أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-8-2020
14329
التاريخ: 28-8-2020
11363
التاريخ: 31-8-2020
9666
التاريخ: 31-8-2020
4115
|
قال تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَو شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } [الكهف: 71 - 82].
{ فَانْطَلَقَا } يمشيان على شاطىء البحر { حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} ومعناه: أنهما أرادا أن يعبرا في البحر إلى أرض أخرى فأتيا معبرا فعرف صاحب السفينة الخضر (عليه السلام) فحملهما فلما ركبا في السفينة خرق الخضر (عليه السلام) السفينة أي: شقها حتى دخلها الماء وقيل إنه قلع لوحين مما يلي الماء فحشاهما موسى (عليه السلام) بثوبه و{ قال } منكرا عليه { أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} ولم يقل لنغرق وإن كان في غرقها غرق جميعهم لأنه أشفق على القوم أكثر من إشفاقه على نفسه جريا على عادة الأنبياء ثم قال بعد إنكاره ذلك { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أي: منكرا عظيما يقال أمر الأمر أمرا إذا كبر والأمر الاسم منه ف { قال } له الخضر { أ لم أقل } لك { إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} أي: أ لم أقل حين رغبت في اتباعي إن نفسك لا تطاوعك على الصبر معي فتذكر موسى ما بذل له من الشرط ثم { قال } معتذرا مستقيلا { لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ } أي: غفلت من التسليم لك وترك الإنكار عليك وهو من النسيان الذي هو ضد الذكر وروي عن أبي ابن كعب قال إنه لم ينس ولكنه من معاريض الكلام وقيل بما تركت من وصيتك وعهدك عن ابن عباس وعلى هذا فيكون من النسيان بمعنى الترك لا بمعنى الغفلة والسهو.
{ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} أي: لا تكلفني مشقة تقول أرهقته عسرا إذا كلفته ذاك والمعنى عاملني باليسر ولا تعاملني بالعسر ولا تضيق علي الأمر في صحبتي إياك { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ} ومعناه فخرجا من البحر وانطلقا يمشيان في البر يعني موسى والخضر ولم يذكر يوشع لأنه كان تابعا لموسى أوكان قد تأخر عنهما وهو الأظهر لاختصاص موسى بالنبوة واجتماعه مع الخضر (عليه السلام) في البحر فلقيا غلاما يلعب مع الصبيان فذبحه بالسكين عن سعيد بن جبير وكان من أحسن أولئك الغلمان وأصبحهم وقيل صرعه ثم نزع رأسه من جسده وقيل: ضربه برجله فقتله وقال الأصم كان شابا بالغا لأن غير البالغ لا يستحق القتل وقد يسمى الرجل غلاما قالت ليلى الأخيلية :
شفاها من العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها(2)
{ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} أي: طاهرة من الذنوب وزكية بريئة من الذنوب وقيل الزاكية التي لم تذنب والزكية التي أذنبت ثم تابت حكي ذلك عن أبي عمروبن العلاء وقيل: الزكية أشد مبالغة من الزاكية عن تغلب وقيل: الزاكية في البدن والزكية في الدين { بغير نفس } أي: بغير قتل نفس يريد القود { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} أي: قطعيا منكرا لا يعرف في شرع والمنكر أشد من الأمر عن قتادة وإنما قال ذلك لأن قلبه صار كالمغلوب عليه حين رأى قتله { قال } العالم { أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} أعاد هذا القول لتأكيد الأمر عليه والتحقيق لما قاله أولا مع النهي عن العود بمثل سؤاله .
{ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي} أي: قال له موسى جوابا إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة أوبعد هذه النفس وقتلها فلا تتركني أصحبك { قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} أي: قد أعذرت فيما بيني وبينك وقد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبرا عن ابن عباس وهذا إقرار من موسى (عليه السلام) بأن الخضر قد قدم إليه ما يوجب العذر عنده فلا يلزمه ما أنكره وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تلا هذه الآية فقال استحيى نبي الله موسى ولو صبر لرأى ألفا من العجائب { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} وهي أنطاكية عن ابن عباس وقيل: إيلة عن ابن سيرين ومحمد بن كعب وقيل: هي قرية على ساحل البحر يقال لها ناصرة وبها سميت النصارى نصارى وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) { اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} أي: سألاهم الطعام { فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} والتضييف والإضافة بمعنى واحد أي: لم يضيفهما أحد من أهل القرية وروى أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال كانوا أهل قرية لئام وقال أبوعبد الله (عليه السلام) لم يضيفوهما ولا يضيفون بعدهما أحدا إلى أن تقوم الساعة { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} وصف الجدار بالإرادة مجاز ومعناه: قرب أن ينقض وأشرف على أن ينهدم وذلك على التشبيه بحال من يريد الفعل في الثاني وهذا من فصيح كلام العرب ومثله في أشعارهم كثير قال الراعي يصف الإبل :
في مهمة قلقت بها هاماتها قلق الفئوس إذا أردن فصولا
وقال الآخر :
يريد الرمح صدر أبي براء ويرغب عن دماء بني عقيل
وقريب منه قول الآخر :
إن دهرا يلف شملي بسعدي لزمان يهم بالإحســــان
أي كأنه يهم وقال عنترة يصف فرسه :
فأزور من وقع القنا بلبانه وشكا إلي بعبرة وتحمحم
{ فأقامه } أي: سواه قيل إنه دفع الجدار بيده فاستقام عن سعيد بن جبير { قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} معناه: إنهم لما بخلوا عليهما بالطعام وأقام الخضر جدارهم المشرف على الانهدام عجب موسى من ذلك فقال لوشئت لعملت هذا بأجر تأخذه منهم حتى كنا نسد به جوعتنا { قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} معناه هذا الكلام والإنكار على ترك الأجر هو المفرق بيننا وقيل: معناه هذا وقت فراق اتصالنا وكرر بين تأكيدا عن الزجاج وقيل: معناه هذا الذي قلته سبب الفراق بيني وبينك ثم قال له:
{ سأنبئك } أي: سأخبرك { بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} أي: بتفسير الأشياء التي لم تستطع على الإمساك عن السؤال عنها صبرا { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} معناه أما السبب في خرقي السفينة فهو أنها كانت لفقراء لا شيء لهم يكفيهم قد سكنتهم قلة ذات أيديهم { يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} أي: يعملون بها في البحر ويتعيشون بها { فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} أي: أحدث فيها عيبا { وكان وراءهم } أي: وكان قدامهم { مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ} صحيحة أوغير معيبة { غَصْبًا} عن قتادة وابن عباس.
