طرق ووسائل صيد الأسماك في المياه الطبيعية

مهنة صيد الاسماك Fishing واحدة من أقدم المهن التي مارسها الإنسان. وقد بدأت باستخدام آلات ومعدات بسيطة ثم تطورت مع الزمن فأصبحت تستخدم أدوات وأجهزة معقدة ذات كفاية عالية.

وبتحول اهتمام الإنسان من صيد الأسماك إلى تربيتها على نطاق واسع وكثيف ظهرت معدات حديثة. إن ظهور التقنيات العالية وتطور معدات ووسائل الصيد وإيجاد الطرائق المناسبة لنقل الأسماك إلى الموانئ أو الأسواق المحلية كلها أسهمت في أن يكون صيد الأسماك علما قائما بنفسه. وبزيادة الأبحاث والدراسات العلمية وتطبيقها في مجال صيد الأسماك وباستخدام الحسابات الرياضية والطرائق الإحصائية أمكن الكشف عن أماكن التجمعات والأحياء المائية وتحديد أعماقها وتقدير كمياتها، وبالتالي تحديد وسيلة الصيد المناسبة والاقتصادية في ضمن المسطح المائي الذي تصطاد منه الأسماك.

إن اختيار وسيلة الصيد وطريقته واستعمالها لجمع الأسماك من بيئة ما يعتمد على عدة عوامل أهمها:

1. نوع الأسماك المراد اصطيادها.

2. عمق الماء.

3. نوع القعر.

4. قيمة الأسماك المصطادة.

1. نوع الأسماك المراد اصطيادها:

توجد الأنواع المختلفة من الأسماك في أماكن مختلفة من المسطح المائي، ولكل نوع من هذه الأنواع عادات وحركات وردود أفعال مختلفة فقسم منها تعيش قرب القعر أو مغمورة في طين القعر والقسم الأخر في وسط عمود الماء بين السطح والقعر. وهناك بعض الأنواع تعيش قرب السواحل أو في المناطق الضحلة وقد تتجمع بعض الأنواع وتسبح معا على شكل جماعات كأسماك التونة والرنجة، بينما توجد أنواع أخرى فرادى أو في مجاميع صغيرة مبعثرة.

تتحكم بحركة الأسماك والأحياء المائية وعاداتها عموما عوامل عديدة مثل درجة حرارة الماء والملوحة وعادات التكاثر والهجرة ووفرة الغذاء.

2. عمق الماء:

تصمم مختلف وسائل الصيد للعمل في أعماق معينة من الماء، سواء كان في المناطق السطحية أو العميقة أو على قاع البحر في الأرصفة القارية Continental shelves، في المناطق الضحلة أو في المنطقة المحصورة ما بين السطح والقاع. ولذلك فان عمق الماء له تأثير كبير في اختيار وسيلة الصيد المناسبة.

3. نوع القعر:

بعض أنواع وسائل الصيد وخاصة تلك التي تعتمد في فاعليتها على حركتها فوق القاع تكون عرضة للتمزق والتلف بسبب قاع البحر الصلب أو المتعرج أو الخشن. وعليه فإن من غير الممكن استخدام شباك السحب أو الجر في الصيد في مثل هذه القيعان ويفضل الاعتماد على الشباك الثابتة أو شباك النصب.

4 قيمة الأسماك المصطادة:

من الناحية الاقتصادية تعتمد قيمة كل نوع من الأسماك وأهميته فيما إذا كانت عالية أو متوسطة أو رديئة على طريقة تسويقها أو تصنيعها. فمثلا من الأسماك ذات القيمة الفردية العالية والمرغوبة وهي طازجة أسماك السالمون والتونة والسردين وسمك موسى.

وهناك أنواع أخرى تسوق وهي مجمدة وتأتي بالدرجة الثانية من الأهمية مثل أسماك الكود Cod والهادوك Haddock. وتأتي في المرتبة الثالثة الأسماك التي يتم تصنيعها بشكل أصابع سمك Fish fingures أو قطع منظفة من العظام Fillete. وأخيرا تأتي الأسماك التي تستعمل مسحوقا للأعلاف أو غيرها من الصناعات.

ومن الأسماك ما تزداد قيمته الاقتصادية بدرجة كبيرة عند تعليبه مثل سمكة الانشوفة Anchovy والمايكرل Mackerel.

