المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16309 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية (120-124) من سورة النحل  
  
5409   06:35 مساءً   التاريخ: 15-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النحل /

 

قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [النحل: 120 - 124]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} اختلف في معناه فقيل: قدوة ومعلما للخير قال ابن الأعرابي يقال للرجل العالم أمة وهو قول أكثر المفسرين وقيل أراد إمام هدى عن قتادة وقيل سماه أمة لأن قوام الأمة كان به وقيل لأنه قام بعمل أمته وقيل لأنه انفرد في دهره بالتوحيد فكان مؤمنا وحده والناس كفارا عن مجاهد { قانتا لله } أي: مطيعا له دائما على عبادته عن ابن مسعود وقيل مصليا عن الحسن { حنيفا } أي: مستقيما على الطاعة وطريق الحق وهو الإسلام { وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بل كان موحدا { شاكرا لأنعمه } أي: لأنعم الله معترفا بها { اجتباه } الله أي اختاره الله واصطفاه { وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: دله إلى الدين المستقيم وهو الإسلام والتوحيد.

 { وآتيناه } أي: أعطيناه { في الدنيا حسنة } أي: نعمة سابغة في نفسه وفي أولاده وهو قول هذه الأمة كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وقيل هي النبوة والرسالة عن الحسن وقيل هي أنه ليس من أهل دين إلا وهو يرضاه ويتولاه عن قتادة وقيل: هي تنويه الله بذكره بطاعته لربه ومسارعته إلى مرضاته حتى صار إماما يقتدى به ويهتدى بهداه وقيل: هي إجابة الله دعوته حتى أكرم بالنبوة ذريته { وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } ولم يقل لفي أعلى منازل الصالحين مع اقتضاء حاله ذلك ترغيبا في الصلاح فإنه عز اسمه بين أنه (عليه السلام) من جملة الصالحين مع علورتبته وشرف منزلته تشريفا لهم وتنويها بذكر من هو منهم وناهيك بهذا الترغيب في الصلاح وبهذا المدح لإبراهيم (عليه السلام) أن يشرف جملة هو منها حتى يصير الاستدعاء إليها بأنه فيها.

 { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يا محمد { أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } أي: أمرناك باتباع ملة إبراهيم { حنيفا } أي: مستقيم الطريقة في الدعاء إلى توحيد الله وخلع الأنداد له وفي العمل بسنته { وما كان } إبراهيم { من المشركين } ومتى قيل أن نبينا كان أفضل منه فكيف أمر الفاضل باتباع المفضول فجوابه أن إبراهيم (عليه السلام) سبق إلى اتباع الحق ولا يكون في سبق المفضول إلى متابعة الحق زراية على الفاضل في اتباعه { إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} معناه إنما جعل السبت لعنة ومسخا على الذين اختلفوا فيه وحرموه ثم استحلوه فلعنهم الله ومسخهم عن الحسن ويجوز أن يكون اختلافهم فيه أنهم نهوا عن الصيد فيه فنصبوا الشباك يوم الجمعة ودخل فيه السمك يوم السبت وأخذوه يوم الأحد وقيل: معناه إنما فرض تعظيم السبت على الذين اختلفوا في أمر الجمعة وهم اليهود وكانوا قد أمروا بتعظيم الجمعة فعدلوا عما أمروا به عن مجاهد وابن زيد وقيل إن الذين اختلفوا فيه هم اليهود والنصارى قال بعضهم: السبت أعظم الأيام لأن الله سبحانه فرغ فيه من خلق الأشياء وقال الآخرون: بل الأحد أعظم لأنه ابتدأ بخلق الأشياء فيه فهذا اختلافهم { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من أمور دينهم ويفصل بين المحق والمبطل منهم .

______________

1- تفسير مجمع البيان نالطبرسي،ج6،ص208-209.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

بعد أن أشار سبحانه في الآيات السابقة إلى المشركين وانهم حللوا ما حرم اللَّه ، وحرموا ما أحل ، احتج عليهم بإبراهيم ( عليه السلام ) الذي يقدسونه ، ويوجبون الاقتداء به ، وقد وصفه بالصفات التالية :

1- { إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً } واختلفوا في تفسير الأمة ، ونقل الرازي أربعة أقوال ، أرجحها قولان : الأول ان إبراهيم كان يعدل أمة بما فيها . الثاني انه كان إماما ، ومهما يكن فإن المراد بالأمة هنا انه كان عظيما ( 2 ) .

