المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

أبو ذر والإِشتراكية !!
24-09-2014
الجنس Treponema Spp
24-7-2016
الآداب مرآة آداب الشعوب ونفسياتها
2-4-2017
مكافحة الخرافات
2-7-2017
لاوون الحكيم والعرب.
2023-10-29
دالة توزع فيرمي - ديراك (Fermi – Dirac distribution )
17-7-2019


القرآن وأسرار الخلقة  
  
1942   06:24 مساءاً   التاريخ: 22-04-2015
المؤلف : الشيخ محمد فاضل اللنكراني
الكتاب أو المصدر : مدخل التفسير
الجزء والصفحة : ص76-86.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز العلمي والطبيعي /

من جملة وجوه الإعجاز الهادية إلى أنّ القرآن قد نزل من عند اللَّه تبارك وتعالى؛ اشتماله على التعرّض لبعض أسرار الخلقة ، ورموز عالم الكون ، ممّا لا يكاد يهتدي إليه عقل البشر في ذلك العصر ، ولا سيّما من كان في جزيرة العرب ، البعيدة عن التمدّن العصري بمراحل كثيرة ، وهذه الأنباء في القرآن كثيرة ، ولعلّ مجموعها يتجاوز عن كتاب واحد ، وكما أنّ جملة ممّا أخبر به القرآن لم تتّضح إلّا بعد توفّر العلوم والاكتشافات ، وتكثّر الفنون والاختراعات ، كذلك يمكن أن يكون وضوح البعض الآخر متوقّفاً على ارتقاء العلم ، وتكامل البشر في هذا المجال الحاصل بالتدريج ومرور الأزمنة.

ومن المناسب إيراد بعض الآيات الواردة في هذا الشأن ، فنقول :

1- ما ورد في شأن النبات ، وثبوت سنّة الزواج بينها كما في الحيوانات ، وأنّ اللقاح الذي يفتقر إليه في انتاج الزوجين إنّما يحصل بسبب الرياح ؛ وهو قوله - تعالى - : {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ } [يس : 36]

وقوله - تعالى - : {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } [الحجر : 22]

فإنّ الكريمة الاولى‏ دلّت على عدم اختصاص سنّة الزواج بالحيوانات ، بل تعمّ النباتات وما لا يعلمه الإنسان من غيرها أيضاً ، بل قدّم ذكر النبات على الإنسان في هذه السنّة ، ولعلّه إشعار بكون هذه السنّة في النباتات قهريّة بخلاف الإنسان الذي يكون الأمر فيه على طبق الاختيار والإرادة.

والآية الثانية تدلّ على أنّ اللقاح الذي يتوقّف عليه إنتاج الشجر والنبات إنّما يتحقّق بسبب الرياح ، وهذا هو الذي اكتشفه علماء معرفة النبات ، ولم يكن يدرك هذا الأمر غير المحسوس من قبل أفكار السابقين ، ولذا التجأوا إلى حمل اللقاح في الآية عل معنى الحمل الذي هو أحد معانيه ، وفسّروا الآية الشريفة بأنّ الرياح تحمل السحاب الممطرة إلى المواضع التي تعلّقت المشيئة بالإمطار فيها (1) وأنت خبير؛ بأنّه لا وجه للحمل على ذلك ، مضافاً إلى عدم صحّته؛ لعدم كون الرياح حاملة للسحاب ، بل دافعة لها من مكان إلى آخر ، مع أنّ هذا المعنى ليس فيه اهتمام كبير وعناية خاصّة ، وهذا بخلاف الحمل على ما هو الظاهر فيه.

وحكي أنّه لمّا اهتدي علماء أُوربا إلى هذا ، وزعموا أنّه ممّا لم يسبقوا إليه من العلم؛ صرّح بعض المطّلعين على القرآن منهم بسبق العرب إليه ، فقد قال بعض المستشرقين ‏(2) : «إنّ أصحاب الإبل قد عرفوا أنّ الريح تلقح الأشجار والثمار قبل أن يعلمها أهل أُوربا بثلاثة عشر قرناً».

نعم ، إنّ أهل النخيل من العرب كانوا يعرفون التلقيح؛ إذ كانوا ينقلون بأيديهم اللقاح من طلع ذكور النخل إلى إناثها ، ولكنّهم لم يعلموا أنّ الرياح تفعل ذلك ، وأنّه لا تختصّ الحاجة إلى اللقاح بخصوص النخيل فقط.

