أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-24
341
التاريخ: 27-9-2019
1903
التاريخ: 7-8-2022
1200
التاريخ: 19-6-2016
2167
|
انه لأمر غريب ان يكون للاكتئاب هذا العدد الكبير من الاصناف والانواع، والملفت اكثر ما ذكرته احدى الاحصاءات في احدى دول شمال اوروبا من ان خمس سكانها مصاب سابقا او حاليا او سيصاب بالمستقبل بالاكتئاب.
وان كان الاكتئاب المقنع الذي سنتحدث عنه اليوم يشكل حوالي 30% من حالات الاكتئاب الموجودة، والمريض الذي يراجع الطبيب شاكيا من عذاب نفسي وتشاؤم من الحياة الحاضرة والمستقبل ومن همود حركي عام وفقد الاهتمام تدريجيا بالمحيط ، فان الطبيب الخبير سرعان ما يشخص هذه الحالة على انها اكتئاب حاد ويعطيها العلاج المناسب، وللإشارة اقول : ان الدراسات قد بينت ان 50% من مرضى الاكتئاب يُشفون تماما بعد 6 شهور من العلاج، و70% يُشفون بعد سنة، و80% بعد سنتين، و90% يُشفى بعد خمس سنوات، فعليه فان اكثر حالات الاكتئاب تتطور للشفاء العفوي او بالعلاج (إن لم يفكر المريض بالانتحار).
اذن الشفاء هو القاعدة، ولكن بسبب بقاء الاسباب المهيئة للاكتئاب في المنزل في العمل والعلاقات العامة فإن كثيرا ما ينكس بعد سنة او سنتين او اكثر، ولكن بنوبات اقل حدة، واقصر مدة، ويتعلم المريض مع الزمن كيف يتأقلم معه، ويعيش حياة شبه طبيعية.
إذن مريض الاكتئاب كثيراً ما يصرح عن مرضه ويطلب المساعدة، ويعالج ويستفيد.
أمّا الاكتئاب المقنع الذي سنتحدث عنه فإن الاعراض السابقة لا تظهر على المريض ، فهو غالبا يأكل وينام ويشرب، ويذهب الى عمله، واداؤه المهني او الدراسي جيد، ولكن يشكو من اعراض جسدية مريرة لا تخضع لأي شكل من العلاج، تعب مزمن لا يؤثر به النوم وان طال، قلق مزمن لا تنفع كثيرا فيه المهدئات، ضيق صدر، الام صدرية ضاغطة وخفقان، بل وتعرق بارد احيانا وشقيقة متكررة وعدم اتزان بالمشي، بل ودوار احيانا، وغيرها وغيرها.
فترى المريض في حيرة من أمره، يراجع طبيب الهضمية فيرجع خالي الوفاض، يقول له الطبيب : لا شيء سوى تشنج بسيط بالكولون وغازات (بالمناسبة فالكولون اكبر عضو في الجسم واكثرها أعصاباً) ويقول له : لا تقلق، ويعطيه بعض الدواء فلا يستفيد شيئا كذلك يذهب الى طبيب الامراض القلبية بعد ان يعاني من الالم صدرية ضاغطة وخفقان وتعرق وهو يرتعد مذعورا، وبعد التخطيط والايكو القلبي يقول له الطبيب: لا يوجد شيء، تسرع قلب بسيط قد يكون عصبياً، يذهب الى طبيب البلعوم والحنجرة يشكو من تضخم اللوزات واحتقان بلعوم لا يطاق، فتوصف له اقوى المضادات ومضادات الاحتقان، ولكن عندما يراجع طبيبه بعد اسبوع يفاجأ طبيبه بوضعه، فيقول له : الأعراض هي هي :
يجري الصور والتحاليل المتكررة والمتنوعة دون ان يجد شيئا، ولا صور الجيوب الانفية يظهر فيها شيء، وقد يراجع من اجل البرود الجنسي، ولا يجد الطبيب لديه شيئا ويقول له : خذ هذه المقويات والفيتامينات، ولكن لا شيء البتة يتحسن.