2- { قانِتاً لِلَّهِ } أي مطيعا له .

3- { حَنِيفاً } مستقيما متبعا الحق تاركا الباطل .

4- { ولَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } . هذا رد على المشركين الذين يدعون انهم على ملة إبراهيم .

5- { شاكِراً لأَنْعُمِهِ } قد أخلص الشكر للَّه فيما أنعم عليه .

6- { اجْتَباهُ } اختاره للنبوة .

7- { وهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ } وهو دين الإسلام ، لا اليهودية ولا النصرانية : « ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرانِيًّا ولكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ - 66 آل عمران » .

8- { وآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً } وهي تعظيم جميع أهل الأديان له ، واعترافهم بنبوته .

9 - { وإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } تلبية لدعوته حيث قال : « رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ - 82 الشعراء » .

{ ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } . هذا دليل على أن الإسلام وديانة إبراهيم شيء واحد في العقيدة ونبذ الشرك ، فمن يدعي انه على دين إبراهيم ، وهو ينكر نبوة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) فقد ناقض نفسه بنفسه من حيث يريد أولا يريد .

وتسأل : ان محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) سيد الأنبياء ، فكيف يؤمر بمتابعة غيره من الأنبياء ؟

الجواب : ان الغرض من المتابعة هنا هو الرد على المشركين الذين يعترفون بدين إبراهيم ، وينكرون دين محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) مع أنهما شيء واحد . . هذا ، إلى أن الأمر بالمتابعة للأسبقية ، ومن الواضح ان الأسبقية لا تستدعي الأفضلية في كل شيء .

{ إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ } . ضمير فيه يعود إلى السبت ، كما هو الظاهر من السياق ، وجعل هنا بمعنى فرض ، والسبت على حذف مضاف أي فرض اللَّه تعظيم السبت وترك العمل فيه على اليهود وحدهم ، وما فرض تعظيم السبت على أحد قبلهم ولا بعدهم . . وقيل في سبب ذلك ان جماعة منهم رفضوا الجمعة ، وأبوا الا السبت ، فاستجاب اللَّه لهم على شريطة أن لا يصطادوا فيه ، فقبلوا الشرط ، وخالفوه كما هو شأن اليهود في كل زمان ومكان . . ومهما يكن فإن اللَّه سبحانه لم يبين وجه اختلاف اليهود في السبت : هل اختلفوا في جواز العمل فيه ، أواختلفوا في السبت نفسه ، فمنهم من قال : هو العيد ، ومنهم قال : بل غيره العيد ؟ . والأرجح انهم اختلفوا في تحريم الصيد فيه بطريق الاحتيال الذي أشرنا إليه عند تفسير الآية 164 من سورة الأعراف ج 3 ص 410 لأنهم جميعا كانوا متفقين على أن السبت عيد .

{ وإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } . وحكمه آنذاك هوأن يثيب المطيعين ، ويعاقب العاصين .

_________________

1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، ص 562-563.

2- . قال صاحب « روح البيان » عند تفسير هذه الآية : جاء في الحديث « الحسين سبط من الأسباط » أي أمة من الأمم لأن السادات من نسل ولده زين العابدين . ثم قال صاحب « روح البيان » : ان جماعة في زمانه قالوا الحسين نبي . . ونحن لم نسمع بهذا من قبل . ولا ريب انه كفر والحاد .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الآية، وما يتلوها على اتصالها بما تقدم من حصر محرمات الأكل في الأربع وتحليل ما وراءها، وهذه الآية إلى تمام أربع آيات بمنزلة التفصيل لما تقدمها كأنه قيل: هذا حال ملة موسى التي حرمنا فيها على بني إسرائيل بعض ما أحل لهم من الطيبات، وأما هذه الملة التي أنزلناها إليك فإنما هي الملة التي تحقق بها إبراهيم فاجتباه الله وهداه إلى صراط مستقيم وأصلح بها دنياه وآخرته، وهي ملة معتدلة جارية على الفطرة تحلل الطيبات وتحرم الخبائث يجلب العمل بها من الخير ما جلبه لإبراهيم (عليه السلام) منه.

فقوله:{إن إبراهيم كان أمة} قال في المفردات، وقوله:{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} أي قائما مقام جماعة في عبادة الله نحوقولهم: فلان في نفسه قبيلة، انتهى.

