المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

شبكة متوازنة balanced network
17-12-2017
بيان الطهارة وما يكون التطهر به
2023-12-17
الجوهر والعرض
1-07-2015
نبات الخردل
6-3-2016
-en form
2023-08-23
استراتيجـية تـسويـق بـوالص التـأميـن عـلى الحـيـاة
16/9/2022


عمر والعراق  
  
1957   07:34 مساءً   التاريخ: 9-6-2020
المؤلف : علي الكوراني العاملي
الكتاب أو المصدر : قراءة جديدة للفتوحات الإسلامية
الجزء والصفحة : ص147-174
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / الخلفاء الاربعة / عمربن الخطاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2020 2173
التاريخ: 28-11-2019 2310
التاريخ: 16-11-2016 1702
التاريخ: 15-11-2016 1119

أمر عمر المسلمين بالإنسحاب من العراق !

بعد معركة البويب ، رتب الفرس وضعهم الداخلي وملَّكوا يزدجرد عليهم ، وسارعوا في العمل لرد اعتبارهم من هزيمة البويب ، فحشدوا جيشهم لحرب المسلمين ، وحركوا المزارعين من أهل السواد من الفرس والعرب والبابليين ، لينقضوا عهودهم مع المسلمين ، فاستجابوا لهم ، وبعضهم فعل ذلك غضباً من اعتداءات خالد بن الوليد عليهم بالتقتيل والأسر والسبي !

فأرسل عمر إلى المثنى أن لا يقاوم الفرس ، وأن يسحب المسلمين كلهم إلى أطراف العراق ! وأرسل عمر سعد بن أبي وقاص والياً على العراق، وأمره أن لا يدخل إلى العراق فخيَّم في منطقة زرود، وهي على حدود العراق من جهة الحجاز، وتبعد عن حائل نحو 170 كيلو متراً، وبقي فها سعد نحو ستة أشهر، وأرسل إلى المثنى يؤكد عليه أمر عمر، ويأمره أن يأتيه بجيشه إلى زرود !

قال ابن خليفة : 87 : « وتنازع جرير والمثنى بن حارثة الإمارة ، فبعث عمر سعد بن مالك وكتب إليهما أن اسمعا له وأطيعا » .

ومعنى طاعتهما لسعد : أن ينسحبا من العراق ويأتيا بقواتهما إلى زرود ! وقد استاء المثنى والمسلمون من قرار عمر بالإنسحاب ، وانتقد عدم دخول سعد إلى العراق ، وطلبه منه أن يأتيه إلى زرود ، وجرت بينهما مراسلات شبيهة بمراسلاته مع جرير !

وفي هذا الجو مات المثنى فجأة ! وقالوا إنه كان مجروحاً في معركة الجسر، وإن بعض حلقات الدرع دخلت في بدنه ، فانتقضت عليه جراحه بعد شهور .

ثم قالوا إنه أوصى أخاه المعنَّى وزوجته سلمى أن يذهبا إلى سعد ويبلغاه وصيته بتنفيذ قرار عمر ! فذهبا إليه ، وخطب سعد سلمى أرملة المثنى وتزوجها ، وأمَّر أخاه المُعَّنى مكانه . وسنناقش ظروف موت المثنى في ترجمته رضي الله عنه .

وبعد وفاة المثنى نشط الفرس في الاستعداد لمعركة القادسية ، وكانت معركتها في آخر سنة ستة عشر ، أي بعد نحو سنة وأشهر من معركة الجسر ، وبعد أقل من سنة من معركة البويب . ( البلاذري : 2 / 314 ) .

ثم كانت معركة القادسية حاسمة في فتح العراق

(1) حشد الفرس قواتهم في القادسية قرب الكوفة، وكانوا ستين ألف جندي، وقيل مائة وعشرون ألفاً، واستعادوا السيطرة على أكثر المناطق التي حررها المسلمون، فأخضعوها لهم. والنص التالي يصور جو الموجة الفارسية .

قال الطبري : 3 / 25 : « دعا رستم أهل الحيرة ، وسرادقه إلى جانب الدير ، فقال : يا أعداء الله فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا ، وكنتم عيوناً لهم علينا وقويتموهم بالأموال . فاتقوه بابن بقيلة وقالوا له كن أنت الذي تكلمه ، فتقدم فقال : أما أنت وقولك إنا فرحنا بمجيئهم ، فماذا فعلوا وبأي ذلك من أمورهم نفرح ؟ إنهم ليزعمون أنا عبيد لهم وما هم على ديننا ، وإنهم ليشهدون علينا أنا من أهل النار . وأما قولك إنا كنا عيوناً لهم ، فما الذي يحوجهم إلى أن نكون عيوناً لهم وقد هرب أصحابكم منهم ، وخلوا لهم القرى فليس يمنعهم أحد من وجه أرادوه ، إن شاؤوا أخذوا يميناً أو شمالاً .

وأما قولك إنا قويناهم بالأموال فإنا صانعناهم بالأموال عن أنفسنا إذ لم تمنعونا مخافة أن نُسبى وأن نُحْرَب وتُقتل مقاتلتنا ، وقد عجز منهم من لقيهم منكم فكنا نحن أعجز . ولعمري لأنتم أحب إلينا منهم وأحسن عندنا بلاءً ، فامنعونا منهم نكن لكم أعواناً ، فإنما نحن بمنزلة علوج السواد عبيد من غلب . فقال رستم : صدقكم الرجل » .

وقال ابن كثير في النهاية ( 7 / 35 ) : « واستوثقت الممالك له ( يزدجرد ) واجتمعوا عليه وفرحوا به وقاموا بين يديه بالنصر أتم قيام واستفحل أمره فيهم ، وقويت شوكتهم به ، وبعثوا إلى الأقاليم والرساتيق فخلعوا الطاعة للصحابة ونقضوا عهودهم وذممهم ! وبعث الصحابة إلى عمر بالخبر ، فأمرهم عمر أن يتبرزوا من بين ظهرانيهم » . أي أمر المسلمين أن يخرجوا من العراق ويبرزوا إلى بادية الحجاز !

(2) في مروج الذهب : 1 / 118 : « كان الفرات ، الأكثر من مائه ينتهي إلى بلاد الحِيرةِ ونهرها بين إلى هذا الوقت ، وهو يعرف بالعتيق ، وعليه كانت وقعة المسلمين مع رُستُم وهي وقعة القادسية ، فيصب في البحر الحبشي ( الخليج ) وكان البحر حينئذ في الموضع المعروف بالنّجَف في هذا الوقت ، وكانت تقدم هناك سفن الصين والهند ، ترِد إلى ملوك الحيرة » .

أقول : معناه أن معركة القادسية كانت قرب مدينة النجف الأشرف ، وأن الوادي المسمى اليوم بحر النجف ، كان خليجاً متصلاً بالبصرة والخليج ، تبُحر فيه السفن !

وفي تاريخ الطبري : 3 / 24 ، و 28 : « وأمر الجالنوس حتى قدم الحيرة ، فمضى واضطرب فسطاطه بالنجف . . فلما دنا رستم ونزل النجف بعث سعد الطلائع » .

(3) في مروج الذهب : 2 / 312 : « فالتقى جيش المسلمين وجيش الفرس وعليهم رستم ، والمسلمون يومئذ في ثمانية وثلاثين ألفاً ، وقيل : إن من أُسْهِمَ له ثلاثون ألفاً ، والمشركون في ستين ألفاً ، أمام جيوشهم الفيلة عليها الرجال » .

