أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-04-2015
![]()
التاريخ: 2023-12-16
![]()
التاريخ: 4-1-2016
![]()
التاريخ: 2024-08-19
![]() |
لقد توقف الفقهاء والمفسرون وعلماء الكلام كثيراً عند قوله تعالى : ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ ، فقال الزمخشري : «أي أصل الكتاب تحمل المتشابهات عليها وترد إليها» (1) ، وقال عبد الله شبر : «أصله ، يرد إليها غيرها وأفرد أم على إرادة كل واحد ، أو المجموع . .» (2) ، وقال الشريف الرضي : «كيف جمع سبحانه بين قوله : ﴿ هُنَّ ﴾ ، وهو ضمير جمع ، وبين قوله : ﴿ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ وهو اسم لواحد ، فجعل الواحد صفة للجمع؟ وهذا فتٌ في عضد البلاغة ، وثلم في جانب الفصاحة . . .» (3) .
وقال الطباطبائي : «إن الإضافة في قوله «أُمُّ الكتاب» ليست لامية كقولنا : أُمُّ الأطفال ، بل هي بمعنى من قولنا : نساء القوم وقدماء الفقهاء ، ونحو ذلك ، فالكتاب يشتمل على آيات هي أُمُّ آيات أخر ، وفي إفراد كلمة الأم من غير جمع دلالة على كون المحكمات غير مختلفة في أنفسها بل هي متفقة مؤتلفة . . .» (4) .
إن قول الطباطبائي أن المحكمات غير مختلفة في أنفسها ، لدليل واضح على أن المفسّر ينسجم مع رؤيته بأن حقيقة الكتاب هي واحدة في أُم الكتاب ، الذي عبر عنه تعالى بالإنزال دون التنزيل ، وهذا ما عرضنا له في بحث الإنزال والتنزيل ، حيث رأينا أن المفسّر يتحدث عن القرآن في مقابل حقيقة الكتاب ، أو الكتاب المبين ، كما في قوله تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ [الزخرف : 4] ، وحقيقة الكتاب هي بمنزلة اللباس من المتلبس وبمنزلة المثال من الحقيقة ، وهذا هو المصحح لأن يُطلق القرآن أحياناً على أصل الكتاب ، كما في قوله تعالى : ﴿ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ [البروج : 22] . إن ما تجدر الإشارة إليه هنا ، هو أن المفسّر يرى أصل الكتاب في اللوح المحفوظ ، والكتاب الذي أنزل على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، تمَّ إلباسه لباس العربية ليكون مقروءاً وميسراً بلسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للهداية ، هو الكتاب الذي فصّل بعد أن كان محكماً غير مفصَّل ، كما قال الله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ ، حيث صدّر الكلام بإنزال ، لأن المقصود ، كما يرى الطباطبائي ، بيان بعض أوصاف مجموع الكتاب النازل وخواصه ، وهو أنه مشتمل على آيات محكمة وأخرى متشابهة ترجع إلى المحكمات وتبين بها . فالكتاب مأخوذ بهذا النظر أمراً واحداً من غير نظر إلى تعدد وتكثر ، فناسب استعمال الإنزال دون التنزيل (5) . وعليه ، فإن ما يراه المفسّر في أم الكتاب في دائرة التنزيل غير ما يراه له في اللوح المحفوظ ، أو في أُم الكتاب حيث أحكمت آياته قبل أن يطرأ عليه التبعّض والتكثر . فكون المحكمات غير مختلفة في أنفسها بل هي متفقة مؤتلفة ، كما يرى المفسّر ، ناهيك عن إفراد كلمة الأم من غير جمع ، فذلك إنما يؤكد عمق رؤية المفسّر لجهة أن الأم ـ بما هي أصل ـ واحدة ، سواء في دائرة الإنزال ، أم في دائرة التنزيل ، وهذا الأصل هو المرجع ، الذي في ضوئه يكون المتشابه محكماً ومقروّاً ومفهوماً بعد أن لم يكن مفهوماً ، لأن الغاية من تنزل الكتاب أن يكون له أصل ثابت واحد مؤتلف يرجع إليه ، سواء أكان متشابهاً في ظاهر لفظه ، أو في إبهامه ، على اعتبار أن التشابه قد يكون في سمو المعنى وعلو المستوى ، فليس دائماً الحديث عن المتشابه من حيث كونه غريباً أو متردداً بين معنى وآخر (6) .
