أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-1-2023
1176
التاريخ: 2024-02-13
1012
التاريخ: 12-4-2017
2581
التاريخ: 19/12/2022
1519
|
اشتهر (ابن سينا)* بسعة آرائه التربوية القيمة التي تحدد الاستعدادات الفردية الفطرية، والاختلافات في تحصيل المعارف واستيعابها بين فرد وآخر، حيث يشدد على المربين بضرورة الاخذ بها حينما يذهب الى القول (ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له، مؤاتية لما شاكل طبعه وناسبه، وانه لو كانت الآداب والصناعات تجيب وتتقاد بالطلب والمرام دون المشاكلة والملائمة إذن ما كان احد غافلا من الادب، والدليل على ما قلناه، سهولة بعض الآداب على قوم وصعوبتها على آخرين، ولذلك نرى واحدا من الناس تؤاتيه البلاغة واخر يؤاتيه النحو واخر يؤاتيه الشعر، فاذا خرجت عن هذه الطبقة او طبقة أخرى وجدت واحدا ـ يختار علم الحساب، واخر يختار علم الهندسة واخر يختار علم الطب، ولهذه الاختيارات، وهذه المناسبات والمشاكلات أسباب غامضة وعلل خفية تدق على إفهام البشر وتلطف على القياس والنظر لا يعلمها الا الله جل ذكره)(1).
هذا ما خلص اليه ابن سينا في تفسيره للفروق في القدرات بين فرد وآخر، وهذه الفروق ناتجة عن الاستعدادات الفطرية للفرد، وهذا ما أكده العلماء في العصر الحديث، وأسموها في نظرياتهم بالاستعدادات، وهو موضوع مهم ركز عليه علم النفس التربوي الحديث، بالاستناد الى ما ذهب اليه ابن سينا في هذا الاتجاه..
اما بالنسبة للأسباب الغامضة التي انتهى اليها ابن سينا في تحليل فروق الاختبارات فقد ارجعها الى تحكم التوجيه في تحديد الاختيار المهني الذي يعرف اليوم بـ (التوجيه المهني) وقد شدد على ضرورة ان يكون هناك توجيه خاص بذلك اذ (يعد ابن سينا من أوائل من انتبه الى التوجيه المهني واهمية اعتماده على طبيعة الصبي ويقول في ذلك (ينبغي لمؤدب الصبي إذ رام اختيار الصناعة ان يزن أولاً: طبع الصبي ويسير قريحته ويختبر ذكائه فيختار له احد الصناعات بحسب ذلك فاذا اختار له احدى الصناعات تعرف على قدر ميله اليها ورغبته) فيها، ان هذا الرأي العميق في التوجيه المهني لم يظهر بهذه الصيغة من الوضوح الا بعد قرون عدة وهو الان من اهم موضوعات علم النفس الصناعي وعلم النفس التربوي وغيرها من فروع علم النفس التطبيقية)(2)، ومن أساسيات معرفة قدرة الفرد واستعداداته العقلية لاكتساب المعرفة..
ومن العمليات المهمة في الاستعدادات العقلية التي شكلت جانبا مهما في اراء ومفاهيم ابن سينا ما وصفها بعملية (الادراك الحسي) وهذه العملية التي انتبه اليها ابن سينا هي السائدة الآن كنظرية مهمة من نظريات علم النفس الحديث، حيث وصفها ابن سينا بخطوات عديدة أهمها:
(1ـ الادراك الحسي الظاهر، ويقصد به حصول المعرفة عن طريق الحواس الخمس وهي البصر والذوق والشم والسمع واللمس، وان المحسوسات الخارجية، ويقصد بها ابن سينا المنبهات، تحدث انفعالا في الحواس، أي انها تنبهها وان هذا الأثر ينتقل خلال الاعصاب حاملا الاثار الحسية الى الدماغ، ومن ثم يحمل الأوامر الصادرة من الدماغ ويرجع بها الى الحواس، وهذا الراي لا غبار عليه ولا يختلف فيه مع احدث الآراء التي تبحث في المعرفة الحديثة، 2ـ الادراك الحسي الباطني، وهو عملية تجريد الأشياء الحسية واستخدام التصور والخيال ويكون الدماغ مركز هذه العملية وبعد ذلك يأتي دور الوهم او الوهمية التي يكون مركزها الذاكرة او الحافظة، 3ـ الادراك العقلي، ويقصد به وظيفة العقل فيتدرج ابن سينا فيها عبر مستويات تطور القدرة العقلية حتى يصل الى العقل المقدس او الحدس، وقد بين ابن سينا تصنيفاً لمستويات مختلفة من الأفعال والحركة حسب شعور الفاعلين بفعلهم او عدم شعورهم به)(3)..