2- وما ورد في شأن النبات من جهة أنّ لها وزناً خاصّاً؛ وهو قوله - تعالى - :

{وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ } [الحجر : 19]

فإنّ علماء معرفة النبات قد أثبتوا أنّ العناصر التي يتكوّن منها النبات مؤلّفة من مقادير معيّنة في كلّ نوع من أنواعه بدقّة غريبة لا يمكن ضبطها إلّا بأدقّ الموازين المقدّرة ، ولو زيد في بعض أجزائها أو نقص لا يمكن حصول ذلك النبات ، بل يتحقّق مركّب آخر غير هذا النبات.

3- وما ورد في شأن الأرض ، وأنّها متّصفة بوصف الحركة ، غاية الأمر أ نّه حيث كان سكون الأرض من الامور المسلّمة في ذلك العصر ، بل وبعده إلى حدود القرن العاشر من الهجرة؛ ولذا صار الحكيم المعروف ب «غاليله» الكاشف لحركة الأرض والمثبت لها ، مورداً للإهانة والتعذيب والتحقير ، مع جلالته العلميّة ، ومقامه الشامخ‏ (3).

لم يصرّح القرآن بذلك حذراً من ترتّب النتيجة المعكوسة عليه ، وحصول نقض الغرض بسببه ، بل أشار إلى ذلك بإشارات لطيفة ، وإيماءات بليغة ليهتدي إليها البشر في عصر توفّر العلم والاكتشاف ، فيعتقد بأنّ هذا الكتاب نازل من عند اللَّه المحيط بحقائق الأشياء ، والعالم بأسرار الكون ورموز الخليقة ، وقد تحقّقت هذه الإشارة في ضمن آيات كثيرة : كقوله - تعالى - : { جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا } [طه : 53]

فإنّه - تعالى - قد استعار لفظ «المهد» للأرض ، ومن البيّن أنّ الخصوصيّة المترقّبة من المهد ، المعدّ للرضيع ، والمصنوع لأجله ، والجهة الملحوظة التي بها يتقوّم عنوان المهديّة ليست هي الوضع الخاصّ ، والشكل المخصوص الحاصل من تركيب مواد مختلفة ، وضمّ بعضها إلى بعض ، بل الخصوصيّة هي حركة المهد وانتقاله من حال إلى حال.

ففي الآية الشريفة إشارة لطيفة إلى حركة الأرض ، من جهة استعارة لفظ المهد لها ، وأنّه كما أنّ حركة المهد لغاية تربية الطفل واستراحته ، كذلك حركة الأرض تكون الغاية لها تربية الموجودات من الإنسان وغيره.

وقوله - تعالى - : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا } [الملك : 15]

فإنّه تعالى قد استعار لفظ «الذلول» للأرض ، مع أنّه عبارة عن نوع خاصّ من الإبل ، ويكون امتيازه بسهولة انقياده ، ففيه إشارة إلى أنّ الخصوصيّة الموجودة ، والذلول التي ليست لغيره ، ثابتة في الأرض ، فهي أيضاً متحرّكة بحركة ملائمة للراكب عليها ، الماشي في مناكبها.

ومن البيّن أنّه مع قطع النظر عن هذه الخصوصيّة - وهي خصوصيّة الحركة - يكون إطلاق لفظ الذلول على الأرض واستعارته لها ليس له وجه ظاهر حسن ، خصوصاً مع تفريع الأمر بالمشي عليه ، وإطلاق لفظ المنكب كما هو غير خفيّ.

وقوله - تعالى - : {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [النمل : 88]

فإنّه بقرينة وقوعها في سياق الآيات الواردة في القيامة وأهوالها ، ربما يقال كما قيل بأنّ هذه الآية أيضاً ناظرة إلى أحوال القيامة وأهوالها ، مع أنّه لا وجه للحمل على ذلك المقام ، خصوصاً مع قوله - تعالى - في الذيل : {صُنْعَ اللَّهِ...} الظاهر في ارتباط الآية بشؤون الخلقة وابتدائها ، وحسنها وجمالها ، مع أنّها في نفسها أيضاً ظاهرة في أنّ المرور والحركة ثابت للجبال فعلًا ، كما أنّ حسبان كونها جامدة أيضاً كذلك ، فالآية تدلّ على ثبوت المرور والحركة للأرض من بدو خلقتها ومصنوعيّتها ، وأنّ الحركة دليل بارز على إتقانها.

