أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-5-2021
2102
التاريخ: 19-4-2019
1778
التاريخ: 14-5-2020
1973
التاريخ: 19-4-2019
1867
|
المعروف والمنكر والأكثريّة الصّامتة:
من فرائض الإسلام الكبرى فريضة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
وقد ورد تشريع هذه الفريضة في الكتاب الكريم والسّنّة الشّريفة في عدّة نصوص دالّة على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر على جميع المسلمين بنحو الواجب الكفائي (١) .
كما وردت نصوص أخرى كثيرة في الكتاب والسُنّة، منها ما يشتمل على بيان الشّروط التي يتنجّز بها وجوب هذه الفريضة على المسلم. ومنها ما يضيء الجوانب السّياسية والاجتماعيّة لهذه الفريضة، كما يوضّح المبدأ الفكري الإسلامي العام الّذي ينبثق منه هذا التّشريع.
* دلّ على وجوب هذه الفريضة من الكتاب الكريم قوله تعالى:
( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٢) .
فقد دلّت هذه الآية على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر من جهة دلالة لام الأمر في ( وَلْتَكُنْ ) على الوجوب.
كما أنّ ظاهرها أنّ الواجب هنا كفائي لا عيني؛ لأنّ مَفَاد الأمر تعلّق بأنْ تكون في المسلمين أُمّة تأمر وتنهى، لا بجميعهم على نحو العينيّة الاستغراقيّة، وعليه فإذا قامتْ جماعة منهم بهذا الواجب سقط الوجوب عن بقيّة المكلّفين كما هو الشّأن في الواجب الكفائي.
ولم يحدّد في القرآن والسّنّة عدد مخصوص لأفراد هذه الأمّة، فيراعى في عدد الأفراد القائمين بالواجب مقدار الوفاء بالحاجة.
وقد جعل اللّه تعالى في كتابه الكريم وعي هذه الفريضة، وأدائها حين يدعو وضع المجتمع إلى ذلك، من صفات المؤمنين الصّالحين.
فقال تعالى:
( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (3) .
فقد دلّت الآية المباركة على تضامن المؤمنين بعضهم مع بعض في عمل الخير والبرّ والتقوى، وأنّهم جميعاً من جنود هذه الفريضة حين يدعوهم الواجب إليها.
وسياق الآية الكريمة دالّ على وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، من حيث إنّ بقيّة ما ورد في الآية كلّه من الواجبات المعلومة في الشريعة (الصّلاة، والزّكاة، وطاعة اللّه ورسوله) (4) ، وإنْ لم تكن الدّلالة السّياقيّة من الدّلالات الّتي لها حجيّة في استظهار الأحكام الشّرعيّة.
وكما ورد مدح المؤمنين والمؤمنات - كأفراد - في الآية الآنفة، فقد ورد في آية أخرى مدح المسلمين كافّة - كأمّة ومجتمع - من حيث وعيهم لهذه الفريضة وعملهم بها،
وتلك هي قوله تعالى:
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... ) (5) .
وقد مدح اللّه في كتابه الكريم المسلمين من أهل الكتاب، أتباع الأنبياء السّابقين قبل بعثة النّبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) بوعيهم لهذه الفريضة والعمل بها، ممّا يكشف عن أنّها فريضة عريقة في الإسلام منذ أقدم عصوره وصيغهِ، وأنّها قد كانت فريضة ثابتة في جميع مراحله التّشريعيّة الّتي جاء بها أنبياء اللّه تعالى جيلاً بعد جيل.
قال تعالى:
( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (6) .
وقد كان إحياء هذه الفريضة، وجعْلها إحدى هواجس المجتمع من شواغل الإمام الدّائمة. وقد تناولها في خُطَبِهِ وكلامه - كما تعكس لنا ذلك النّماذج الّتي اشتمل عليها نهج البلاغة - من زوايا كثيرة:
- تناولها كقضيّة فكريّة لا بدّ أنْ تُوعى؛ لتغني الشّخصية الواعية
- وباعتبارها قضيّة تشريعيّة تدعو الأمّة والأفراد إلى العمل.