إن اختيار وسيلة الصيد يجب أن يأخذ بنظر الاعتبار طريقة تسويق كل نوع من الأسماك. فمثلا يمكن صيد أسماك السالمون ذات الأحجام الكبيرة بوساطة السنارة والخيط Hook and line كونها ذات قيمة اقتصادية عالية تغطي الأعداد الفردية التي يمكن صيدها بهذه الوسيلة. أما عندما يراد صيد كميات من أسماك الماكريل لغرض تصنيعها فان استخدام السنارة يصبح أمرا غير معقول وعديم الجدوى. كما أن الحفاظ على نوعية معينة من الأسماك المصطادة يحدد نوع ووسيلة الصيد. فاستعمال بعض وسائل الصيد قد يسبب خدوش أو جروحا أو تحطما لجزء من السمكة في أثناء عملية الصيد مما يؤثر سلبا في تسويقها أو تصنيعها.

طرائق الصيد ووسائله

هناك العديد من الطرائق والوسائل المستخدمة في صيد الأسماك، سيتم التطرق إلى أربع منها فقط لكونها الأكثر شيوعا وأهمية وتطبيقا:

1- الصيد بالشباك الفعالة (شباك السلية).

2- الصيد بالسنارة والخيط (الشص).

3- الصيد بالكهرباء.

4- الصيد بالمواد المخدرة والسموم.

1- الصيد بالشباك (شباك السلية Cast nets)

الصيد بشباك السلية يدرج من ضمن طرائق الصيد بالمطاردة Persuit، ويغلب على هذه الطريقة استخدام طابع القوة والإكراه بغية الحصول على الأسماك وعدم اللجوء إلى إغراءها بالطعوم أو نصب الفخاخ الثابتة وما شابه ذلك. إن الصيد بشباك السلية (وتسمى أيضا شباك الرمي أو الشباك الساقطة Falling nets) يتم برمي هذه الشباك من الزورق أو الساحل فتحجز الأسماك التي تقع عليها وتحصرها داخل جيوب خاصة عند الطرف السفلي منها.

والسلية عبارة عن شبكة دائرية الشكل يتراوح نصف قطرها بين 5-6m وفي مركزها توجد فتحة دائرية بقطر 10-20cm مثبتة بحلقة حديدية (الشكل 1).

( الشكل 1) شباك الرمي (السليه)

يمر من خلال هذه الفتحة حبل الحذف (الرمي) السميك والذي يصل طوله إلى 5m. يتصل هذا الحبل بمحيط الشبكة بوساطة خيوط تتفرع منه. يزود محيط الشبكة بثقالات من الرصاص تساعد في رمي الشبكة وسقوطها بشكل دائرة على سطح الماء وتسهل نزولها بسرعة وإنغمارها بالماء.

يحتاج استعمال هذه الشباك إلى خبرة خاصة ومهارة جيدة حيث يقوم الصياد بجمع الشبكة على كتفه ماسك بحبل الرمي ثم يرميها بحيث تنفتح بشكل دائري على سطح الماء مطبقة على الأسماك التي لا تستطيع الهرب. تستعمل هذه الشبكة بكثرة في المناطق الساحلية من البحيرات وفي الأنهار القليلة العمق، وهي شائعة الاستخدام في الأنهار والاهوار العراقية.

2- الصيد بالسنارة والخيط (الشص) Hand and line

وهي إحدى طرق الصيد بالترغيب والاجتذاب Luring وتقوم هذه الطريقة على مبدأ إغراء الأسماك واستدراجها لابتلاع طعم حقيقي أو اصطناعي وابتلاع الشص المتخفي داخله وانغرازه في فمها فلا يمكنها الإفلات منه (الشكل 2 و 3).

( الشكل 2) سنارة الخيط (الشص)

( الشكل 3) انواع الطعوم الاصطناعية

استخدمت طريقة الصيد بالسنارة والخيط منذ مدة طويلة ولا يزال هواة الصيد يستعملونها لحد الآن، وقد تطورت هذه الأداة وأصبح بالإمكان استعمالها لصيد أعداد لا بأس بها من الأسماك في المرة الواحدة واتخذت أشكالا وأنواعا عديدة منها:

أ- السنارة والخيط اليدوية: Handlines

وتستعمل عادة بمساعدة بكرة خيط للوصول إلى العمق المطلوب للصيد، حيث يوضع في نهاية الخيط الشص الذي يوضع فيه الطعم، ومن الجهة الأخرى يتصل الخيط بقصبة ليمسكها الصياد (الشكل 4). وبوساطة القصبة يمكن للصياد الإحساس بثقل الخيط عند ابتلاع السمكة للشص ليقوم برفع القصبة وسحب الخيط خلفه ثم يعمل على تخليص السمكة من الشص برفق.

