المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الحث على المشاورة والتواضع
2024-04-24
معنى ضرب في الأرض
2024-04-24
معنى الاصعاد
2024-04-24
معنى سلطان
2024-04-24
معنى ربيون
2024-04-24
الإمام علي (علي السلام) وحديث المنزلة
2024-04-24

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


النموذج النسوي في المعسكر الحسيني  
  
2223   10:55 صباحاً   التاريخ: 17-9-2020
المؤلف : للعلامة المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي
الكتاب أو المصدر : شمس المرأة لا تغيب
الجزء والصفحة : ص 160 -175
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية الروحية والدينية /

إن المعسكر الحسيني الذي مثل في كربلاء رغم صغره وقلة أفراده احتوى على أطياف الأمة ففيه المولى والعبد ، والشيخ والطفل ، والرجل والمرأة ، وفيه الصحابي والتابعي ، والأبيض والأسود ، كما فيه الشريف والوضيع ، والقوي والضعيف ، والعلوي والعثماني ، وفيه المسلم وغيره (1) والعربي وغيره ، لقد تجمع فيه أصناف والوان الإنسان الذين جبلوا على الكرامة والعدالة ، والإنسانية.

وإذا نظرنا إلى خلفية تلك الطاهرات اللاتي جئن إلى ارض المعركة نلاحظ أن فيهن الأم والجدة، والأخت والشقيقة ، والعمة والخالة ، والإبنة والحفيدة ، والزوجة والسرية ، ويجب التمعن بأن لكل منهن مهمة ربما تختلف تماما عن مهمة الأخرى ، ولكن يجمعهن الإيمان بأرقى مفاهيمه الإنسانية والتي جاء بها الإسلام ولخصها في شخص الإمام الحسين عليه السلام وأهدافه، وفي هذا المقطع سنشير إلى بعض النماذج التي يشار إليها بالبنان من تلك الزمرة الطاهرة التي لم تأخذها لومة لائم سواء من اللاتي حضرن كربلاء أو كن على ضفاف نهضته المباركة ، سنذكرهن حسب الحروف الهجائية :

1 ـ أم وهب النصرانية: المرأة التي آمنت وضحت ، كانت أم وهب وابنها وهب على الديانة النصرانية ، ولم يعرفا عن الإسلام ما يجعلهما يفكران بجد في التحول عن معتقدهما ، ولكن كان للصدفة دور كبير ، حيث كانا قد نزلا الثعلبية (2)، وصادف أن الإمام الحسين عليه السلام قد سبقهم إليها ، فأخذت هيبة الإمام عليه السلام الولد والوالدة ، فدخل نور الهداية في قلبيهما حينما تحدثا إلى شخصه الكريم ، فلما علما بأن الإمام قد نهض لدفع الظلم وإحقاق الحق ، أسرع إليه وهب وأخذ يسأله عن أشياء كان يضيق بها صدره وتدور في مخيلته ، فلما عرف الحقيقة من منهلها واستوعب الفكرة ، أسلم على يدي الإمام وأسلمت أمه أيضا ، وكانا متعطشين إلى تطبيق هذه الشريعة بكل بنودها ، وكان الذب عن ابن بجدتها سبط الرسول صلى الله عليه وآله من أبرز معالم هذه الشريعة ، فإلتحقا بركب الحسين عليه السلام ووصلا كربلاء معه ، فما كان من الأم إلا أن تحث ولدها في الدفاع عن شريعة سيد المرسلين وعن ابن ابنته وريحانته وحاميها ، فكانت يوم عاشوراء تدور حول ابنها وتشجعه للنضال والجهاد إلى أن استشهد ، وما أن التحق بالرفيق الأعلى إلا وخرجت بنفسها إلى المعركة وأخذت بيدها عمود الخيمة وأخذت تدافع عن ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله عندها أسرع الإمام فأرجعها إلى الخيمة وأعلمها بأن الإسلام أسقط عن المرأة فريضة الجهاد ولأنها كانت تواقة إلى الجنة فقد أوعدها الحسين بذلك ، إنها ضمنت الجنة بعد ثلاثة عشر يوما فقط من إسلامها ، فمن يا ترى اسلمت وضحت بفلذة كبدها ، وضمنت الجنة ! .