لذا ، فإن ما يريد بيانه المفسّر هو إخراج المتشابه عن كونه سرّاً يستدعي من الإنسان الإيمان به دون العمل ، كما زعمت جماعة أن كون الآيات محكمة وأم الكتاب ، وكونها أصلاً في الكتاب ، وعليها تبتني قواعد الدين وأركانها ، فيؤمن بها ويعمل بها ، وليس الدين إلاّ مجموعاً من الاعتقاد والعمل ، وأما الآيات المتشابهة ، فهي لتزلزل مرادها وتشابه مدلولوها لا يعمل بها ، بل إنما يؤمن بها إيماناً . . . (7) ، وهذا ما يرى فيه الطباطبائي خروجاً عن الأصل ، عن أم الكتاب ، لأن مقتضى إرجاع المتشابه إلى المحكم بيان المراد للاعتقاد والعمل بكل ما فصّله الكتاب ، وهذا ما بيّنه الشريف الرضي في جوابه على سؤال كيف جعل الواحد صفة للجمع ، ولماذا جاء قوله تعالى ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ ﴿ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ ، ولم يقل أمهات الكتاب ، فقال : «فالأم هنا بمعنى الأصل الذي يرجع إليه ويعتمد عليه ، لأن المحكم أصل للمتشابه يقدح به فيظهر مكنونه ، ويستثير دفينه ، وعلى ذلك سميت والدة الإنسان أمّاً ، لأنها أصله الذي منه طلع وعنه تفرّع . . .» (8) .
فالقول بأن المتشابه هو للإيمان دون العمل منافٍ تماماً لمنطوق النص ومفهومه ، حيث تجد أن الذم إنما يكون لاتباع المتشابه بمعزل عن إرجاعه للمحكم بغرض ابتغاء الفتنة والإضلال ، وتأويل القرآن وفاقاً للهوى ، فإذا لم يكن الإتباع والتأويل ابتغاءً للفتنة ، وكان الرجوع إلى المحكم ، فإن الإتباع حينئذ يكون بالإيمان والعمل ، ومن هنا يظهر ، كما يرى المفسر ، أن المراد باتباع المتشابه اتباعه عملاً واعتقاداً ، ويبقى الاتباع المذموم اتباع للمتشابه من غير إرجاعه إلى المحكم ، إذ على هذا التقدير يصير الإتباع إتباعاً للمحكم ولا ذمّ فيه (9) .
إن مقتضى وجود الأصل الذي هو مرتكز الكتاب للعلم والعمل ، أن يكون الأصل الذي هو أُم الكتاب حاكماً على حركة الإنسان ، فلا يقال بأن المتشابه بحاجة إلى التأويل ، وهذا التأويل يتعذر الوصول إلى فهمه ، كما هو مذهب الكثير من المفسرين قديماً وحديثاً . وبما أنه يتعذر فهمه ، فنؤمن به دون العمل به (10) . وهذا إذا ما وقع ، فإنه يؤدي إلى أن يكون الأصل ، الذي هو أم الكتاب ، غير معمول به وغير مرجوع إليه ، بحيث تكون النتيجة خلافاً لما أمر الله به تعالى ، هذا فضلاً عما يؤدي إليه ذلك من تأويل للكتاب وفاقاً للرأي ، وكما بين مغنية ، أنه ليس من شرط المتشابه أن لا ترجى معرفته ، وإلاّ لما كان الله تعالى قد أمر بإرجاعه إلى المحكم ليكون موضوعاً للإيمان والعمل معاً بخلاف من يطلب المتشابه لمرض في قلبه وفساد في قصده (11) .