وهذه النتيجة قد حللها علم النفس فانتهى الى اعتمادها كأساس للبحث في المعرفة وادراكاتها المختلفة في الاستعدادات العقلية وخصائص كل مستوى منها..
لقد ناقش ابن سينا مواضيع أخرى عديدة تختص بالجانب الثقافي والتربوي والأخلاقي، اثارت اهتمام الكثير من العلماء في العالم وشكلت منطلقا لهم في نظرياتهم التي يمكن ـ للوصول الى هذه الحقيقة ـ مقارنتها بما قاله ابن سينا.. وبما ان هذه المواضيع الكثيرة والمتشعبة، لا مجال لحصرها هنا، ولكي لا نذهب بعيدا عن المحور الذي تناقشه، نكتفي بالإشارة الى ما طرحه ابن سينا عن العلاقة بين الفكر واللغة، والتي أصبحت فيما بعد مرتكزا مهما للبحث العلمي في مجال التربية وعلم النفس والثقافة، وقد دفعت هذه العلاقة كبار علماء النفس الحديث في العالم أمثال: واطسن، ثورندايك، جون ديوي، برسي نن، بياجيه، فيكوتسكي، الى دراستها والاهتمام بها، اذ يقول ابن سينا: بالنسبة للنظر في الالفاظ فهو امر تدعوا اليه الضرورة وليس للمنطقي ـ من حيث هو منطقي ـ شغل اول بالألفاظ إلا من حيث المخاطبة والمحاورة، ولو امكن ان يتعلم المنطق بفكره ساذجة انما تلحظ فيها المعاني وحدها، لكان ذلك كافيا، ولو امكن ان يطلع المحاور فيه على ما في نفسه بحيلة أخرى، لكان يعني عن اللفظ البتة، ولكن لما كانت الضرورة تدعو الى استعمال الالفاظ خصوصا ومن المتعذر على الرؤية ان ترتب المعاني من غير ان تتخيل معها الفاظها، بل تكاد تكون الرؤية مناجاة من الانسان لذهنه بألفاظ متخيلة)(4).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هو الشيخ أبو علي الحسين بن عبد الله بن علي بن سينا، وكلمة الشيخ تعني الأستاذ وقد لقب بالرئيس لأنه اشتغل بالسياسة وشغل منصب الوزارة، وقد ولد في قرية تدعى (خرميتن) بفارس، وقد اختلف الرواة في تاريخ ميلاده بين سنتي(363هـ ـ 375 هـ) وكانت وفاته سنة (428 هـ) وقد كانت بداية تعليمه في بيت والده ثم انتقل الى بخارى التي كانت من المراكز العلمية الإسلامية في ذلك الوقت، ثم انتقل الى مصدر ثقافته خراسان اذ استدعاه اميرها لمعالجته وبذلك فقد اتيحت له فرصة الانتفاع من مكتبته الشهيرة، وهناك الف الكثير من الكتب المهمة في مختلف العلوم منها في الفلسفة والمنطق والطب والتصوف والسياسة، وقد ترجم كتابه في الطب الموسوم (القانون) الى اللغة اللاتينية في القرن الخامس عشر الميلادي واصبح في اوروبا من المصادر الرئيسة حتى ظهور الحركة العلمية، ولابن سينا مجموعة من الرسائل منها (رسالة السياسة) التي تضم الكثير من الآراء والمفاهيم التربوية القيمة، وقد سعى ابن سينا دائما في البحث في طبيعة النفس وتطورها واساس مدركاتها العقلية.
1ـ محمد ناصر ـ الفكر التربوي العربي الإسلامي، ص 268.
2ـ جمال حسين الالوسي ـ علم النفس العام، ص 57.
3ـ المصدر السابق ص 58.
4ـ محمد ناصر ـ الفكر التربوي العربي الإسلامي، ص 249.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
مكتب المرجع الديني الأعلى يعزّي باستشهاد عددٍ من المؤمنين في باكستان
|
|
|