وهو قريب مما نقل عن ابن عباس، وقيل: معناه الإمام المقتدى به، وقيل: إنه كان أمة منحصرة في واحد مدة من الزمان لم يكن على الأرض موحد يوحد الله غيره.

وقوله:{ قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } القنوت: الإطاعة والعبادة أو دوامها، والحنف: الميل من الطرفين إلى حاق الوسط وهو الاعتدال.

قوله تعالى:{ شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الاجتباء من الجباية وهو الجمع واجتباء الله الإنسان هو إخلاصه لنفسه وجمعه من التفرق في المذاهب المختلفة.

وفي تعقيب قوله:{شاكرا لأنعمه} بقوله:{اجتباه} إلخ، مفصولا إشعار بالعلية وذلك يؤيد ما تقدم في سورة الأعراف في تفسير قوله:{ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}: الأعراف: 17، أن حقيقة الشكر هو الإخلاص في العبودية.

قوله تعالى:{ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} الحسنة هي المعيشة الحسنة فقد كان (عليه السلام) ذا مال كثير ومروة عظيمة.

وقد بسطنا الكلام في معنى الاجتباء في تفسير سورة يوسف عند الآية 6، وفي معنى الهداية والصراط المستقيم في تفسير الفاتحة عند قوله:{اهدنا الصراط المستقيم}: الآية - 6، وفي معنى قوله:{ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}: البقرة: 130، فراجع.

وفي توصيفه تعالى إبراهيم (عليه السلام) بما وصفه من الصفات إشارة إلى أنها من مواهب هذا الدين الحنيف، فإن انتحل به الإنسان ساقه إلى ما ساق إليه إبراهيم (عليه السلام).

قوله تعالى:{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} تكرار اتصافه بالحنف ونفي الشرك لمزيد العناية به.

قوله تعالى:{ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} إلى آخر الآية، قال في المفردات: أصل السبت القطع ومنه سبت السير قطعه وسبت شعره حلقه، وأنفه اصطلمه، وقيل: سمي يوم السبت لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السماوات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره فقطع عمله يوم السبت فسمي بذلك.

وسبت فلان صار في السبت، وقوله:{يوم سبتهم شرعا} قيل: يوم قطعهم للعمل{ويوم لا يسبتون} قيل: معناه لا يقطعون العمل وقيل: يوم لا يكونون في السبت وكلاهما إشارة إلى حالة واحدة، وقوله:{إنما جعل السبت} أي ترك العمل فيه{وجعلنا نومكم سباتا} أي قطعا للعمل وذلك إشارة إلى ما قال في صفة الليل:{لتسكنوا فيه} انتهى.

فالمراد بالسبت على ما ذكره نفس اليوم لكن معنى جعله جعل ترك العمل فيه وتشريعه، ويمكن أن يكون المراد به المعنى المصدري دون اليوم المجعول فيه ذلك كما هو ظاهر قوله:{ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ:} الأعراف: 163.

وكيف كان فقد كان من طبع الكلام أن يقال: إنما جعل السبت للذين حتى، يفيد نوعا من الاختصاص والملك وأن الله شرع لهم في كل أسبوع أن يقطعوا العمل يوما يفرغون فيه لعبادة ربهم وهو يوم السبت كما جعل للمسلمين في كل أسبوع يوما يجتمعون فيه للعبادة والصلاة وهو يوم الجمعة.

فقوله:{ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} بتعدية جعل بعلى دون اللام من قبيل قولهم: لي عليك دين وهذا عليك لا لك فتفيد معنى التكليف والتشديد والابتلاء أي إنما جعل للتشديد عليهم وابتلائهم وامتحانهم فقد كان هذا الجعل عليهم لا لهم كما انجر أمرهم فيه إلى لعن طائفة منهم ومسخ آخرين وقد أشير إلى ذلك في سورة البقرة الآية 65 وسورة النساء الآية 47.

والأنسب على هذا أن يكون المراد بقوله:{اختلفوا فيه} أي في السبت اختلافهم فيه بعد التشريع فإنهم تفرقوا فيه فرقا ممن قبله وممن رده وممن احتال للعمل فيه على ما أشير إلى قصصهم في سور البقرة والنساء والأعراف لا اختلافهم فيه قبل التشريع بأن يعرض عليهم أن يسبتوا في كل أسبوع يوما للعبادة ثم يجعل ذلك اليوم هو الجمعة فيختلفوا فيه فيجعل عليهم يوم السبت كما وقع في بعض الروايات.

