أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2016
2107
التاريخ: 20-8-2022
1650
التاريخ: 2024-05-21
670
التاريخ: 10-4-2016
3120
|
اعتمد المشرع العراقي على معايير موضوعية واخرى ذاتية ، فالقاضي عندما يباشر سلطته التقديرية في مجال الوقائع والقانون ، فانه اما ان يقوم بتقدير موضوعي او تقدير ذاتي لتلك الوقائع ، وفقاً للمعايير التشريعية العامة التي تستوجب القيام بهذا التقدير او ذاك . وسنبين في هذا الموضوع معنى المعايير الموضوعية والذاتية ، ونطاق إعمال هذه المعايير ، فضلاً عن تقييم هذه المعايير ، في فروع ثلاثة وعلى النحو الاتي .
الفرع الاول
معنى المعايير الموضوعية والذاتية
ان المعيار الموضوعي شأنه في ذلك شأن المعيار الذاتي ما هو الا اداة فنية تيسر للقاضي الوصول للقواعد القانونية المراد تطبيقها على مراكز واقعية متنازع عليها ، وإعمال القاضي أيا من هذين المعيارين في مجاله الخاص يستند على الفكرة الفلسفية التي يعتنقها المشرع (1) .
ويهدف المعيار الموضوعي الى ، الموازنة بين فكرة العدالة ، وتحقيق الامن والاستقرار في المجتمع ، فيمثل الافكار القانونية المجردة التي قد تسمو على التفصيلات والجزئيات ، فيعتد بالوضع الظاهر على حساب العدالة ، بل انه قد يضحي بالعدالة لتحقيق أمن المجتمع ومصلحته واستقراره ، فنظام الحيازة يقوم على حماية الاوضاع الظاهرة ، وتغلب صاحب اليد الظاهرة على تحقيق العدالة ، فيحمي القانون الحيازة لذاتها ، ويرتب عليها اثارها ، سواء أكانت تستند على حق للحائز ، ام لا تستند على حق يعترف به القانون (2) .
ويقوم المعيار الذاتي على فكرة الاقتصاد الحر وسلطان الارادة وهي جميعاً عوامل تقوم على القصد والنية ، وهو صنو الارادة الباطنة ويعبر اصدق تعبير عن النية الحقيقية وهو يعتد بالعناصر الذاتية والشخصية للأفراد ويقيم لها وزناً كبيراً عند تقييم سلوكهم اذ الهدف من ذلك هو تحقيق العدالة اي الانصاف (3).
ويهدف المعيار الذاتي الى تحقيق فكرة العدالة الخاصة ، اي عدالة الحالة الفردية مدار البحث ، انه يتفق مع الارادة الحقيقية للشخص محل الاعتبار ، وعليه فانه اقرب الى القاعدة الاخلاقية ، منه الى القاعدة القانونية ، ولا شك في عدالة هذا المعيار ، لأنه يأخذ كل شخص بجريرته ويقيس مسؤوليته بمعيار من فطنته ويقظته ، فيعتد بحسن النوايا وسوءها وخفايا المقاصد ، فيرتب مسؤولية كل شخص بمعيار من ذكائه وفطنته وعيوبه ، وهذه عوامل تعبر عن الوضع الطبيعي والاجتماعي لذات الشخص (4) .
وهناك ارتباط بين المعايير القانونية والعدالة ، فالمعايير عموماً اداة بيد القاضي لتحقيق العدالة اذ يتيح للقاضي مجالاً واسعاً من السلطة التقديرية التي يتحقق العدل عن طريقها ، الا ان المعيار الموضوعي او المعيار المادي المقترن بضوابط موضوعية يجعل للقاعدة القانونية دور هام في تحقيق العدالة اذ يلزم القاضي بان يقيس الامور بمقياس منضبط ، اما المعيار الشخصي فانه يعطي مرونة اكبر للقاضي في اعمال النص وتحقيق العدالة (5) .
ويتبين ان المعيار الموضوعي يراعي الحالة العامة لا الحالة الخاصة ، فيضع ضوابط عامة معتدلة يمكن ان تنطبق على كل المخاطبين بأحكام القانون ، لا ان تراعي كل حالة او كل شخص على انفراد ، ويحقق المعيار الموضوعي المساواة بين الاشخاص بتحقيق العدل . اما المعيار الذاتي او الشخصي فانه يراعي حالة كل شخص ، وينصف هذا المعيار المخاطبين بأحكام القانون عبر تحقيقه للعدالة ، ومما لا شك فيه من وجود مزايا ومساوئ لكل من المعيار الموضوعي والمعيار الذاتي او الشخصي وللقيمتين اللتين يمثلانها .
