لما كان القرآن الكريم كتاب المسلمين الأول ودستورهم في الدنيا واملهم في الحياة، لذا فقد حرص هؤلاء منذ فجر الاسلام حتى الآن على دراسته وسبر اغواره للوقوف على احكامه وتشريعاته للاستعانة بها في اداء عباداتهم بصورة تامة والاهتداء بها في معترك حياتهم ..

وقد زاد البعض على ذلك فقام بمسعى آخر هو استخراج وجمع ما يضم القرآن من فرائد وغرائب ونوادر وارقام من أجل استيعاب معانيها والتفاعل معها واستظهارها ..

وبقدر تعلق الأمر بالأرقام أو الاحصائيات فنشير إلى ان هذه تشبه إلى حد كبير تلك التي نجدها في عالم الاقتصاد والمال والتخطيط والانتاج الزراعي والصناعي والتي تسهّل الوقوف عن كثب على تزايد أو نقصان كل مادة عبر السنوات أو على اعواد أو حجم ما موجود من امور اخرى كعدد الحيوانات في قطاع معين أو عدد اشجار جنس معين كالنخيل في العراق مثلا .. حيث ان الاطلاع على هذه الاحصائيات والارقام ستساعد على حل كثير من المعضلات الاقتصادية والتجارية وبالتالي تلافي كل الاخطاء التي قد تقع في هذا الميدان أو ذاك ..

وقبل ان ندخل في ميدان الاحصائيات في القرآن الكريم نشير إلى احصاء اسلامي قديم قدم التاريخ الاسلامي كان هذا قد جرى في السنوات الأولى للهجرة ولعله أول احصاء في العالم الاسلامي ذلك انه حدث ان اراد الرسول (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) احصاء عدد المسلمين فقال : (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) «اكتبوا إلى كل من تلفظ بالاسلام» فكتبوا ذلك فكان الف وخمسمائة رجل وهو عدد كافة الرجال من المسلمين، وكان اذا نودي للزحف يعرف من تخلف عنه (صلى الله عليه وعلى الله وسلم) بعد احصاء الحاضرين فيلومه اذا كان تخلفه قد تم‏ بدون عذر شرعي أو سبب معقول ..

ان الاحصائيات أو الأرقام التي سنسجلها عن القرآن الكريم وان كانت لا تضر من يجهلها ولا تنفع من علمها نفعا هائلا، إلا انها تسجّل مدى أو ارتباط المسلمين بكتابهم الكريم ومدى العناد والجلد الذي تحملوه في استخراج مثل هذه الاحصائيات من القرآن الكريم ..

ان هذه الاحصائيات تخص نواحي عديدة ومختلفة من القرآن مثل عدد سوره وآياته وعدد المرات التي ذكرت فيه فريضة معينة كالصلاة أو الزكاة أو الجهاد أو عدد المرات التي ذكر فيه لفظ الجلالة (اللّه) أو اسماء الأنبياء أو عدد الحروف أو النقط .... الخ .. وحيث أن أسلوبنا في البحث بهذه الدراسة هو الايجاز وان ايراد كل ما وقع بأيدينا من الأرقام قد يأخذ حيزا كبيرا قد يتعارض مع اسلوب البحث، لذا آثرنا هنا ايراد بعضها وهو ما يتعلق بالطريف واللذيذ منها وهي هذه : ان عدد آيات القرآن الكريم هي ان عدد آيات القرآن الكريم هي/ 6236/ آية ان عدد الآيات المكية هي/ 4613/ آية وقيل 4780 آية ان عدد الآيات المدنية هي/ 1623/ آية وقيل/ 1456/ آية ان عدد كلمات القرآن هي/ 77934/ كلمة ان عدد نقط القرآن هي/ 1025030/ نقطة ان عدد حروف القرآن هي/ 323670/ حرف وقيل/ 321250/ حرف ان عدد الفات (جمع الف) في القرآن هي/ 48800/ حرف ان عدد الباء في القرآن هو/ 11201/ حرف ان عدد التاء في القرآن هو/ 10199/ حرف ان عدد الثاء في القرآن هو/ 1276/ حرف ان عدد الجيم في القرآن هو/ 3273/ حرف ان عدد الحاء في القرآن هو/ 3993/ حرف ان عدد الخاء في القرآن هو/ 2416/ حرف‏ وهكذا ترد اعداد الحروف تباعا حتى آخرها وهو حرف الياء حيث ان عدد الياءات في القرآن هي 25919 حرف :

وإن عدد فتحات القرآن/ 53243/ فتحة وعدد كسرات القرآن/ 39582/ كسرة وعدد ضمات القرآن/ 8804/ ضمة وعدد مدات القرآن/ 1771/ ضمة وعدد شدات القرآن/ 1253/ شدة وقد احصى البعض بعد هذا لفظ الجلالة (اللّه) في القرآن فظهر انه قد ورد فيه (980) مرة ..