وقال خليفة بن خياط / 89 : « كان رستم في ستين ألفاً من أخص ديوانه ، والمسلمون ستة آلاف أو سبعة . . . عن إبراهيم قال : كانوا ما بين الثمانية آلاف إلى التسعة آلاف ، وجاءهم قدر ألفين ، فأقاموا قدر شهر لا يلقاهم العدو » .

وفي تاريخ الطبري : 3 / 26 : « وجعلت السرايا تطوف ورستم بالنجف ، والجالنوس بين النجف والسيلحين ، وذو الحاجب بين رستم والجالنوس والهرمزان ومهران على مجنبتيه ، والبيرزان على ساقته ، وزاذ بن بهيش صاحب فرات سريا على الرجالة ، وكنارى على المجردة . وكان جنده مائة وعشرين ألفاً ، ستين ألف متبوع ، مع الرجل الشاكري ، ومن الستين ألفاً خمسة عشر ألف شريف متبوع ، وقد تسلسلوا وتقارنوا ( ربطوا بعضهم ببعض ) لتدور عليهم رحى الحرب » .

وروى ابن أبي شيبة ( 8 / 14 و : 7 / 718 ) أن النخعيين كانوا في القادسية ألفين وأربع مئة : « كنت لا تشاء أن تسمع يوم القادسية : أنا الغلام النخعي ، إلا سمعته » .

« فقال عمر : ما شأن النخع أصيبوا من بين سائر الناس ، أفرَّ الناس عنهم ؟ قالوا : لا ، بل وُلُّوا عِظَم الأمر وحدهم » . ( ابن أبي شيبة : 8 / 14 ، والإصابة : 1 / 196 ) .

وفي تاريخ الطبري : 3 / 76 : « عن عبد الرحمن بن الأسود النخعي ، عن أبيه قال : شهدت القادسية ، فلقد رأيت غلاماً منا من النخع يسوق ستين أو ثمانين رجلاً من أبناء الأحرار ، فقلت : لقد أذلَّ الله أبناء الأحرار » !

وفي تاريخ الطبري : 3 / 82 ، أنهم هاجروا من اليمن مع عوائلهم ، وزوجوا سبع مائة من بناتهم إلى المسلمين ، خاصة الأنصار . ( ونحوه تاريخ دمشق : 65 / 100 ) .

وفي المنتظم لابن الجوزي : 4 / 174 : « لما اجتمع الناس بالقادسية دعت خنساء بنت عمرو النخعية بنيها الأربعة فقالت : يا بنيَّ ، إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم ، والله ما نبَتْ بكم الدار ولا أقحمتكم السنة ، ولا أرداكم الطمع .

والله الَّذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد ، كما أنكم بنو امرأة واحدة ، ما خنتُ أباكم ولا فضحت خالكم ، ولا عَمَوْتُ نسبكم ولا أوطأت حريمكم ولا أبحت حماكم . فإذا كان غداً إن شاء الله فاغدوا لقتال عدوكم مستنصرين الله مستبصرين . فإذا رأيتم الحرب قد أبدت ساقها وقد ضربت رواقها فتيمموا وطيسها ، وجالدوا خميسها ، تظفروا بالمغنم والسلامة والفوز والكرامة في دار الخلد والمقامة » . ثم ذكر انصرافهم إلى المعركة ، ورجزهم ، وقتالهم .

والظاهر أن عدد قوات المسلمين كان أكثر من عشرة آلاف ، منهم ألفان وأربع مئة من النخعيين جماعة مالك الأشتر رضي الله عنه ، وكان ثقل القتال عليهم . وفي نفس الوقت كان نخبة من النخع مع الأشتر في اليرموك ، فقد طارد الروم في جبال تركيا بعد المعركة ، ومعه ثلاث مائة فارس من قومه النخعيين ! ( الكلاعي : 3 / 273 ) .

من وصف معركة القادسية

(1) رووا أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص أن يرسل قبل المعركة وفداً إلى يزدجرد يدعونه إلى الإسلام ، ففي الطبري ( 3 / 14 ) : « وابعث إليه رجالاً من أهل المنظرة والرأي والجلد ، يدعونه ، فإن الله جاعل دعاءهم توهيناً لهم وفلجاً . .

جمع نفراً عليهم نجار ولهم آراء ، ونفراً لهم منظر وعليهم مهابة ولهم آراء . فأما الذين عليهم نجار ولهم آراء ولهم اجتهاد ، فالنعمان بن مقرن ، وبسر بن أبي رهم ، وحملة بن حوية الكناني ، وحنظلة بن الربيع التميمي ، وفرات بن حيان العجلي ، وعدي بن سهيل ، والمغيرة بن زرارة بن النباش بن حبيب .

وأما من لهم منظر لأجسامهم وعليهم مهابة ولهم آراء ، فعطارد بن حاجب ، والأشعث بن قيس ، والحارث بن حسان ، وعاصم بن عمرو ، وعمرو بن معدي كرب ، والمغيرة بن شعبة ، والمعنى بن حارثة ، فبعثهم دعاة إلى الملك . .

قدموا المدائن احتجاجاً ودعاة ليزدجرد ، فطووا رستم حتى انتهوا إلى باب يزدجرد ، فوقفوا على خيول عروات معهم جنائب ولها صهال ، فاستأذنوا فحبسوا ، وبعث يزدجرد إلى وزرائه ووجوه أرضه يستشيرهم فيما يصنع بهم ويقوله لهم . وسمع بهم الناس فحضروهم ينظرون إليهم وعليهم المقطعات والبرود، وفي أيديهم سياط دقاق، وفي أرجلهم النعال . فلما اجتمع رأيهم أذن لهم فأدخلوا عليه . . . فلم أر عشرة قط يعدلون في الهيئة بألف غيرهم، وخيلهم تخبط ويوعد بعضها بعضاً، وجعل أهل فارس يسوؤهم ما يرون من حالهم وحال خيلهم، فلما دخلوا على يزدجرد أمرهم بالجلوس وكان سئ الأدب، فكان أول شئ دار بينه وبينهم أن أمر الترجمان بينه وبينهم فقال: سلهم ما يسمون هذه الأردية؟ فسأل النعمان وكان على الوفد: ما تسمى رداءك؟ قال : البُرد ، فتطير وقال بردجهان ! وتغيرت ألوان فارس وشق ذلك عليهم . ثم قال : سلهم عن أحذيتهم ؟ فقال : ما تسمون هذه الأحذية ؟ فقال : النعال ، فعاد لمثلها فقال : ناله ناله في أرضنا . ثم سأله عن الذي في يده ؟ فقال سوط ، والسوط بالفارسية الحريق ! فقال أحرقوا فارس أحرقهم الله . . .

ثم قال الملك : سلهم ما جاء بكم وما دعاكم إلى غزونا والولوع ببلادنا ، أمن أجل أنَّا أجممناكم وتشاغلنا عنكم اجترأتم علينا ؟ !

فقال لهم النعمان بن مقرن : إن شئتم أجبت عنكم ومن شاء آثرته ، فقالوا : بل تكلم ، وقالوا للملك : كلام هذا الرجل كلامنا ، فتكلم النعمان فقال : إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخير ويأمرنا به ، ويعرفنا الشر وينهانا عنه ، ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة ، فلم يدع إلى ذلك قبيلة إلا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص ، فمكث بذلك ما شاء الله أن يمكث ، ثم أمر أن ينبذ إلى من خالفه من العرب وبدأ بهم وفعل ، فدخلوا معه جميعاً على وجهين مكره عليه فاغتبط ، وطائع أتاه فازداد ، فعرفنا جميعاً فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق . ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف ، فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حسَّن الحسن وقبَّح القبيح كله ، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه : الجزاء . فإن أبيتم فالمناجزة . فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله ، وأقمناكم عليه أن تحكموا بأحكامه ، ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم ، وإن أتقيمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم ، وإلا قاتلناكم .