الفرع الثاني
نطاق اعمال المعايير الموضوعية والذاتية
نص المشرع على نطاق اعمال المعايير الموضوعية والمعايير الذاتية في معظم التشريعات ، سواء أكانت في القانون الخاص ام القانون العام . ونص المشرع في القانون المدني العراقي على هذه المعايير ، كمعيار الرهبة في الاكراه ، ومعيار العلم او افتراض العلم في الغلط والغبن مع التغرير ، ومعيار عناية الشخص المعتاد في تنفيذ الالتزام أيا كانت طبيعة هذا الالتزام سواء أكان التزاماً بتحقيق غاية ام ببذل عناية ، وأيا كانت مصدره سواء أكان التزام ناشئ عن تصرف قانوني ام واقعة مادية (6).
اما في نطاق القانون العام ، فيستند المعيار الموضوعي على المصلحة العامة ، المتمثلة في معظم قوانين فروع القانون العام (7) .
وفيما يتعلق بأثبات مقومات المعيار الموضوعي في نطاق قانون الخاص ، فلا يثير ذلك صعوبة لأنها تمثل الوضع الظاهر في السلوك المادي الذي يمكن للقاضي ان يتبينه ، في حين تثير مسألة اثبات مقومات المعيار الذاتي صعوبات كبيرة ، اذ على القاضي ان يبحث في نية او قصد كل من المدعي والمدعى عليه ، وهذا امر ليس بالسهل على القاضي (8).
ويتبين ان المشرع العراقي اخذ بالنظام المختلط في الاثبات ، وهو ما بينه في الاسباب الموجبة لقانون الاثبات " وفي صدد طرق الاثبات تخير القانون الاتجاه الوسط ما بين انظمة الاثبات المقيد والمطلق ، فعمد الى تحديد طرق الاثبات ، ولكنه جعل للقاضي دوراً ايجابياً في تقدير الادلة وفي التحرك الذاتي للوصل الى الحكم العادل والى الحسم السريع ، واقام كل ذلك على ما ينبغي ان يتوافر للقاضي من ثقة يوليها له المشرع " (9) . ويفسر ذلك استاذنا الدكتور عباس زبون العبودي " بان المشرع العراقي اخذ بالنظام المختلط ، فسمح للقاضي بان يقرب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية ، محققا قدر الامكان النزعة الى العدالة ومكن من دون ان يفرط بمبدأ استقرار المعاملات " (10) .
الفرع الثالث
تقييم المعايير الموضوعية والذاتية
يهدف المشرع من وراء تبني هذه المعايير المتعددة والمتغيرة ، هو اعطاء سلطة تقديرية واسعة للقضاء في تبني ما يراه مناسباً من هذه المعايير في حسم النزاع المعروض امامه ، ولمواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع ، ولتحقيق الاستقرار للمعاملات المالية بين الاشخاص .
ويذهب جانب من الفقه الى ان " المعيار الموضوعي ، من حيث هو معيار عامل للتطور ، ومن حيث هو موضوعي عامل للاستقرار . والموضوعية ، هي صنو للإرادة الظاهرة بل هي الاصل الذي تنتمي اليه هذه الارادة ، من اكبر عوامل الاستقرار" ، ويرى انه عندما اخذ بالمعايير الذاتية ، في بعض المسائل ، لم يتخذها معايير ذاتية محضة وانما رسم لها ضوابط موضوعية ليضفي عليها شيئاً من الثبات والاستقرار (11) .
ونستنتج مما تقدم انه لابد من الاعتراف بوجود ثلاث معايير رئيسة ، المعيار الموضوعي والمعيار الذاتي والمعيار الذاتي المحدد بضوابط موضوعية ، لتقييم مدى التزام اطراف المعاملات المالية ، بما اوجبه عليهم القانون او الارادة ، بالالتزامات وما لهم من حقوق ، الا اننا لن نتناول المعيار الذاتي لأنه لا يعد من عوامل تحقيق استقرار المعاملات المالية ، في حين ان المعيار الموضوعي او المعيار الذاتي المحدد بضوابط موضوعية يعدان من عوامل تحقيق استقرار المعاملات المالية .