ويروى هنا ان الحجاج بن يوسف الثقفي أو غيره كان قد «جمع القراء والحفاظ والكتاب لديه وقال لهم : اخبروني عن القرآن كم حرف هو ...؟ فحسبوا فقالوا بعدده (كما جاء آنفا) ثم سألهم عن نصفه فاذا بالقرآن ينتهي في سورة الكهف في فاء أو تاء (وليتلطف) ثم سألهم عن أثلاثه فاذا الثلث الأول يقع في رأس مائة من سورة براءة والثلث الثاني يقع في رأس مائة وواحد من سورة طسم الشعراء والثلث الثالث ما بقي من القرآن، ثم سألهم عن أسباعه فاخبروه بذلك» (1).

وهناك من درس وتتبع الآيات القرآنية الكريمة لمعرفة الآية التي هي اشد ما تكون وطأة على الكافرين وتلك التي هي ارحم آية في القرآن فضلا عن الآية التي تجمع خصال الخير والنهي عن الشر .. الخ فظهر من ذلك ان اشد آية في القرآن هي قوله تعالى : { فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا } [النبأ : 30]

بينما ظهر أن أرحم آية فيه هو قوله تعالى : {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر : 53]

أما أجمع آية في القرآن فهو قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل : 90]

كما وقام فريق آخر بإحصاء اسماء الأنبياء والرسل الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم لمرة واحدة أو أكثر على وجه الصراحة (لا الاشارة) حيث ادخلهم في رجز بديع ليمكن حفظه بسرعة وهو :

واذ نحن بصدد الشعر، فقد قام البعض بتضمين القرآن في الشعر وهذا يعد من انواع البديع مثل :

يقول : {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة : 282] أو مثل القائل :

وكذلك قول من قال :

هذا وهناك الكثير من الأدباء والكتاب ممن يدخل الآيات الكريمة أو مقاطع منها بين سطور أو ثنايا كتاباتهم أو ان يصدّروا بها مؤلفاتهم، مما يكسبونها طابعا جميلا وتصويرا بديعا فضلا عن وقعها الحسن على الاسماع والنفوس.

كما ونشاهد أيضا من يسجل بعض الآيات كتلك التي تأمر بالعدل والدعوة إلى الكفاح والجهاد (2) والعمل الصالح أو تجري مجرى الحكمة والمثل أو القول الحسن أو الإنفاق في سبيل اللّه أو تجنب الظلم والبغي أو الحكم بالعدل والانصاف أو امهال المدين والمعسر ... الخ اجل نشاهد من يسجل كل أو بعض هذه الآيات على لوحات فنية وبخط بارز وجميل لتوضع على جدران البيوت والدكاكين والمحلات العامة لتبقى معانيها على تماس وارتباط دائم بأعمال وسلوك الناس ..

ونجد أيضا في صدر الاسلام وبعده من يحفظ شيئا من القرآن لأجل ان ينطق به عوضا عن الكلام الاعتيادي مؤديا نفس المعنى والمقصد أو ما يشير اليه ..

وهذا ان دل على شي‏ء فإنما يدل على مدى حفظ هؤلاء المسلمين وسرعة ايرادهم أو تذكرهم الآية أو الآيات المطلوبة من خضم آيات القرآن التي تتجاوز الستة آلاف آية.

ولا ضير في ختام هذا الفصل من ايراد قصة طريفة قامت بأداء دور البطولة فيها فتاة مسلمة ومهما قام الشك في صحتها (القصة) إلا انها تشير إلى المدى الذي ارتبط القرآن بحياة الناس وسلوكهم ومعاشهم سواء الرجال منهم أو من يطلق عليهم بالجنس الناعم.

وبهذه المناسبة وقبل الولوج إلى اصل القصة نقول بان الاسلام لا يفرق بين الجنسين في شي‏ء منهما متساويان في كافة الحقوق والواجبات والتكاليف الدينية والمالية - واذا ما كان هناك فرق او خلاف يذكر ما بينهما فهو ذلك الذي يخص طبيعة عمل المرأة ويحس وضعها وشكل حياتها.

وكم كان بودنا ان نضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالمساواة التي اشرنا اليها، إلا ان ذلك سينقل البحث من قصة طريفة لامرأة تحفظ الكثير من القرآن ولا تتكلم إلا به إلى موضوع حقوق المرأة في الاسلام والذي كتب فيه المئات من المفكرين المسلمين واهم من كتب عنه هو الأخ محمد قطب في كتابه شبهات حول الاسلام ولم يدع فيه زيادة لمستزيد ..