وفيها إشارات لطيفة ودقائق ظريفة : من جهة أنّه تعالى جعل الدليل والأمارة على حركة الأرض حركة الجبال التي هي أوتاد لها ، ولم يثبت الحركة في هذه الآية لنفس الأرض من دون واسطة ، ولعلّه للإشارة إلى أنّ حركة الجسم الكروي بالحركة الوضعيّة دون الانتقاليّة ، حيث لا تكون محسوسة إلّا بسبب النقوش والألوان ، أو الارتفاعات الثابتة عليه وفي سطحه ؛ فلذا يكون الدليل على حركته حركة ذلك النقش واللون أو الارتفاع.

ومن جهة التعبير عن حركتها بالمرور الذي فيه إشارة إلى بطء حركة الأرض وملائمتها ، حسب القانون الطبيعي الذي أودعه اللَّه فيها.

ومن جهة أنّ التشبيه بالسحاب - مع كون حركتها مختلفة ، فإنّها قد تمرّ إلى جانب المشرق ، وقد تتحرّك إلى سائر الجوانب من الجوانب الأربعة - يدلّ على عدم اختصاص حركة الأرض بحركة خاصّة ، بل لها حركات مختلفة ربما تتجاوز عشرة أنواع.

ومن غير تلك الجهات.

4- ما ورد في شأن كرويّة الأرض ؛ مثل قوله - تعالى - : { يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ } [الزمر : 5]

تقول العرب : «كار الرّجل العِمامة على رأسه إذا أدارها ولفّها ، وكوّرها بالتشديد صيغة مبالغة وتكثير» (4) فالتكوير في اللغة إدارة الشي‏ء عل الجسم المستدير كالرأس بالإضافة إلى العمامة ، فتكوير الليل على النهار ظاهر في كرويّة الأرض ، وفي بيان حقيقة الليل والنهار على الوجه المعروف في الجغرافية الطبيعيّة.

وقوله - تعالى - : {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن : 17]

وتوضيح المراد من هذه الآية الشريفة : أنّ الكتاب العزيز قد استعمل فيه لفظ المشرق والمغرب : تارةً بصيغة الإفراد؛ كقوله - تعالى - : {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } [البقرة : 115]

واخرى بصيغة التثنية ؛ كهذه الآية التي نحن بصدد التوضيح للمراد منها.

وقوله - تعالى - : {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف : 38]

وثالثة بصيغة الجمع؛ كقوله - تعالى - :{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} [الأعراف : 137]

وقوله - تعالى - : {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ } [المعارج : 40]

أمّا ما ورد فيه هذان اللفظان بصيغة الإفراد : فهو مع قطع النظر عن الآيات الظاهرة في التعدّد يلائم مع وحدتهما ، وأمّا بعد ملاحظتها فلا محيص عن أن يكون المراد منه هو النوع المنطبق على المتعدّد من أفرادهما.

وأمّا ما ورد فيه هذان اللفظان بصيغة المثنّى : فقد اختلف المفسِّرون في معناه ، فقال بعضهم : المراد مشرق الشمس ومشرق القمر ومغربهما (5) ، وحمله بعضهم على أنّ المراد منه مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما (6), ولكن بعد اهتداء البشر إلى كرويّة الأرض وأنّها فلك مستدير كرويّ ، واستكشافهم لوجود قارّة اخرى على السطح الآخر للأرض ، يكون شروق الشمس عليها غروبها عن قارّتنا؛ ظهر أنّ المراد بالآية هو تعدّد المشرق بالإضافة إلى الشمس في كلّ يوم وليلة ، لا أنّ التعدّد بلحاظ الشمس والقمر ، ولا بالنظر إلى اختلاف الفصول ، بل لها في كلّ أربع وعشرين ساعة مشرقان : مشرق بالإضافة إلى قارّتنا ، ومشرق بلحاظ القارّة الاخرى المكتشفة (7) وياليتها لم تُكتَشف !.

وربّما يؤيّد ذلك بالآية الشريفة المتقدّمة المقتصر فيها على تثنيّة المشرق فقط؛ نظراً إلى أنّ الظاهر منها أنّ البُعد بين المشرقين هو أطول مسافة محسوسة ، فلا يمكن حملها على مشرقي الشمس والقمر ، ولا على مشرقي الصيف والشتاء؛ لأنّ المسافة بين ذلك ليست أطول مسافة محسوسة ، فلا يمكن حملها على مشرق الشمس والقمر ، ولا على مشرق الصيف والشتاء؛ لأنّ المسافة بين ذلك ليست أطول مسافة محسوسة ، فلابدّ من أن يراد بها المسافة التي ما بين المشرق والمغرب ، ومعنى ذلك أن يكون المغرب مشرقاً لجزء آخر من الكرة الأرضيّة ليصحّ هذا التعبير.