قال عباد بن صهيب : قدمت الكوفة لأسمع من إسماعيل بن أبي خالد فمررت بشيخ جالس فقلت يا شيخ كيف أمر إلى منزل إسماعيل بن أبي خالد فقال لي وراءك فقلت أرجع فقال أقول وراءك وترجع فقلت أ ليس ورائي خلفي قال لا ثم قال حدثني عكرمة عن ابن عباس { وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} قال ولوكان وراءهم لكانوا قد جاوزوه ولكن كان بين أيديهم قال الخضر : إنما خرقتها لأن الملك إذا رآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة خشب فانتفعوا بها وقيل: يحتمل أن الملك كان خلفهم وكان طريقهم في الرجوع عليه ولم يعلم به أصحاب السفينة وعلم به الخضر (عليه السلام) { وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} وروي عن أبي وابن عباس أنهما كانا يقرءان وأما الغلام فكان كافرا وأبواه مؤمنين وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) ) ومعناه وأما الغلام الذي قتله فإنما قتلته لأنه كان كافرا { فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} أي: فعلمنا أنه إن بقي يرهق أبويه أي: يغشيهما طغيانا وكفرا وهو من كلام الله تعالى وقيل: معناه فخفنا أن يحمل أبويه على الطغيان والكفر بأن يباشر ما لا يمكنهما منعه منه فيحملهما على الذب عنه والتعصب له فيؤدي ذلك إلى أمور يكون مجاوزة للحد في العصيان والكفر وهو من كلام الخضر لأن الله تعالى لا يجوز عليه الخشية وقيل معناه فكرهنا أن يرهق الغلام أبويه إثما وظلما بطغيانه وكفره { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} أي ولدا خيرا منه دينا وطهارة وصلاحا { وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أي: وأرحم بهما عن قتادة والزكاة الصلاح والزكي الصالح والرحم العطف والرحمة وقيل معناه أبر بوالديه وأوصل للرحم عن ابن عباس وقيل معناه وأقرب أن يرحما به.
قال قتادة : قال مطرف : أيم الله إنا لنعلم أنهما فرحا به يوم ولد وحزنا عليه يوم قتل ولو عاش كان فيه مهلكتهما فرضي رجل ما قسم الله له فإنه قضاء الله للمؤمن خير من قضائه لنفسه وما قضي لك يا ابن آدم فيما تكره خير مما قضي لك فيما تحب فاستخر الله وأرض بقضائه وروي أنهما أبدلا بالغلام المقتول جارية فولدت سبعين نبيا عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل إنه تزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبيا هدى الله على يديه أمة من الأمم عن الكلبي وفي قتل الغلام دلالة على وجوب اللطف على ما نذهب إليه لأن المفهوم من الآية أنه تدبير من الله تعالى لم يكن يجوز خلافه وأنه إذا علم من حال الإنسان أنه يفسد عند شيء يجب عليه في الحكمة أن يذهب ذلك الشيء حتى لا يقع هذا الفساد.
ومتى قيل إنه لوحصل لنا العلم بذلك كما حصل لذلك العالم هل كان يحسن منا القتل قلنا أن هذا العلم لا يحصل إلا للأنبياء وعند حصول العلم به يحسن ذلك ومتى قيل إن الله كان قادرا على إزالة حياة الغلام بالموت من غير ألم فتزول التبقية التي هي المفسدة من غير إدخال إيلام عليه بالقتل فلم أمر بالقتل فالجواب من وجهين ( أحدهما ) أن الله تعالى قد علم أن أبويه لا يثبتان على الإيمان إلا بقتل هذا الغلام فتعين وجه الوجوب في القتل ( والآخر ) أن تبقية الغلام إذا كانت مفسدة فالله تعالى مخير في إزالتها بالموت من غير ألم وبالقتل لأن القتل وإن كان فيه ألم يلحق المقتول فإن بإزائه أعواضا كثيرة توازي ذلك الألم ويزيد عليه أضعافا كثيرة فيصير القتل بالمنافع العظيمة التي بإزائه كأنه ليس بالم ويدخل في قبيل النفع والإحسان.
{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ} أي: فإنما أقمته لأنه كان { لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ} يعني القرية المذكورة في قوله { أتيا أهل قرية } { وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} والكنز هو كل مال مذخور من ذهب أوفضة وغير ذلك واختلف في هذا الكنز فقيل كانت صحف علم مدفونة تحته عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقال ابن عباس : ما كان ذلك الكنز إلا علما وقيل كان كنزا من الذهب والفضة عن قتادة وعكرمة واختاره الجبائي ورواه أبوالدرداء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل: كان لوحا من ذهب وفيه مكتوب عجبا لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن . عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب . عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح . عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل . عجبا لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس والحسن وروي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفي بعض الروايات زيادة ونقصان وهذا القول يجمع القولين الأولين لأنه يتضمن إن الكنز كان مالا كتب فيه علم فهو مال وعلم.
{ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} بين سبحانه أنه حفظ الغلامين بصلاح أبيهما ولم يذكر منهما صلاحا عن ابن عباس وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء وقال (عليه السلام) إن الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} أي: ينتهيا إلى الوقت الذي يعرفان فيه نفع أنفسهما وحفظ مالهما وهو أن يكبرا ويعقلا { وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أي: نعمة من ربك والمعنى أن كل ما فعلته رحمة من الله تعالى أي رحم الله بذلك المساكين وأبوي الغلام واليتيمين رحمة { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي: وما فعلت ذلك من قبل نفسي وإنما فعلته بأمر الله تعالى قال ابن عباس : يريد انكشف لي من الله علم فعملت به ثم قال { ذلك } الذي قلته لك { تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} أي: ثقل عليك مشاهدته ورؤيته واستنكرته يقال استطاع يستطيع واسطاع يسطيع.
قال أبوعلي الجبائي : لا يجوز أن يكون الخضر حيا إلى وقتنا هذا لأنه لوكان لعرفه الناس ولم يخف مكانه ولأنه لا نبي بعد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهذا الذي ذكره غير صحيح لأن تبقيته في مقدور الله تعالى ويجوز أن تنخرق العادة للأنبياء (عليهم السلام) بالإجماع ولا يمتنع أيضا أن يكون بحيث لا يتعرف إلى أحد وأن الناس وإن كانوا يشاهدونه لا يعرفونه وقوله إنه لا نبي بعد نبينا مسلم ولكن نبوة الخضر (عليه السلام) كانت ثابتة قبل نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأما شرعه لو كان له شرع خاص فإنه منسوخ بشريعة نبينا ولوكان داعيا إلى شريعة من تقدمه من الأنبياء فإن شريعة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ناسخة لها فلا يؤدي إلى ما قاله الجبائي .
______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص368-378.
الوقوف عند الشبهة :
تدل هذه الآيات ان هناك أمورا ظاهرها الرحمة ، وباطنها العذاب ، وأخرى بالعكس ، وان الحكم فيها هو التوقف عن الحكم إيجابا وسلبا حتى ينكشف الواقع ، وقد تواتر عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) أنه قال : « حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم الحرام ؟ .
فمن تركها استبراء لدينه وعرضه فقد سلم ، ومن واقع شيئا منها يوشك أن يقع في الحرام » . وفي حديث ثان : « الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة » .
وروي ان لقمان الحكيم دخل على داود ، وهو يصنع الدروع ، ولم يكن قد رآها من قبل ، وهمّ أن يسأله ، ثم رأى الصبر أجمل ، ولما فرغ داود لبس الدرع ، وقال : نعم لباس الحرب . ففهم لقمان ان الدرع وقاية من الطعن والضرب ، فقال : الصمت حكمة ، وقليل فاعله . . وقدم العبد الصالح ثلاثة شواهد على هذه الحقيقة ، وهي :
1 - { فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها }. سار موسى وصاحبه على ساحل البحر ، ولما وجدا سفينة طلبا من صاحبها أن يحملهما معه ، فاستجاب . .
ولكن ما ان توسطت في لجة البحر حتى خرقها العبد الصالح في مكان يمكن أن يتسرب الماء منه ، ويتعرض من فيها للغرق ، فذعر موسى من هذا المنكر و{ قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }أي فظيعا ، وأخذ موسى ثوبه وحشا به الخرق على عهدة المفسرين { قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }.
يذكره بالشرط ، وهو أن لا يسأله عن شيء ، فاعتذر إليه موسى و{ قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ }لأن النسيان لا يقتضي المؤاخذة { ولا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً }لا تضيق عليّ في صحبتي لك .
2 - { فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ }. ففزع قلب موسى من القتل و{ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً }. ما ذا جنى هذا المسكين ؟ أتقتله متعمدا دون أن يأتي بجناية ؟ ان هذا هو المنكر بعينه . { قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }. مرة ثانية يذكره بالشرط ، وأيضا مرة ثانية يعتذر موسى { قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي }. من قبل اشترط العبد الصالح على موسى أن لا يسأله ، والآن يشترط موسى على نفسه أن يجعله في حل من صحبته ان سأله ، والمؤمنون عند شروطهم ، فكيف الأنبياء ؟ . { قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً }. قطعت عليّ كل عذر أتعلل به .
3 - { فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ }. قيل : هي أنطاكية ، وفي رواية عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : انها الناصرة { اسْتَطْعَما أَهْلَها } طلبا منهم الطعام ضيافة { فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما }. قال المفسرون : انما قال : فأبوا أن يضيفوهما ولم يقل : فأبوا أن يطعموهما - للإشارة إلى أن أهل القرية كانوا لئاما ، لأنه لا يرد الضيف إلا لئيم ، بخاصة إذا كان الضيف غريبا { فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ }. ضمير فيها للقرية ، وضمير فأقامه للعبد الصالح ، ويريد هنا بمعنى يكاد ، وكلّ من أراد وكاد تستعمل بمعنى الثانية ، والمعنى ان موسى وصاحبه رأيا في القرية حائطا أوشك على السقوط ، فسوّاه الثاني وأصلحه بلا مقابل ، فعجب موسى من ذلك و{ قالَ لَو شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً }.
أتصلح الجدار بالمجان لقوم أبوا ضيافتنا ، ونحن في أمس الحاجة إليها ؟ هلا طلبت أجرا على عملك لننفقه في ثمن الطعام ؟ .
وخرق السفينة ، وقتل الغلام مثالان على ما يبدوشرا في ظاهره دون باطنه ، وإقامة الجدار مثال على العكس .
{ قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً }.
اشترط العبد الصالح على موسى ان لا يسأل ، وقبل موسى الشرط ، ومع ذلك سأل ، ولما ذكّر بالشرط اعتذر ، ولكنه سأل بعد الاعتذار ، ولما ذكّر ثانية قطع على نفسه عهدا أن يجعل العبد الصالح في حل من صحبته ان سأل بعدها . .
ولكنه سأل ، وهو الحريص على أن يتخذه العبد الصالح صاحبا . . وموسى ( عليه السلام }معذور في كل ما سأل لأن نفسه تصبر على الخير والمعروف ، أما ما تراه منكرا فلا ولن تستطيع عليه صبرا ، حيّ ولو أدى ذلك إلى مخالفة الوعد والشرط ، وأي وزن للوعود والشروط إذا أدت إلى ترك الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . .
ان الغرائز النفسية وغيرها لا تصدها وتقاومها إلا قوة أقوى منها وأصلب ، ولا شيء أصلب من الايمان الصحيح . انه يتغلب على جميع الأهواء والشهوات ، ومن تغلب عليه شيء منها فما هو من الايمان الصحيح في شيء ، وان صلى وصام وحج إلى بيت اللَّه الحرام .
هذا فراق بيني وبينك . . لك طريق ، ولي طريق . . هكذا قال لموسى صاحبه .
وقبل ان يفترقا أخبره العبد الصالح بحكمة ما أنكر { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً }. والعاقل يتحمل الضرر لدفع ضرر أكبر ، كما قال الشاعر « تحملت بعض الشر خوف جميعه » . ومن هنا اتفق الفقهاء على أن الضرر الأشد يدفع بالضرر الأخف ، وإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما ، واستخرجوا من هذه القاعدة الكثير من الأحكام ، منها جواز قطع العضوالفاسد إذا عرض صاحبه للهلاك .
{ وأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وكُفْراً فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وأَقْرَبَ رُحْماً }أي أرحم بهما وأبر ، وروي عن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ان الغلام كان في سن البلوغ ، وكان كافرا ، وانه كان يعمل جاهدا لحمل أبويه على الكفر ، تماما كما يفعل الآن بعض الشباب من غلمان هذا العصر . . وقد أدركنا أكثر من واحد من كبار العلماء بالدين كانوا محل الثقة والتقديس في جميع الأوساط ، حتى إذا بلغ غلمانهم هدموا كلما بناه الآباء في السنين الطوال . . واشتهر عن الإمام علي ( عليه السلام ) أنه قال : « ما زال الزبير معنا حتى أدرك فرخه عبد اللَّه » . ويقول أحمد أمين المصري في كتاب حياتي :
ها أنا ذا في شيخوختي قد أقبل ما كنت أرفض ، وقد أتنازل عن بعض المبادئ التي كنت ألتزم ، للواسطة وأحاديث الناس وكثرة الأولاد . . ويعجبني قول القائل :
عصيت هوى نفسي صغيرا وعند ما * رماني زماني بالمشيب وبالكبر
أطعت الهوى عكس القضية ليتني * ولدت كبيرا ثم عدت إلى الصغر
{ وأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما ويَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً }. المراد بالأشد الحلم والرشد ، ويتلخص المعنى بأن الجدار هو لصغيرين ، وتحته مال مدفون ، فأراد اللَّه سبحانه أن يحمي
لهما هذا المال ، ويحفظه من الضياع ببقاء الجدار قائما حتى يكبرا أويعقلا ، فيستخرجا المال بأنفسهما ، وقد كان أبوهما من أهل الصلاح « واللَّه يصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده » فأمرني ربي أن أصلحه ففعلت ، هذا هو تفسير ما ثقل عليك فهمه والسكوت عنه .
ومكان العظة في هذه القصة ان لا يعجب المرء بنفسه ، ولا يبادر إلى الحكم على الشيء حكما مطلقا ، وهو لا يعرف إلا جهة واحدة من جهاته ، بل لا بد من ملاحظة جميع الجهات بدقة ، ومقارنة بعضها مع بعض ، تم ملاحظة الأفضل منها ، فإن المصالح والمضار متشابكة . . فما من أمر نافع إلا وفيه بعض الضرر ، وما من أمر ضار إلا وفيه بعض النفع ، والعبرة دائما بالأكثر .
______________
1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 147-151.
قوله تعالى:{ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} الإمر بكسر الهمزة الداهية العظيمة، وقوله:{فانطلقا} تفريع على ما تقدمه، والمنطلقان هما موسى والخضر وهو ظاهر في أن موسى لم يصحب فتاه في سيره مع الخضر، واللام في قوله:{لتغرق أهلها} للغاية فإن الغرق وإن كان عاقبة للخرق ولم يقصده الخضر البتة لكن العاقبة الضرورية ربما تؤخذ غاية مقصودة ادعاه لوضوحها كما يقال: أ تفعل كذا لتهلك نفسك؟ والمعنى ظاهر.
قوله تعالى:{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} إنكار لسؤال موسى وتذكير لما قاله من قبل:{إنك لن تستطيع} إلخ.
قوله تعالى:{ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} الرهق الغثيان بالقهر والإرهاق التكليف، والمعنى لا تؤاخذني بنسياني الوعد وغفلتي عنه ولا تكلفني عسرا من أمري، وربما يفسر النسيان بمعنى الترك، والأول أظهر والكلام اعتذار على أي حال.
قوله تعالى:{ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} في الكلام بعض الحذف للإيجاز والتقدير: فخرجا من السفينة وانطلقا.
وفي قوله:{ حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ} إلخ{فقتله} معطوف على الشرط بفاء التفريع و{قال} جزاء{إذا} على ما هو ظاهر الكلام: وبذلك يظهر أن العمدة في الكلام ذكر اعتراض موسى لا ذكر القتل، ونظيرته الآية اللاحقة{فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية - إلى قوله - قال لوشئت} إلخ بخلاف الآية السابقة:{فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال} فإن جزاء{إذا} فيها{خرقها} وقوله:{قال} كلام مفصول مستأنف.
وعلى هذا فالآيات مسرودة في صورة قصة واحدة اعترض فيها موسى على الخضر (عليهما السلام) ثلاث مرات واحدة بعد أخرى لا في صورة ثلاث قصص اعترض فيها ثلاث اعتراضات كأنه قيل: وقع كذا وكذا فاعترض عليه ثم اعترض ثم اعترض فالقصة قصة اعتراضاته فهي واحدة لا قصة أعمال هذا واعتراضات ذاك حتى تكون ثلاثا.
ومن هنا يتبين وجه الفرق بين الآيات الثلاث حيث جعل{خرقها} جواب إذا في الآية الأولى، ولم يجعل{قتله} و{وجدا} أو{أقامه} جوابا في الثانية والثالثة بل جزءا من الشرط معطوفا عليه فافهم ذلك.
وقوله:{ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} الزكية الطاهرة، والمراد طهارتها من الذنوب لعدم البلوغ كما يشعر به قوله:{غلاما} والاستفهام للإنكار، والقائل موسى.
وقوله:{بغير نفس} أي بغير قتل منها لنفس قتلا مجوزا لقتلها قصاصا وقودا فإن غير البالغ لا يتحقق منه القتل الموجب للقصاص، وربما استفيد من قوله:{بغير نفس} أنه كان شابا بالغا، ولا دلالة في إطلاق الغلام عليه على عدم بلوغه لأن الغلام يطلق على البالغ وغيره فالمعنى أ قتلت بغير قصاص نفسا بريئة من الذنوب المستوجبة للقتل؟ إذ لم يظهر لهما من الغلام شيء يستوجبه.
وقوله:{ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} أي منكرا يستنكره الطبع ولا يعرفه المجتمع وقد عد خرق السفينة إمرا أي داهية يستعقب مصائب لم يقع شيء منها بعد وقتل النفس نكرا أومنكرا وهو أفظع وأفجع عند الناس من الخرق الذي يستوجب عادة هلاك النفوس لكن لا بالمباشرة فعلا.
قوله تعالى:{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} معناه ظاهر وزيادة{لك} نوع تقريع له أنه لم يصغ إلى وصيته وإيماء إلى كونه كأنه لم يسمع قوله له أول مرة:{ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} أوسمعه وحسب أنه لا يعنيه بل يقصد به غيره كأنه يقول: إنما عنيت بقولي: إنك لن تستطيع{إلخ} إياك دون غيرك.
قوله تعالى:{ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} الضمير في{بعدها} راجع إلى هذه المرة أوالمسألة أي إن سألتك بعد هذه المرة أوهذه المسألة فلا تصاحبني أي يجوز لك أن لا تصاحبني.
وقوله:{قد بلغت من لدني عذرا} أي بلغت عذرا ووجدته كائنا ذلك من لدني إذ بلغ عذرك النهاية من عندي.
قوله تعالى:{فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى آخر الآية الكلام في قوله:{فانطلقا}{فأبوا}{فوجدا}{فأقامه} كالكلام في قوله في الآية السابقة:{فانطلقا}{فقتله}.
وقوله:{استطعما أهلها} صفة لقرية ولم يقل:{استطعماهم} لرداءة قولنا: قرية استطعماهم بخلاف مثل قولنا: أتى قرية على إرادة أتى أهل قرية لأن للقرية نصيبا من الإتيان فيجوز وضعها موضع أهلها مجازا بخلاف الاستطعام لأنه لأهلها خاصة، وعلى هذا فليس قوله:{أهلها} من وضع الظاهر موضع المضمر.
ولم يقل: حتى إذا أتيا قرية استطعما أهلها لأن القرية كانت تتمحض حينئذ في معناها الحقيقي والغرض العمدة - كما عرفت - متعلق بالجزاء أعني قوله:{ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} وفيه ذكر أخذ الأجر وهو إنما يكون من أهلها لا منها فقوله:{أتيا أهل قرية} دليل على أن إقامة الجدار كانت بحضور من أهل القرية وهو الذي أغنى أن يقال: لوشئت لتخذت عليه منهم أومن أهلها أجرا فافهم ذلك.
والمراد بالاستطعام طلب الطعام بالإضافة ولذا قال:{فأبوا أن يضيفوهما} وقوله{ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} الانقضاض السقوط، وإرادة الانقضاض مجاز عن الإشراف على السقوط والانهدام، وقوله:{فأقامه} أي أثبته الخضر بإصلاح شأنه ولم يذكر سبحانه كيف أقامه؟ بنحوخرق العادة أم ببناء أوضرب دعامة؟ غير أن قول موسى:{ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} مشعر بأنه كان بعمل غير خارق فإن المعهود من أخذ الأجر، ما كان على العاديات.
وقوله:{ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} تخذ وأخذ بمعنى واحد، وضمير{عليه} للإقامة المفهومة من{فأقامه} وهو مصدر جائز الوجهين، والسياق يشهد أنهما كانا جائعين فذكره موسى أخذ الأجرة على عمله إذ لوكان أخذ أجرا أمكنهما أن يشتريا به شيئا من الطعام يسدان به جوعهما.
قوله تعالى:{ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} الإشارة بهذا إلى قول موسى أي هذا القول سبب فراق بيني وبينك أوإلى الوقت أي هذا الوقت وقت فراق بيني وبينك كما قيل، ويمكن أن تكون الإشارة إلى نفس الفراق، والمعنى هذا الفراق قد حضر كأنه كان أمرا غائبا فحضر عند قول موسى:{لوشئت لتخذت} إلخ وقوله:{بيني وبينك} ولم يقل بيننا للتأكيد، وإنما قال الخضر هذا القول بعد الاعتراض الثالث لأن موسى كان قبل ذلك يعتذر إليه كما في الأول أويستمهله كما في الثاني، وأما الفراق بعد الاعتراض الثالث فقد أعذره موسى فيه إذ قال بعد الاعتراض الثاني:{ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي} إلخ والباقي ظاهر.
قوله تعالى:{ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} إلخ شروع في تفصيل ما وعد إجمالا بقوله:{سأنبئك} إلخ وقوله:{أن أعيبها} أي أجعلها معيبة وهذه قرينة على أن المراد بكل سفينة كل سفينة غير معيبة.
وقوله:{وكان وراءهم ملك} وراء بمعنى الخلف وهو الظرف المقابل للظرف الآخر الذي يواجهه الإنسان ويسمى قدام وأمام لكن ربما يطلق على الظرف الذي يغفل عنه الإنسان وفيه من يريده بسوء أومكروه وإن كان قدامه أوفيه ما يعرض عنه الإنسان أوفيه ما يشغل الإنسان بنفسه عن غيره كأن الإنسان ولى وجهه إلى جهة تخالف جهته قال تعالى:{ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}: المؤمنون: 7، وقال:{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}: الشورى: 51، وقال:{والله من ورائهم}: البروج: 20.
ومحصل المعنى: أن السفينة كانت لعدة من المساكين يعملون بها في البحر ويتعيشون به وكان هناك ملك جبار أمر بغصب السفن فأردت بخرقها أن أحدث فيها عيبا فلا يطمع فيها الجبار ويدعها لهم.
قوله تعالى:{ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} الأظهر من سياق الآية وما سيأتي من قوله:{وما فعلته عن أمري} أن يكون المراد بالخشية التحذر عن رأفة ورحمة مجازا لا معناه الحقيقي الذي هوالتأثر القلبي الخاص المنفي عنه تعالى وعن أنبيائه كما قال:{ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ}: الأحزاب: 39، وأن يكون المراد بقوله:{ أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} أن يغشيهما ذلك أي يحمل والديه على الطغيان والكفر بالإغواء والتأثير الروحي لمكان حبهما الشديد له لكن قوله في الآية التالية:{وأقرب رحما} لا تخلومن تأييد لكون{طغيانا وكفرا} تميزين عن الإرهاق أي وصفين للغلام دون أبويه. قوله تعالى:{ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا } المراد بكونه خيرا منه زكاة كونه خيرا منه صلاحا وإيمانا بقرينة مقابلته الطغيان والكفر في الآية السابقة، وأصل الزكاة فيما قيل الطهارة، والمراد بكونه أقرب منه رحما كونه أوصل للرحم والقرابة فلا يرهقهما، وأما تفسيره بكونه أكثر رحمة بهما فلا يناسبه قوله{أقرب} منه تلك المناسبة، وهذا - كما عرفت - يؤيد كون المراد من قوله:{ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} في الآية السابقة إرهاقه إياهما بطغيانه وكفره لا تكليفه إياهما الطغيان والكفر وإغشاؤهما ذلك.
والآية - على أي حال - تلوح إلى أن إيمان أبويه كان ذا قدر عند الله ويستدعي ولدا مؤمنا صالحا يصل رحمهما وقد كان المقضي في الغلام خلاف ذلك فأمر الله الخضر بقتله ليبدلهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما.
قوله تعالى:{ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} لا يبعد أن يستظهر من السياق أن المدينة المذكورة في هذه الآية غير القرية التي وجدا فيها الجدار فأقامه، إذ لوكانت هي هي لم يكن كثير حاجة إلى ذكر كون الغلامين اليتيمين فيها فكان العناية متعلقة بالإشارة إلى أنهما ومن يتولى أمرهما غير حاضرين في القرية.
وذكر يتم الغلامين ووجود كنز لهما تحت الجدار ولو انقض لظهر وضاع وكون أبيهما صالحا كل ذلك توطئة وتمهيد لقوله:{ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا} وقوله:{رحمة من ربك} تعليل للإرادة.
فرحمته تعالى سبب لإرادة بلوغهما واستخراجهما كنزهما، وكان يتوقف على قيام الجدار فأقامه الخضر، وكان سبب انبعاث الرحمة صلاح أبيهما وقد عرض أن مات وأيتم الغلامين وترك كنزا لهما.
وقد طال البحث في التوفيق بين صلاح أبيهما ووجود كنز لهما تحت الجدار الظاهر في كون أبيهما هو الكانز له بناء على ذم الكنز كما يدل عليه قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}: التوبة: 34.
لكن الآية لا تتعرض بأكثر من أن تحته كنز لهما من غير دلالة على أن أباهما هو الذي دفنه وكنزه، على أن وصف أبيهما بالصلاح دليل على كون هذا الكنز أيا ما كان أمرا غير مذموم على تقدير تسليم كون الكانز هو الأب، على أن من الجائز أن يكون أبوهما الصالح كنزه لهما لتأويل يسوغه فما هو بأعظم من خرق السفينة وقتل النفس المحترمة الواردين في القصة وقد جوزهما التأويل بأمر إلهي.
وفي الآية دلالة على أن صلاح الإنسان ربما ورث أولاده أثرا جميلا وأعقب فيهم السعادة والخير فهذه الآية في جانب الخير نظيرة قوله تعالى:{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ}: النساء: 9.
وقوله:{ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} كناية عن أنه إنما فعل ما فعل عن أمر غيره وهو الله سبحانه لا عن أمر أمرته به نفسه.
وقوله:{ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} أي ما لم تستطع عليه صبرا من اسطاع يسطيع بمعنى استطاع يستطيع وقد تقدم في أول تفسير سورة آل عمران أن التأويل في عرف القرآن هي الحقيقة التي يتضمنها الشيء ويؤول إليها ويبتني عليها كتأويل الرؤيا وهو تعبيرها، وتأويل الحكم وهو ملاكه وتأويل الفعل وهو مصلحته وغايته الحقيقية، وتأويل الواقعة وهو علتها الواقعية وهكذا.
فقوله:{ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ} إلخ إشارة منه إلى أن الذي ذكره للوقائع الثلاث وأعماله فيها هو السبب الحقيقي لها لا ما حسبه موسى من العناوين المترائية من أعماله كالتسبب إلى هلاك الناس في خرق السفينة والقتل من غير سبب موجب في قتل الغلام وسوء تدبير المعاش في إقامة الجدار.
وذكر بعضهم: أن من الأدب الجميل الذي استعمله الخضر مع ربه في كلامه أن ما كان من الأعمال التي لا تخلوعن نقص ما نسبه إلى نفسه كقوله: فأردت أن أعيبها وما جاز انتسابه إلى ربه وإلى نفسه أتى فيه بصيغة المتكلم مع الغير كقوله:{فأردنا أن يبدلهما ربهما}،{فخشينا} وما يختص به تعالى لتعلقه بربوبيته وتدبيره ملكه نسبه إليه كقوله:{ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا}.
_______________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج13،ص277-282.
2- قرى، بالتشديد ،من (أتخذ) وبالتخفيف من (تخذ).
المعلم الإِلهي والأفعال المنكرة!!
نعم، لقد ذهب موسى وصاحبهُ وركبا السفينة: { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ}.
من الآن فصاعداً نرى القرآن يستخدم ضمير المثنّى في جميع الموارد، والضمير إِشارة إلى موسى والعالم الرّباني، وهذه إِشارة إِلى إِنتهاء مهمّة صاحب موسى(عليه السلام) (يوشع) ورجوعه، أو أنَّهُ لم يكن معنياً بالحوادث بالرغم مِن أنَّهُ قد حضرها جميعاً. إِلاَّ أنَّ الإحتمال الأوّل هو الأقوى.
عندما ركبا السفينة قام العالم بثقبها: «خرقها».
«خرق» كما يقول الراغب في المفردات: الخرق، قطع الشيء على سبيل الافساد بلا تدبّر ولا تفكر حيث كان ظاهر عمل الرجل العالِم على هذا المنوال.
وبحكم كَوْن موسي(عليه السلام) نبيّاً إِلهياً كبيراً فقد كان مِن جانب يرى أن من واجبه الحفاظ على أرواح وأموال الناس، وأن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ومِن جانب آخر كان وجدانه الإِنساني يضغط عليه ولا يدعهُ يسكت أمام أعمال الرجل العالِم التي يبدو ظاهرها سيئاً قبيحاً، لذا فقد نسيَ العهد الذي قطعهُ للخضر (العالم) فاعترض وقال: { قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}.
لا ريب إِنَّ هدف العالم (الخضر) لم يكن إِغراق مَن في السفينة، ولكنَّ النتيجة النهائية لخرق السفينة لم يكن سوى غرق مَن في السفينة، لذا فقد استخدم موسى(عليه السلام) (اللام الغائية) لبيان الهدف.
مثل ذلك ما نقوله للشخص الذي يأكل كثيراً، عندما نقول لهُ: أتريد أن تقتل نفسك؟!
بالطبع مِثل هذا لا يريد قتل نفسه بكثرة الطعام، إِلاَّ أنَّ نتيجة عمله قد تكون هكذا.
«إِمر» على وزن «شمر» وتطلق على العمل المهم العجيب أو القبيح للغاية.
وحقاً، لقد كان ظاهر عمل الرجل العالِم عجيباً وسيئاً للغاية، فهل هُناك عمل أخطر مِن أن يثقب شخص سفينة تحمل عدداً مِن المسافرين!
وفي بعض الرّوايات نقرأ أنَّ أهل السفينة انتبهوا إلى الخطر بسرعة وقاموا بإِصلاح الثقب (الخرق) مؤقتاً، ولكن السفينة أصبحت بعد ذلك معيبة وغير سالمة.
وفي هذه الأثناء نظر الرجل العالِم إلى موسى(عليه السلام) نظرة خاصّة وخاطبه: { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}.
أمّا موسى الذي ندم على استعجاله، بسبب أهمية الحادثة، فقد تذكَّر عهده الذي قطعة لهذا العالِم الأستاذ، لذا فقد التفت إِليه قائلا: { قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}. يعني لقد اخطئت ونسيت الوعد فلا تؤاخذني بهذا الإشتباه.
«لا ترهقني» مُشتقّة مِن «إِرهاق» وتعني تغطية شيء ما بالقهر والغلبة، وتأتي في بعض الأحيان بمعنى التكليف، وفي الآية ـ أعلاه ـ يكون معناها: لا تصعِّب الأُمور عليَّ، ولا تقطع فيضك عنّي بسبب هذا العمل.
لقد انتهت سفرتهم البحرية وترجلوا مِن السفينة: { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ}، وقد تمَّ ذلك بدون أي مقدمات!
وهنا ثار موسى(عليه السلام) مرّة أُخرى حيث لم يستطع السكوت على قتل طفل بريء بدون أي سبب، وظهرت آثار الغضب على وجههِ وملأَ الحزن وعدم الرضا عينيه ونسي وعده مرّةً أُخرى، فقام للإِعتراض، وكان اعتراضه هذه المرَّة أشد مِن اعتراضه في المرّة الأُولى، لأنَّ الحادثة هذه المرَّة كانت موحشة أكثر من الأُولى، فقال(عليه السلام):{ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}. أي إنّك قتلت انساناً بريئاً من دون أن يرتكب جريمة قتل، { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}.
كلمة «غلام» تعني الفتى الحدث، أي الصبي سواء كان بالغاً أو غير بالغ. وبين المفسّرين ثمّة كلام كثير عن الغلام المقتول، وفيما إِذا كان بالغاً أم لا، فالبعض استدل بعبارة (نفساً زكية) على أنَّ الفتى لم يكن بالغاً. والبعض الآخر اعتبر عبارة (بغير نفس) دليلا على أنَّ الفتى كانَ بالغاً، ذلك لأنَّ القصاص يجوز بحق البالغ فقط، ولكن لا يمكن القطع في هذا المجال بالنسبة لنفس الآية.
«نكر» تعني القبيح والمنكر، وأثرها أقوى مِن كلمة «إِمر» التي وردت في حادثة ثقب السفينة، والسبب في ذلك واضح، فالأمر الأوّل قد أوجد الخطر لمجموعة مِن الناس، إِلاَّ أنّهم تداركوه بسرعة، لكن ظاهر العمل الثّاني يدل على إِتكاب جريمة.
ومرّة أُخرى كرَّر العالم الكبير جملته السابقة التي اتسمت ببرود خاص، حيث قالَ لموسى(عليه السلام): { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}.
والاختلاف الوحيد مع الجملة السابقة هو إضافة كلمة «لك» التي تفيد التأكيد الأكثر; يعني: إِنّني قلت هذا الكلام لشخصك!
تذكر موسى تعهده فانتبه إلى ذلك وهو خجل، حيث أخلَّ بالعهد مرَّتين ـ ولو بسبب النسيان ـ وبدأ تدريجياً يشعر بصدق عبارة الأستاذ في أنَّ موسى لا يستطيع تحمّل أعماله، لذا فلا يطيق رفقته كما قالَ لهُ عندما عرض عليه موسى الرفقة، لذا فقد بادر الى الاعتذار وقال: إِذا اعترضت عليك مرّة أُخرى فلا تصاحبني وأنت في حل منّي: { قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}. صيغة العذر هنا تدل على انصاف موسى(عليه السلام) ورؤيته البعيدة للأُمور، وتبيّن أنَّهُ(عليه السلام) كانَ يستسلم للحقائق ولو كانت مرّة; بعبارة أُخرى: إنّ الجملة توضح وبعد ثلاث مراحل للإِختبار أنَّ مهمّة هذين الرجلين كانت مُختلفة.
بعد هذا الكلام والعهد الجديد: { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا}.
لا ريب، إِنَّ موسى وصاحبه لم يكونا ممّن يلقي بكلّه على الناس ولكن يتّضح أنَّ زادهم وأموالهم قد نفدت في تلك السفرة، لذا فقد رغبا أن يضيفهما أهل تلك المدينة (ويحتمل أنَّ الرجل العالم تعمد طرح هذا الإِقتراح كي يعطي موسى درساً بليغاً آخر).
ويجب أن نلتفت إلى أنَّ (قرية) في لغة القرآن تنطوي على مفهوم عام، وتشمل المناطق السكنية في الريف والمدينة، أمّا المقصود مِنها في الآية فهو المدينة لا القرية، كما تصرح بعد ذلك الآيات اللاحقة.
وذكر المفسّرون نقلا عن ابن عباس أنَّ المقصود بهذه المدينة، هو (أنطاكية)(2).
وذكر آخرون: إِنَّ المقصود مِنها هو مدينة «أيلة» التي تسمى اليوم ميناء (أيلات) المعروف والذي يقع على البحر الأحمر قرب خليج العقبة. أمّا البعض الثّالث فيرى بأنّها مدينة (الناصرة) الواقعة شمال فلسطين، وهي محل ولادة السيّد المسيح(عليه السلام). وقد نقل العلاّمة الطبرسي حديثاً عن الإِمام الصادق(عليه السلام) يدعم صحة هذا الإِحتمال.
ورجوعاً إلى ما قلناه في المقصود مِن (مجمع البحرين) إِذ قلنا: إِنَّهُ كناية عن محل التقاء خليج العقبة وخليج السويس، يتّضح أنَّ مدينة (الناصرة) أو ميناء (أيلة) أقرب إِلى هذا المكان من انطاكية.
المهم في الأمر، أنّنا نستنتج مِن خلال ما جرى لموسى(عليه السلام) وصاحبه مِن أهل هذه المدينة أنّهم كانوا لئاماً دنيئي الهمّة، لذا نقرأ في رواية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قوله في وصف أهل هذه المدينة: «كانوا أهل قرية لئام»(3).
ثمّ يضيف القرآن: { فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}(4) وقد كان موسى(عليه السلام) يشعر بالتعب والجوع، والأهم مِن ذلك أنَّهُ كان يشعر بأنَّ كرامته وكرامة أستاذه قد أهينت مِن أهل هذه القرية التي أبت أن نضيفهما; ومِن جانب آخر شاهد كيف أنَّ الخضر قام بترميم الجدار بالرغم مِن سلوك أهل القرية القبيح إِزاءهما، وكأنَّهُ بذلك أراد أن يجازي أهل القرية بفعالهم السيئة; وكان موسى يعتقد بأنّ على صاحبه أن يُطالب بالأجر على هذا العمل حتى يستطيعا أن يُعدّا طعاماً لهما.
لذا فقد نسي موسى(عليه السلام) عهده مرّة أُخرى وبدأ بالإِعتراض، إِلاَّ أنَّ اعتراضه هذه المرَّة بدا خفيفاً فقال: { قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}.
وفي الواقع فإِنَّ موسى يعتقد بأنَّ قيام الإِنسان بالتضحية في سبيل أناس سيئين عمل مجاف لروح العدالة; بعبارة أُخرى: إِنَّ الجميل جيِّد وحسن، بشرط أن يكون في محلّه.
صحيح أنَّ الجزاء الجميل في مقابل العمل القبيح هو مِن صفات الناس الإِلهيين، إِلاَّ أنَّ ذلك ينبغي أن لا يكون سبباً في دفع المسيئين للقيام بالمزيد مِن الأعمال السيئة.
وهنا قالَ الرجل العالم كلامه الأخير لموسى، بأنّك ومِن خلال حوادث مُختلفة، لا تستطيع معي صبراً، لذلك قرَّر العالم قراره الأخير: { قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}.
موسى(عليه السلام) لم يعترض على القرار ـ طبعاً ـ لأنَّهُ هو الذي كان قد اقترحهُ عندَ وقوع الحادثة السابقة، وهكذا ثبت لموسى أنَّهُ لا يستطيع الإستمرار مع هذا الرجل العالم. ولكن برغم كل ذلك، فإِنَّ خبر الفراق قد نزل بوقع شديد على قلب موسى(عليه السلام)، إِذا يعني فراق أستاذ قلبه مملوء بالأسرار، ومفارقة صُحبة مليئة بالبركة، إِذ كان كلام الأستاذ دَرساً، وتعاملهُ يتسّم بالإِلهام; نور الله يشع مِن جبينه، وقلبه مخزن للعلم الإِلهي.
إِنّ مفارقة رجل بهذه الخصائص أمرٌ صعب للغاية، لكن على موسى(عليه السلام) أن ينصاع لهذه الحقيقة المُرَّة.
المفسّر المعروف أبو الفتوح الرازي يقول: ورد في الخبر، أنَّ موسى(عليه السلام)عندما سُئِلَ عن أصعب ما لاقى مِن مُشكلات في طول حياته، أجاب قائلا: لقد واجهت الكثير مِن المشاكل والصعوبات (إِشارة إِلى ما لاقاه(عليه السلام) مِن فرعون، وما عاناه مِن بني إِسرائيل) ولكن لم يكن أيّاً مِنها أصعب وأكثر ألماً على قلبي مِن قرار الخضر في فراقي إِيَّاه»(5).
«تأويل» مَن «أول» على وزن «قول» وتعني الإِجاع، لذا فإِنَّ أي عمل أو كلام يُرجعنا إِلى الهدف الأصلي يُسمّى «تأويل» كما أنَّ رفع الحجب عن أسرار شيء هو نوع مِن التأويل.
اطلاق كلمة (التأويل) على تفسير الاحلام يعود لهذا السبب بالذات، كما ورد في سورة يوسف {هذا تأويل رؤياي}(6)(يوسف،100).
الأسرار الداخلية لهذه الحوادث:
بعد أن أصبح الفراق بين موسى والخضر(عليهما السلام) أمراً حتمياً، كانَ مِن اللازم أن يقوم الأستاذ الإِلهي بتوضيح أسرار أعماله التي لم يستطع موسى أن يصبر عليها، وفي الواقع فإِنَّ استفادة موسى مِن صُحبته تتمثل في معرفة أسرار هذه الحوادث الثلاثة العجيبة، والتي يمكن أن تكون مفتاحاً للعديد مِن المسائل، وجواباً لكثير من الأسئلة.
ففي البداية ذكر قصّة السفينة وقال: { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}.
وبهذا الترتيب كان ثمّة هدف خيِّر وراء ثقب السفينة الذي بدأ في حينه عملا مشيناً سيئاً، والهدف هو نجاتهم مِن قبضة ملك غاصب، وكان هذا الملك يترك السفينة المعيبة ويصرف النظر عنها. إِذاً خلاصة المقصود في الحادثة الأُولى هو حفظ مصالح مجموعة مِن المساكين.
كلمة «وراء» لا تعني هُنا الجانب المكاني، وإِنّما هي كناية عن الخطر المحيط بهم (خطر الملك) بدون أن يعلموا به، وبما أنَّ الإِنسان لا يحيط بالحوادث التي سوف تصيبهُ لاحقاً، لذا استخدمت الآية التعبير الآنف الذكر.