ومن هذين المنظورَين عالجها بعدّة أساليب.
لقد أعطاها منزلة عظيمة - تستحقّها بلا شك - بين سائر الفرائض الشرعيّة، فجعلها إحدى شعب الجهاد الأربع:
(... والجهادُ منها - من دعائمِ الإيمانِ - على أربعِ شُعبٍ: على الأمرِ بالمعرُوف والنَّهي عن المُنكرِ، والصِّدقِ في المواطن، وشنآن الفاسقينَ، فَمَنْ أمرَ بالمعرُوفِ شدَّ ظُهُور المؤمنين، ومَنْ نهى عن المُنكرِ أرغم أُنُوف الكافرين ومَنْ صَدَقَ في المواطن قضى ما عليه، ومَنْ شنِئ الفاسِقِين وغضِب للّه غضِب اللّهُ لهُ وأرضاهُ يوم القيامةِ) (7) .
وجعل الإمام هذه الفريضة، في كلام له آخر، تتقدّم على أعمال البرّ كلّها.
فقال:
(... وما أعمالُ البِرِّ كُلُّها، والجهادُ في سبيلِ اللّه عندَ الأمرِ بالمعرُوفِ والنَّهي عنِ المُنكرِ إلاّ كنفثةٍ (8) في بحرٍ لُجِّيٍّ ...) (9) .
ومن السّهل علينا أنْ نفهم الوجه في تقدّم هذه الفريضة على غيرها إذا لاحظنا أنّ أعمال البرّ تأتي في الرّتبة بعد استقامة المجتمع وصلاحه المبدئي - الشّرعي والأخلاقي - وأنّ الجهاد لا يكون ناجعاً إلاّ إذا قام به جيش عقائدي، وهذه كلّها تتفرّع من الوعي المجتمعي للشريعة والأخلاق، ومن الحدّ الأدنى للالتزام المسلكي بهما.
* في بعض كلماته بيّن الإمام جانباً من الأسباب الموجِبة لهذا التّشريع، فقال:
(فرضَ اللّهُ... والأمرَ بالمعرُوفِ مصلحةً للعوامِّ، والنَّهي عن المُنكرِ ردعاً للسُّفهاءِ) (10) .
فعامّة النّاس الّذين قد يقعون في إثم ترك الواجبات؛ لأنّهم لا يعرفونها على وجهها أو يجهلونها، يمكّنهم الأمر بالمعروف من التعلّم والتفقّه، بالإضافة إلى أولئك الّذين يقعون في إثم ترك الواجب وهم يعرفون الواجب والحرام، حيث يردّهم الأمر بالمعروف إلى جادّة الصّواب والاستقامة، كما يرد إليها السّفهاء الّذين يتجاوزون في لَهْوهم وَعَبَثِهِم حدودَ اللّه.
وللأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مراتب متدرجة من الأدنى إلى الأعلى، فهي فريضة مرنة تستجيب للحالات المتنوّعة، وللأوضاع المختلفة، فربّ إنسان تنفع في رَدْعه الكلمة، وربّ إنسان لا ينفع في شأنه إلاّ العنف.
ولكلّ حالةٍ طريقةُ أَمْرِها وَنَهْيها الّتي يقدّرها الآمر والنّاهي العارِف، ويتصرّف بقدرها فلا يتجاوزها إلى ما فوقها حيث لا تدعو الحاجة إليه، ولا ينحطّ بها إلى ما دونها حيث لا يؤثّر ذلك في ردْع السّفيه عن غَيِّه وحَمْله على الاستقامة والصّلاح.
وثمّة حالات من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا بدّ فيها من القتال، وهذه حالات تحتاج إلى أنْ يقود عمليّة الأمر والنهي فيها الحاكمُ العادل. وفي هذه الحالات الخطيرة جدّاً لا يجوز لآحاد الناس أو جماعاتهم أنْ يقوموا بها دون قيادة حاكم شرعي عادل.
وإذا كانت مراتب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر تتدرّج صاعدة: من الإنكار بالقلب، إلى الإنكار باللّسان، إلى الإنكار باليد، وللإنكار باللّسان درجات، وللإنكار باليد درجات...
وإذا كانت الحالات العاديّة للأمر والنّهي تتفاوت في خطورتها وأهمِّيَّتها بما يستدعي هذه المرتبة من الإنكار أو تلك، فإنّ الحالات الكبرى الّتي لا بدّ فيها مِن تدخّل الحاكم العادل، والأمّة كلّها قد تبلغ درجة من الخطورة لا بدّ فيها من الإنكار بالقلب واللّسان، وأقصى حالات الإنكار باليد، أعني القتال.
وهذا هو ما كان يواجهه المجتمع الإسلامي في عهد الإمام (عليه السّلام)، متمثِّلاً:
- تارةً في ناكثي البيعة الّذين خرجوا على الشرعيّة واعتدوا على مدينة البصرة، ولم تُفْلِح دعوته لهم بالحُسنى في عودتهم إلى الطاعة، واضطرّوه إلى أنْ يخوض ضدّهم معركة الجمل في البصرة.
- أو المتمرِّدين على الشرعيّة في الشام بقيادة (معاوية بن أبي سفيان) الّذي رفض جميع الصِيَغ السّياسيّة الّتي عرضها عليه الإمام ليعود من خلالها إلى الشرعية.
- أو المارقين الخوارج على الشّرعيّة والّذين رفضوا كلّ عروض السّلام الّتي قُدِّمت لهم، وأصرّوا على الفتنة ومارسوا الإرهاب ضدّ الفلاّحين والآمنين والأطفال والنّساء...
___________________
(1) من جملة تقسيمات الواجب عند علماء أُصول الفقه تقسيمه إلى:
- واجب عيني
- وواجب كفائي.
ويُعَنْوَن بالواجب العيني: ما يتعلّق بكلّ مُكلَّف، ولا يسقط عن أحد من المكلّفين بفعل غيره.
ويُعَنْوَن بالواجب الكفائي: ما يطلب فيه وجود الفعل مِن أيّ مكلّف كان، فهو يجب على جميع المكلّفين ولكن يُكْتَفَى بفعل بعضهم فيسقط عن الآخرين. نعم، إذا تركه جميع المكلّفين فالجميع مذنبون.
وأمثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشّريعة:
منها: تجهيز الميّت والصّلاة عليه.
ومنها: الحِرَف والصّناعات والمِهَن الّتي يتوقف عليها انتظام شؤون حياة النّاس.
ومنها: الاجتهاد في الشّريعة.
ومنها: الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.
(2) سورة آل عِمران: (مدنيّة / ٣) الآية: ١٠٤.
(3) سورة التّوبة: (مدنيّة / ٩) الآية: ٧١.
(4) ربّما يكون المراد من طاعة اللّه ورسوله - بعد ذكر الأمر والنّهي والصّلاة والزّكاة - الطاعة في الشّأن السّياسي، فلا يكون من ذكر العامّ بعد الخاص.
(5) سورة آل عِمران: (مدنيّة / ٣) الآية: ١١٠.
(6) سورة آل عِمران: (مدنيّة / ٣) الآية: ١١٣ - ١١٤.
(7) نهج البلاغة: باب الحكم/ رقم النّص: ٣١.
(8) النفثة - كالنّفخة لفظاً ومعنىً بزيادة ما يُمازج النَفَس من الريق عند النّفخ.
(9) نهج البلاغة: باب الحكم / رقم النّص: ٣٧٤.
(10) نهج البلاغة: باب الحكم / رقم النص: ٢٥٢.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|