2 ـ بحرية بنت مسعود الخزرجية : المرأة التي تجهز ابنها للشهادة ، كانت بحرية ممن حضرن كربلاء مع زوجها جنادة بن كعب الخزرجي فخرج الزوج وقاتل قتال الأبطال بين يدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، ولما لم تمتلك بحرية وسيلة أخرى للدفاع عن الحق المتمثل بالحسين عليه السلام جاءت إلى ابنها عمر ، والذي لم يتجاوز العقد الأول من عمره ، فألبسته لامة الحرب وقلدته السيف ، وتحدثت معه بأمر القتال بين يدي أبي عبدالله ، والنواميس التي يدافع عنها ، محثة إياه على ذلك وقالت فيما قالته : أخرج يا بني وانصر الحسين عليه السلام وقاتل بين يدي ابن رسول الله فلما جهزته خرج ووقف أمام الحسين عليه السلام يستأذنه للقتال ، فلم يأذن له فأعاد عليه الاستئذان ، فقال الحسين عليه السلام : «إن هذا غلام قتل أبوه في المعركة ، ولعل أمه تكره ذلك» فقال عمر : «يا بن رسول الله إن أمي هي التي أمرتني وقد قلدتني هذا السيف وألبستني لامة الحرب » وعندها سمح له الحسين عليه السلام فذهب إلى ميدان القتال وهو ينشد ما يختلج بقلبه قائلا من المتقارب :

أميري حسين ونعم ألأمير                  سرور فؤاد البشير النذير

علي وفاطمة والداه                     فهل تعلمون له من نظير

له طلعة مثل شمس الضحى                له غرة مثل بدر المنير(3)

فقاتل حتى قتل وقطع رأسه فرمي به إلى جهة الحسين عليه السلام ، فأخذته أمه وضربت به رجلا أو رجلين فقتلتهما ، وحف إليها الحسين عليه السلام فأرجعها إلى الخيمة . فمن يا ترى يمتلك قلبا مفعما بالإيمان والشجاعة ! .

3ـ دلهم بنت عمرو الكوفية : المرأة التي وضعت زوجها على الطريق ، لم يكن زوجها زهير بن القين البجلي من الموالين لأهل البيت عليهم السلام بل كان على الخط العثماني الذي على النقيض مع خط أهل البيت عليهم السلام ولكن الطريق جمع بينه وبين الإمام الحسين عليه السلام وهما في طريقهما إلى الكوفة ، وما كانت إلا ساعة فإذا برسول الحسين عليه السلام على باب خيمة زهير يقول : إن أبا عبد الله بعثني إليك لتأتيه فساد صمت رهيب في مجلس زهير ، حيث كان يكره زهير وقومه من مسايرة الحسين عليه السلام وهو في الطريق فكيف بهم ورسول الحسين يدعوهم للقياه ، وفي هذه اللحظة مزقت دلهم تلك المرأة الحكيمة والمؤمنة ، أجواء الصمت والذهول ، والتفتت إلى زوجها مفجرة بكلماتها بركانا من الدرن الذي تزمجر على القلوب وقالت : يا زهير أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ، سبحان الله ، لو تأتيه فسمعت كلامه ، ثم انصرفت ، فما كان من زهير إلا أن قرر الذهاب إلى أبي عبدالله عليه السلام ويستمع إليه ، وفجأة وجد زهير نفسه في مجلس الحسين عليه السلام حيث حملته رجلاه إليه ، ولما حاوره الحسين عليه السلام وبين أهداف نهضته ، انقلب زهير واتخذ قرارا حاسما ، وصمم على الإلتحاق بركب ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله ، فعاد إلى قومه مستبشرا قد أسفر وجهه والتفت إلى زوجته ليطلقها ويلحقها بأهلها ، لا كرها بها بل حبا لها ، موطنا نفسه للشهادة ، فبشرها بقراره الشجاع ، والتحاقه بركب الحق فقامت إليه زوجته تودعه باكية لتقول له بكل ثبات : خار الله لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين . وهكذا ودع زهير كل متاع الدنيا ليقول للحسين عليه السلام : «والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا مخلدين إلا أن فراقها في نصرتك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها ... أما والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف قتلة وأن ألله يدفع بذاك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك ...» ، طلق زهير زوجته والدنيا ، وطلقت زوجته حلاوة الدنيا وبهجتها وأذعنت لقرار زوجها خوفا من أن يتردد عن الشهادة ، فمن يا ترى كان وراء تحول زهير ! .