( الشكل 4 ) سنارات يدوية مختلفة

ب- السنارة والخيط الميكانيكية: Mechanical handlines

يمكن استعمال السنارة والخيط باستخدام بكرات تعمل بالطاقة الميكانيكية وتستعمل هذه الوسيلة عادة للصيد من البواخر الكبيرة (الشكل 5).

الشكل 5) السنارة والخيط الميكانيكية

ج- السنارة الثابتة ذات الخيط الطويل: Set longlines

تنصب هذه السنارة في قعر المسطح المائي أو قربه، وتتكون عادة من خيط رئيسي طويل تتصل به عدة خيوط ثانوية مزودة بشصوص أو تكون مثبتة بوساطة مرساة (الشكل 6).

 (الشكل 6) السنارة الثابتة ذات الخيط الطويل

د- السنارة السائبة ذات الخيط الطويل: Drifting longlines

وهي تشبه في تصميمها السنارة الثابتة إلا إنها تعمل قرب سطح الماء (الشكل 7) حيث تكون مزودة بطوافات Floats وهي عبارة عن أجسام خفيفة ذات أشكال وأحجام مختلفة تصنع من الخشب أو الفلين تربط عند مسافة معينه في الخيط لتساعد في رفعه وعدم السماح له بالهبوط وملامسة القاع. قد تكون هذه السنارة مثبته أفقيا، أو بصورة عمودية.

(الشكل 7) السنارة الثابتة ذات الخيط الطويل

هـ- سنارات السحب: Trolling lines

يتم السحب من الشصوص الحاوية على طعوم من مؤخرة مركب بطيء الحركة. ترتب الخيوط الحاملة للشصوص بطريقة تمنع تداخلها أثناء عملية السحب.

ويتم أحيانا تعليق الخيوط من نهاية عدد من العصي تبرز من مؤخرة القارب (الشكل 8).

(الشكل 8) سنارات السحب مثبتة في نهاية القارب

وفي أحيان أخرى يصنع قوس معدني كبير gallow يستخدم للغرض نفسه. وفي الأحوال كلها يتم اصطياد الأسماك بعد تناولها للطعوم حيث ترفع الخيوط والأسماك المصطادة إلى ظهر المركب (الشكل 9).

(الشكل 9) سنارات السحب

3- الصيد بالكهرباء: Electric fishing

وهي من وسائل إفقاد الوعي التي تمنع الأسماك من الهرب، ويعدها الباحثون من الوسائل المتطورة جدا في صيد الأسماك. وبالرغم من قساوة هذه الوسيلة إلا أنه قد تبين إن قتل الأسماك بالتيار الكهربائي ينتج عنه تحسن واضح في صفات اللحم ويجعل الأسماك المصطادة بهذه الطريقة أكثر صلاحية للحفظ والتخزين وذلك لعدم استنفاد مخزونها من الكلايكوجين.

وقد أشيع إنها ألذ طعما كونها تموت سريعا ولا تقاوم وسيلة الصيد لان المقاومة العنيفة والاجهاد تسبب تراكم حامض اللبنيك في عضلاتها وهذا الحامض هو الذي يقلل من طعم الأسماك ويجعل لحومها سريعة التلف. وعلى العمو فان الفكرة الأساسية من استعمال الصيد الكهربائي هي إمرار تيار كهربائي مستمر direct current أو متناوب alternative current أو منقطع interrupted إلى المنطقة المراد صيد الأسماك منها بمدة محددة ثم إيقافه. إذ يؤدي هذا التيار وحسب قوته ونوعه ومدته إلى إحداث ردود أفعال مختلفة في الأسماك تتراوح بين الشلل المؤقت الى الموت.

وفي حقيقة الأمر إن الارتجاجات الكهربائية لا تؤدي إلى إحداث شلل حقيقي بل تسبب ما يشبه التحفيز الشديد للجهاز العصبي المركزي الذي يؤدي إلى تقلص العضلات وتصلبها فتصبح السمكة غير قادرة على الحركة.

هناك عوامل عديدة تحدد كفاية الصيد الكهربائي ونجاحه يمكن تقسيمها كالآتي:

1. العوامل المتعلقة بتأثير الكهربائية ومنها التيار (مستمر، متناوب، متقطع)، قوة دفع التيار، مدته وسرعته.

