المدلول العام الوضعي للرخصة الادارية ومسألة تميزها من بعض الظواهر القانونية |
2613
11:15 صباحاً
التاريخ: 1-8-2021
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-4-2016
4268
التاريخ: 1-4-2016
4315
التاريخ: 26-9-2021
2913
التاريخ: 11/11/2022
4869
|
ما هو المعنى الفني والدقيق a proprement للرخصة في القانون الإداري؟؟
وبمعنى أوضح ما هو المفهوم الإداري للرخصة جرية على أن هنالك مفهومة مدنية وآخر جزائيا .
قبل الإجابة عن ذلك لا بد من التدليل بأن الرخصة بالمعنى الموسع Lato sensu تعني مكنة faculté أي قدرة تعط للشخص أن يعمل أو يمتنع عن العمل، وهذا المعنى الموسع ليس من اهتمامات القانون الجزائي لسبب بسيط هو أن القانون لا يعنى إلا بالتكييف القانوني للفعل، وهل هو مشروع أم لا سواء اعترف القانون المرتكبة بالحق في إتيانه أم برخصة في ذلك (1) . ولكن هل هنالك مفهوم مدني للرخصة؟...
أجل أن المعنى الايتمولوجي (أساس النشأة) اللغوي لهذه الكلمة يعني حرية أو مكنة التصرف وعدمه، وفي نظرنا أن هذا الأساس اللغوي لا يزال يلقي ثقله وبصماته على تلوينات الأجهزة المفاهيمية في كافة مجالات القانون..
بيد أنه يمكن تحديد مجريين عميقين لهذا الجهاز المفاهيمي في دائرة القانون الوضعي، وهذان المجريان هما إمكان التصرف في دائرة السلطة الواقعية للفرد، أو في دائرة السلطة القانونية.
وبالطبع فهذه السمة الواقعية للفرد المسربلة بالحرية والخيار لا يمكن أن تزود بالحماية القانونية أي تسلح بدعوى يحميها ويدافع عنها القضاء، وتمارس ضد الآخرين.
ومن هنا قيل بأن الأعراف العادية للناس عامة والالتزامات الطبيعية تستطيع تكوين قدرات، ولكن هذه القدرات ليست سوى مجرد خطوة في الطريق للحق (2)
على هذا الأساس فشلت بعض المجالات لاعتبار القدرة الواقعية حالة متدرجة من الحق un état degrade du droit من أجل شرح بعض المراكز القانونية، كأن يبيع زيد عقار لعمرو وقبل أن يتمكن هذا الأخير من تسجيل سنده يعمد زيد البيع العقار لشخص ثالث. هذا النعي لتأسيس الحق على مجرد السلطة الواقعية الصرف نجده في المادة / 907/ من القانون المدني السوري التي عرضت للحيازة بقولها: لا تقوم الحيازة على عمل يأتيه شخص على أنه مجرد رخصة من المباحات، أو عمل يتحمله الغير على سبيل التسامح.
ونجد مقاربة لذلك في نص المادة/ 2232 /من القانون المدني الفرنسي المتضمنة ما يلي: إن الأعمال التي يأتيها شخص على أنها مجرد رخصة من المباحات والتسامح البسيط لا يمكن أن تقيم لا حيازة ولا اكتساب حق بمرور الزمن.
