مما لاشك فيه إن فكرة الحدود الدولية وتحديدها وتخطيطها قد مرت بأدوار ومراحل مختلفة حتى وصلت إلى شكلها الحالي⁽¹⁾ , ففي العهد القبلي الأول كانت عبارة عن مساحات واسعة من الأرض تفصل بين الشعوب والقبائل , حيث كانت تترك مناطق مختلفة المساحة على وفق مقومات طبيعة الأرض لغرض الحماية أو الدفاع وتتكون غالبا ً من شريط واسع من إقليم القبيلة , والشريط يتكون من انهار أو جبال أو صحارى قاحلة ليكون فاصلا بين قبيلتين لمنع المنازعات بينهما , وان لهذه المنطقة وضعا ًخاصا ً ولا تستطيع القبائل المجاورة احتلالها خشية من القبائل الأخرى⁽²⁾ ,أي إن الفكرة السائدة آنذاك كانت مناطق حدود تتكون من الظواهر الطبيعية , ومرورا ً بالعصور الوسطى وعلى اثر سقوط الإمبراطورية  الرومانية في سنة (476) م وبعد وفاة شارلمان تم تقسيم إمبراطوريته الرومانية الجرمانية المقدسة على ورثته على وفق اتفاقية (Verdun) لسنة 843م , حيث قسمت الإمبراطورية على أبنائه الثلاثة وهم لوثر وشارل الأصلع ولويس, ويمكن القول إن تحديد الحدود كنظام وجد في عهد أسرة الكارولنجيان (أي بتقسيم الإمبراطورية الرومانية على أبناء شارلمان) , ولكن بقيت الفكرة السائدة هي استعمال مناطق حدود وليست خطوط حدود⁽³⁾.

ولكن نتيجة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية وزيادة عدد السكان وتقدم وسائل النقل والمواصلات وبعد قيام الدولة المركزية التي أصبحت أكثر قوة وقدرة على ممارسة السيادة على الإقليم , وبعد عقد معاهدة وستفاليا سنة (1648م) التي وضعت أسس الدولة الحديثة من شعب وسيادة وإقليم, أصبح الإقليم احد العناصر الأساسية المكونة للدولة^(4), وهناك تعاريف عديدة للإقليم نذكر منها التعريف الآتي : بأنه ذلك الجزء من الكرة الأرضية الذي تمارس عليه الدولة سيادتها ويسوده سلطانهـــــا⁽⁵⁾, وعلى وفق قواعد القانون الدولي العرفي والمعاهدات , إن طبقات الهواء وباطن الأرض تعتبر جزء ً من إقليم الدولة⁽⁶⁾, ويتضح مما تقدم إن الإقليم يعتبر ركنا ً أساسيا ً في تكوين الدولة لأنه يمثل الأساس الفعلي لوجودها وممارسة سلطتها القانونية .

وبهذا إن الإقليم يخضع لسيادة الدولة وتمارس اختصاصها التشريعي والتنفيذي والقضائي على الأشخاص والأشياء الموجدين فيه ، ومن الأمور المسلم بها إن الدولة تباشر اختصاصها الإقليمي بصورة كاملة على إقليمها الأرضي إلا في بعض الحالات الاستثنائية التي يتمتع بعض الأفراد فيها بحصانات أو إعفاءات مبينة بموجب قواعد القانون الدولي ⁽⁷⁾, كما إن الاختصاص يمكن أن يمتد إلى ما بعد الحدود الأرضيـــــــــــــة⁽⁸⁾.

وعلى وفق ما تقدم يجب أن يكون إقليم الدولة محددا ً, حيث إن عدم تحديد خط الحدود يؤدي إلى حدوث منازعات بين الدول المتجاورة مما تتسبب في حروب مدمرة , وبهذا أصبحت فكرة خطوط الحدود هي السائدة بدلاً من فكرة مناطق الحدود.

______________

(1) د.محمد فاتح عقيل ,مشكلات الحدود السياسية,منشأة المعارف,الإسكندرية,1967,ص24.

(2) د.جابر إبراهيم الراوي,الحدود الدولية ومشكلة الحدود العراقية الإيرانية,المطبعة الفنية الحديثــــــــــــــة  

    ,القاهرة,1970,ص53 ,58 ,59 .

(3) د.صالح محمد محمود بدر الدين,التحكيم في منازعات الحدود الدولية ,دار الفكر العربي للنشر,

    القاهرة,1991,ص44-45.

(4) د.جابر الراوي, مصدر سابق,ص82.

(5) د.حكمت شبر,القانون الدولي العام,ج1,مطبعة دار السلام ,بغداد,1975,ص212.

            (6)Ian Brown Lie,principles of public international law,7edition,oxford university           press,newyork,2008,p105.                                                                                                                                                                                                                                                       

(7) د.محمد حافظ غانم,النظام القانوني للبحار,محاضرات ألقاها على طلبة معهد الدراسات العربية العالية ,جامعة  

    الدول العربية,القاهرة,1960,ص7.

(8)Saud nasir al saud alsabah , fahad al marzouk , international law , Kuwait , 1970 , pp10, 20 .