اخيراً وبعد ان يمل من مراجعة الاطباء وبعد انفاق أموال طائلة ثمنا للأدوية يقول : سأجري جميع التحاليل الموجودة مهما بلغت التكاليف ولكن يفاجئ بان الطبيب يقول له : لا يوجد شيء لا في البول ولا في الدم ولا في غيره ابدا ابداً، هؤلاء المساكين يشكلون على الاقل 15% من مراجعي العيادة ومراكز التصوير الطبي حول العالم انهم ضحايا الاكتئاب المقنع بكل معنى الكلمة، واليكم القصة التالية:
ع. س مهندس شاب يبلغ من العمر 38 سنة تعرض منذ سنتين لحادث سير ادى لكسر الحوض، وبالتالي البقاء على الفراش ثلاثة شهور، ثم شفي تماما من الكسر، بعد اربعة شهور من الشفاء عاد للعمل بشكل طبيعي بدأ يشكو من تعب شديد، وانهاك لا يطاق عند اقل جهد، بدأ يأخذه القلق من كل شيء، ركوب السيارة، السير بالشوارع اصبح يتأخر عن عمله، قلت شهيته للطعام، وأشد ما شكا منه آلام بطنية مبرحة ومتكررة مع نوب تجشؤ وإقياء وتنميل حول الفم والذراع خاف المريض كثيرا راجع طبيب الهضمية فقال له : لا تقلق تشنج كولون عادي، واعطاه مضادات تشنج وإقياء، ولكن الالم لم يخف ابداً فأعطاه أدوية أشد وطأة، أجرى له تنظيراً للكولون دون جدوى، أخيراً نصحه بمراجعة طبيب الامراض العصبية بسبب الارق، وقلة الشهية، ولم يستحسن، اخيرا استفاق في منتصف إحدى الليالي وهو يشكو من ألم صدري ضاغط وتعرق بارد فطلبت زوجته الإسعاف، وعندما وضع في غرفة العناية القلبية المركزة، لم يجد الطبيب أي احتشاء قلبي، اعطاه مهدئا ونصح بخروجه للمنزل صباح اليوم التالي.. أخيرا بعد شهر انهار، بدأ يلوم ذاته ويبكي ويعتبر نفسه مسؤولاً عن مرضه وانقطع نهائيا عن عمله، وانعزل عن الناس، بل وفكر بالانتحار للتخلص من مرضه ومعاناته.
إذن لقد انكسرت المعاوضة النفسية للمهندس الشاب، وأسفر الاكتئاب المقنع عن وجهه ورمى قناعه، وظهر بوجهه الحقيقي على شكل اكتئاب ارتكاسي حاد.
أصبحت المهمة يسيرة على الطبيب عولج ع. س بمضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة فتحسن وضعه كليا بعد ثلاثة اسابيع من العلاج، وعاد الى عمله بعد شهر، وعولج لمدة ستة شهور، وشفي بعدها تماماً.
اذن هذا هو الاكتئاب المقنع يتدثر بعباءة الامراض الجسدية، وقد يبقى اعواما واعواماً على شكل شكاوى عضوية (جسدية). قبل ان يتحول الى اكتئاب حاد وسافر، اذن هو كجبل الجليد في اعالي البحار وربعه عائم وثلاثة ارباعه مغمور تحت الماء.
فالجزء العائم هي الاعراض الجسدية والتي سنتحدث عنها لاحقا، اما الجزء الاكبر الغاطس فهو الاكتئاب الحقيقي الذي سيظهر لاحقاً.
وان اكثر التشخيصات التي سادت في القرن التاسع عشر؛ كاضطراب الجهاز العصبي النباتي (نظير الودِّي) أو باسم اضطرابات الجملة الودية، ما هي إلا حالات اكتئاب مقنع وخفي ليس إلا.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|