ولقد أسهم "الدكتور عبد الرزاق السنهوري" في توضيح هذا المعنى بقوله: ((إن الأعمال التي يأتيها شخص على أنها مجرد رخصة من المباحات هي أعمال يكون للشخص الحرية التامة في أن يأتيها أولا يأتيها ، فإذا أتاها لم يكن لأحد أن يمنعه فهو إذن في إتيانه لا يتعدى على حق لأحد ولا يتحمل منه أحد هذا العمل، بل إن العمل محض رخصة يأتيها وما هو في إتيانها حاز حقا لأحد، ولو مجرد حيازة مادية، ولا هو من باب أولى توافر عنده عنصر قصد استعمال حق لأحد ومثاله لو أقام شخص حائط على حدود ملكه يفصل بينه، وبين جاره، ويفتح في هذا الحائط منورة مستوفية لشروطه، فهو في فتحة للمنور إنما أتى رخصة من المباحات، ولم يقصد الاعتداء ولم يقع بها فعلا اعتداء، فلا تقوم له حيازة في هذا الحال، ولا يكتسب حقا قبل الجار، ويجوز للجار حق لو بقي المستور مفتوح مدة خمسة عشرة سنة أن يقيم حائطا في حدود ملكه يسد به النسور، ولا يجوز الصاحب المنور أن يتمسك بأنه اكتسب حق فتح المنور بالتقادم)).
ومثل آخر للرخصة الواقعية أن يفتح مطلا مستوفية لقيد المسافة، فهو في ذلك إنما يستعمل رخصة في حدودها القانونية ثم يجوز لصاحب العقار المجاور أن يقيم حائطا في حدود ملكه دون أن يبعد عن هذه الحدود بالمسافة القانونية، لأن صاحب المطل لم يكتسب حقا قبل جاره يفتح المطل.
أما أعمال التسامح acte de tolerance، ومثالها لو استعمل صاحب أرض محبوسة ممرا له عبر أرض الجار الذي يتسامح المالك فيه فرخص ترخيص ضمنية أو صريحا لجاره بالمرور دون قصد اكتسابه هذا الحق، وإنما المجرد حسن العشرة ومراعاة حسن الجوار.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون الإداري لا يعدم وجود هذه السلطة أو المكنة الفعلية التي تبقى خارج دائرة القانون أي خارج دائرة إنشاء المركز القانوني (3).
نجد مصداق ذلك في ظاهرة التسامح الإداري العارض الذي لا يرقى إلى مستوى إنشاء مركز للفرد قبل الإدارة مهما امتد به الزمن، وفي ذلك تقول محكمة القضاء الإداري في مصر: ((إن اضطراد تسامح الإدارة مع الأفراد على نحو معين مخالفة للقانون لا يمكن أن يولد لهؤلاء حقا مكتسبة، حيث لا ينشأ عرف ملزم على خلاف القانون، مهما تكررت الحوادث المماثلة، أو تكررت الحلول لهذه الحوادث))(4) .
وقول هذه المحكمة: ((إن أصحاب المحلات العمومية الذين تقع محلاتهم في أحياء أصبحت غير جائزة الترخيص لها في بيع المشروبات الروحية فيها ملزمون بتنفيذ أحكام هذا القانون، وما يقتضيه من بيع المشروبات الروحية فيها ملزمون الإدارة قد تسامحت في هذا التنفيذ فأرجأته سنة امتدت إلى سنوات، فليس هذا يكسب أصحاب المحلات حقة في استعمال محلاتهم لبيع الخمور))(5).
وقد أكدت المحكمة الإدارية العليا في مصر هذا المبدأ بقولها : (( ومن حيث أنه على مقتضى ما تقدم يكون نشاط صيارفة البحر مجانية للقانون، وبعد الترخيص به مخالفة لأحكام النقد، فإذا كانت الإدارة قد تسامحت في تنفيذ القانون فسمحت لهؤلاء الصيارفة بالعمل رحمة بهم ورغبة في عدم تشريدهم مستهدفة في ذلك التنفيذ التيسير على أهالي بور سعيد نظرا لظروف العدوان، فليس من شأن هذا التسامح أن يكسب هؤلاء الصيارفة في مزاولة أعمالهم لمخالفة قانون النقد وتعطيل أحكامه))(6) .
وإذا كانت الصيغ السابقة الممكنة لا تسمح بإنشاء المركز القانوني، فهنالك حالات إنشاء الحق أو المركز القانوني سواء في إطار العقد، أم في إطار المراكز الموضوعية الناشئة عن الإدارة الموضوعية (القانون أو العرف أو اللائمة).