ويستعين القاضي بالمعايير القانونية لتحديد المسؤولية المدنية لا شخاص المعاملات المالية ، فلابد من تحديد حقوق وواجبات اشخاص هذه المعاملات ، وتحديد المسؤولية يستوجب الاستعانة ببعض الوسائل التي نص عليها القانون ، وهذه الوسائل هي المعايير القانونية ، والتي بموجبها نحدد مدى تنفيذ كل شخص لالتزامه وصولاً لتحديد مسؤوليته .
وتهدف هذه المعايير الى تحقيق المرونة والاستقرار، فتتحقق المرونة عبر اعطاءه السلطة التقديرية الواسعة للقاضي باعتماد المعايير الذاتية التي تحقق العدالة الفردية ، اذ يتجه القاضي استناداً على المعيار الذاتي الى البحث عن الارادة الباطنة ، بوصف ان الارادة ظاهرة نفسية .
اما اذ اتجه للأخذ بالمعيار الموضوعي في البحث عن الارادة الظاهرة بوصف ان الارادة ظاهرة اجتماعية ، فيتحقق الاستقرار للمعاملات عبر اعتماد المعايير الموضوعية وحتى الذاتية المقترنة بضوابط موضوعية ، والتي تحقق الثقة والامن الاجتماعي عبر تحقيق استقرار المعاملات المالية .
___________
1- ينظر د. نبيل اسماعيل عمر ، سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية ، منشأة المعارف ، الاسكندرية – مصر ، 1984 ، ص 200 .
2- ينظر فارس حامد عبد الكريم العجرش ، فكرة المعيار في القانون وتطبيقاتها في القانون – دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير في القانون الخاص مقدمة الى كلية القانون - جامعة بغداد ، 2001 ، ص 75 .
3- ينظر د. عبد المجيد الحكيم ، الوسيط في نظرية العقد ، الجزء الاول – انعقاد العقد ( اركان العقد ) ، شركة الطبع والنشر الاهلية ، بغداد – العراق ، 1967 ، ص 126.
4- ينظر د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام ، الطبعة الثالثة الجديدة ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت – لبنان ، 2011 ، ص 883 .
5- ينظر د. محمد شتا ابو سعد ، السلطة التقديرية للقاضي المدني في ضوء المعايير والقواعد القانونية المرنة والجامدة ، بحث منشور في مجلة مصر المعاصرة ، العدد 406 ، السنة السابعة والسبعون ، القاهرة ، 1986، ص 148 .
6- ينظر المواد 114 ، 119 ، 122 ، 251 من القانون المدني العراقي ، وتناظرها المواد 127 – 3 ، 120 ، 126 ، 211 – 1 من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 .
7- يظهر ان القانون الاداري والقانون الدستوري والقانون الدولي العام تهدف من حيث الاصل الى تحقيق المصلحة العامة باعتماد المعايير الموضوعية ، الا ان المعيار الذاتي يجد مجالاً واسعاً في نطاق القانون الجنائي اكثر مما هو في فروع القانون العام الاخرى ، وتقوم هذه القوانين على فكرة المصلحة العامة والنظام العام ، وهذه المعايير في الغالب موضوعية ، فضلاً عن المعايير الذاتية التي لاتترك بالمرة ، بل نجد تطبيقاً لها كلما حقق ذلك فكرة المصلحة العامة . وفي اطار الوظيفة العامة فانه يتم الاعتداد بالقابليات والمهارات الشخصية وحسن السيرة والسلوك سواء أكان عند التعيين ام تولي المناصب الادارية في الوظيفة العامة ، لمزيد من الايضاح ينظر المادة السابعة من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل والتي تنص على " لا يعين لاول مرة في الوظائف الحكومية الا من كان : .... " .
8- ينظر د. توفيق حسن فرج ، النظرية العامة للالتزام ، مصادر الالتزام ، بدون دار نشر ، 1978 ، ص 112 .
9- ينظر الاسباب الموجبة لقانون الاثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979 .
10- ينظر استاذنا الدكتور عباس زبون العبودي ، شرح احكام قانون الاثبات المدني ، الطبعة الاولى ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان – الاردن ، 2005 ، ص 29 .
11- ينظر د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ، نظرية الالتزام بوجه عام ، مصادر الالتزام ، مصدر سابق ، ص 106 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|