2. العوامل المتعلقة بحياتية السمكة وتتضمن نوع السمكة، حالتها الفسلجية، طولها، وزنها، مدى نضجها الجنسي وحالتها الصحية العامة.

3. العوامل المتعلقة بالظروف البيئية وتشمل التركيب الكيماوي للماء، ودرجة حرارته ودرجة توصيله للكهربائية.

توجد العديد من الأجهزة التي تستخدم للصيد الكهربائي مثل الرماح المكهربة، السنارة المكهربة، شباك الجر المخروطية المكهربة، والجرافات المكهربة وغيرها. وينصح بعض الباحثين باستعمال الطريقة الكهربائية في الصيد الجماعي لتجمعات الأسماك لأنها تمنع حدوث الجروح والكدمات وفقدان الحراشف التي تنتج من محاولة الأسماك للهرب وللدفاع عن نفسها. بينما لا ينصح باستخدام هذه الوسيلة في صيد الأسماك في أماكن تكاثرها أو أماكن تفقيس بيوضها أو في المناطق التي تعاني من نقص كمية الأسماك بسبب الصيد الجائر، إذ أن هذه الوسيلة تؤدي إلى القتل الجماعي للأسماك وبضمنها اليرقات مما يؤثر سلبيا على المخزون السمكي في تلك المنطقة. وبالرغم من ذلك فان بعض الباحثين يؤكدون إن هذه الوسيلة لا يمكن أن تؤثر في المخزون السمكي لأن أثرها غالبا ما يكون في منطقة محددة من دون غيرها فلا يؤثر كثيرا في المجاميع السكانية للأسماك في تلك المنطقة.

4- الصيد بالمواد المخدرة والسموم Fishing by drugs and poisons

 هذه الطريقة ممنوعة قانونا في معظم بلدان العالم لما تلحقه من أضرار كبيرة ليس بالأسماك الكبيرة فقط بل حتى بالأسماك الصغيرة والإحياء المائية الأخرى التي يعد بعضها غذاء لتلك الأسماك. يستعمل صيادوا الأسماك والأهالي أعشاب أو نباتات معينة تحتوي على مواد مخدرة أو سامة حيث تسحق هذه النباتات أو تطحن وتخلط مع الطعوم ثم ترش على سطح الماء لتتناولها الأسماك فتموت وتصعد إلى سطح الماء ليسهل صيدها والإمساك بها. وعادة ما تستعمل السموم أو المواد المخدرة في المسطحات المائية الصغيرة والتي لا يكون مجرى الماء فيها سريعا. إن النباتات التي تحتوي على مادة السابونين Saponin وبعض أنواع اللاكتون Lactons تستعمل على نطاق واسع لهذا الغرض وتعد هذه المواد سموما قوية ومركزة تؤثر في أعصاب الأسماك التي تتناولها فتؤدي إلى ظهور أعراض التشنجات العضلية والاختناق. تتركز المواد الكيمياوية السامة في جذور النباتات وسيقانها وأوراقها وبذورها وثمارها. ومن النباتات ما يعرف ببذور السمك أو بذور القمل Fish seeds or lice seeds تحتوي بذورها على مادة البكروتوکسین Pikrotoxin السامة وتنمو في جنوب اسيا وسيلان وعلى سواحل البحر الأسود.

وهناك نبات سام آخر يسمى عين البقرة وآخر يعرف بجوز القيء الذي ينتج منه مادة البروزين bruzin والسترايكنين Strychnine. وهذه تحتوي بذورها على %5 من المواد القلوية Aikaloids التي تسبب التقيؤ، وإذا ما أخذت بكميات كبيرة فإنها تصبح سامة جدا.

تستعمل السموم المحضرة من النباتات في بعض مناطق الصيد العراقية وهو ما يسمى محليا بالزهر إذ تعمل منه كرات عجينية ترمي في الماء فتتلقفها الأسماك وتفقد وعيها تدريجيا ولا تلبث أن تطفو عند سطح الماء بعد مدة من الزمن. وهناك بعض السموم الأخرى التي هي عبارة عن مواد كيماوية مجهزة أصلا کمبيدات حشرية Insecticides تستخدم في العمليات الزراعية، إلا إن هناك من يرشها في الماء فتقتل الأسماك الصغيرة والكبيرة وحتى الأحياء المائية الأخرى. ومن الجدير بالذكر إن السموم المستخلصة من النباتات والمستخدمة في عمليات الصيد لا تضر الإنسان الذي يتناول الأسماك المصطادة بهذه الطريقة.