قال : فتكلم يزدجرد فقال : إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً ، ولا أسوأ ذات بين منكم . قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفونناكم لا تغزوكم فارس ولا تطمعون أن تقوموا لهم . فإن كان عددكم كثر فلا يغرنكم منا ، وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتاً إلى خصبكم ، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم ، وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم .

فأسكت القوم ، فقال المغيرة بن زرارة بن النباش الأسيدي : أيها الملك إن هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم ، وهم أشراف يستحيون من الأشراف ، وإنما يكرم الأشراف الأشراف ، ويعظم حقوق الأشراف الأشراف ، ويفخم الأشراف الأشراف ، وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك ، ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه ، وقد أحسنوا ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك .

فجاوبني لأكون الذي أبلغك ويشهدون على ذلك ، إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالماً ، فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالاً منا . وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات، فنرى ذلك طعامنا! وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم. ديننا أن يقتل بعضنا بعضاً ، ويغير بعضنا على بعض ، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامنا ، فكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك ، فبعث الله إلينا رجلاً معروفاً ، نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده ، فأرضه خير أرضنا وحسبه خير أحسابنا ، وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبيلتنا ، وهو بنفسه كان خيرنا ، في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا فدعانا إلى أمر فلم يجبه أحد أول من ترب كان له ، وكان الخليفة من يعده ، فقال وقلنا وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا ، فلم يقل شيئاً إلا كان ، فقذف الله في قلوبنا التصديق له واتباعه ، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين فما قال لنا فهو قول الله ، وما أمرنا فهو أمر الله ، فقال لنا إن ربكم يقول إني أنا الله وحدي لا شريك لي ، كنت إذ لم يكن شئ، وكل شئ هالك إلا وجهي، وأنا خلقت كل شئ وإليَّ يصير كل شئ، وإن رحمتي أدركتكم فبعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي بها أنجيكم بعد الموت من عذابي ، ولأحلكم داري دار السلام . فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق .

وقال: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم، ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية، ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم ، ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم ، فمن قتل منكم أدخلته جنتي ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه .

فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر ، وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك ! فقال أتستقبلني بمثل هذا ؟ ! فقال : ما استقبلت إلا من كلمني ولو كلمني غيرك لم أستقبلك به .

فقال: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم، لا شئ لكم عندي ! فقال : إئتوني بوقر من تراب ، فقال : إحملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن . إرجعوا إلى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليكم رستم حتى يدفنكم ويدفنه في خندق القادسية ، وينكل به وبكم من بعد ، ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور .

ثم قال : من أشرفكم ؟ فسكت القوم ، فقال عاصم بن عمرو وافتأت ( كذب ) ليأخذ التراب : أنا أشرفهم ، أنا سيد هؤلاء فحملنيه ، فقال : أكذاك فقالوا : نعم ، فحمله على عنقه ، فخرج به من الإيوان والدار حتى أتى راحلته فحمله عليها ، ثم انجذب في السير ، فأتوا به سعداً وسبقهم عاصم ، فمر بباب قديس فطواه فقالوا بشروا الأمير بالظفر ظفرنا إن شاء الله . ثم مضى حتى جعل التراب في الحجر، ثم رجع فدخل على سعد فأخبره الخبر فقال: أبشروا فقد والله أعطانا الله أقاليد ملكهم » .

ورووا ضمن هذه الرواية عن المغيرة بن شعبة ، أنه قال : « لعلنا لا نزيد على سبعة آلاف أو نحو من ذلك ، والمشركون ثلاثون ألفاً أو نحو ذلك ، فقالوا لنا : لا يدين لكم ولا قوة ولا سلاح ، ما جاء بكم ، إرجعوا . قال قلنا : لا نرجع وما نحن براجعين ، فكانوا يضحكون من نبلنا ويقولون : دوك دوك ، ويشبهونها بالمغازل ! قال : فلما أبينا عليهم أن نرجع قالوا : إبعثوا إلينا رجلاً منكم عاقلاً يبين لنا ما جاء بكم ، فقال المغيرة بن شعبة أنا ، فعبر إليهم فقعد مع رستم على السرير فنخروا وصاحوا ، فقال : إن هذا لم يزدني رفعة ولم ينقص صاحبكم ! قال رستم : صدقت ، ما جاء بكم ؟ قال : إنا كنا قوماً في سوق ضلالة ، فبعث الله فينا نبياً فهدانا الله به ورزقنا على يديه ، فكان مما رزقنا حبةً تنبت بهذا البلد فلما أكلناها وأطعمناها أهلينا قالوا لا صبر لنا عن هذه ، أنزلونا هذه الأرض حتى نأكل من هذه الحبة . فقال رستم: إذا نقتلكم! فقال: إن قتلتمونا دخلنا الجنة وإن قتلناكم دخلتم النار، وأديتم الجزية. قال فلما قال أديتم الجزية نخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلح بيننا وبينكم! فقال المغيرة: تعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فقال رستم بل نعبر إليكم» .

أقول: من المؤكد أن هرقل وقادة جيشه، ويزدجرد ورستماً وقادة الفرس كانوا يطلبون إرسال موفد أو موفدين، ليعرفوا منهم حقيقة مطلب العرب.

وقد أرسل سعد بن أبي وقاص وغيره من قادة الجيش الإسلامي موفدين إلى يزدجرد في المدائن، والى رستم في مقر قيادته، والى هرقل وقادة جيشه .

لكن رواياتهم تركز على شكل الموفدين وكلامهم العنيف الذي فيه تحدٍّ للفرس والروم ، وبعضه عنتريات فارغة ، وبعضه كلامٌ منطقي ودعوة إلى الإسلام .

لذلك نتحفظ على نصوصها لأن الراوي يريد إثبات فضيلة لشخصيات السلطة كالمغيرة والأشعث وخالد، ويطمس دور سلمان الفارسي رضي الله عنه، مع أنه أولى بمفاوضة الفرس، وأكفأ من هؤلاء، ولهذا عينه عمر داعية المسلمين ورائدهم .

كما نلاحظ في رواية الوفد إلى يزدجرد، أنها متأثرة برواية رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى كسرى عندما مزق رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وحمَّل الرسول كيس تراب !

(2) قال الحموي في معجم البلدان : 4 / 292 ، و : 1 / 225 : « القادسية كانت أربعة أيام : فسموا الأول يوم أرماث ، واليوم الثاني يوم أغواث ، واليوم الثالث يوم عماس ، وليلة اليوم الرابع ليلة الهرير واليوم الرابع سموه يوم القادسية . . وفيه كان الفتح على المسلمين ، ولا أدري أهذه الأسماء مواضع أم هي من الرمث والغوث والعمس » . والرمث نبات . والغوث بمعنى مجئ المدد للمسلمين ولعله مدد هاشم المرقال الآتي من اليرموك . والعمس والمعس ، بمعنى معك العدو ودلكه ودعسه .