4 ـ زينب بنت علي بن أبي طالب : المرأة التي أبت إلا المشاركة في النهضة ، تلك الزوجة الوفية ، والأم الحنونة ، والعمة العطوفة ، والخالة الرؤوفة ، والأخت المسؤولة التي كانت قدوة ليس للنساء فحسب بل وللرجال أيضا ، أخذت على عاتقها أدوارا مختلفة يصعب على المرء حصرها ، ولكن سنشير إلى جانبا منها ألا وهو تفعيل وتكريس الأهداف التي من أجلها نهض الإمام الحسين عليه السلام وذلك بعد شهادته عليه السلام ، وإن شئت فقل تكميل ذلك الدور واستمراريته فقد وقع على عاتقها ، ولا يمكن نسيان هذا الدور الفاعل ، ولولا جهودها لما اثمرت تلك النهضة المباركة بهذا الشكل الذي أثمر ، وقد أبت السيدة زينب إلا أن تشارك شقيقها الحسين عليه السلام ، فقد ذكر المؤرخون أن ابن عباس جاء إلى الحسين عليه السلام ناصحا ومودعا وهو بأرض الحجاز ليثنيه عن السفر إلى العراق ، ولكنه وجد نفسه أمام إصرار الإمام عليه السلام الذي لا محيص عنه فطلب منه عليه السلام أن لا يأخذ معه النساء قائلا : جعلت فداك يا حسين ، إن كان لابد من السير إلى الكوفة فلا تسر بأهلك ونسائك ، فسمعته السيدة زينب عليها السلام فانبرت تخاطبه : يا بن عباس تشير على سيدنا وشيخنا أن يخلفنا ههنا ويمضي وحده ؟ لا والله بل نحيا معه ونموت معه وهل أبقى الزمان لنا غيره .

فقد أبت إلا المشاركة في تلك النهضة الإلهية ، وكانت بالفعل شريكة الحسين عليه السلام في نهضته ، عرفت دورها فأجادت تطبيقه ، ويحتار المرء في الحديث عن أدوارها ومواقفها ، حيث لها مواقف قبل الوصول إلى أرض المعركة ، كما أنيط لها بأدوار وهي على أرضها فكانت تحث الأنصار وتساند الحسين وتلاطفه وتخفف عنه ، اما عن دورها يوم المعركة فكبير جدا ، ولم تترك جانبا إلا ولها يد فيها ، فلم تغفل عن تمريض الإمام زين العابدين ، ولا نسيت الأطفال حيث كانت تجمع الأطفال والنسوة بل والذكور أيضا ، وتشرف عليهم ، وحتى في مراحل الأسر ، ولما جاء دور مخاطبة الجماهير وإعلامهم بأهداف الثورة وإخبارهم بالأحداث الدامية لم تتقاعس ، بل قامت بتأليب الأمة على الطاغية ونظام حكمه ، كما قامت بأعباء الإمامة بالنيابة عن ابن أخيها السجاد عليه السلام ، إن السيرة الحسينية مليئة بمواقفها الجليلة التي لا يمكن حتى الإشارة إليها في هذه المقدمة التمهيدية ، فإلى هناك وإلى قولها مخاطبة ربها حين وقفت على جثمان أخيها الحسين عليه السلام « اللهم تقبل منا هذا القربان» فمن يا ترى أوصل صوت الحسين عليه السلام إلى بلاط الطغاة وإلى الأمة ! .