إن المفسّر في منهجه يؤصّل لحقيقة المحكم والمتشابه في القرآن ، فكان هذا العلم مثله مثل سائر علوم القرآن دافعاً للطباطبائي لإعادة النظر في منهج التفسير على النحو الذي استطعنا أن نكشف عنه بالمستطاع من القدرة والفهم ، إلاّ أن الثابت لدى أكثر المفسرين والباحثين هو أن المفسّر أخرج المتشابه من دائرة التأويل التي كان معمولاً بها ومركوناً إليها باكتشافه لحقيقة التأويل من حيث هو تأويل لكل الكتاب ، وليس للمتشابه وحسب ، وهذه المنهجية الجديدة مرتكزة إلى ما يراه المفسّر من أصل له معناه ، سواء في عالم الإنزال ، أم في عالم التنزيل ، هذا فضلاً عما سنبينه لاحقاً من معنى لهذا الأصل فيما خصّه به المفسّر من تمايز في المحكم والمتشابه في الآيات ، ليزيل الالتباس عن حقيقة هذا العلم من حيث هو علم محكم وهادف إلى الهداية .
لقد أثبت المفسر أن إنزال الكتاب ، كما في قوله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ ، إنما كان بقصد بيان بعض أوصاف الكتاب النازل بخواصه ، كما عبر المفسّر ، وهو أنه مشتمل على آيات محكمة وأخر متشابهة ترجع إلى المحكمات وتبين بها ، فإذا كان للانزال هذا القصد ، وهو حق لا لبس فيه ، فكيف يفرد المتشابه عن المحكم لتأويله ، أو لتعليق العمل به؟ وهل هذا معناه غير أن يكون القرآن بعيداً عن أصله ، وغريباً عن مراده؟ والحق يقال : إن هذا الكتاب مثلما أنه خصّ بأم الكتاب في عالم ما قبل التفصيل وحيث الإحكام ، كما قال تعالى : ﴿ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ ، فهو كذلك خص في عالم التنزيل والتفصيل والتفريق والتنجيم بأم الكتاب أيضاً ليكون محكماً وهادياً ومبشراً ونذيراً . وإذا كان لا بد من القول بالتأويل ، فإن تأويل الكتاب هو تفصيل الكتاب كما بين الطباطبائي في تفسير قوله تعالى : ﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ . . . ﴾ ، وقوله الله تعالى : ﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [يونس : 39] ، حيث رأى المفسّر بأن أصل الكتاب هو تأويل تفصيل الكتاب (12) ، فهو لا يختص بالآيات المتشابهة ، بل لجميع القرآن تأويل ، فللآية المحكمة تأويل ، كما للآية المتشابهة تأويل . . . (13) .
وهكذا ، فإن معنى الرجوع إلى المحكمات من حيث هي أصل وأم الكتاب ليس مؤداه ، كما يرى المفسّر أن لا يكون هناك متشابه في القرآن بحجة أنه كتاب هداية عامة ، وبيان للناس وتبيان لكل شيء ، وإنما مؤداه أن كل ما يحتاج إليه العباد من معارف وأحكام وبيان يكون محكماً لديهم وإلاّ انتفى أن يكون المحكم محكماً ، وقد فُرض مُحكم ، وهذا خُلف ، باعتبار أن الأصل هو الذي تحدث منه التفريعات ، وليس العكس . وهذا إن كان يدل على شيء ، فإنه يدل على أن أصل الكتاب ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ هو تأويل تفصيل الكتاب بما هو محكم ومتشابه ، وقد أكد الطباطبائي هذا المعنى فيما عبر عنه في تفسيره ، فقال : «إن معنى الأمومة الذي دلّ عليه قوله تعالى : ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ يتضمن عناية زائدة وهو أخص من معنى الأصل الذي فسّرت به الأم ، فإن في هذه اللفظة أعني الأم عناية بالرجوع الذي فيه انتشاء واشتقاق وتبعّض ، فلا تخلو اللفظة من الدلالة على كون المتشابهات ذات مداليل ترجع وتتفرّع على المحكمات ، ولازمه كون المحكمات مبيّنة للمتشابهات» (14) .