(3) وبقي الجيشان قبل المعركة أربعة أشهر ، وكانوا في هذه المدة يسرقون ويأكلون ! قال الطبري ( 3 / 26 ) : « وارتحل رستم فنزل النجف ، وكان بين خروج رستم من المدائن وعسكرته بساباط ، وزحفه منها إلى أن لقى سعداً أربعة أشهر ، لا يقدم ولا يقاتل ، رجاء أن يضجروا بمكانهم وأن يجهدوا ، فينصرفوا » .

وقال البلاذري : ( 2 / 213 ) : « وأقبل رستم وهو من أهل الري ، ويقال بل هو من أهل همذان فنزل برس . ثم سار فأقام بين الحيرة والسيلحين أربعة أشهر ، لا يقدم على المسلمين ولا يقاتلهم ، والمسلمون معسكرون بين العذيب والقادسية . وقدم رستم ذا الحاجب فكان معسكراً بطيزناباذ ، وكان المشركون زهاء مئة ألف وعشرين ألفاً ومعهم ثلاثون فيلاً ، ورايتهم العظمى التي تدعى درفش كابيان . وكان جميع المسلمين ما بين تسعة آلاف إلى عشرة آلاف، فإذا احتاجوا إلى العلف والطعام أخرجوا خيولاً في البر، فأغارت على أسفل الفرات، وكان عمر يبعث إليهم من المدينة الغنم والجُزُر» .

وقال الطبري ( 3 / 13 ) : « وبعث سعد في مقامه ذلك إلى أسفل الفرات عاصم بن عمرو ، فسار حتى أتى ميسان فطلب غنماً أو بقراً فلم يقدر عليها ، وتحصن منه من في الأفدان ووغلوا في الآجام ، ووغل حتى أصاب رجلاً على طف أجمة فسأله واستدله على البقر والغنم فحلف له وقال : لا أعلم ، وإذا هو راعي ما في تلك الأجمة ، فصاح منها ثور : كذب والله وها نحن أولاء ، فدخل فاستاق الثيران وأتى بها العسكر فقسم ذلك سعد على الناس ، فأخصبوا أياماً . . وبث الغارات بين كسكر والأنبار فحووا من الأطعمة ما كانوا يستكفون به زماناً» .

وقد رافق حروب الفتح كثير من هذه الأعمال ، فكان القادة يغصبون ويأكلون ويطعمون جنودهم ، والمسروق منهم محايدون أو معاهدون ، وقلما يكونون محاربين ، لأن المسلمين كتبوا عهود الصلح مع هؤلاء السكان الذين سرقوا أبقارهم !

ولم يكتف السارق بالسرقة، حتى ادعى أن الثيران كلمته ودعته إلى أكلها !

وبهذا تعرف تقوى المثنى وأبي عبيد الثقفي رضي الله عنهما ، في مطعمهما ومطعم جنودهما . وكان قلة من الجنود على مثلهما لا يأكلون من المغصوب!

أما القادة الفرس فكان سلوكهم أسوأ ، لكنهم يتصورون أن المسلمين كلهم أتقياء !

قال الطبري ( 3 / 24 ) : « وخرج رستم من كوثى حتى نزل ببرس ، فغصب أصحابه الناس أموالهم ووقعوا على النساء وشربوا الخمور ، فضج العلوج إلى رستم وشكوا إليه ما يلقون في أموالهم وأبنائهم ، فقام فيهم فقال : يا معشر أهل فارس والله لقد صدق العربي ، والله ما أسلمَنا إلا أعمالنا ، والله لَلعرب في هؤلاء وهم لهم ولنا حرب ، أحسن سيرة منكم ! إن الله كان ينصركم على العدو ، ويمكن لكم في البلاد ، بحسن السيرة وكف الظلم ، والوفاء بالعهود والإحسان . فأما إذا تحولتم عن ذلك إلى هذه الأعمال ، فلا أرى الله إلا مغيراً ما بكم ، وما أنا بآمن أن ينزع الله سلطانه منكم ! وبعث الرجال فلقطوا له بعض من يشكى، فأتى بنفر فضرب أعناقهم» .

(4) روى الطبري : 3 / 43 ، أن يزجرد اخترع في القادسية بريداً جديداً : « وكان يزدجرد وضع رجلاً على باب إيوانه إذ سرَّح رُستم وأمره بلزومه وإخباره ، وآخر حيث يسمعه من الدار ، وآخر خارج الدار وكذلك على كل دعوة رجلاً . فلما نزل رستم قال الذي بساباط : قد نزل ، فقاله الآخر ، حتى قاله الذي على باب الإيوان ! وجعل بين كل مرحلتين على كل دعوة رجلاً ، فكلما نزل وارتحل أو حدث أمر ، قاله فقاله الذي يليه حتى يقوله الذي يلي باب الإيوان ! فنظَم ما بين العتيق والمدائن رجالاً ، وترك البُرُد » .

أي ترك البريد العادي ورتب رجالاً يوصلون له البريد بالصوت . والعتيق واد ومغيض للفرات قرب القادسية، وهو بحر النجف. ( معجم البلدان : 4 / 292 ) .

(5) قال الطبري : 3 / 42 : « ولما عبر أهل فارس أخذوا مصافهم ، وجلس رستم على سريره وضرب عليه طيارة ( كالشمسية ) وعبأ في القلب ثمانية عشر فيلاً عليها الصناديق والرجال ، وفي المجنبتين ثمانية وسبعة عليها الصناديق والرجال ، وأقام الجالنوس بينه وبين ميمنته ، والبيرزان بينه وبين ميسرته ، وبقيت القنطرة بين خيلين من خيول المسلمين وخيول المشركين . . (وروي في المجنبين خمسة عشر فيلاً) وأخذ المسلمون مصافهم، وجعل (سعد) زهرة وعاصم بين عبد الله وشرحبيل، ووكل صاحب الطلائع بالطراد، وخلط بين الناس في القلب والمجنبات، ونادى مناديه : ألا إن الحسد لا يحل إلا على الجهاد في أمر الله . يا أيها الناس ، فتحاسدوا وتغايروا على الجهاد » .

وقال البلاذري ( 2 / 316 ) : « ثم إن علَّافة المسلمين ، وعليها زهرة بن حوية بن عبد الله بن قتادة التميمي ثم السعدي . . لقيَت خيلاً للأعاجم، فكان ذلك سبب الوقعة. أغاثت الأعاجم خيلها وأغاث المسلمون علافتهم ، فالتحمت الحرب بينهم ، وذلك بعد الظهر ، وحمل عمرو بن معدي كرب الزبيدي فاعتنق عظيماً من الفرس فوضعه بين يديه في السرج وقال : أنا أبو ثور ، افعلوا كذا ! ثم حطم فيلاً من الفيلة وقال : إلزموا سيوفكم خراطيمها ، فإن مقتل الفيل خرطومه » .

(6) « فلما رأى أهل فارس ما تلقى الفيلة من كتيبة أسد ، رموهم بحدهم وبدروا المسلمين الشدة ، عليهم ذو الحاجب والجالنوس . . ثم نادى في رجال من قومه رماة وآخرين لهم ثقافة ( خبرة بتثقيف السهام وبريها ) فقال لهم : يا معشر الرماة ذبوا ركبان الفيلة عنهم بالنبل . وقال : يا معشر أهل الثقافة إستدبروا الفيلة فقطعوا وضنها ( أحزمتها ) . وخرج يحميهم والرحى تدور على أسد ، وقد جالت ( انهزمت ) الميمنة والميسرة غير بعيد ، وأقبل أصحاب عاصم على الفيلة فأخذوا بأذنابها وذباذب توابيتها فقطعوا وضنها وارتفع عواؤها فما بقي لهم يومئذ فيل إلا أعرى وقتل أصحابها ، وتقابل الناس ونُفِّسَ عن أسد ، وردوا فارساً عنهم إلى مواقفهم ، فاقتتلوا حتى غربت الشمس ، ثم حتى ذهبت هدأة من الليل ثم رجع هؤلاء وهؤلاء وأصيب من أسد تلك العشية خمس مائة ، وكانوا ردءً للناس ، وكان عاصم عادية الناس وحاميتهم ، وهذا يومها الأول وهو يوم أرماث » . ( الطبري : 3 / 50 ) .

(7) قال الطبري : 1 / 51 : « ولما أصبح القوم من الغد أصبحوا على تعبية ، وقد وكل سعد رجالاً بنقل الشهداء إلى العذيب ، ونقل الرثيث . . فلما استقلت بهم الإبل وتوجهت بهم نحو العذيب ، طلعت نواصي الخيل من الشام . . وهم ستة آلاف خمسة آلاف من ربيعة ومضر، وألف من أفناء اليمن ومن أهل الحجاز، وأمَّر عليهم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص . . فقدم على الناس صبيحة يوم أغواث وجعلت خيله ترد قِطعاً وما زالت ترد إلى الليل، وتَنَشَّطَ الناس وكأن لم يكن بالأمس مصيبة . . . فاجتلدوا بها حتى المساء، فلم ير أهل فارس في هذا اليوم شيئاً مما يعجبهم ، وأكثر المسلمون فيهم القتل ولم يقاتلوا في هذا اليوم على فيل ! كانت توابيتها تكسرت بالأمس فاستأنفوا علاجها حين أصبحوا » .

(8) «فأقبل هاشم ( المرقال ) حتى إذا خالط القلب كبَّر فكبر المسلمون ، وقد أخذوا مصافهم وقال هاشم : أول القتال المطاردة ثم المراماة فأخذ قوسه فوضع سهماً على كبدها ثم نزع فيها . . وأقبلت الفيلة معها الرجالة يحمونها أن تقطع وضنها ، ومع الرجالة فرسان يحمونهم ، إذا أرادوا كتيبة دلفوا لها بفيل واتباعه لينفروا بهم خيلهم ، فلم يكن ذلك منهم كما كان بالأمس لأن الفيل إذا كان وحده ليس معه أحد كان أوحش ، وإذا أطافوا به كان آنس فكان القتال كذلك ، حتى عدل النهار وكان يوم عماس من أوله إلى آخره شديداً ، العرب والعجم فيه على السواء ، ولا يكون بينهم نقطة إلا تعاورها الرجال بالأصوات ، حتى تبلغ يزدجرد فيبعث إليهم أهل النجدات ممن بقي عنده فيقوون بهم » ( الطبري : 3 / 59 ) .

« قدم هاشم في أهل العراق من الشام فتعجل في أناس ليس معه أحد من غيرهم إلا نفير ، منهم ابن المكشوح ، فلما دنا تعجل في ثلاث مائة فوافق الناس وهم على مواقفهم ، فدخلوا مع الناس في صفوفهم » . ( تاريخ الطبري : 3 / 60 ) .

« أن قيس بن المكشوح قال مقدمه من الشام مع هاشم ، وقام فيمن يليه فقال لهم : يا معشر العرب إن الله قد من عليكم بالإسلام ، وأكرمكم بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) أصبحتم بنعمة الله إخواناً ، دعوتكم واحدة وأمركم واحد ، بعد إذ أنتم يعدو بعضكم على بعض عدو الأسد ، ويختطف بعضكم بعضاً اختطاف الذئاب ، فانصروا الله ينصركم ، وتنجزوا من الله فتح فارس ، فإن إخوانكم من أهل الشام قد أنجز الله لهم فتح الشام ، وانتثال القصور الحمر » . (تاريخ الطبري : 3 / 61 ) .

(9) « قال عمرو بن معدي كرب : إني حامل على الفيل ومن حوله ، لفيل بإزائهم فلا تدعوني أكثر من جزر جزور ، فإن تأخرتم عني فقدتم أبا ثور فأنى لكم مثل أبي ثور ، فإن أدركتموني وجدتموني وفي يدي السيف ! فحمل فما انثنى حتى ضرب فيهم وستره الغبار ، فقال أصحابه : ما تنتظرون ما أنتم بخلقاء أن تدركوه ، وإن فقدتموه فقد المسلمون فارسهم ! فحملوا حملة فأفرج المشركون عنه بعد ما صرعوه وطعنوه وإن سيفه لفي يده يضاربهم ، وقد طعن فرسه ! فلما رأى أصحابه وانفرج عنه أهل فارس ، أخذ برِجل فرس رجل من أهل فارس فحركه الفارسي فاضطرب الفرس ، فالتفت الفارسي إلى عمرو فهمَّ به وأبصره المسلمون فغشوه ، فنزل عنه الفارسي وحاضر ( ركض ) إلى أصحابه ، فقال عمرو : أمكنوني من لجامه ، فأمكنوه من فركبه » . ( تاريخ الطبري : 3 / 61 ) .

أقول : حمل عمرو بن معدي كرب مثل هذه الحملة في نهاوند وغاص في وسط جيش الفرس ، ويظهر أن المسلمين تأخروا عن نجدته ، فأدركوه وقد استشهد رضي الله عنه !

(10) «أنس بن الحليس قال : شهدت ليلة الهرير فكان صليل الحديد فيها كصوت القُيُون ( الحدادين ) ليلتهم حتى الصباح ، أفرغ عليهم الصبر إفراغاً . .

وأصبحوا ليلة القادسية وهي صبحة ليلة الهرير . . والناس حسرى لم يغمضوا ليلتهم كلها ! فسار القعقاع في الناس فقال : إن الدبرة بعد ساعة لمن بدأ القوم فاصبروا ساعة واحملوا ، فإن النصر مع الصبر فآثروا الصبر على الجزع . . فاجتمع إليه جماعة من الرؤساء وصمدوا لرستم حتى خالطوا الذين دونه . . وقام في ربيعة رجال فقالوا : أنتم أعلم الناس بفارس وأجراهم عليهم . . فكان أول من زال حين قام قائم الظهيرة الهرمزان والبيرزان فتأخرا وثبتا حيث انتهيا ، وانفرج القلب حين قام قائم الظهيرة وركد عليهم النقع ، وهبت ريح عاصف فقلعت طيارة رستم ( شبيه المظلة ) عن سريره فهوت في العتيق وهي دبور ( شمالية ) ومال الغبار عليهم . . وقام رستم عنه حين طارت الريح بالطيارة إلى بغال قد قدمت عليه بمال يومئذ فهي واقفة ، فاستظل في ظل بغل وحِمله ، وضرب هلال بن علفة الحمل الذي رستم تحته فقطع حباله ، ووقع عليه أحد العدلين ولا يراه هلال ولا يشعر به ، فأزال من ظهره فقاراً . . ومضى رستم نحو العتيق فرمى بنفسه فيه ، واقتحمه هلال عليه فتناوله وقد عام وهلال قائم ، فأخذ برجله ، ثم خرج به إلى الجد فضرب جبينه بالسيف حتى قتله ، ثم جاء به حتى رمى به بين أرجل البغال ، وصعد السرير ثم نادى قتلت رستم ورب الكعبة إليَّ إليَّ ، فأطافوا به وما يحسون السرير ولا يرونه وكبروا وتنادوا ، وانبثَّ قلب المشركين عندها وانهزموا . وقام الجالنوس على الردم ، ونادى أهل فارس إلى العبور وانسفر الغبار . فأما المقترنون فإنهم جشعوا فتهافتوا في العتيق ، فوخزهم المسلمون برماحهم ، فما أفلت منهم مخبر ، وهم ثلاثون ألفاً .

وأخذ ضرار بن الخطاب درفش كابيان ( راية الفرس المرصعة المقدسة ) فعُوِّض منها ثلاثين ألفاً ، وكانت قيمتها ألف ألف ومائتي ألف .

وقتلوا في المعركة عشرة آلاف سوى من قتلوا في الأيام قبله . . . أصيب من الناس قبل ليلة الهرير ألفان وخمس مائة ، وقتل ليلة الهرير ويوم القادسية ستة آلاف من المسلمين ، فدفنوا في الخندق بحيال مشرق » . ( تاريخ الطبري : 3 / 67 - 69 ) .

أقول: ورد في نصوص القادسية ذكر سعد بن أبي وقاص وكأنه كان حاضراً في المعركة مع أنه كان في قصر العذيب الذي يبعد ستة أميال عن المعركة ، كما يأتي في ترجمته !

كما ورد ذكر ضرار بن الأزور في معركة القادسية وفيما بعدها ، مع أنه قتل في معركة اليمامة التي كانت قبل القادسية بسنين ! لكنهم أخذوا بطولة غيرهما ونسبوها إليهما !

(11) من نماذج القتال في القادسية ، ما رواه الدينوري في الأخبار الطوال / 119 : « وبرز النخارجان فنادى ، مرد ومرد ، أي رجل ورجل ! فخرج إليه زهير بن سليم أخو مخنف بن سليم الأزدي، وكان النخارجان سميناً بديناً جسيماً، وزهير رجلاً مربوعاً شديد العضدين والساعدين، فرمى النخارجان نفسه عن دابته عليه فاعتركا، فصرعه النخارجان وجلس على صدره واستل خنجره ليذبحه، فوقعت إبهام النخارجان في فم زهير فمضغها ، واسترخى النخارجان وانقلب عليه زهير ، وأخذ خنجره وأدخل يده تحت ثيابه فبعجه وقتله . وكان برذون النخارجان مدرباً فلم يبرح ، فركبه زهير وقد سلبه سواريه ودرعه وقباءه ومنطقته ، فأتى به سعداً فأغنمه إياه وأمره سعد أن يتزيى بزيه ، ودخل على سعد ، فكان زهير بن سليم أول من لبس من العرب السوارين !

 

وحمل قيس بن هبيرة على جيلوس رأس المستميتة فقتله . وحمل المسلمون من كل جانب فانهزمت العجم . وبادر جرير بن عبد الله إلى القنطرة فعطفوا عليه ، فاحتملوه برماحهم فسقط إلى الأرض ولحقه أصحابه وهربت عنه العجم ، ولم يصبه شئ ، وغار فرسه فلم يلحق ، فأتي ببرذون من مراكب الفرس في عنقه قلادة زمرد فركبه . وذهبت العجم على وجوهها حتى لحقت بالمدائن » .

قصة أبي محجن الثقفي في القادسية

(12) قال الطبري : 3 / 77 : « فاقتتلوا قتالاً شديداً وسعد في القصر ينظر معه سلمى بنت حصفة ، وكانت قبله عند المثنى بن حارثة فجالت الخيل ( انهزمت ) فرعُبت سلمى حين رأت الخيل فقالت : وا مثنياه ولا مثنى لي اليوم ! فغار سعد فلطم وجهها فقالت : أغيرةً وجبناً ! فلما رأى أبو محجن ما تصنع الخيل حيت جالت وهو ينظر من قصر العذيب ، وكان مع سعد فيه قال :

- - - - - - - - - - [ ابتداء شعر ]

كفى حزنا أن تردى الخيل بالقنا *** وأترك مشدوداً علي وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وأغلقت *** مصاريع دوني لا تجيب المناديا

وقد كنت ذا مال كثير وإخوة *** فقد تركوني واحداً لا أخا ليا

- - - - - - - - - - [ انتهاء شعر ]

فكلم زبراء أم ولد سعد وكان عندها محبوساً وسعد في رأس الحصن ينظر إلى الناس ، فقال : يا زبراء أطلقيني ولك عليَّ عهد الله وميثاقه لئن لم أقتل لأرجعن إليك حتى تجعلي الحديد في رجلي ! فأطلقته وحملته على فرس لسعد بلقاء، وخلت سبيله فجعل يشد على العدو وسعد ينظر، فجعل سعد يعرف فرسه وينكرها، فلما أن فرغوا من القتال وهزم الله جموع فارس رجع أبو محجن إلى زبراء، فأدخل رجله في قيده ! فلما نزل سعد من رأس الحصن رأى فرسه تعرق فعرف أنها قد ركبت فسأل عن ذلك زبراء، فأخبرته خبر أبي محجن فخلى سبيله». وفي: 3 / 57: «وجعل سعد يقول وهو مشرف على الناس مكب من فوق القصر، والله لولا محبس أبي محجن لقلت هذا أبو محجن وهذه البلقاء » !

وقال المسعودي في مروج الذهب : 2 / 214 : « وكان أبو محجن الثقفي محبوساً في أسفل القصر ، فسمع انتماء الناس إلى آبائهم وعشائرهم ، ووقع الحديد وشدة البأس ، فتأسف على ما يفوته من تلك المواقف ، فحبا حتى صعد إلى سعد يستشفعه ويستقيله ، ويسأله أن يخلي عنه ليخرج ، فزجره سعد ورَدَّه ، فانحدر راجعاً ، فنظر إلى سلمى بنت حفصة زوجة المثنى ابن حارثة الشيباني ، وقد كان سعد تزوجها بعده ، فقال : يا بنت حفصة ، هل لك في خير ؟ فقالت : وما ذاك ؟ قال : تخلين عني وتعيريني البلقاء ولله علي إن سَلَّمني الله أن ارجع إليك حتى أضع رجلي في القيد ، فقالت : وما أنا وذلك ؟ فرجع يرسف في قيده وهو يقول . . وذكر الأبيات المتقدمة وزاد فيها

- - - - - - - - - - [ ابتداء شعر ]

فلله عهد لا أخيس بعهده *** لئن فرجت أن لا أزور الحوَانيا

- - - - - - - - - - [ انتهاء شعر ]

فقالت سلمى : إني استخرت الله ورضيت بعهدك ، فأطلقته وقالت : شأنك وما أردت ، فاقتاد بَلْقَاء سعد ، وأخرجها من باب القصر الذي يلي الخندق ، فركبها ثم دب عليها حتى إذا كان بحيال ميمنة المسلمين كبر ، ثم حمل على ميسرة القوم يلعب برمحه وسلاحه بين الصفين ، فأوقف ميسرتهم وقتل رجالًا كثيراً من فُتَّاكهم ، ونكس آخرين ، والفريقان يرمقونه بأبصارهم ، وقد تنوزع في البلقاء ، فمنهم من قال : إنه ركبها عُرْياً ، ومنهم من قال : بل ركبها بسَرْج ، ثم غاص في المسلمين ، فخرج في ميسرتهم ، وحمل على ميمنة القوم فأوقفهم ، وجعل يلعب برمحه وسلاحه ، لا يبدو له فارس إلا هتكه ، فأوقفهم ، وهابته الرجال ، ثم رجع فغاص في قلب المسلمين ، ثم برز أمامهم ووقف بإزاء قلب المشركين ، ففعل مثل أفعاله في الميمنة والميسرة ، وأوقف القلب حتى لم يبرز منهم فارس إلا اختطفه ، وحمل عن المسلمين الحرب ، فتعجب الناس منه ، وقالوا : من هذا الفارس الذي لم نرَه في يومنا ؟ فقال بعضهم : هو ممن قدم علينا من إخواننا من الشام من أصحاب هاشم بن عتبة المرقال ، وقال بعضهم : إن كان الخضر عليه السلام يشهد الحرب فهذا هو الخضر قد من الله به علينا وهو علم نصرنا على عدونا ، وقال قائل منهم : لولا أن الملائكة لا تباشر الحروب لقلنا إنه ملك ، وأبو محجن كالليث الضرْغام قد هتك الفرسان كالعقاب يجول عليهم ، ومن حضر من فرسان المسلمين مثل عمرو بن معد يكرب وطلحة بن خُوَيلد والقعقاع ابن عمرو وهاشم بن عُتْبة المرقال وسائر فتاك العرب وأبطالها ينظرون إليه ، وقد حاروا في أمره ، وجعل سعد يفكر ويقول وهو مُشْرِف على الناس من فوق القصر : والله لولا محبس أبي محجن لقلت هذا أبو محجن وهذه البَلْقاء ، فلما انتصف الليل تحاجز الناس ، وتراجعت الفرس على أعقابها ، وتراجع المسلمون إلى مواضعهم على بقيتهم ومصافهم ، وأقبل أبو محجن حتى دخل القصر من حيث خرج ولا يعلم به ورَدَّ البلقاء إلى مربطها وعاد في محبسه ووضع رجله في القيد ورفع عقيرته وهو يقول :

- - - - - - - - - - [ابتداء شعر]

لقد علمت ثقيفٌ غير فخر *** بأنا نحن أكرمهم سيوفا

وأكرمهم دُرُوعاً سابغاتٍ *** وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا

وليلة قادس لم يشعروا بي *** ولم أشعر بمخرجي الزحوفا

وأنا وفدهم في كل يوم *** فإن عتبوا فسل بهمُ عريفا

فإن أحبس فذلكُمُ بلائي *** وإن أترك أذيقهم الحتوفا

- - - - - - - - - - [انتهاء شعر]

فقالت له سلمى : يا أبا محجن ، في أي شئ حبَسَك هذا الرجل تعني سعداً ؟ قال : والله ما حبسني بحرام أكلته ولا شربته ، ولكني كنت صاحب شراب في الجاهلية ، وأنا امرؤ شاعر يدبُّ الشعر على لساني فأصف القهوة وتداخلني أريحية فألتذ بمدحي إياها ، فلذلك حبسني لأني قلت فيها :

- - - - - - - - - - [ ابتداء شعر ]

إذا مت فادفني إلى جنب كرمَة *** تروِّي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني بالفلاة فإنني *** أخاف إذا ما مُتُّ أن لا أذوقها

- - - - - - - - - - [انتهاء شعر]

وهي أبيات. وقد كان بين سلمى وسعد كلام كثير أوجب غضبه عليها ، لذكرها المُثَنَّى عند مختلف القنا ، فأقامت مغاضبة له عشية أغواث وليلة الهَرير وليلة السواد ، حتى إذا أصبحت أتته فترضَّته وصالحته . ثم أخبرته خبرها مع أبي محجن ، فدعا به فأطلقه وقال : إذهب فما أنا مؤاخذك بشئ تقوله حتى تفعله . قال : لا جَرَمَ والله ، لا أجبت لساني إلى صفة قبيح أبداً » .

أقول : رواية المسعودي أصح من رواية الطبري لأن القصر كما ذكرنا يبعد بضعة عشر كيلو متراً عن المعركة ، فلا يمكن لسعد أن يرى قتال أبي محجن . فالصحيح ما ذكره المسعودي من أن سعداً لم يعرف بخبر أبي محجن حتى حكته له زوجته . وقد يقال : فكيف رأت زوجته خيل المسلمين منهزمة وقالت : وامثنياه ؟ ! وجوابه أنها رأت أناساً منهزمين على خيولهم وقد فروا كلياً من المعركة ومروا في طريق فرارهم من مكان بحيث تراهم من القصر .

(13) « وخرج صبيان العسكر في القتلى ومعهم الأداوى يسقون من به رمق من المسلمين ، ويقتلون من به رمق من المشركين . . وخرج زهرة في طلب الجالنوس ( وقتله ) وخرج القعقاع وأخوه وشرحبيل في طلب من ارتفع وسفل ، فقتلوهم في كل قرية وأجمة وشاطئ نهر ، ورجعوا فوافوا صلاة الظهر .

وهنأ الناس أميرهم وأثنى على كل حي خيراً وذكره منهم . . . إن أهل البلاء يوم القادسية فُضلوا عند العطاء بخمس مائة خمس مائة في أعطياتهم ، خمسة وعشرين رجلاً ، منهم زهرة ، وعصمة الضبي ، والكلج ، وأما أهل الأيام فإنه فرض لهم على ثلاثة آلاف فضلوا على أهل القادسية » . ( تاريخ الطبري : 3 / 71 - 72 ) .

(14) كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعطي رواتب سنوية أو موسمية للمسلمين ، وقد بدأت الدولة بإعطاء الرواتب العامة بعد غنائم القادسية . قال الطبري : 3 / 152 : « وعرفوهم على مائة ألف درهم ، فكانت كل عرافة من القادسية خاصة ثلاثة وأربعين رجلاً وثلاثاً وأربعين امرأة وخمسين من العيال ، لهم مائة ألف درهم . وكل عرافة من أهل الأيام عشرين رجلاً على ثلاثة آلاف ، وعشرين امرأة وكل عيل على مائة ألف درهم . وكل عرافة من الرادفة الأولى ستين رجلاً وستين امرأة وأربعين من العيال ، ممن كان رجالهم ألحقوا على ألف وخمس مائة ، على مائة ألف درهم . ثم على هذا من الحساب . وقال عطية بن الحارث : قد أدركت مائة عريف . وعلى مثل ذلك كان أهل البصرة ، كان العطاء يدفع إلى أمراء الأسباع وأصحاب الرايات ، والرايات على أيادي العرب ، فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء ، فيدفعونه إلى أهله في دورهم » .

سعد بن أبي وقاص قائد القادسية الهارب !

(15) كان قائد جيش المسلمين المفترض سعد بن أبي وقاص ، لكنه كان كخالد بن الوليد لا يقاتل بنفسه ، فلم يشارك في معركة القادسية ، ولا في غيرها !

والذين قادوا المعركة هم : هاشم بن عتبة المرقال ، وحجر بن عدي ، وعمرو بن معدي كرب ، وعدد من الأبطال من تلاميذ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .

وغاب سعد زاعماً أن في فخذه دملة ، ووكل بالجيش والمعركة خالد بن عرفطة ، وهو مراسل عنده من بني عذرة ، الذين يُتهم بنو أبي الوقاص بأنهم منهم وليسوا من بني زهرة ، وسيأتي شهادة عبد الله بن مسعود بذلك !

وقد اتفق الرواة على أن سعداً عندما رأى المعركة اقتربت، ذهب من القادسية إلى قصر العذيب، وهو يبعد عن القادسية بضع عشرة كيلومتر!

وقد فضح جبن سعد زوجته، وابتعاده عن المعركة هذه المسافة الكبيرة، وقد زعموا أنه كان يدير المعركة من العذيب، فما الداعي للابتعاد عنها مسافة ثلاث ساعات مشياً أو ساعة للفارس المُجِدّ !

قال في الأخبار الطوال / 121 : « وكانت بسعد علة من خراج في فخذه قد منعه الركوب ، فولى أمر الناس خالد بن عرفطة ، وولى القلب قيس بن هبيرة ، وولى الميمنة شرحبيل بن السمط ، وولى الميسرة هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، وولى الرجالة قيس بن خريم ، وأقام هو في قصر القادسية مع الحرم والذرية » ! !

وذكر ابن الأثير ( الكامل : 2 / 452 ) أن عدد جيش المسلمين بضعة وثلاثون ألفاً ، وعلى كل عشرة جنود عريف ، وعلى المقدمة زهرة بن عبد الله بن الحوية ، وعلى الميمنة عبد الله بن المعتم ، وعلى الميسرة شرحبيل بن السمط الكندي ، وعلى الساقة عاصم بن عمرو التميمي ، وعلى الطلائع سواد بن مالك التميمي ، وعلى المجردة سلمان بن ربيعة الباهلي ، وعلى الرجالة حمال بن مالك الأسدي ، وكان رائدهم وداعيتهم سلمان الفارسي رضي الله عنه .

وحاول رواة السلطة أن يجعلوا العذيب قرب القادسية ، وأن يزيدوا من وجع سعد ودمامله ، ليستروا هروبه !

فروى الطبري : 3 / 42 : « وكان سعد يومئذ لا يستطيع أن يركب ولا يجلس ، به حبوب فإنما هو على وجهه ، في صدره وسادة هو مُكب عليها ، مشرفٌ على الناس من القصر ، يرمي بالرقاع فيها أمره ونهيه إلى خالد بن عرفطة ، وهو أسفل منه ، وكان الصف إلى جنب القصر ، وكان خالد كالخليفة لسعد » ! وروى الطبري أيضاً ( 3 / 76 ) : « قادس قرية إلى جانب العذيب ، فنزل الناس بها ، ونزل سعد في قصر العذيب » .

لكن الجغرافي المعتمد الشريف الإدريسي ، قال في كتابه نزهة المشتاق : 1 / 383 : « ومن القادسية إلى العذيب وهي أول خط البادية ، ستة أميال » .

وفي معجم البلدان : 4 / 92 ، إن قصر العذيب : « بينه وبين القادسية أربعة أميال » !

وكانوا يحملون إليه جرحى القادسية : « وكان بين موضع الوقعة مما يلي القادسية وبين حصن العذيب نخلة ، فإذا حمل الجريح وفيه تمييز وعقل ، ونظر إلى تلك النخلة . . قال لحامله : قد قربت من السواد ، فأريحوني تحت ظل هذه النخلة » . (مروج الذهب للمسعودي: 2 / 317)

والميل قريب من كيلومترين ، لأنه ثلث الفرسخ ، فالمسافة بين المعركة وسعد نحو 15 كلم ، لكن الرواة كذبوا لأجل سعد ، فجعلوا العذيب جنب المعركة !

وفي فتوح البلاذري ( 2 / 316 ) : « وكان مقيماً في قصر العذيب ، فجعلت امرأته وهي سلمى بنت حفصة من بنى تيم الله بن ثعلبة ، امرأة المثنى بن حارثة ، تقول : وامثنياه ، ولا مثنى للخيل ! فلطمها ، فقالت : يا سعد أغيرة وجبناً » !

وحفظ التاريخ شعر المسلمين في جبن سعد بن أبي وقاص ، وكتمته السلطة !

ففي الطبري : ( 3 / 81 ) ومعجم البلدان ( 4 / 291 ) : « وقاتل المسلمون يومئذ وسعد في القصر ينظر إليهم ، فنُسب إلى الجبن ، فقال رجل من المسلمين :

- - - - - - - - - - [ ابتداء شعر ]

« ألم ترَ أن الله أنزل نصره *** وسعدٌ بباب القادسية مُعصمُ

فأبنا وقد آمت نساء كثيرة *** ونسوةُ سعدٍ ليس فيهنَّ أيِّمُ »

- - - - - - - - - - [ انتهاء شعر ]

وقال بشر بن ربيعة في ذلك اليوم :

- - - - - - - - - - [ ابتداء شعر ]

ألمَّ خيال من أميمة موهناً *** وقد جعلت أولى النجوم تغور

ونحن بصحراء العذيب ودوننا *** حجازية ، إن المحل شطير

فزارت غريباً نازحاً جلُّ ماله *** جوادٌ ومفتوقُ الغِرار طرير

وحلَّت بباب القادسية ناقتي *** وسعدٌ بن وقاص عليَّ أمير

تذكر هداك الله وقع سيوفنا *** بباب قُدَيْسٍ والمكر ضرير

- - - - - - - - - - [ انتهاء شعر ]

 

- - - - - - - - - - [ ابتداء شعر ]

عشية ودَّ القوم لو أن بعضهم *** يُعار جناحي طائر فيطير

إذا برزت منهم إلينا كتيبةٌ *** أتونا بأخرى كالجبال تمور

فضاربتهم حتى تفرق جمعهم *** وطاعنتُ إني بالطعان مهير

وعمرو أبو ثور شهيدٌ وهاشمٌ *** وقيس ونعمان الفتى وجرير » .

- - - - - - - - - - [ انتهاء شعر ]

 

وقال جرير بن عبد الله البجلي كما في النهاية : 7 / 53 :

- - - - - - - - - - [ ابتداء شعر ]

« أنا جرير وكنيتي أبو عمر *** قد فتح الله وسعدٌ في القَصَر » .

- - - - - - - - - - [ انتهاء شعر ]

ومما يؤكد أقوالهم في جبن سعد أنه بعد القادسية لم يذهب إلى المدائن مع جيشه حتى فتحت، ثم لم يذهب إلى معركة جلولاء أو خانقين وبقي مشغولاً بغنائم قصور كسرى ، وأرسل ابن أخيه هاشم المرقال رضي الله عنه !

وبعد انتصارهم في جلولاء طلب المسلمون حضور سعد ، فحضر على كره منه ثم رجع ، ولم يذهب معهم إلى فتح حلوان !

وبعد الانتصارات شكى المسلمون سعداً إلى عمر ، فأرسل محمد بن مسلمة فسأل عنه في الكوفة فقام : « رجل يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة فقال : أما إذ ناشدتنا ، فإن سعداً لا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في الرعية ، ولا يغزو في السرية » . ( النهاية : 7 / 121 ) . فاضطر عمر لعزله ، لكنه بقي متمسكاً به !

ومن عجيب تاريخ الفتوحات أنك تجد الرواة يكتبون عن معركة القادسية ومسارها لأربعة أيام فيقولون : فأمر سعد ، وقال سعد ، وكبَّر سعد ، وتقدم سعد ، ورجع سعد ! ومعناه خادمه خالد بن عرفطة ، أو هاشم المرقال ، أو غيره من القادة الأبطال ، الذين خاضوا المعركة ، وفتح الله على أيديهم !.

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).