5 ـ طوعة الكوفية : المرأة التي احتضنت الثائر ، لم تكن طوعة استثناء في حبها لابنها الوحيد ، فكانت تقف بالباب تنتظر قدومه خوفا من أن يصيبه مكروه وكانت قلقة عليه فترة غيابه عن البيت ، وكانت الكوفة آنذاك في انتفاضة عارمة ضد الطاغية يزيد وأعوانه ، وجلاوزة الطاغية يمارسون القمع والاضطهاد ، وطوعة على الباب وإذا بالثائر المنتفض ، والسفير القائد على بابها إنه مسلم بن عقيل سفير الحسين يبحث عن ملجأ آمن ، وعن مأوى ينجيه من الغدر ، تعرفت عليه طوعة من خلال حديث دار بينهما ، فلم تتردد ولو للحظة في القيام بالواجب الملقى على عاتقها من إيواء هذا الثائر المخلص فقامت بالترحيب به ، واسرعت بخفة معهودة عند النساء ، فجهزت له بيتا يأوي فيه مسلم ، وهيأت له كل مستلزمات الضيافة والتكريم ، وجاء ابنها المدلل بلال ذلك المتعاون مع السلطة الذي كان من مصاديق قوله تعالى {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31] ولما عرف بالأمر أخذ يفكر في هذا الصيد السمين الذي كان يبحث عنه ، وكان من أمره أن أخبر السلطان بالأمر ، وكان من أمر مسلم خوض المعركة مع الظالمين حين جاؤوا للقبض عليه وما كان أمام طوعة إلا أن تتبرأ من ابنها {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] فتعتذر من مسلم بن عقيل {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73] ، وطلبت من الله الغفران {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] ومسلم ينهض ليستعد لمواجهة القوم ويلتفت إليها {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} [يوسف: 92] فأخذ يودعها ويقول رحمك الله وجزاك عني خيرا . فمن يا ترى احتضن رجلا خطيرا كمسلم ! .

6ـ عاتكة بنت مسلم بن عقيل : الطفلة التي لا تنسى القائد ، ربما كانت عاتكة هي التي قامت بهذا الدور حيث لم يوضح المؤرخون ذلك إلا أنها هي المرشحة لذلك ، إنها إبنة شهيد ، وأخت شهيد ، والشهادة تنتظرها ، ولا تملك من العمر إلا قليلا حيث كانت إبنة سبع سنين ولكنها كانت تملك قلبا كبيرا ملؤه المحبة والعطف نحو قائد لم يغفل عنها رغم إنشغاله بأمور تراكمت عليه كالجبال ، فهوى على أرض المعركة وهي لا تدري ، رق العدو عليها حين رآها تلهث من العطش وشفتاها ذابلتان ، أقدم احدهم على جلب الماء لها بعد أن تمكن من استصدار الإذن من قائده فلما قدم إليها آنية أمسكت بها وانحدرت نحو ساحة المعركة والمقاتل يتبعها ويناديها إلى أين ... إلى أين ؟ فترد عليه : إلى الحسين .. إلى الحسين .. إنه كان عطشانا ... إنه بحاجة إلى الماء .. إلا أن المقاتل لم يرحمها بلطيف الكلام وقال : إن الحسين ليس بحاجة إلى الماء ... أنه قتل . وما أن صك خبر الموت آذانها أراقت الماء وكسرت الآنية قائلة : وا ذلاه ، فهل تعبير أبلغ من هذا ، فمن يا ترى ملك قلوب الأطفال ، ومن يا ترى واسى القائد ! .