ولا شك في أن ما يذهب إليه المفسّر ، هو في غاية المعنى والدقة ، لكونه يرى بالتفرّع عن الأصل إحكاماً لكل ما هو متشابه ، وبذلك تتحقق الغاية ، فيكون الدين إيماناً وعملاً ، دون أن يعني ذلك انتفاءً كلياً لما هو بحاجة لرجوع ، سواء إلى عقل ، أو لغة ، أو طريقة عقلائية يستراح إليها في رفع الشبهات اللفظية (15) ، وهذا ما أكده السيد الخوئي بقوله : «إن لفظ المتشابه واضح المعنى ، ولا إجمال فيه ، ولا تشابه ، ومعناه أن يكون للفظ وجهان من المعاني ، أو أكثر ، وجميع هذه المعاني في درجة واحدة بالنسبة إلى ذلك اللفظ ، فإذا أطلق اللفظ احتمل في كل واحد من هذه المعاني أن يكون هو المراد ، ولذلك فيجب التوقف في الحكم إلى أن تدل قرينة على التعيين ، وعلى ذلك فلا يكون اللفظ الظاهر من المتشابه» (16) .
إن الغاية ، من مبحث المحكمات عند الطباطبائي ، كما نلاحظ ، هي القول بأن أصل الكتاب بما هو محكم ويرجع إليه في المتشابه من شأنه أن يُبقي على ظواهر الألفاظ بحيث تكون هي المدخل لفهم الشريعة ، خلافاً لما إذا اعتمدنا التأويل في المتشابه ، فإنه قد يُخرج ، فيما لو جعل ، الكثير من المعاني من دائرة الألفاظ المألوفة ، والتي جعلت أساساً في فهم الشريعة وسبيلاً إليها ، ولهذا ، قال الطباطبائي : إن للمتشابه مفسّر وليس إلاّ المحكم (17) ، باعتباره الأصل ، ﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ وهذه اللفظة تؤكد ، كما يرى الطباطبائي ، على مرجعية هذا الأصل في فهم المتشابه ، الذي هو متشابه في مراده ، لا لكونه ذا تأويل (18) ، وهذا هو الشيء الذي خلص إليه منهج الطباطبائي في مبحث المحكم والمتشابه ، حيث نرى أن المفسر قد استند إلى القرآن في توهين الكثير من الآراء في هذا العلم ، وكشف عن حقائق جديدة لم تكن مألوفة في العلوم والمعارف القرآنية ، ولعل الفضل في ذلك كله يعود إلى المنهج الذي اختاره المفسّر في تفسيره القرآن بالقرآن ، ليؤكد على أن هذا الكتاب يفسّر بعضه بعضاً ، ويشهد بعضه على بعض ، وهو كونه كذلك ، فلا بد أن يكون نوراً وهادياً وتبياناً لكل شيء ، وخاصة في مجال المعارف والعلوم والأحكام الإلهية ، التي تبنى عليها سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة ، فلا يعقل أن يكون فيه آيات متشابهات لا يتحصّل العلم بها ، وقد بين الكتاب أن الأصل فيه هو الإحكام والبيان ، وأن المتشابه يمكن حصول العلم به ورفع تشابهه على النحو الذي يؤدي إلى تحقيق الغاية مما أنزل لأجله الكتاب ، بحيث تتحقق أوصافه ، وتتبين مراميه وخواصه ، لأن المقصود من الإنزال ، كما بين المفسّر ، أن يكون الأصل في التنزيل مقروءً مبيناً ، ومفصلاً تفصيلاً ، تحقيقاً للغاية المرجوة ، وقد لا يكون من الخطأ القول : إن السر كامن في أن أم الكتاب في اللوح المحفوظ ، تيسّر بلسان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكون بشيراً ونذيراً ، وقد خص الكتاب بأم الكتاب ليكون سراً في الأرض كما هو سر في السماء ، حيث هو لديه في أم الكتاب لعليّ حكيم .
_____________________________
|
|
لخفض ضغط الدم.. دراسة تحدد "تمارين مهمة"
|
|
|
|
|
طال انتظارها.. ميزة جديدة من "واتساب" تعزز الخصوصية
|
|
|
|
|
مشاتل الكفيل تزيّن مجمّع أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) بالورد استعدادًا لحفل التخرج المركزي
|
|
|