ولكن في التأييد نظر؛ لاحتمال أن يكون لفظ «المشرقين» في هذه الآية تثنية للمشرق والمغرب ، لا تثنية للمشرق فقط؛ ليدلّ على تعدّد المشرق ، مع قطع النظر عن المغرب ، ولعلّ هذا الاحتمال أقوى؛ من جهة أنّ البُعد والفصل إنّما يناسب مع الشروق والغروب ، لا مع تعدّد المشرق كما هو غير خفيّ.

هذا ، ولكن ذلك لا يضرّ بدلالة الآية المتقدّمة المشتملة على تثنية المشرق والمغرب معاً؛ فإنّ ظهورها فيما ذكرنا من تعدّد المشرق والمغرب لخصوص الشمس في كلّ يوم وليلة ممّا لا ينبغي أن ينكر ، فدلالتها على كرويّة الأرض ووجود قارّة اخرى واضحة لا ريب فيها.

وأمّا ما ورد فيه ذلك بصيغة الجمع؛ فدلالته على كرويّة الأرض واضحة؛ فإنّ طلوع الشمس على أيّ جزء من أجزاء كرة الأرض يلازم غروبها عن جزء آخر ، فيكون تعدّد المشارق والمغارب واضحاً لا تكلّف فيه ولا تعسّف.

والمحكيّ عن بعض المفسِّرين (8) حمل ما ورد فيه ذلك على مطالع الشمس‏ ومغاربها باختلاف أيّام السنة وتعدّد الفصول ، ولكنّه - مع أنّه تكلّف لا ينبغي أن يصار إليه - لا يتلاءم مع التأمّل في الآيات الدالّة على ذلك؛ فإنّ الظاهر من الآية الاولى أنّ مشارق الأرض ومغاربها كناية عن مجموع الأرض وأجزائها؛ فإنّه الذي ينبغي أن يكون القوم المستضعفون وارثين له (9) , وأمّا مجرّد المشارق والمغارب المختلفة باختلاف الفصول وأيّام السنة ، فلا يتلاءم مع الوراثة أصلًا ، كما أنّها لا تتلاءم مع الحلف والقسم ، فتدبّر.

ويؤيّد ذلك ما ورد في أخبار الأئمّة المعصومين صلوات اللَّه عليهم أجمعين.

وممّا يدلّ على كرويّة الأرض مثل ما رواه في الوسائل ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : «صحبني رجل كان يمسي بالمغرب ويغلس بالفجر ، وكنت أنا اصلّي المغرب إذا غربت الشمس ، واصلّي الفجر إذا استبان لي الفجر.

فقال لي الرجل : ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؛ فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا ، وتغرب عنّا وهي طالعة على قوم آخرين بعد؟ قال : فقلت : إنّما علينا أن نُصلّي إذا وجبت الشمس عنّا ، وإذا طلع الفجر عندنا ، ليس علينا إلّا ذلك ، وعلى أولئك أن يصلّوا إذا غربت عنهم» (10)

ومثله قول أبي عبداللَّه عليه السلام في رواية اخرى : «إنّما عليك مشرقك ومغربك» (11)

فإنّهما ظاهران في أ نّ اختلاف المشرق والمغرب إنّما هو باختلاف أجزاء الأرض الناشئ عن استدارتها وكرويّتها.

غاية الأمر أنّه يجب على كلّ قوم رعاية مشرق أرضه ومغربها.

5- من الأسرار التي دلّ عليها الكتاب العزيز تعدّد السماوات والأرضين ، مع أنّ الحسّ الذي كان هو الطريق المنحصر للبشر في ذلك العصر لا يكاد يهدي إلّا إلى وحدتهما؛ ولذا كان جمهور المتقدّمين متّفقين على وحدة الأرض ، وأنّه ليس غير هذه الأرض التي نحن نعيش فيها ونمشي في مناكبها أرض اخرى ‏(12)

لكنّه قد استقرّ رأي الفلاسفة - بعد القرن العاشر من الهجرة - على تعدّد الأرضين وعدم اختصاص الأرض بهذه الكرة المحسوسة لنا (13)

نعم ، المحكي عن الشيخ الرئيس أبي علي ‏(14) أنّه حكى القول بكثرة الأرضين ، وتعدّدها عن حكماء قديم الفرس‏ (15) (16).