7ـ مارية بنت منقذ العبدي : المرأة التي مولت الثائرين ، كانت مارية أرملة استُشهد زوجها في معركة الجمل نصرةً لأمير المؤمنين عليه السلام ومع هذا فقد كانت موالية للحق دون أي ملل وكلل ، وكانت تحوز على مكانة مرموقة في المجتمع البصري وتمتلك أموالا طائلة ، ولما بدأ الصراع العلوي الأموي على أشده فتحت بيتها للزعماء الموالين للبيت العلوي ليكون ناديا فكريا يناقش فيه الزعماء قضايا الأمة ، ومركز إتصال وتواصل لدعم المعارضة ، ولما عرفت بوصول رسائل من الإمام أبي عبد الله عليه السلام إلى أشراف البصرة ، خرقت ببكائها الغاضب محفل الأشراف الذين كانوا يجتمعون في بيتها لتقول كلمتها المدوية بعدما سألوها عن سبب غضبها وبكائها : « ويلكم ما أغضبني أحد ، ولكن انا امرأة ما أصنع ؟ سمعت أن الحسين إبن بنت نبيكم إستنصركم وأنتم لا تنصرونه » ، فأخذوا يعتذرون بعدم إمتلاكهم السلاح والراحلة ، عندها أخذت كيسا مليئا بالدنانير الذهبية والدراهم الفضية وأفرغته أمامهم وقالت : «فليأخذ كل منكم ما يحتاجه وينطلق إلى نصرة سيدي ومولاي الحسين ». فيا ترى من جاد بماله في نصرة الحق والعقيدة ! .

8 ـ نوار بنت مالك الحضرمية : المرأة التي رفضت بعلها ، إستندب الخولي بن يزيد الأصبحي ليحمل رأس الحسين عليه السلام إلى الطاغية عبيد الله بن زياد ، وكان عجلا من أمره للوصول إلى دار الإمارة لينال الجائزة إلا أنه وصلها متأخرا حيث خيم الظلام وأغلقت الكوفة أبوابها فإضطر إلى المضي إلى داره ليستريح ليلته ويعود في الصباح الباكر ، ولما دخل بيته سألته زوجته نوار عما يخبؤه في التنور ، فقال لها بعد حوار طويل : جئتك بغنى الدهر ، هذا رأس الحسين عليه السلام معك في الدار . فقالت : ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس إبن رسول الله ، لا والله لا يجمع رأسي ورأسك في بيت أبدا ، ثم اضافت قائلة : إرجع ، وأخذت عمودا وأوجعته ضربا ، وقالت : والله ما أنا لك بزوجة ، ولا أنت لي ببعل .

وهكذا فارقته لتعلم الآخرين درسا في التعامل مع الظالمين وإن كان الظالم ولي نعمتهم ، وبالفعل أتبعتها ضرتها عيوف الأسدية حيث هي الأخرى رفضت الخولي فبات بلا مأوى ، فمن يا ترى استنكر فعلة الظالمين ! .

9ـ هانية بنت ... الكلبية : المرأة التي إستبدلت شهر العسل بالفوز بالشهادة ، كانت هانية قد تزوجت من وهب بن عبدالله الكلبي وكانا قد خرجا إلى أطراف الكوفة ومعهما أمه ، وربما كان خروجهما من قبيل ما يسمى اليوم بشهر العسل حيث تزوجا في الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة عام 60 هـ ، وبينما هم كذلك إذ رأى وهب أن القوم بالنخيلة في عرض عسكري ليسرحوا إلى القتال ، فسأل عن مقصدهم فقيل له : يسرحون إلى قتال الحسين إبن فاطمة بنت رسول الله ، فقال في نفسه : والله لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا وإني لأرجو أن يكون جهاد الذين يغزون إبن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين ، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع ، وأعلمها بما يريد ، فقالت له أصبت أصاب الله بك ، وأرشدك أمورك ، إفعل وأخرجني معك ، وخرجوا جميعا ليلا حتى أتوا الحسين عليه السلام ولما كان يوم العاشر من محرم ، خرج إلى القتال وإستبسل وأمه تحرضه على الذب عن إبن بنت رسول الله ، ولكن زوجته هانية قاله له : يا وهب إني أعلم أنك إذا قتلت في نصرة إبن رسول ألله دخلت الجنة وضاجعت الحور وتنساني فيجب أن آخذ عليك عهدا بمحضر الحسين في ذلك فأقبلا إلى الحسين وسألته حاجتان الأولى أن تلتحق بركب أهل بيت الحسين بعد مقتل زوجها ، والثانية أن تكون من أهل الجنة بصحبة زوجها ، فطيب الحسين خاطرها . وبعد هنيئة ، لما كان وهب يقاتل ، سمع زوجته تحرضه على القتال ، وخرجت هي الآن تقاتل إستغرب وهب من هذا التحول ، فقالت له : يا وهب لا تلمني إن واعية الحسين كسرت قلبي ، وتوجهت نحو المعركة لتقاتل إلى جنب زوجها ، فإستنجد وهب بأبي عبدالله عليه السلام ليرجعها فخف إليها الحسين وأرجعها. فمن يا ترى ضحت بالزوج لتؤجل إقترانها به إلى الجنة ! .

10ـ هند بنت عبدالله بن عامر : ملكة البلاط تهدد صاحب البلاط ، كانت هند زوجة الطاغية يزيد بن معاوية الأموي عليه اللعنة ، وكانت على معرفة بأهل بيت النبوة حيث كانت تخدمهم تقربا إلى الله حين كانت في المدينة ، ولكن بعد زواجها من طاغية الشام أبعدها جغرافيا عن أهل البيت عليهم السلام ، ولما أسر الركب الحسيني وفيهم بنات الرسالة أمثال زينب وأم كلثوم بنت علي عليه السلام وأضرابهما ، خرجت على العادة المتبعة للإستطلاع على الأسرى الجدد الذين وصلوا إلى البلاط ، وكانت قد توشحت بوشاح الملكات ، وما أن إلتقت بهم خطفت زينب نظرها فأجرت معها حوارا علمت بعدها أنها إبنة فاطمة وعلي فأجهشت بالبكاء وخرت مغشيا عليها ، ولما أفاقت لم تتحمل صنع الطاغية زوجها فركضت نحو البلاط بحالة لم يعهد لها من قبل وإذا الطاغية مجتمعا بأركان دولته في جلسة رسمية ليستقبل بعض الوافدين ، وقفت وهي حاسرة تخاطب يزيد ، وكلما حاول يزيد أن يهدئ من روعها ويغطي رأسها ليمنع نظرات الحاضرين إليها أنها رفعت صوتها قائلة : أخذتك الحمية علي ، فلم لا أخذتك الحمية على بنات فاطمة الزهراء ، هتكت ستورهن وأبديت وجوههن ، وأنزلتهن في دار خربة والله لا أدخل حرمك حتى أدخلهن معي ، فإنقلب السحر على الساحر في لحظة سريعة ... فمن يا ترى كان وراء إنتفاضة بلاط الطاغية ! .

هذه كوكبة من النساء الطاهرات اللواتي حملن مشعل الكرامة والحرية ، وقمن بما لم يقم به الرجال ، والأرض لا تخلو من مثل هذه المجاهدات على مر التاريخ وحتى في عصرنا الحاضر ، ولكن نهضة الحسين عليه السلام جمعت كل مقومات الحياة الكريمة فكانت نهضته مثلا رائعا لكل الشعوب ، ونعود لنؤكد أن كل واحدة من العناصر النسوية ممن كان لها إرتباط بالمعسكر الحسيني مثلت دورا رائعا بقيت الأجيال تتحدث عنه ، وأصبحت المجاهدات من هذه الأمة وغيرها يحتذين بهن .

________________________             

(1) إشارة إلى من لم يكونوا مسلمين ثم أسلموا .

(1) الثعلبية : هي المرحلة التاسعة عشر من مراحل حركة الإمام الحسين عليه السلام ، تقع بين سوقة وبطان ـ راجع باب السيرة ، ومعجم ألأماكن من الموسوعة .

(3) راجع ديوان القرن ألأول الهجري : 1 / 248 من هذه الموسوعة . 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.






جامعة الكفيل تكرم الفائزين بأبحاث طلبة كلية الصيدلة وطب الأسنان
مشروع التكليف الشرعي بنسخته السادسة الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء
ضمن جناح جمعيّة العميد العلميّة والفكريّة المجمع العلمي يعرض إصداراته في معرض تونس الدولي للكتاب
جامعة الكفيل تعقد مؤتمرها الطلابي العلمي الرابع