والمعنى إنما جعل يوم السبت أوقطع العمل للعبادة يوما في كل أسبوع تشديدا وابتلاء وفتنة وكلفة على اليهود الذين اختلفوا فيه بعد تشريعه بين من قبله ومن رده ومن احتال فيه للعمل مع التظاهر بقبوله وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.

وبالبناء على هذا يكون وزان الآية وزان قوله السابق:{وعلى الذين هادوا حرمنا} إلخ، في أنها في معنى الجواب عن سؤال مقدر عطفا على ما مر من حديث النسخ، والتقدير وأما جعل السبت لليهود فإنما جعل لا لهم بل عليهم ليبتليهم الله ويفتنهم به ويشدد عليهم كما قد تكرر نظائره فيهم لكونهم عاتين معتدين مستكبرين وبالجملة الآية ناظرة إلى الاعتراض بتشريع بعض الأحكام غير الفطرية على اليهود ونسخه في هذه الشريعة.

وإنما لم يضم إلى قوله سابقا:{وعلى الذين هادوا حرمنا} إلخ، لكون مسألة السبت مغايرة لسنخ مسألة تحليل الطيبات واستثناء محرمات الأكل، وقد عرفت أن الكلام على اتصاله من قوله:{وعلى الذين هادوا} إلى قوله:{وما كان من المشركين} سبع آيات تامة ثم اتصلت بها هذه الآية وهي ثامنتها الملحقة بها.

ومن هنا يظهر الجواب عما اعترض به أن توسيط جعل السبت بين حكاية أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باتباع ملة إبراهيم (عليه السلام) وبين أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدعوة إليها وبعبارة أخرى وقوع قوله:{إنما جعل السبت} إلخ، بين قوله:{ثم أوحينا إليك} إلخ، وقوله:{ادع إلى سبيل ربك} إلخ، كالفصل بين الشجر ولحائه.

ومحصل الجواب أن قوله:{ ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} الآية من تمام السياق السابق، وقوله:{إنما جعل السبت} الآية، متصل بما تقدمه كما عرفت، وأما قوله:{ادع إلى سبيل ربك} الآية، فهو استئناف وأمر بالدعوة إلى سبيل الله بفنون الخطاب لا إلى ملة إبراهيم حتى يتصل بالآية السابقة نوع اتصال وإن كان سبيل الله هو ملة إبراهيم بعينها لكن للفظ حكم وللمعنى بحسب المآل حكم آخر، فافهم.

وللقوم في تفسير الاختلاف اختلاف عميق فمنهم من قال: إن المراد إنما جعل السبت على الذين اختلفوا على نبيهم فيه حيث أمرهم بتعظيم الجمعة فعدلوا عنه وأخذوا السبت فجعله الله عليهم تشديدا فالاختلاف اختلاف سابق على الجعل لا لاحق به وربما جعل{في} للتعليل فإن الاختلاف على هذا لم يقع في السبت بل من أجل السبت.

وربما قيل: الاختلاف بمعنى المخالفة فإنهم خالفوا نبيهم في السبت ولم يختلفوا فيه.

وربما قيل: إنهم أمروا باتخاذ الجمعة من غير تعيين ووكل ذلك إلى اجتهادهم فاختلفت أحبارهم في تعيينه ولم يهدهم الله إليه ووقعوا في السبت.

وربما قيل: إن المراد أنهم اختلفوا فيما بينهم في شأن السبت فطائفة منهم فضلته على الجمعة وطائفة منهم عكست الأمر وفضلت الجمعة عليه.

إلى غير ذلك مما قيل، والأصل في ذلك ما ورد في بعض الروايات من القصة.

وأنت خبير بأن شيئا من الأقوال لا ينطبق على لفظ الآية ذاك الانطباق فالمصير إلى ما قدمناه.

________________

تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص300-303.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

كان إِبراهيم لوحده أُمّة!

كما قلنا مراراً بأنّ هذه السورة هي سورة النعم، وهدفها تحريك حس الشكر لدى الإِنسان بشكل يدفعه لمعرفة خالق وواهب هذه النعم.