وأشار إلى ذلك الشاعر المعروف الفارسي المشهور ب «نظامي» (17) في قوله :

شنيدستم كه هر كوكب جهانيست‏        جداگانه زمين و آسمانيست(18)

وكيف كان ، فالثابت عند المتأخّرين أنّ كلّ كوكب سيّار أرض مستقلّ ، مشتمل على ما في أرضنا من الجبال والبحار والسحاب والحيوانات وغيرها ، وقد دلّ الكتاب على تعدّد السماوات والأرضين بقوله - تعالى - : {  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } [الطلاق : 12]

فإنّ ظاهرها تعدّد الأرضين كالسماوات ، وبلوغها سبعاً مثلها ، وقد وقع التصريح بالأرضين السبع في الدعاء المعروف : «سبحان اللَّه ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع ، وما فيهنّ وما بينهنّ ، وربّ العرش العظيم» (19)

ويؤيّده ما رواه جماعة عن الرضا - صلوات اللَّه عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المنتجبين - في جواب السؤال عن ترتيب السماوات السبع والأرضين السبع ، ممّا مرجعه إلى أنّ الأرض التي نحن فيها أرض الدنيا ، وسماءها سماء الدنيا ، والأرض الثانية فوق سماء الدنيا ، والسماء الثانية فوقها ، وهكذا (20).

وبالجملة : دلالة الكتاب على مثل هذا الأمر غير المحسوس - الذي كان مخالفاً لآراء البشر في عصر النزول - تهدي الباحث هداية واضحة ، وترشد الطالب إرشاداً بيّناً إلى نزوله من عند اللَّه الخالق للسماوات السبع ، ومن الأرض مثلهنّ.

6- ومن تلك الأسرار ما بيّنته الآيات الدالّة على حركة الشمس أوّلًا ، وكونها أصلًا في الحركة ثانياً ، وعلى تعدّدها ثالثاً ، وأنّها بمرور الدهور يعرض لها التكوير ، ويبلغ إلى حدٍّ يصدق قوله - تعالى - : { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير : 1]

الموافق للرأي‏ الجديد في باب الشمس ونقصان نورها وحرارتها تدريجاً.

وغير ذلك من الأسرار التي دلّ عليها الكتاب تصريحاً أو تلويحاً ، التي ينبغي أن تؤلّف في كتاب واحد ، مع أنّ العلم بتوفّره ، والاكتشاف بتكثّره لم يبلغ إلى مرتبة يحيط لأجلها بجميع الأسرار الكونيّة ، والرموز الخلقيّة المذكورة في الكتاب العزيز.

نسأل اللَّه - تبارك وتعالى - لأن يهدينا سبيل الرشاد ، وهو الهادي إلى ما يتعلّق بالمبدأ والمعاد.

ثمّ إنّ هنا وجوهاً اخر في باب إعجاز القرآن ، ولكن ما ذكرنا من النواحي التي كانت أعمّ ممّا أشار إليها الكتاب وما لم يشر إليه ، يكون فيه غنى وكفاية للطالب غير المتعصِّب ، والباحث غير العنود ، ولا يبقى بعد ملاحظة ما ذكرنا شكّ وارتياب في أنّ القرآن وحي إلهيّ ، وكلام اللَّه الخارج عن حدود القدرة البشريّة.

ولكن هنا أوهام وشبهات حول إعجاز القرآن لا بأس بالإشارة إليها بأجوبتها ، وإن كان بعضها - بل كلّها - من السخافة والبطلان بمكان لا ينبغي إضاعة الوقت ، وإعمال القوّة العاقلة في دركها وإبطالها ، إلّا أنّه لأجل إمكان إيراثها الارتياب في بعض العقول الناقصة ، والنفوس غير الكاملة لا مانع من التعرّض لمهمّاتها.

______________________

1. التفسير الكبير للفخر الرازي : 7/ 134 - 135 ، مجمع البيان : 6/ 101 - 102 و 104 ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10 : 15 - 16.

حيث ذكروا أقوالًا في معنى( لواقح) ، منها : قول ابن عباس :« الرياح لواقح للشجر وللحساب».

2. وهو المستشرق المستر« أجنيري» الأستاذ في مدرسة أكسفورد في القرن الماضي.

ذكر هذا الشيخ محمد علي الصابوني الأستاذ بجامعة امِّ القرى بمكّة المكرّمة ، ونسب له القول المذكور في هامش كتابه« التبيان في علوم القرآن» : 188.

3. الهيئة والإسلام : 79.

4. المصباح المنير : 2/ 543 كور.

5. لسان العرب : 5/ 449. كور.

6. جامع البيان عن تأويل آي القرآن : 27/ 157 - 158 وج 29/ 107 ، التبيان في تفسير القرآن : 9/ 467 ، التفسير الكبير للفخر الرازي : 10/ 350 ، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان : 6/ 229 ، مجمع البيان : 9/ 299.

7. البيان في تفسير القرآن : 74 - 77 ، القرآن وأسرار الخليقة.

8. جامع البيان عن تأويل آي القرآن : 27/ 158 ، الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي : 15/ 27 - 28 و 64 ، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان : 6/ 360 ، مجمع البيان في تفسير القرآن : 10/ 115.

9. إشارة إلى‏ الآية 137 من سورة الأعراف ، الميزان في تفسير القرآن : 8/ 228 - 229.

10. الأمالي للصدوق : 140 ح 142 ، وعنه وسائل الشيعة : 4/ 179 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ب 16 ح 22 ، وبحار الأنوار : 83/ 58 ح 17.

11.تهذيب الأحكام : 2/ 264 ح 1053 ، الاستبصار : 1/ 266 ح 961 ، الفقيه : 1/ 142 ح 661 ، الأمالي للصدوق : 139 ح 139 ، وعنها وسائل الشيعة : 4/ 198 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ب 20 ح 2.

وفي بحار الأنوار : 83/ 57 ح 14 عن الأمالي ، وفي ملاذ الأخيار : 4/ 333 ح 90 عن التهذيب.

وفي روضة المتّقين : 2/ 69 - 70 عن الفقيه.

12. انظر الهيئة والإسلام لهبة الدين الشهرستاني : 84 - 85.

13. المصدر نفسه : 79 - 80 و 105 ، وهم الفلاسفة الغربيّون بعد اختراع الميكروسكوب والتليسكوب.

14. أبو علي الحسين بن سينا ، الفيلسوف الحكيم الشاعر الملقّب بالشيخ الرئيس ، له مؤلّفات مشهورة : منها : القانون والشفاء والإشارات ، توفّي بهمذان سنة 428 أو 427 ه.

( الكنى والألقاب للشيخ عبّاس القمّي 1 : 320 - 323. )

15. الشفاء للشيخ الرئيس ، الطبيعيّات : 2/ 54 ، الفنّ الثاني ، الفصل السابع.

16. الهيئة والإسلام : 104.

17. وهو الشيخ أبو محمد الشاعر الحكيم المشهور بالنظامي ، له كتاب مخزن الأسرار ، خسرو وشيرين ، ليلى ومجنون ، هفت پيكر ، اسكندرنامه ، وله شعر في معراج النبيّ صلى الله عليه و آله.

ريحانة الأدب : 6/ 211 - 215.

18. وهو الشيخ أبو محمد الشاعر الحكيم المشهور بالنظامي ، له كتاب مخزن الأسرار ، خسرو وشيرين ، ليلى ومجنون ، هفت پيكر ، اسكندرنامه ، وله شعر في معراج النبيّ صلى الله عليه و آله.

ريحانة الأدب : 6/ 211 - 215.

19. كلّيات خمسة حكيم نظامي ، أواخر خسرو وشيرين : 379 ، إجرام كواكب ، الهيئة والإسلام : 104 - 105.

20. الكافي : 3/ 122 ح 3 وص 124 ح 7 و 9 ، الفقيه : 1/ 77 ح 346 ، تهذيب الأحكام 1 : 288 ح 839 و 840 ، وعنها وسائل الشيعة : 2/ 459 - 460 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاحتضار ب 38 ح 1 - 3 ، وفي بحار الأنوار : 81/ 233 ح 9 عن الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 165 ، وفي ص 239 ح 25 عن الهداية للصدوق : 104 ، وفي ص 240 قطعة من ح 26 عن الدعوات للراوندي : 245 ، الرقم 693 ، وفي ج 84/ 206 ح 23 عن فلاح السائل : 134 ، وفي ص 260 ح 4 عن مصباح المتهجّد : 200 ، الرقم 287.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .