أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-4-2020
4011
التاريخ: 9-3-2020
2318
التاريخ: 3-2-2020
4565
التاريخ: 28-4-2020
3189
|
قال تعالى {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ } [يونس: 15 - 17]
ثم أخبر سبحانه عن مشركي قريش فقال { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} المنزلة في القرآن { بَيِّنَاتٍ } أي: واضحات في الحلال والحرام و سائر الشرائع وهي نصب على الحال { قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي: لا يؤمنون بالبعث والنشور فلا يخشون عقابنا ولا يطمعون في ثوابنا { ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} الذي تتلوه علينا { أَوْ بَدِّلْهُ} فاجعله على خلاف ما تقرؤه والفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه وتبديله لا يكون إلا برفعه وقيل معنى قوله { بدله } غير أحكامه من الحلال أو الحرام أرادوا بذلك زوال الخطر عنهم وسقوط الأمر منهم وأن يخلى بينهم وبين ما يريدونه { قل } يا محمد { مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} أي: من جهة نفسي وناحية نفسي ولأنه معجز فلا أقدر على الإتيان بمثله { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} أي: ما أتبع إلا الذي أوحي إلى { إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} في اتباع غيره { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي: يوم القيامة ومن استدل بهذه الآية على أن نسخ القرآن بالسنة لا يجوز فقد أبعد لأنه إذا نسخ القرآن بالسنة وما يقوله النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإنه يقوله بالوحي من الله فلم ينسخ القرآن ولم يبدله من قبل نفسه بل يكون تبديله من قبل الله تعالى و لكن لا يكون قرآنا ويؤيد ذلك قوله { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } { قل } يا محمد { لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } معناه: لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم بأن كان لا ينزله علي { وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} أي: ولا أعلمكم الله به بأن لا ينزله علي فلا أقرؤه عليكم فلا تعلمونه { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} أي: فقد مكثت وأقمت بينكم دهرا طويلا من قبل إنزال القرآن فلم أقرأه عليكم فلا تعلمونه ولا ادعيت نبوة حتى أكرمني الله تعالى به { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أي: أفلا تتفكرون فيه بعقولكم فتعلموا أن المصلحة فيما أنزله الله تعالى دون ما تقرءونه قال علي بن عيسى: العقل هو العلم الذي يمكن به الاستدلال بالشاهد على الغائب والناس يتفاضلون فيه بالأمر المتفاوت فبعضهم أعقل من بعض إذا كان أقدر على الاستدلال من بعض { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ } أي: لا أحد أظلم ممن اخترع على الله { كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} أي: المشركون عن الحسن فإن قيل أ ليس من ادعى الربوبية أعظم ظلما من المدعي للنبوة قلنا إن المراد بقوله { مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} من كفر بالله تعالى فقد دخل فيه من ادعى الربوبية وغيره من أنواع الكفار فكأنه قال لا أحد أظلم من الكافر .
_________________
1- تفسير مجمع البيان ، الطبرسي ،ج5، ص166-167.
{وإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ } . المراد بالذين لا يرجون لقاء اللَّه المشركون . . وكان النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) يحتج عليهم وعلى اليهود والنصارى بالقرآن ، ويجادلهم بالتي هي أحسن ، وكان الجدال بينه وبين المشركين واليهود عنيفا ، لأنهم كانوا أشد الناس عداوة له ، وإعراضا عنه ، وسبق الكلام عن ذلك في العديد من الآيات ، أما النصارى فمنهم من وفد عليه ، ودفع له الجزية كنصارى نجران ، ومنهم من همّ بغزو المدينة ، فقطع النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) الطريق عليهم وغزاهم في أرض الشام .
وكان المشركون يقترحون على النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) ألوانا من جهلهم وعبثهم ، من ذلك ما أشارت إليه الآية 118 من سورة البقرة ، حيث طلبوا من النبي أن يكلمهم اللَّه مشافهة ، أما الآية التي نفسرها فهي تحكي اقتراحهم على رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) أن يأتيهم بقرآن غير هذا في جملته ، أو يحرفه بالتقليم والتطعيم ، لأن هذا القرآن قد آتاهم بدين جديد : فهو يدعو إلى التوحيد والإيمان بالبعث والجزاء ، ويقر مبدأ العدالة والمساواة ، ويلغي الطبقات والامتيازات ، ويحرم الربا والظلم ، وهم يدينون بتعدد الآلهة ، وينكرون البعث ، ويبيحون ما يشتهون ، فطلبوا من محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) أن يأتيهم بقرآن يقرهم على دينهم وتقاليدهم ، أو يحذف من القرآن الذي أتاهم به ما لا يرتضونه - على الأقل - . .
وأي فرق بين هذا الطلب من مشركي الجاهلية ، وبين الكثير من شباب حضارة القرن العشرين الذين يقولون : ولما ذا الدين ، والحلال والحرام ؟ . . أجل ، ان في حضارة المنيجوب والميكروجوب غنى عن كل مبدأ ودين .
{ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } . الرسول ناقل عن اللَّه ، لا مشرع ، تماما كراوي الحديث عن الرسول . وقد جاء في الحديث عنه أنه قال : { من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار } فكيف يكذب هو على اللَّه ؟ . حاشا لصاحب العصمة عن الخطأ والزلل . . وفي الآية تعريض بمن يفتي ويحكم بغير دليل من الشرع ، وفيها أيضا الدليل القاطع على أن النبي ما حكم قط باجتهاده ، وان جميع أحكامه كانت بوحي من اللَّه ، وان من أجاز الاجتهاد عليه فقد قاسه بغيره من الفقهاء . . وبالمناسبة نشير إلى أن الشيعة منعوا الاجتهاد على النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) . واختلف السنة فيما بينهم ، فمنهم من وافق الشيعة ، وكثير منهم أجاز الاجتهاد على النبي .
{ قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ ولا أَدْراكُمْ بِهِ } . وضمير تلوته وبه يعودان إلى القرآن ، والمعنى لو شاء اللَّه إلا يرسلني إليكم لتعلموا وتعملوا بالقرآن ما دعوتكم إليه ، ولكني فعلت ما فعلت تنفيذا لمشيئة اللَّه { فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ } . ان من عاش في قومه أربعين عاما من قبل أن يوحى إليه لم يقرأ فيها كتابا ، ولم يلقن من أحد علما ، ولا بدرت منه أية بادرة يؤاخذ عليها ، بل كانت حياته كلها فضائل ومكرمات ، وصدقا وأمانة حتى سمي الصادق الأمين ، أفلا تعقلون ان من كان هذا شأنه فهو أبعد الناس عن الكذب والافتراء ؟ . .
هذا ، إلى أن حقائق القرآن حجة كافية وافية في الدلالة على صدقه وعظمته .
{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ } . معنى افترى على اللَّه كذبا انه نسب إلى دين اللَّه ما هو بريء منه ، ومعنى كذّب بآياته انه نفى عنه ما هو منه في الصميم ، وهذه هي البدعة التي قال عنها الرسول الأعظم :
{ كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار } { إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ } لأن طريق الفلاح والنجاة هو الصدق والإخلاص ، أما الكذب والافتراء فهو طريق الهلاك والخذلان ، ولا يسلكه إلا شقي مجرم .
_________________
1- تفسير الكاشف، محمد جواد مغنيه، ج4، ص141-143.
احتجاجات يلقنها الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليرد بها ما قالوه في كتاب الله أو في آلهتهم أو اقترحوه في نزول الآية.
قوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} هؤلاء المذكورون في الآية كانوا قوما وثنيين يقدسون الأصنام ويعبدونها، و من سننهم التوغل في المظالم و الآثام واقتراف المعاصي، و القرآن ينهى عن ذلك كله، ويدعو إلى توحيد الله تعالى و رفض الشركاء، وعبادة الله مع التنزه عن الظلم و الفسق واتباع الشهوات.
ومن المعلوم أن كتابا هذا شأنه إذا تليت آياته على قوم ذلك شأنهم لم يكن ليوافق ما تهواه أنفسهم بما يشتمل عليه من الدعوة المخالفة فلو قالوا: ائت بقرآن غير هذا دل على أنهم يقترحون قرآنا لا يشتمل على ما يشتمل عليه هذا القرآن من الدعوة إلى رفض الشركاء واتقاء الفحشاء والمنكر، وإن قالوا: بدل القرآن كان مرادهم تبديل ما يخالف آراءهم من آياته إلى ما يوافقها حتى يقع منهم موقع القبول، و ذلك كالشاعر ينشد من شعره أو القاص يقص القصة فلا تستحسنه طباع السامعين فيقولون: ائت بغيره أو بدله، و في ذلك تنزيل القرآن أنزل مراتب الكلام وهو لهو الحديث الذي إنما يلقى لتلهو به نفس سامعه وتنشط به عواطفه ثم لا يستطيبه السامع فيقول: ائت بغير هذا أو بدله.
فبذلك يظهر أن قولهم إذا تليت عليهم آيات القرآن: {ائت بقرآن غير هذا} يريدون به قرآنا لا يشتمل من المعارف على ما يتضمنه هذا القرآن بأن يترك هذا ويؤتى بذاك، و قولهم: {أو بدله} أن يغير ما فيه من المعارف المخالفة لأهوائهم إلى معان يوافقها مع حفظ أصله فهذا هو الفرق بين الإتيان بغيره و بين تبديله.
فما قيل: إن الفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه و تبديله لا يكون إلا برفعه، غير سديد فإنهم ما كانوا يريدون أن يأتيهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا القرآن و غيره معا قطعا.
وكذا ما ذكره بعضهم أن قولهم: {ائت بقرآن غير هذا أو بدله} إنما أرادوا به أن يمتحنوه بذلك فيغروه حتى إذا أجابهم إلى ذلك كان ذلك نقضا منه لدعوى نفسه أنه كلام الله، و ذلك أنهم لما سمعوا ما بلغهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من آيات القرآن وتلاه عليهم و تحداهم بالإتيان بمثله و عجزوا عن الإتيان بمثله، وكانوا في ريب من كونه كلام الله، وفي ريب من كونه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه و لم يكن يفوقهم في الفصاحة و البلاغة و العلم، بل كانوا يرونه دون كبار فصحائهم و مصاقع خطبائهم أرادوا أن يمتحنوه بهذا القول حتى إذا أتاهم بما سألوه كان ذلك ناقضا لأصل دعواه أنه كلام الله.
وكان قصارى أمره أنه امتاز عليهم بهذا النوع من البيان لقوة نفسية فيه كانت خفية عليهم كأسباب السحر لا بوحي.هذا.
وفيه مضافا إلى مناقضة آخره أوله أنه مدفوع بما يلقنه الله سبحانه من الحجة فإن السؤال الذي لم يصدر إلا بداعي الامتحان والاختبار من غير داع جدي لا معنى للجواب عنه بالإثبات الجدي بحجة جدية وهو ظاهر.
وفي قوله: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} التفات من الخطاب إلى الغيبة، و الظاهر أن النكتة فيه أن يكون توطئة إلى إلقاء الأمر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} إلخ، فإن ذلك لا يتم إلا بصرف الخطاب عنهم وتوجيهه إليه (صلى الله عليه وآله وسلم).
قوله تعالى: { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} إلى آخر الآية التلقاء بكسر التاء مصدر كاللقاء نظير التبيان و البيان ويستعمل ظرفا.
والله سبحانه على ما أجاب عن مقترحهم بقولهم: {ائت بقرآن غير هذا أو بدله} في أثناء كلامه بقوله {بينات} فإن الآيات إذا كانت بينات ظاهرة الاستناد إلى الله سبحانه كشفت كشفا قطعيا عما يريده الله سبحانه منهم من رفض الأصنام و الاجتناب من كل ما لا يرتضيه بما أوحى إلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تفصيل دينه رد سؤالهم إليهم تفصيلا بتلقين نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجة في ذلك بقوله: {قل ما يكون لي} إلى آخر الآيات الثلاث.
فقوله: {قل ما يكون لي أن أبدله} إلخ، جواب عن قولهم: {أو بدله} ومعناه: قل لا أملك - وليس لي بحق - أن أبدله من عند نفسي لأنه ليس بكلامي وإنما هو وحي إلهي أمرني ربي أن أتبعه ولا أتبع غيره، و إنما لا أخالف أمر ربي لأني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم وهو يوم لقائه.
فقوله: {ما يكون لي أن أبدله} نفي الحق و سلب الخيرة، و قوله: { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} في مقام التعليل بالنسبة إلى قوله: {ما يكون لي} وقوله: {إني أخاف إن عصيت ربي} إلخ، في مقام التعليل بالنسبة إلى قوله: {إن أتبع} إلخ، بما يلوح منه أنه مما تعلق به الأمر الإلهي.
وفي قوله: { إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } نوع محاذاة لما في صدر الكلام من قوله: {قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن} إلخ فإن الإتيان بالوصف للإشعار بأن الباعث لهم أن يقولوا ما قالوا إنما هو إنكارهم للمعاد وعدم رجائهم لقاء الله فقابلهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من ربه بقوله: { إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } فيئول المعنى إلى أنكم تسألون ما تسألون لأنكم لا ترجون لقاء الله لكنني لا أشك فيه فلا يمكنني إجابتكم إليه لأني أخاف عذاب يوم اللقاء، وهو يوم عظيم.
وفي تبديل يوم اللقاء بيوم عظيم فائدة الإنذار مضافا إلى أن العذاب لا يناسب اللقاء تلك المناسبة.
قوله تعالى: { قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أدراكم به أي أعلمكم الله به، و العمر بضمتين أو بالفتح فالسكون هو البقاء، و إذا استعمل في القسم كقولهم: لعمري و لعمرك تعين الفتح.
وهذه الآية تتضمن رد الشق الأول من سؤالهم وهو قولهم: {ائت بقرآن غير هذا} ومعناها على ما يساعد عليه السياق: أن الأمر فيه إلى مشية الله لا إلى مشيتي فإنما أنا رسول و لو شاء الله أن ينزل قرآنا غير هذا و لم يشأ هذا القرآن ما تلوته عليكم و لا أدراكم به فإني مكثت فيكم عمرا من قبل نزول القرآن و عشت بينكم و عاشرتكم وعاشرتموني وخالطتكم وخالطتموني فوجدتموني لا خبر عندي من وحي القرآن، ولو كان ذلك إلي و بيدي لبادرت إليه قبل ذلك، وبدت من ذلك آثار ولاحت لوائحه، فليس إلي من الأمر شيء، وإنما الأمر في ذلك إلى مشية الله وقد تعلقت مشيته بهذا القرآن لا غيره أ فلا تعقلون؟.
قوله تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ} استفهام إنكاري أي لا أحد أظلم وأشد إجراما من هذين الفريقين: المفتري على الله كذبا، والمكذب بآياته فإن الظلم يعظم بعظمة من يتعلق به وإذا اختص بجنب الله كان أشد الظلم.
وظاهر سياق الاحتجاج في الآيتين أن هذه الآية من تمامها والمعنى: لا أجيبكم إلى ما اقترحتم علي من الإتيان بقرآن غير هذا أو تبديله فإن ذلك ليس إلي و لا لي حق فيه، ولو أجبتكم إليه لكنت أظلم الناس و أشدهم إجراما و لا يفلح المجرمون فإني لو بدلت القرآن و غيرت بعض مواضعه مما لا ترتضونه لكنت مفتريا على الله كذبا ولا أظلم منه، ولو تركت هذا القرآن وجئتكم بغيره مما ترتضونه لكنت مكذبا لآيات الله، ولا أظلم منه.
وربما احتمل كون الاستفهام الإنكاري بشقيه تعريضا للمشركين أي أنتم أظلم الناس بإثباتكم لله شركاء وهو افتراء الكذب على الله وبتكذيبكم بنبوتي و الآيات النازلة علي وهو تكذيب بآيات الله و لا يفلح المجرمون.
وذكر بعضهم أن الأول من شقي الترديد للنبي على تقدير إجابتهم و الثاني للمشركين، أي لا أحد أظلم عند الله من هذين الفريقين: المفترين على الله والمكذبين بآياته، وأنا أنعى عليكم الثاني منهما فكيف أرضى لنفسي بالأول وهو شر منه؟ وأي فائدة لي من هذا الإجرام العظيم وأنا أريد الإصلاح؟.
والذي ذكره من المعنى لا بأس به في نفسه لكن الشأن في استفادته من الآية و دلالة لفظها عليه، و كذا الوجه السابق عليه بالنظر إلى السياق.
________________
1- تفسير الميزان ، الطباطبائي ، ج10 ، ص20-23.
كتعقيب للآيات السابقة التي كانت تتحدث عن المبدأ والمعاد، تبحث هذه الآيات نفس الموضوع والمسائل المتعلقة به.
في البداية تشير إِلى واحد من الإِشتباهات الكبيرة لعباد الأصنام، وتقول: { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ}.
إِنّ هؤلاء الجهلة العاجزين لم يرضوا بالنّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قائداً ومرشداً لهم، بل كانوا يدعون لاتباع خرافاتهم وأباطيلهم ويطلبون منه قرآناً يوافق انحرافاتهم ويؤيدها، لا أنّه يصلح مجتمعهم، فبالاضافة الى أنّهم لم يؤمنوا بالقيامة، ولم يشعروا بالاثمّ في مقابل أعمالهم كان قولهم هذا يدل على أنّهم لم يفهموا معنى النّبوة، أو أنّهم كانوا يتخذونها هزواً.
إِنّ القرآن الكريم يلفت نظر هؤلاء الى هذا الإِشتباه الكبير، ويأمر النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أن يقول لهم: {قل مايكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي}(2) ثمّ يضيف للتأكيد: {إِن اتبع إلاّ مايوحى إِليّ}. ولست عاجزاً عن تغيير أو تبديل هذا الوحي الإلهي ـ فحسب ـ بل: { إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
ثمّ تتطرق الآية التالية إِلى دليل هذا الموضوع وتقول: قل لهم بأنّي لست مختاراً في هذا الكتاب السماوي: {قل لو شاء الله وما تلوته عليكم ولا أدراكم به}والدليل على ذلك {فقد لبثت فيكم عمراً من قبله} لكنّكم لم تسمعوا منّي مثل هذا الكلام مطلقاً، ولو كانت هذه الآيات من عندي لتحدثت بها لكم خلال هذه الأربعين سنة، فهل لا تدركون أمراً بهذه الدرجة من الوضوح: {أفلا تعقلون}.
وكذلك، ومن أجل التأكيد يضيف: بأنّي أعلم أنّ أقبح أنواع الظلم هو أن يفتري الإِنسان على الله الكذب: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً} وعلى هذا فكيف يمكن أن أرتكب مثل هذا الذنب الكبير ؟ ! .
وكذلك فإِنّ التكذيب بآيات الله سبحانه من أشدّ الكبائر وأعظمها: {أو كذب بآياته} فإِذا كنتم جاهلين بعظمته ما ترتكبونه من الاثمّ في تكذيب وإِنكار آيات الحق، فإِنّي لست بجاهل بها، وعلى كل حال فإِنّ عملكم هذا جرم كبير، و {إنّه لا يفلح الظالمون}.
_________________
1- تفسير الامثل ، مكارم الشيرازي ، ج5، ص 445-446.
2- كلمة (تلقاء)مصدر أو اسم مصدر وجاءت بمعنى المقابلة والمحاذاة، وفي الآية وأمثالها بمعنى الناحية والعندية والجهة، أي إِنني لا أستطيع تغيير ذلك من ناحيتي، أو من عندي.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|