اما القصة الفريدة والتي نكتب عنها بتصرف فهي : (3) قال بعضهم : انقطعت عن طريق القافلة المتجهة صوب الديار المقدسة مرة بمسافة قصيرة فوجدت سوادة، فاقتربت منها فتجلب لي انها امرأة فقلت لها من انت، فأجابت : {وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف : 89]  فسلّمت عليها ثم استفسرت منها عما تعمل في هذا المكان النائي عن الطريق فقالت : «من يهدي اللّه فلا مضل له» فقلت لها هل انت من بني الانسان ام من غيره فأجابت : {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف : 31]  فقلت لها من اين اقبلت إلى هذا المكان فأجابت : { يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } [فصلت : 44]  فقلت لها إلى أي مكان متوجهة فقالت : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران : 97]  فقلت لها متى انقطعت عن طريق القافلة فقالت : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [ق : 38]  فقلت لها هل ترغبين في تناول شي‏ء من الطعام فأجابت : {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء : 8]  فاطعمتها مما كنت احمل من الزاد ثم قلت لها استعدي للرحيل للحاق بالقافلة فقالت : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة : 286]  فقلت هل احملك معي على الناقة فقالت :

{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } [الأنبياء : 22]  فنزلت من الناقة واركبتها عليها فسمعتها تقول عند الجري : {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف : 13]  .. ولما ادركنا مشارف القافلة قلت لها هل لك أحد من قريب أو عزيز فيها فأجابت : {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} [ص : 26]  ، { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران : 144]  ، {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } [مريم : 12]  ، {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ} [القصص : 30]  فناديت برفيع صوتي بالأسماء الأربعة (داود، محمد، يحيى، موسى) فإذا بأربع شباب برزوا من قلب القافلة وتوجهوا نحونا فقلت لها هل لهؤلاء القادمين قرابة منك فقالت : {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف : 46]  فلما وصلوا إلى جوارها قالت لهم : { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص : 26]  فاعطوني شيئا من المال ثم قالت لهم : { وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ } [البقرة : 261]  فزادوا في العطاء، ثم سألتهم قبل ان اودعهم عن قرابة المرأة منهم فقال كبيرهم هي والدتنا، ما تكلمت معنا ومع غيرنا منذ عشرين سنة إلا بالقرآن الكريم وعلى النحو الذي سمعت باذنك منها ..

وأخيرا- وليس آخرا- نشير إلى احجام المصاحف التي خطّت في العالم حتى الآن.

فبصدد اكبر مصاحف العالم فيقال انه المصحف الموجود في خزانة دار الكتب بميدان باب الخلق بالقاهرة ويبلغ وزنه طنين كما وان حجم الصفحة الواحدة منه تبلغ 175* 120 سم ويتألف من 7 أجزاء ومحرر بخط النسخ وعلى الجلد ومستعمل فيه الذهب في أجزاء مختلفة من صفحاته ووقفاته، وله غلاف جميل هو آية في الروعة والفن يتسع‏ للأجزاء السبعة وهو من الفضة الخالصة ومحلى بالياقوت، وقد كتب في القرآن الحادي عشر الهجري ‏(4)..

وقد قدّمه إلى مصر نواب «أمير» مقاطعة (ولاية) بهوبال (5) وهي احدى الولايات التي كانت تتشكل منها الهند قبل الاستقلال والذي تم في منتصف شهر آب 1947 ..

اما عن اصغر المصاحف في العالم فهناك مصاحف لا تتعدى عن أن تخرج عن حجم نواة التمر سعة، وكما يشاهد في العلب الذهبية التي توضع على الصدور وغيرها لغرض التبرك وذلك لتعذر وضع مصاحف كبيرة في هذه المواقع ..

وبين حجم هذا المصحف وذاك نجد العشرات من المصاحف وباحجام وقياسات مختلفة تلبي كل طلب وتتلاءم مع كل نظر .

_____________________

(1) علوم القرآن- أحمد عادل كمال.

(2) ومن هذا النوع ما يشاهد في قاهرة المعز قرب ساحة التحرير من جهة الكوبري، حيث أقيم قوس كبير قرب الكوبري وقد وضع فوقه صورة مجسمة كبيرة تمثل جنديا مصريا وبيده رشاشته وهو في وضع الاستعداد ودوّنت تحت الصورة هذه الآية من سورة ( ق) وهي : { يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}..

(3) زينب الكبرى- الشيخ جعفر النقدي.

(4) مجلة الوعي الإسلامي العدد 37 مقال السيد صلاح عزام حول المصاحف النادرة في العالم ..

(5) أشرنا في فصل« بعض التفاسير المتداولة» إلى حقيقة هذه الولايات والإمارات وكيف قام المستعمرون الإنكليز بإيجادها من أجل إحكام سيطرتهم على كل التراب الهندي وقمع كل تمرد وعصيان قد يعلن ..