همام ، حيث يجسد فيها حالات أولياء الله في أرقى وصف : «قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة» ، ثمّ يقول : «ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين ، شوقاً إِلى الثواب ، وخوفاً من العقاب»(1).
ويقول القرآن المجيد ـ أيضاً ـ في شأن المؤمنين : {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء : 49] (2). وبناء على ذلك فإِنّ لهؤلاء خوفاً آخر.
هناك بحث بين المفسّرين فيمن هم المقصودون من أولياء الله ، إلاّ أنّ الآية الثّانية وضحت المطلب وأنهت النقاش ، فهي تقول : (الذين آمنوا وكانوا يتقون).
الملفت للنظر أنّها ذكرت الإِيمان بصيغة الفعل الماضي المطلق ، والتقوى بصيغة الماضي الإِستمراري ، وهذا إِشارة إِلى أنّ إِيمان هؤلاء قد بلغ حد الكمال ، إلاّ أن التقوى التي تنعكس في العمل اليومي ، وتتطلب كل يوم وكل ساعة عملا جديداً ، ولها صفة تدريجية ، فإِنّها قد ظهرت على هؤلاء بصورة برنامج دائمي و مسؤولية متواصلة.
نعم .. إِنّ الذين يرتكزون على هذين الركنين الأساسيين : الدين والشخصية ، يحسون بدرجة من الطمأنينة داخل أرواحهم بحيث لا تهزهم أية عاصفة من عواصف الحياة. بل يقفون أمامها كالجبل ، كما وصفهم الحديث : «المؤمن كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف».
وتوكّد الآية الثّالثة على مسألة عدم وجود الخوف والغم والوحشة في شخصية وقلوب أولياء الحق بهذه العبارة : (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وعلى هذا فهم ليسوا خالين من الخوف والغم وحسب ، بل إِنّ البشارة والفرحة والسرور بالنعم الكثيرة والمواهب الإِلهية ألا محدودة في هذه الدنيا والآخرة من نصيبهم. (ينبغي الانتباه إِلى أن البشرى قد ذكرت مع ألف ولام الجنس بصورة مطلقة ، فهي تشمل أنواع البشارات).
ثمّ تضيف من أجل التأكيد أيضاً : (لا تبديل لكلمات الله) بل هي ثابتة حقّة ، وأن الله سبحانه سيفي بما وعد به أولياءه ، و (ذلك هو الفوز العظيم).
وحولت الآية الخطاب إِلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يمثل رأس سلسلة أولياء الله وأحبائه مخاطبةً له بلحن المواساة وتسلية الخاطر : (ولا يحزنك قولهم إِنّ العزّة لله جميعاً) ولا يمكن أن يقوم العدو بعمل مقابل إِرادة الحق ، فإِنّه تعالى عالم بكل خططهم ودسائسهم. فـ(هو السميع العليم).
_________________
1- نهج البلاغة ، الخطبة 193 .
2- اصول الكافي ، ج2 ، ص 241 ؛ وشرح اصول الكافي ، للمولى محمد صالح المازندراني ، ج9 ، ص 181 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|