والآيات تتحدث عن مصداق كامل للعبد الشكور لله، ألا وهو «إِبراهيم» بطل التوحيد، وأوّل قدوة للمسلمين عامة وللعرب خاصة.

والآيات تشير إِلى خمس من الصفات الحميدة التي كان يتحلى بها إِبراهيم(عليه السلام).

1 ـ { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً }.

وقد ذكر المفسّرون أسباباً كثيرة للتعبير عن إِبراهيم(عليه السلام) بأنّه «أُمّة» وأهمها أربع:

الأوّل: كان لإِبراهيم شخصية متكاملة جعلته أن يكون أُمّة بذاته، وشعاع شخصية الإِنسان في بعض الأحيان يزداد حتى ليتعدى الفرد والفردين والمجموعة فتصبح شخصيته تعادل شخصية أُمّة بكاملها.

الثّاني: كان إِبراهيم(عليه السلام) قائداً وقدوة حسنة ومعلماً كبيراً للإِنسانية، ولذلك أطلق عليه (أُمّة) لأنّ «أُمّة» اسم مفعول يطلق على الذي تقتدي به الناس وتنصاع له.

وثمّة إرتباط معنوي خاص بين المعنيين الأوّل والثاني، حيث أنّ الذي يكون بمرتبة إِمام صدق واستقامة لأُمّة ما، يكون شريكاً لهم في أعمالهم وكأنّه نفس تلك الأُمّة.

الثّالث: كان إِبراهيم(عليه السلام) موحداً في محيط خال من أيِّ موحد، فالجميع كانوا يخوضون في وحل الشرك وعبادة الأصنام، فهو والحال هذه «أُمّة» في قبال أمّة المشركين (الذين حوله).

الرّابع: كان إِبراهيم(عليه السلام) منبعاً لوجود أُمّة، ولهذا أطلق القرآن عليه كلمة «أُمّة».

ولا مانع من أنْ تحمل هذه الكلمة القصيرة الموجزة كل ما ذكر ما معان كبيرة..

نعم فقد كان إِبراهيم أمّة وكان إِماماً عظيماً، وكان رجلا صانع أُمّة، وكان منادياً بالتوحيد وسط بيئة إِجتماعية خالية من أيّ موحد(2).

وقال الشاعر:

ليس على اللّه بمستنكر أنْ يجمع العالم في واحد

2 ـ صفته الثّانية في هذه الآيات: أنّه كان {قانتاً لله}.

3 ـ وكان دائماً على الصراط المستقيم سائراً على طريق اللّه، طريق الحق {حنيفاً}.

4 ـ { وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بل كان نور اللّه يملأ كل حياته وفكره، ويشغل كل زوايا قلبه.

5 ـ وبعد كل هذه الصفات، فقد كان {شاكراً لأنعمه}.

وبعد عرض الصفات الخمسة يبيّن القرآن الكريم النتائج المهمّة لها، فيقول:

1 ـ {اجتباه} للنّبوة وإِبلاغ دعوته.

2 ـ { وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وحفظه من كل انحراف، لأنّ الهداية لا تأتي لأحد عبثاً، بل لابدّ من توفر الإِستعداد والأهلية لذلك.

3 ـ { وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}.

«الحسنة» في معناها العام كل خير وإِحسان، من قبيل منح مقام النّبوة مروراً بالنعم المادية حتى نعمة الأولاد وما شابهها.

4 ـ { وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}.

ومع أنّ إِبراهيم كان على رأس الصالحين في الدنيا، فإِنّه سيكون منهم في الآخرة كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم، وهذه دلالة على عظمة مقام الصالحين بأن يحسب إِبراهيم(عليه السلام) على ما له من مقام سام كأحدهم في دار الآخرة، ولِمَ لا يكون ذلك وقد طلب إِبراهيم(عليه السلام) ذلك من ربّه حين قال: { رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }(الشعراء ،83).

5 ـ وختمت عطايا اللّه عزَّ وجلّ لإِبراهيم(عليه السلام) لما ظهر منه من صفات متكاملة بأن جعل دينه عاماً وشاملا لكل ما سيأتي بعده من زمان ـ وخصوصاً للمسلمين ـ ولم يجعل دينه مختصاً بعصر أهل زمانه، فقال اللّه عزَّوجلّ: { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًاً}(3).

ويأتي التأكيد مرّة أُخرى: {وما كان من المشركين}.