ذلك أن الإباحة هي الأصل في الأشياء وبالمقابل فالإلزام أمر عارض مبعثه الضرورة، وأبعد من ذلك فالإلزام نفسه يفسح المجال لفكرة الواجب، أي فكرة التنفيذ الرضائي، وهذا هو معنى قولنا : أن القانون يلزم ولا يحتم. على هذا الأساس، فالحياة الإنسانية تتيح المجال لفاعلية النظام الأخلاقي جنبة إلى جنب النظام القانوني، وإلى جنب القاعدة الدينية نأية عن الإكراه الذي هو في حقيقته الذاتية وماهيته أمر تعافه النفس البشرية.
بل يكمن القول إن وراء كل إكراه تضييع لمصلحة، وهذا هو معنى قولهم: ((إذا كان الناس متساوون من الناحية المدنية civilations، فلا مبرر لأحد أن يفرض إرادته على الآخر)).
وها هو معنى الأدب النبوي الذي عبر عنه أنس بن مالك قال: ((خدمت النبي لا عشر سنين فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أحسن الناس خلقا ، ولا مسست خرا قط ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله ، ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله)).
لقد أدرك علم القانون هذه الصخرة الثقيلة للإكراه، فأخذ يخفف من غلوائها قدر الإمكان، دون أن يزيل عن القانون سمته الإلزامية، فيطمس بذلك حقيقته الجوهرية.
هكذا نجد النظام القانوني يفتح الخيارات التي لا حصر لها تيسيره للأفراد وتقريبه للقانون من فكرة الواجب وفي النتيجة تفعيلا للحياة ودفعة لحريتها .
فالقانون يضع نظام الانتخاب، ويفسح المجال للفرد أن يمارس خياره في تأدية هذا الواجب.
والأمر نفسه بالنسبة للتوظيف أو التحيز أو الدخول في الجمعيات أو النوادي أو الانتساب إلى الجيش وعدا ذلك من صور النشاط الإنساني.
هذا الأمر نطالعه في نطاق إبرام العقود أو تنفيذها (التنفيذ التخييري) أو فسخها /158 مدني سوري/.
ولكن هل أن الحرية مطلقة أم أنها مقيدة نطاقا وحدودا ومضمونة وأوصافا؟.
لا شك أن الجواب عن ذلك الاستفهام لصالح التقييد، والقول بغير ذلك يجعلنا تتحرك في إطار الحريات.
على هذا الأساس أمكن القول أن القانون لا يفتح بآلية الرخصة سوى خيار محدود، وكثيرا ما يلزم أن نمارس هذه الرخصة خلال مدة معينة، كما يحصل أيضا أن يحدد القانون لبعض الأشخاص فائدة من القدرة بإقامته قواعد عامة للحصول عليها، أو للأولوية أو الأفضلية في حال وجود عدد من المنتفعين، أو يقيم قواعد شكلية للخيار من أجل إعلام الجمهور بالقرار المتخذ، أي توجد شرائط مفروضة تحت طائلة البطلان بالنسبة للخيار(7) .
وهكذا فالصخرة الصلبة والرصينة التي تقوم عليها الرخصة هي الحرية المقيدة، وهذا ما عبر عنه الفقيه "روبية" بقوله:
"La faculté constitute une option ouverte par la loi entre differents partis déterminés qui permet a son beniefière de faire maître (oud. empecher de naitre) une situation juridique".
وترجمته: تشكل المكنة خيارة مفتوحة بحكم القانون بين مختلف الأطراف، حيث تتيح للمستفيد منها إنشاء أو الامتناع عن إنشاء مركز قانوني (8).
وهكذا يبدو التمييز واضحا بين ظاهرة الرخصة وبين ما يمكن أن يختلط أو يشتبه بها من مؤسسات قانونية لا سيما الحرية.
فالحرية كما هو معلوم تعطي الفرد المساواة الكاملة غير المشروطة أو السببية فيما يتعلق بإنشاء المراكز القانونية، اللهم إلا إذا تعارض ذلك مع النظام العام، وهو الأمر الذي يختلف عن الرخصة التي هي امتيازات محصورة ضمن لعبة الشرائط القانونية.
هذا ولا بد من التدليل بأنه إذا كانت لعبة الشرائط القانونية تحدد ماهية وجوهر نظرية القدرة أو الرخصة، فهذه اللعبة تبدو واضحة وجلية على صعيد القانون الإداري.
وتبيان ذلك أن الحرية الكاملة لا يمكن أن تعطى للفرد، على حساب فلتان النشاط من دائرة الإدارة لا سيما أن مسرح هذه الحرية هو (الحياة الإدارية)، وهذه الحياة محكومة على الأقل من الوجهة النسبية بإرادة الإدارة باعتبارها قوامه وفي الوقت نفسه مسؤولة عن هذه الحياة إذن فنحن حيال التقاء إرادتين الأولى هي إرادة الإدارة كطرف محوري مركزي، والثانية هي إرادة الفرد المستفيد من الرخصة. والقانون الإداري يعمل جاهدة للتوفيق بين هاتين الإدارتين في أوضاع وأشكال وصيغ وتجليات ومظاهر لا حصر لها .
وحقيقة الأمر أن القانون الإداري عامة «وفي الوضع الترخيصي خاصة» هو هذا الرنو اللا محدود لتخفيف هذه المواءمة بين الإرادتين في صيغ يخطئها التحديد والضبط لسبب بسيط هو أن المصلحة العامة لا يمكن أن تطرح في صيغة نهائية وهي أبدأ ترنو إلى التطور مع ظروف الحياة.
على هذا الأساس المرن وصف القانون الإداري بأنه سر وغامض ولكنه وصف في الآن نفسه بأنه عجيب ومدهش ومثير للإبداع والحيوية والمرونة.
إذن فالإدارة من حيث الأساس حرة في منح الرخصة، والقانون يمهد الطريق لهذه الحرية من خلال السلطة التقديرية discretionnaire، ولعل هذا الاختصاص التقديري هو أم الباب في النظرية العامة للرخصة.
وفضلا عن ذلك فالسلطة المقيدة ضرورية للإدارة ضرورة السلطة التقديرية وبالتالي فإذا كانت الإدارة تمنح هذه الصلاحية لمواجهة الظروف المعقدة، ولتجنيب الوقوع في الرتابة (الروتين)، إذا كان الأمر كذلك فالمشرع قد يجد من المناسب وضع ضوابط وقواعد محددة للحصول على الرخصة وإذا ما تعلق الأمر بنشاط موضوعي، فيحقق بهذه المثابة المساواة بين الأفراد، ويحول دون تحكم الإدارة وفرض إرادتها في أمور تتابي بطبيعتها التنوع، وهذا هو عين السلطة في منح الرخصة.
وهذه السلطة المقيدة هي المفتاح الثاني الذي تقرع به أبواب هذه النظرية نظرية الرخصة، وسنجد أن هذا التحاور والجدلية، بين السلطة التقديرية والسلطة المقيدة، هما المكوك الذي ينسج خيوط النظرية العامة للرخصة.
____________
1- عبد الهادي عباس: المراكز القانونية، دار النهضة، دمشق، ط1، 1988 ، ص241.
2- المرجع السابق، ص 241.
3- يراجع في ذلك كتابنا الموسوم بعنوان: نحو نظرية عامة في العرف الإداري، دمشق، مطبعة عكرمة، 1986، ص180 .
4- الحكم الصادر في 4/ 11/ 1947، الدعوى رقم 968، ص 26.
5- الحكم الصادر في نوفمبر 1947، المجموعة، ص2، حكم رقم6.
6- الحكم الصادر في نوفمبر 1947، المجموعة ص2، حكم رقم 6، ص26.
7- عبد الهادي عباس: المراكز القانونية، ص248.
8- Paul Roubier: Droits subjectifs et situations juridiques.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|