إِضافة إِلى ذلك فإنَّ الإِنسان عندما يخضع لضغط فرد أو مجموعة فإِنَّهُ يستخدم تعبير (وراء) كقوله مثلا: الدّيانون ورائي ولا يتركوني; وفي الآية (16) مِن سورة إِبراهيم نقرأ قوله تعالى: { مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} وكأنَّ جهنَّم تلاحق وتتبع المذنبين، لذا فقد استخدمت كلمة وراء(7).
ويفيد استخدام كلمة (مسكين) أنَّ «المسكين» ليسَ هو الشخص الذي لا يملك شيئاً مطلقاً، بل هي وصف يُطلق على الأشخاص الذين يملكون أموالا وثروة لكنَّها لا تفي بحاجاتهم.
ويحتمل أيضاً أن يكون السبب في إِطلاق وصف (المساكين) عليهم ليسَ بسبب الفقر المالي، بل بسبب افتقارهم للقوّة والقدرة، وهذا التعبير يستخدم في لغة العرب، كما وأنَّهُ يتلاءم مع الجذور الأصلية لمعنى مسكين لغوياً، والذي يعني السكون والضعف.
وفي نهج البلاغة نقرأ قول أمير المؤمنين(عليه السلام): «مسكين ابن آدم .. تؤلمهُ البقة، وتقتله الشرقة، وتنتنهُ العرقة»(8).
بعد ذلك ينتقل العالم إلى بيان سر الحادثة الثّانية التي قتل فيها الفتى فيقول: { وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}.
تحتمل مجموعة منِ المفسّرين أنَّ المقصود مِن الآية ليسَ ما يتبيّن مِن ظاهرها مِن أنَّ الفتى الكافر والعاصي قد يكون سبباً في انحراف أبويه، وإِنّما المقصود أنَّهُ بسبب مِن طغيانه وكفره يؤذي أبويه كثيراً(9); ولكن التّفسير الأوّل أقرب للصحة.
في كل الأحوال، فإِنَّ الرجل العالم قامَ بقتل هذا الفتى، واعتبر سبب ذلك ما سوف يقع للأب والأم المؤمنين في حالِ بقاء الابن على قيد الحياة.
وسوف نجيب في فقرة البحوث على شبهة (القصاص قبل الجناية) التي ترد على أعمال الخضر هذه.
كلمة (خشينا) تستبطن معنىً كبيراً، فهذا التعبير يوضح أنَّ هذا الرجل العالم كان يعتبر نفسهُ مسؤولا عن مستقبل الناس، ولم يكن مستعداً لأن تصاب أم أو أب مؤمنان بسوء بسبب انحراف ابنهم.
كما إِنَّ تعبير (خشينا) جاء هُنا بمعنى: لم نكن نرغب، وإِلاَّ لا معنى للخوف في هذه الموارد بالنسبة لشخص بهذا المستوى مِن العلم والوعي والقدرة.
وبعبارة أُخرى، فإِنَّ الهدف هو الإِتقاء مِن حادث سيء نرغب أن نقي الأبوين مِنهُ على أساس المودّة لهما.
ويحتمل أن يكون التعبير بمعنى (علمنا) كما ينقل عن ابن عباس، يعني أنّنا كُنّا نعلم أنَّ الفتى ـ في حال بقائه ـ سوف يكون سبباً لأحداث أليمة تقع لأبيه وأُمه في المستقبل.
أمّا لماذا استخدم ضمير المتكّلم في حالة الجمع، بينما كان المتكلِّم فرداً واحداً، فإِنَّ سبب ذلك واضح، حيث أنّها ليست المرّة الأُولى التي يستخدم القرآن هذه الصيغة، ففي كلام العرب عندما يتحدث الأشخاص الكبار عن أنفسهم فإِنّهم يستخدمون ضمير الجمع. والسبب في ذلك أنَّ هؤلاء الأشخاص يملكون أشخاصاً تحت أيديهم ويعطونهم الأوامر لتنفيذ الأعمال، فالله يعطي الأوامر للملائكة، والإِنسان يعطي الأوامر للذين هم تحت يديه.
ثمّ تحكي الآيات على لسان العالم قوله: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}.
إِنَّ تعبير (أردنا) و (ربّهما) يطوي معاني كبيرة سوف نقف عليها بعد قليل.
(زكاة) هنا بمعنى الطهارة والنظافة، ولها مفهوم واسع حيث تشمل الإِيمان والعمل الصالح، وتتسع للأُمور الدينية والمادية، وقد يكون في هذا التعبير ما هو جواب على اعتراض موسى(عليه السلام) الذي قال: {أقتلت نفساً زكية ....} فقالَ لهُ العالم في الجواب: إِنَّ هذه النفس ليست زكية، وأردنا أن يُبدلهما ربّهما ابناً طاهراً بدلا عن ذلك.
وفي روايات عديدة نقرأ «أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيّاً»(10).
في آخر آية مِن الآيات التي نبحثها، كشف الرجل العالم عن السر الثّالث الذي دعاه إِلى بناء الجدار فقال: { وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}.
{ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا}.
{ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}.
وأنا كُنت مأموراً ببناء هذا الجدار بسبب جميل وإحسان أبوي هذين اليتيمين، كي لا يسقط وينكشف الكنز ويكون معرّضاً للخطر.
وفي خاتمة الحديث، ولأجل أن تنتفي أي شبهة محتملة، أو شك لدى موسى(عليه السلام)، ولكي يكون على يقين بأنَّ هذه الأعمال كانت طبقاً لمخطط وتوجيه أعلى خاص، قال العالم: { وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} بل بأمر مِن الله.
وذلك سر ما لم يستطع موسى(عليه السلام) صبراً، إذ قال: { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}.(11)
__________________
1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج7،ص549-558.
2- ـ أنطاكية مِن المدن السورية القديمة التي تقع على بعد (96) كم مِن حلب، و(59) كم عن الإِسكندرونة، تشتهر المدينة بالحبوب الغذائية، والحبوب الدهنية، فيها ميناء يسمى «سويدية» ويبعد عن مركزها (27) كيلومتر. (يراج في ذلك دائرة فريد وجدي، ج 1، ص 835).
3- مجمع البيان في تفسير الآية.
4- إِنَّ نسبة (الإرادة» إِلى الجدار هو استخدام مجازي، ومفهوم ذلك أنَّ الجدار كان ضعيفاً للغاية وهو على مشارف الإِنهيار.
5- أبو الفتوح الرازي في (روح الجنان)، ج 3، أثناء تفسير الآية.
6- للتوضيح أكثر يمكن مراجعة الآية (7) مِن سورة آل عمران.
7- في معنى (وراء) يمكن مراجعة البحث الوارد في ذيل الآية (16) مِن سورة إِبراهيم في تفسيرنا هذا.
8- نهج البلاغة، الكلمات القصار الجملة رقم 419.
9- وفق التّفسير الأوّل يكون الفعل «يرهق» مُتعدياً إِلى مفعولين: الأوّل (هما)، والمفعول الثّاني (طغياناً)، أمّا وفق التّفسير الثّاني فإِن (طغياناً) و (كفراً) يكونان مفعولا لأجله.
10- نور الثقلين، ج 3، ص 286 و 287.
11- {لم تسطع} كان في الأصل (تستطيع) وبعد ورود حرف الجزم حذف حرف التاء باب الاستفعال.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|