وبملاحظة الآيات السابقة يبدو لنا هذا السؤال: إِنْ كان دين الإِسلام هو نفس دين إِبراهيم وأنّ المسلمين يتبعون سنن إِبراهيم(عليه السلام) في كثير من المسائل ومنها إِحترام يوم الجمعة، فلماذا اتّخذ اليهود يوم السبت عيداً لهم بدلا من الجمعة ويعطلون فيه أعمالهم؟

إِنّ آخر آية من الآيات مورد البحث تجيب على السؤال المذكور حين تقول: { إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} أيْ أنّ السبت وما حرم في السبت كان عقوبة لليهود، وقد اختلفوا فيه أيضاً، فمنهم مَنْ قبله ومنهم مَنْ أهمله.

وتقول بعض الرّوايات: أنّ موسى(عليه السلام) دعا قومه بني اسرائيل لاحترام يوم الجمعة وتعطيل أعمالهم فيه، وهو دين إِبراهيم(عليه السلام)، إِلاّ إنّهم تعلّلوا، واختاروا يوم السبت، فجعله اللّه عطلة لهم ولكنْ بضيق وشدّة، ولهذا لا ينبغي الإِعتماد على تعطيل يوم السبت، لأنّه إِنّما كان استثنائياً وذا طابع جزائي، وأفضل دليل على هذا الأمر أنّ اليهود أنفسهم اختلفوا في يومهم المنتخب هذا، فبعض احترمه وبعض آخر خالف ذلك وأدام العمل والكسب فيه حتى أصابهم عذاب اللّه.

وثمّة احتمال آخر أنْ تكون إِشارة الآية مرتبطة ببدع المشركين في موضوع الأغذية الحيوانية، لأنّ الآيات السابقة تطرقت لذلك من خلال إِجابتها على تساؤل: لماذا لم يحرم في الإِسلام ما كان محرماً في دين اليهود؟ فجاء الجواب أنّ ذلك كان عقاباً لهم، فيطرح السؤال مرّة أُخرى حول عدم حرمة صيد الأسماك يوم السبت في الأحكام الإِسلامية في حين أنّه محرم على اليهود ..فيكون الجواب بأنّه كان عقاباً لليهود أيضاً.

وعلى أيّةِ حال، فثمّة ارتباط بين هذه الآيات والآيات (163 ـ 166) من سورة الأعراف التي تتحدث الحديث عن «أصحاب السبت»، حيث عرضت قصتهم، وكيف أنّ صيد السمك قد حرّم عليهم في يوم السبت، ومخالفة قسم منهم لهذا الأمر، والعقاب الشديد الذي نزل عليهم بعد ذلك الإِمتحان الإِلهي.

وينبغي الإِلتفات إِلى أنّ «السبت» في الأصل بمعنى تعطيل الأعمال للإِستراحة، ولذلك سمي يوم السبت، لأنّ اليهود كانوا يعطلون أعمالهم فيه، وبقي هذا الإِسم مستعملا حتى بعد مجيء الإِسلام، إِلاّ أنّه لا عطلة فيه.

ويقول القرآن الكريم في آخر الآية: { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.

وكما أشرنا سابقاً فإِنّ إِحدى خصائص يوم القيامة إِنهاء الإِختلافات على كافة الأصعدة، والعودة إِلى التوحيد المطلق، لأنّ يوم القيامة هو يوم: البروز، الظهور، كشف السرائر والبواطن، وكشف الغطاء ويوم رفع الحجب.

______________

1- تفسير الامثل،مكارم الشيرازي،ج7،ص198-201.

2 ـ وفي الرّوايات عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أن عبد المطلب: «يُبعث يوم القيامة أُمّة وحده، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء» لأنّه كان مدافعاً عن التوحيد في بيئة الشرك وعبادة الأصنام. (سفينة البحار، ج 2، ص 139).

3 ـ «الحنيف»: بمعنى الذي يترك الإِنحراف ويتجه إِلى الإِستقامة والصلاح، وبعبارة أُخرى، يغض نظره عن الأديان والأوضاع المنحرفة ويتوجه نحو صراط اللّه المستقيم، الدين الموافق للفطرة، ولهذا يسمى الصراط المستقيم، فالتعبير بالحنيف يحمل بين طياته إِشارة خفيّة إِلى أنّ التوحيد هو دين الفطرة.

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات